طعن مدني رقم 499-50 ق
طعن مدني رقم 499-50 ق
خلاصة المبدأ
- ما يثبته المحضر من إجراءات تمت بمعرفته تكتسب صفة الرسمية- أثره.
- الهبة الباطلة لعيب في الشكل ترد عليها الإجازة بالتنفيذ الاختياري دون غيره – شرط ذلك.
الحكم
الوقائع
أقام الطاعنون الدعوى رقم 522 لسنة 1998 م أمام محكمة جنوب طرابلس الابتدائية اختصموا فيها المطعون ضدهم وقالوا بيانا لها بأنهم فوجئوا أثناء نظر دعوى تصفية تركة مورث طرفي الخصومة بتقديم المدعى عليهم عقود هبة لصالحهم انصبت على عقارات كانت تحت يدهم لأنهم كانوا يعيشون في كنف المورث وانتهوا إلى طلب الحكم ببطلان عقود الهبة الثلاثة المبينة بصحيفة الدعوى واعتبارها كأن لم تكن. والمحكمة قضت برد وبطلان عقود الهبة الصادرة عن مورث طرفي الخصومة المؤرخة في 1989.5.17، 1990.6.16 والمتضمنة هبة العقارات الواردة فيها لصالح المدعى عليهم استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم أمام محكمة استئناف طرابلس التي قضت بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى.
وهذا هو الحكم المطعون فيه.
الإجراءات
صدر هذا الحكم بتاريخ 2003.3.22 وليس في الأوراق ما يفيد إعلانه وبتاريخ 2003.6.25 قرر محامي الطاعنين الطعن عليه بطريق النقض لدى قلم كتاب المحكمة العليا مسددا الرسم والكفالة مودعا سند وكالته ومذكرة بأسباب طعنه وصورة رسمية من الحكم المطعون فيه وأخرى من الحكم الابتدائي.
وبتاريخ 2003.7.8 أودع أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضدهم الأول والثاني والرابع والسادس والسابع والثامن والتاسع في 2003.7.1 وإلى باقي المطعون ضدهم في 2003.7.5 وبتاريخ 2003.8.4 أودع محامي المطعون ضدهما الخامس والسادس مذكرة بدفاعهما مشفوعة بسند وكالته دفع فيها ببطلان الطعن. وقدمت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها الرأي بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا بالجلسة المحددة لنظره أصرت على رأيها.
الأسباب
حيث محامي المطعون ضدهما الخامس والسادس أسس دفعه ببطلان الطعن على أن المحضر أثبت في محضر إعلان المطعون ضدهم الأول والثاني والرابع والسابع والثامن والتاسع أن الخطاب بالبريد المسجل تم إرساله بتاريخ 2003.7.1 في حين أن قسيمة البريد تفيد أن الإرسال تم في 2003.7.2، كما أثبت المحضر أن الإعلان بالنسبة للمطعون ضده الثالث سلم إلى مركز شرطة المدينة في حين أن موطنه لا يقع في دائرته وأثبت المحضر أن إرسال الخطاب المسجل بالنسبة له ثم يوم 2003.7.7 في حين تفيد قسيمة البريد أن ذلك تم يوم 2003.7.8. وطالما أن الموضوع غير قابل للتجزئة فإن البطلان ينسحب على جميع المطعون ضدهم دون استثناء.
وحيث أن هذا الدفع غير سديد ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على ما يثبته المحضر بورقة الإعلان من إجراءات تمت بمعرفته أو وقعت تحت بصره تكتسب صفة الرسمية من ثم لا يجوز إثبات عكسها إلا بالطعن بالتزوير. فضلاً عن ان الفقرة الثانية من المادة 12 من قانون المرافعات توجب على القائم بالإعلان ان يوجه الخطاب بالبريد المسجل إلى المعلن إليه خلال أربع وعشرين ساعة من تسليم الإعلان إلى أحد الجهات المذكورة في الفقرة الأولي من المادة المذكورة.
لما كان ذلك وكان يبين من محاضر إعلان الطعن إلى المذكورين أعلاه أن المحضر انتقل إلى موطنهم بتاريخ 2003.7.1 وأثبت عدم تواجدهم وقت الإعلان فانتقل بذات التاريخ إلى مركز الأمن الشعبي المحلي شهداء الشط والنوفلين وسلمه التقرير بالطعن مرفقاً بأسبابه وأثبت إرسال الخطاب المسجل في 2003.7.1 الساعة 30:10 صباحاً وحيث التاريـخ المثبت في قسيمة الإيداع وهو 2003.7.2 لا يفيد بطريق اللزوم أن الإرسال تم خارج ميعاد الأربع والعشرين ساعة المنصوص عليها في القانون والذي لا ينتهي إلا بعد الساعة 30:10 من يوم 2003.7.2 وهو أمر لم يقم عليه دليل ولا مصلحة للطاعنين في التمسك به .
كما أن المحضر أثبت بالنسبة للمطعون ضده الثالث (…) أنه انتقل إلى مقر إقامته ولم يجده ولم يجد من يستلم عنه الإعلان فانتقل إلى مركز شرطة المدينة الذي يقع في دائرته المطلوب إعلانه وسلمه صورة التقرير مرفقاً بأسبابه في 2003.7.7 وأثبت أنه قد تم إرسال الخطاب بالبريد في نفس التاريـخ. فإن ما أورده الطاعنان الخامس والسادس لا يكفي في حد ذاته للنيل من صحة إجراءات الإعلان ولا من حجية ما أثبته المحضر من بيانات مادام لم يطعن عليها بالتزوير بالطريق التي رسمها القانون.
وحيث أن الطعن قد استوفي أوضاعه القانونية فإنه يكون مقبولا شكلا.
وحيث ينعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه بالبطلان ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب على النحو التالي: –
- إن الحكم المطعون فيه لم يتناول في أسبابه سوى استئناف واحد ولم يشر إلى الاستئناف الآخر المرفوع من المستأنفين ولم يورد أسباب كل استئناف على حدة ولم يوردهما إلا في المنطوق فقط وحيث إنه لا يجوز رفع استئنافين على حكم واحد الأمر الذي يصم الحكم بالبطلان.
- إن الحكم المطعون فيه قضى بإلغاء الحكم الابتدائي استناداً إلى المادة 478 مدني على اعتبار أن الظروف تفيد أن الواهب قد سلم العقارات موضوع الهبة على الموهوب لهم حال حياته ودلل على ذلك بقيامهم بتسجيلها لصالحهم في حين أن ذلك لا يستقيم مع الواقع لان التسجيل لا يعد دليلا على التنفيذ الاختياري لعقد الهبة الباطلة ناهيك عن أن الواهب طاعن في السن فضلا عن أن العقارات هي قطع أرض في حيازة الموهوب لهم قبل الهبة باعتبارهم مقيمين مع الواهب وبالتالي فإن المبررات لا تصلح سندا لقضاء المحكمة.
كما أن الواهب لم يكن عالماً بأن الهبة باطلة لعيب في الشكل ولم يقم بتنفيذها قصد إجازتها.
- دفع الطاعنون أمام المحكمة المطعون في حكمها بجلسة 2002.2.2 بان الواهب لم يعلم بحقيقة العيب الشكلي الذي لحق عقود الهبة لأنه طاعن في السن وفي حالة مرضية ولم ينفذها باختياره إلا أن المحكمة تجاهلت هذا الدفاع ولم ترد عليه.
- إن المحكمة المطعون في حكمها ألغت حكم محكمة البداية ولم ترد على أسبابه بما يجعل حكمها مشوبا بالقصور في التسبيب.
وحيث أنه عن السبب الأول فهو غير صحيح ذلك أن الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه ومن الصورتين الرسميتين لصحيفتي الاستئناف المودعتين ملف الطعن أن الاستئنافين قد رفعا على ذات الحكم من نفس المستأنفين وبنفس الأسباب وقضت المحكمة بقبولهما شكلا وتناولت أسبابهما باعتبارها سبباً واحداً ، فضلا عن أن سبب الطعن لا يتعلق بالطاعنين حتى مع افتراض صحة هذا السبب ولا مصلحة لهم في التمسك به لتعلقه بالمطعون ضدهم باعتبارهم المستأنفين في الاستئنافين ناهيك عن أن قول الطاعنين بأن رفع أكثر من استئناف واحد على الحكم يبطله لا سند له من القانون بما يكون مع النعي في غير محله .
وحيث ان السببين الثاني والثالث في غير محلهما ذلك أنه وإن كان الأصل في هبة العقار طبقاً للمادة 477 من القانون المدني أن تكون بورقة رسمية حتى تتوافر للواهب الأسباب الجدية في عقد ينزل فيه عن ماله دون مقابل وإلا وقعت باطلة غير أن المشرع خرج عن هذا الأصل العام في حالة التنفيذ الاختياري للهبة بما أورده بنص المادة 478 من ذات القانون والتي تنص على أنه ( إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه) .
ومفاد ذلك أن الهبة الباطلة لعيب في الشكل ترد عليها الإجازة بالتنفيذ الاختياري دون غيره من طرق الاجازة فلا تجوز بالقول أو بالتصرف أو بغير ذلك من طرق التعبير عن الارادة الصريحة أو الضمنية ولكي تنتج هذه الإجازة أثرها يشترط أن يكون الواهب عالماً بأن الهبة باطلة لعيب في الشكل ومع ذلك قام بتنفيذها بتسليم المال الموهوب له قاصداً إجازة الهبة إذ عند ذلك تنقلب الهبة صحيحة رغم أنها لم تكن رسمية.
وإذ كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى إلغاء الحكم المستأنف القاضي برد وبطلان عقود الهبة الصادرة عن مورث طرفي الدعوى تأسيسا أن ( التصرفات الصادرة بهبة هذه العقارات وإن لم تفرغ في القالب الشكلي المحدد قانونا وهو قالب الرسمية إلا أنه وتطبيقا للمادة 478 من القانون المدني وحيث أن ظروف الحال تفيد أن الواهب قد سلم العقارات موضوع الهبة إلى الموهوب لهم ودليل ذلك أن المستأنفين قد سجلوا العقارات لصالحهم كملاك لها بالتسجيل العقاري ومن المعروف أن التسجيل بالسجل العقاري تسبقه إجراءات تحقيق الملكية التي تقتضي الانتقال إلى مكان العقار ولا يتحقق ذلك إلا بحيازة واستلام المستأنفين للعقارات ) .
من ثم فإن الحكم المطعون فيه قد جعل من تسلم الموهوب لهم العقارات حال حياة الواهب ومبادرتهم بتسجيلها لصالحهم بالتسجيل العقاري قرينة على إجازته للهبة وأقام على ذلك كله النتيجة التي انتهي إليها في قضائه / وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى إلغاء الحكم الابتدائي القاضي ببطلان عقود الهبة محل الدعوى تأسيسا على أن الواهب أجاز الهبة بتسليمه العقارات للموهوب لهم مختارا فإنه يكون التزم صحيح القانون.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه وبإلزام الطاعنين بالمصروفات.