أدوات الوصول

Skip to main content

طعن مدني رقم 163/ 46ق

نشر في

طعن مدني رقم 163/ 46ق

خلاصة المبدأ

  1. الشخص المفقود متى يعتبر ميتا، أثر ذلك على التقادم.
  2. إثبات عنصري الخطأ وعلاقة السببية من إطلاقات محكمة الموضوع أساس ذلك.
  3. انتفاء ركن الخطأ وانقطاع رابطة السببية – أثره.

الحكم

الوقائع/ أقام الطاعن الدعوى رقم 53 لسنة 1997ف أمام محكمة غريان الابتدائية على المطعون ضدهم، قائلاً في بيانها: إن ابنه كان يعمل صرافاً لدى مجلس استصلاح وتعمير الأراضي بغريان وهو يتبع المدعى عليهما: الأول، والثاني، وبتاريخ 1980.5.5ف قام بسحب مبلغ 24000 دينار من المصرف صرف منه أجورا للعاملين بقيمة 12000 دينار ثم اختفى منذ ذلك التاريخ مما يرجح مقتله بسبب النقود التي كان يحملها معه بأمر من المدعى عليهما، وبالتالي فهما مسؤولان عن فقدانه لإهمالهما في حراسته، وهو الأمر الذي ألحق به أضراراً مادية ومعنوية، حيث كان ابنه يعول الأسرة وبفقده انقطع مصدر دخلها، وانتهى إلى طلب إلزام المدعى عليهما: الأول، والثاني، في مواجهة بقية المدعى عليهم بدفع مرتبات ابنه من يوم فقدانه، واستمرارها إلى حين إحالته على التقاعد، وبإلزامهما بدفع مبلغ خمسمائة ألف دينار جبراً للضرر الذي لحق به، وقضت المحكمة بإلزام المدعى عليهم: الأول، والثاني، والثالث، والسادس، بصفاتهم بأن يدفعوا متضامنين للمدعي مبلغ ثلاثين ألف دينار تعويضاً له عما أصابه من ضرر مادي وأدبي من جراء فقده لابنه أثناء العمل مع المدعى عليهم، وبإخراج المدعى عليهما الرابع، والخامس، من الدعوى، فاستأنف الطرفان هذا الحكم أمام محكمة استئناف طرابلس التي قضت بقبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى.

وهذا هو الحكم المطعون فيه.

الإجراءات

صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 1998.11.16ف، ولا يوجد بالأوراق ما يفيد إعلانه، وقرر محامي الطاعن الطعن عليه بطريق النقض لدى قلم كتاب المحكمة العليا بتاريخ 1999.3.4ف مسددا الرسم والكفالة، ومودعاً مذكرة بأسباب الطعن، ومذكرة شارحة، وسند وكالته، وصورة رسمية من الحكم المطعون فيه، ثم أودع بتاريخ 1999.3.20 ف أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضدهم في اليوم السابق، وبتاريخ 1999.4.10 ف أودع أحد أعضاء إدارة القضايا مذكرة رادة بدفاع المطعون ضدهم، وقدمت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها رأيها بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت على رأيها.

الأسباب

حيث إن الطعن استوفى أوضاعه المقررة في القانون، فإنه يكون مقبول شكلا.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب من الوجوه الآتية:

  1. إن الحكم نفى المسؤولية عن المطعون ضدهم رغم أنهم السبب المباشر في هلاك ابن الطاعن لأنهم لم يوفروا له حراسة، ولم يزودوه بسلاح الحماية نفسه والمال العام، وكلفوه بعمل خطير وهو موظف صغير وشاب قليل الخبرة بشؤون الحياة.
  2. إن الحكم اعتمد على التقادم رغم عدم سريانه على الواقعة. 
  3. إن الحكم نفى المسؤولية عن أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل والأمن العام، مع أن أجهزة الشرطة تابعة له وقد أهملت الأجهزة المذكورة في متابعة الشخص الذي قتل ابن الطاعن.
  4. إن الحكم انتهى إلى تحميل الضحية المسؤولية بلا مبرر، بقوله إنه كان عليه أن يضع النقود في خزانة العمل، رغم أنه لم يثبت أن هناك خزانة تخصه، وأنه مكلف بإحضارالنقود من المصرف لوحده وتوزيعها على العمال بمزارعهم الخاصة دون حراسة.
  5. إن الحكم لم يرد على الدفوع الواردة بمذكرة الطاعن أمام محكمة الاستئناف التي تضمنت عدة دفوع من بينها نفي الخطأ عن الضحية وإثباتها ضد المدعى عليهم.

وحيث إن ما ينعاه الطاعن في وجوه الطعن الأول، والثالث، والرابع، والخامس، غير سديد، ذلك أن مؤدى نص المادة 166 من القانون المدني أن المسؤولية التقصيرية مثلها مثل المسؤولية العقدية لها أركان ثلاثة هي: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بينهما، وهذا يقتضي أن الخطأ يجب أن يكون هو السبب في الضرر حتى تترتب على المسؤولية آثارها، فإذا انعدمت السببية لقيام سبب أجنبي كان الشخص غير ملزم بتعويض الضرر، وهو ما نصت عليه المادة 168 من القانون المدني بقولها: (( إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجني لا يد له فيه كحادث فجائي أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ما لم يوجد نص أو اتفاق على غير ذلك ))، وذلك لأن السبب الأجنبي يعدم السببية ويعدم في الوقت ذاته نسبة الخطأ إلى المسؤول.

وحيث إن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بنفي الخطأ عن الجهات الإدارية المطعون ضدها على سند من القول بأن الصراف المجني عليه ( ابن الطاعن ( هو الذي خالف النظم واللوائح المالية لاحتفاظه بالمبالغ المتبقية بحوزته وعدم إيداعها في الخزانة المخصصة ذلك، وأخذها معه خارج مقر المشروع دون موافقة أو علم إدارة المشروع وبذلك يكون الخطأ من جانبه وليس من جانب إدارة المشروع، كما جاء بالحكم أيضاً أن المجني عليه سحب مبلغاً مالياً وأحضره إلى مقر المشروع، وصرف منه مبلغاً يجاوز النصف، والباقي لم يقم بإيداعه في خزانة المشروع المعدة لذلك لصرف بقية مرتبات العاملين بالمشروع، ولذلك فإن الفعل لم يقع على المجني عليه أثناء سحبه المبالغ المالية من المصرف أو أثناء إيداعها خزانة المشروع، وإنما بعد نقله لهذه المبالغ المالية خارج نطاق المشروع.

وحيث إن مؤدى ما تقدم أنه حتى بافتراض تقصير الجهات الإدارية في توفير الحراسة لابن الطاعن وتسليحه عند قيامه بإحضار المبالغ المالية من المصرف أو أثناء توزيعها على العاملين أو خلال تواجده بالمشروع – فإن هذا التقصير منبت الصلة بالحادث الذي تعرض له، لما أثبته الحكم من وقوع ذلك الحادث بعد أن أخذ المجني عليه تلك المبالغ عليه من خارج مقر المشروع دون أن يقوم بإيداعها في الخزانة المخصصة، لذلك والتي أثبت الحكم وجودها بمقر المشروع الذي يعمل به الصراف المجني خلال اللجنة التي تم تشكيلها لتتولى إجراءات فتحها وجرد محتوياتها نتيجة لغيابه

لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن تقدير الوقائع وإثبات عنصر الخطأ، وعلاقة السببية بينه وبين الضرر، وتحديد المسؤول عن الحادث موكول إلى محكمة الموضوع دون معقب، طالما أقامت قضاءها على ما يحمله من واقع ظروفها ومستنداتها، وكان الحكم المطعون فيه قد حدد سبب الضرر الذي لحق المجني عليه في الخطأ الذي صدر عنه، وخلص من ذلك إلى انتفاء مسؤولية الجهات الإدارية المطعون ضدها، وذلك بناءً على أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، فإن ما ينعى به الطاعن في أوجه طعنه المشار إليه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً بما يجعله خليقا بالرفض.

وحيث إن الوجه الثاني بدوره في غير محله، ذلك أن الثابت من الحكم المطعون فيه أن الجهات المطعون ضدها أثارت دفعا بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم استنادا إلى أن واقعة فقدان ابن المستأنف حصلت بتاريخ 1980.5.6 وتبين قتله في ذلك اليوم، وهو تاريخ العمل غير المشروع، وأن الدعوى رفعت بتاريخ 1997.2.6 أي بعد سبعة عشر عاما تقريبا من وقوع الفعل غير المشروع، وبالتالي فإنها تكون قد رفعت بعد سقوط الحق في رفعها بالتقادم.

وحيث إن الحكم المطعون فيه – كما يبين من مدوناته – انتهى إلى رفض هذا الدفع استنادا إلى أنه جاء مرسلا في عبارة عامة لأن المجني عليه من تاريخ الواقعة حتى سنة 1987 يعتبر مفقوداً، ولا يمكن اعتباره ميتاً إلا من تاريخ تحقق ذلك، لأن المفقود يعتبر غائباً إلى أن يصدر حكم بموته أو خلاف ذلك، الأمر الذي تكون معه الدعوى قد رفعت في الميعاد.

لما كان ذلك، وكان الحكم قد قضى برفض الدفع بالتقادم، وقضى برفض الدعوى استنادا إلى انتفاء عنصر الخطأ في جانب الجهات المطعون ضدها، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه من أن الحكم اعتمد على التقادم رغم عدم سريانه على الواقعة لا يكون صحيحا، ويتعين لذلك رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه و بالزام الطاعن بالمصروفات.