طعن مدني رقم 27/ 46ق
طعن مدني رقم 27/ 46ق
خلاصة المبدأ
بناء الحكم على وجهة نظر خصم واحد وبحث أدلته ومستنداته دون النظر إلى دفوع الطرف الآخر وبحث مستنداته والرد عليها – أثره.
الحكم
الوقائع/ أقام المطعون ضده الأول الدعوى رقم 93/179 أمام محكمة طرابلس الابتدائية ضد الطاعن وآخرين بصفاتهم، قال شرحا لها: إنه يملك جواداً للسباق وخلال شهر ناصر 1991 طلبه الطاعن منه لغرض المشاركة به في السباق بمناسبة زفاف أحد أصدقائه مع بقية الفرسان، ونظرا للعلاقة الوطيدة بينهما سلمه الجواد لاستخدامه في تلك المناسبة دون غيرها، على سبيل الإعارة، إلا أنه ظهر عليه بمظهر المالك، ورفض رده له، وخلص إلى طلب إلزام المدعى عليه الأول ( الطاعن ) بأن يدفع له مبلغ خمسين ألف دينار تعويضا له عما فاته من كسب وما لحقه من خسارة، وإلزام المدعى عليهما: الأول، والثاني، برد العارية ( الجواد ) موضوع الدعوى، وأثناء نظر الدعوى قدم الطاعن دعوى مقابلة قال فيها: إنه بتاريخ 1991.7.26 اشترى جوادا من المدعي ( المطعون ضده الأول ) بمبلغ قدره ثلاثة آلاف دينار، وتم تسليم الجواد له، وأقام لذلك وليمة حضرها عدد من المدعوين من بينهم المدعي، وقد بارك له الجميع شراء الجواد، وعرض على المدعي دفع الثمن في الأول غير أنه مجاملة عزف عن تسلمه وأجل ذلك لمناسبة أخرى، ولكنه تراجع عن إتمام عملية البيع، وخلص إلى طلب رفض الدعوى الأصلية، ورد الجواد موضوع الدعوى حيث تم إيداعه في مدرسة الفروسية بأمر من النيابة العامة، وبإلزام المدعى عليه في الدعوى المقابلة بدفع مبلغ خمسين ألف دينار تعويضا عن الأضرار المادية والمعنوية، والمحكمة قضت فيهما / أولا: بإخراج المدعى عليه الثاني بصفته من الدعويين، ثانيا: بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليهما: الثالث، والرابع، ثالثا: برفض الدعويين الأصلية والمقابلة وإلزام كل مدع مصاريف دعواه.
استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف طرابلس بالاستئناف رقم 41/68 ق، كما استأنفه المطعون ضده بالاستئناف رقم304/41 ق، والمحكمة قضت فيهما بما يلي:-
أولا: في الاستئناف رقم 41/304 ق بإلغاء الحكم المستأنف فيما يتعلق بالدعوى الأصلية، وبإلزام المدعى عليه الأول فيها وفي مواجهة المدعى عليهما الثاني، والثالث، ( المستأنف عليهما ) برد العارية ( الجواد ) لصاحبه المدعي وبإلزامه أيضا بأن يدفع له مبلغا قدره ألفا دينار تعويضا شاملا للأضرار التي حلت به.
ثانيا: في الاستئناف رقم 41/68 في برفضه وإلزام رافعه بالمصاريف.
ثالثا: برفض الاستثنافين وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك رابعا: بالزام المستأنف عليه الأول في الاستئناف رقم 41/304 بالمصاريف عن الدرجتين.
وهذا هو الحكم المطعون فيه.
الإجراءات
صدر هذا الحكم بتاريخ 1998.5.31 ف، ولا يوجد في الأوراق ما يفيد إعلانه، وبتاريخ 1998.10.21 قرر محامي الطاعن الطعن فيه بطريق النقض أمام قلم كتاب المحكمة العليا، مسددا الرسم، ومودعا الكفالة والوكالة، ومذكرة بأسباب الطعن، وأخرى شارحة، وصورة رسمية من الحكم المطعون فيه وأخرى من الحكم الابتدائي، وحافظة مستندات، وبتاريخ 1998.11.5 أودع أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضدهما: الأول بتاريخ 1998.11.1، والثاني بتاريخ 1998.11.3، وقدمت نيابة النقض مذكرة ناقشت فيها أسباب الطعن وأبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وفي الجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت على رأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلاً. وحيث إن مما ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أنه أسس قضاءه على أن الطاعن قد أقر بملكية المطعون ضده للجواد – موضوع النزاع – وأنه أخفق في إقامة الدليل على ملكيته له، وهذا يخالف نص المادة 424 من القانون المدني، لأن البيع هو عقد رضائي لا يشترط فيه القانون شكلاً خاصاً فيتم بمجرد انعقاده، وبيع المنقول يتم بمجرد التسليم، والطاعن كان يحوز الجواد قبل أن تأمر النيابة العامة بإيداعه مدرسة الفروسية، وقدم للمحكمة الحكم الجنائي الذي قضى ببراءته من تهمة النصب وخيانة الأمانة وما يفيد عرض ثمن الحصان على المطعون ضده وإيداع الثمن في خزانة المحكمة، ولكن المحكمة المطعون في حكمها لم تنظر هذه المستندات أو ترد عليها.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المادة 424 من القانون المدني تنص على أن ( 1 يكون التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق ولو لم يستول عليه استيلاء مادياً ما دام البائع قد أعلمه بذلك، ويحصل هذا التسليم على النحو الذي يتفق المبيع مع طبيعة، 2- ويجوز أن يتم التسليم بمجرد تراضي المتعاقدين إذا كان المبيع في حيازة المشتري قبل البيع، أو كان البائع قد استبقى المبيع في حيازته بعد البيع لسبب آخر غير الملكية )، ومقتضى هذا النص أن يكون تسليم المبيع فعلياً بوضعه تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون عائق، ويكون في المنقول بوضعه تحت تصرف المشتري أو بمناولته إياه يداً بيد، ويقوم التسليم الحكمي مقام التسليم الفعلي فقد يكون المبيع في يد المشتري قبل البيع بإجارة أو إعارة أو وديعة أو رهن حيازة ثم يقع البيع فيكون المشتري حائزا فعلا للمبيع وقت صدور البيع ولا يحتاج إلى تسليم جديد، أو أن يبقى المبيع في يد البائع مع تغيير صفته بعد البيع من مالك إلى حائز بسبب آخر، وفي جميع الأحوال يتم تسليم المبيع بالطريقة التي تتفق مع طبيعة الشيء المبيع وهو من المسائل الواقعية التي يستقل بها قاضي الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض.
لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن كان يحوز الجواد محل النزاع قبل أن تأمر النيابة العامة بإيداعه في مدرسة الفروسية، وقدم أمام محكمة أول درجة الحكم الجنائي الصادر من محكمة العزيزية الجزئية ببراءته من تهمة النصب وخيانة الأمانة، كما قدم ما يفيد عرض ثمن الجواد على المطعون ضده وإيداع ثمن البيع في خزانة المحكمة بتاريخ 1992.2.23ف، وذلك قبل أن يرفع المطعون ضده الدعوى أمام المحكمة الابتدائية،وكان الحكم المطعون فيه أسس قضاءه على سند من القول، ( وحيث إنه يبين مما تقدم أن المدعي في الدعوى الأصلية ( المطعون ضده ) محق في دعواه إذ أثبت من شهادة الشهود أن الجواد سلم للمدعى عليه لأجل تدريبه، ولكنه حين رأى فيه ميزات رغب في شرائه بأي ثمن، وذهب صحبة الشاهد الثاني إلى المدعي عارضاً عليه الثمن الذي يرضيه ولكن مالك الجواد أفصح عن عدم رغبته في البيع علاوة على أن المدعى في الدعوى المقابلة لم يثبت واقعة البيع بأي وسيلة من وسائل الإثبات الأمر الذي يجعله عاجزاً عن إثبات دعواه، ولذلك تكون عارية عن الدليل الذي يسندها )، فإن ذلك يدل على أن المحكمة اقتصرت على تناول الأدلة التي قدمها المطعون ضده واعتبرتها كافية لتكوين عقيدتها دون بحث المستندات والأدلة التي قدمها الطاعن أو تناقشها وترد عليها، وأنها بحثت الأمر من خلال دفاع طرف واحد دون تناول دفاع الطرف الآخر، فيكون حكمها قاصراً في أسبابه مما يجب معه نقض الحكم دون حاجة إلى مناقشة باقي أسباب الطعن.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وبإحالة القضية إلى محكمة استئناف طرابلس للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى، وبإلزام المطعون ضده بالمصروفات.