طعن مدني رقم 319-47 ق
طعن مدني رقم 319-47 ق
خلاصة المبدأ
- التناقض الذي يعيب الحكم.
- نزع الملكية للمنفعة العامة تتقادم المطالبة بالتعويض عنه بمضي 15 سنة أساس ذلك.
الحكم
الوقائع
أقام المطعون ضده الدعوى رقم 52/93 ف أمام محكمة سوق الخميس الجزئية اختصم فيها الطاعنين بصفاتهم قائلا في بيانها :- إن المدعي عليهم قد اعتدوا على مزرعته المبينة الحدود، والمعالم بصحيفة الدعوى بان شقوا بها طريقا، وحفروا فيها بئرا لأجل مد أهالي المنطقة بمياه الشرب، ونقلها إليهم عبر مزرعته مما ألحق بها ضررا، وبالبئر الخاصة بها، وطلب الحكم له بإلزام المدعى عليهم بصفاتهم متضامنين بدفع مبلغ سبعين ألف دينار، تعويضا عن الضررين المادي والمعنوي ومبلغ ألف دينار شهريا مقابل استغلالهم لهذه البئر اعتبارا من بداية شهر أي النار 1992 ف، وحتى تاريخ رفعه لهذه الدعوى، و بردم البئر، وإعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء … قضت المحكمة بإلزام المدعى عليهم بصفاتهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعي مبلغ واحد وخمسين ألف دينار تعويضا شاملا عن الأضرار التي لحقت به، وبرد الحالة إلى ما كانت عليه.
استأنف المطعون ضده هذا الحكم بالاستئناف رقم 21/1999 ف أمام محكمة الخمس الابتدائية كما استأنفه الطاعنون بصفاتهم استئنافا شفويا أمام ذات المحكمة التي قضت بهيئة استئنافية بقبول الاستئنافين شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وبإلزام المدعى عليهم بصفاتهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعي مبلغ عشرة آلاف دينار تعويضا شاملا عن الأضرار التي لحقته، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
وهذا هو الحكم المطعون فيه.
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 1999.12.29 ف، وأعلن في 2000.4.27 ف وبتاريخ 2000.5.23 ف قرر أحد أعضاء إدارة القضايا الطعن فيه بطريق النقض بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة العليا نيابة عن الطاعنين بصفاتهم مودعا مذكرة بأسباب الطعن، وأخرى شارحة، وصورة رسمية من الحكم المطعون فيه، ومن الحكم الابتدائي، ومستندات أخرى، وبتاريخ 2000.6.7 ف أودع أصل ورقة إعلان الطعن معلنة للمطعون ضده في 2000.6.4 ف، قدمت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها الرأي بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت على رأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلا.
وحيث ينعى الطاعنون بصفاتهم على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال من الوجوه الآتية:
- مناقضة أسباب الحكم المطعون فيه لمنطوقه / ذلك أنه يبين للمطلع على أسباب الحكم أن المحكمة التي أصدرته قد أشارت إلى ما استخلصته من مستندات الطاعنين، وإقرار المطعون ضده من أن البئر موضوع الدعوى محفورة منذ عام 1979 ف في أرض منزوع ملكيتها للمنفعة العامة، وفقا لإجراءات قانونية صحيحة، وهو ما يؤدي إلى غير ما انتهى إليه الحكم في منطوقه.
- قضى الحكم المطعون فيه بتعويض المطعون ضده تأسيسا على أنه قد لحقه ضرر من فتح طريق تمر من أرضه إلى البئر التي أنشئت لمد أهالي المنطقة بمياه الشرب وفقا لما جاء في تقرير الخبير المنتدب في الدعوى رغم أن الطاعنين بصفاتهم دفعوا أمام المحكمة المطعون في قضاءها بأن الأرض التي أنشئت فيها البئر قد نزعت ملكيتها للمنفعة العامة، ، وبأنه لا يمكن الوصول إلى تلك البئر إلا من أرض المطعون ضده إلا أن المحكمة لم ترد على هذا الدفع.
- دفع الطاعنون بصفاتهم أمام المحكمة المطعون في قضائها بأن حق المطعون ضده في رفع الدعوى قد سقط بالتقادم، وذلك بمضي حوالي واحد وعشرين عاما، ولم يعترض المطعون ضده على الطريق التي فتحت في أرضه للوصول إلى البئر المشار إليها إلا أن المحكمة لم ترد على هذا الدفع بما يتفق وصحيح القانون.
- قضت المحكمة المطعون في حكمها بتعويض المطعون ضده عما أصابه من ألم، وشعور بالحزن رغم أنه لا يوجد أي أساس لهذا التعويض.
وحيث إن الوجه الأول، والثاني، والرابع من النعي في غير محلها ذلك ان التناقض المعيب للحكم، وعلى ما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة هو ما يكون واقعا بأسبابه فيسقطها بحيث لا يبقى منها شئ يمكن أن يعتبر قواما لمنطوقه، او كانت مناقضة له مناقضة تامة.
لما كان ذلك، وكان الواقع في الدعوى ان المطعون ضده قد أقامها بطلب إلزام الطاعنين بصفاتهم بان يدفعوا له مبلغ سبعين ألف دينار تعويضا عما لحقه من ضرر مادي، ومعنوي جراء قيامهم بحفر بئر عامة في مزرعته وشق طريق بها لأجل مد أهالي المنطقة بمياه الشرب، ونقلها إليهم عبر مزرعته مما نتج عنه انخفاض في نسبة المياه التي كانت تنتجها بئره الخاصة بها.. قضت المحكمة بإلزام الطاعنين بصفاتهم بأن يدفعوا للمطعون ضده مبلغ واحد وخمسين ألف دينار تعويضا شاملا عن الأضرار المادية والمعنوية وبرد الحالة إلى ما كانت عليه.
استأنف الطاعنون، والمطعون ضده هذا الحكم أمام محكمة الخمس الابتدائية التي قضت بإلغاء الحكم المستأنف، وبإلزام الطاعنين بصفاتهم بأن يدفعوا للمطعون ضده مبلغ عشرة آلاف دينار تعويضا شاملا عن الأضرار التي لحقته، ورفضت ماعدا ذلك من طلبات.
وبالرجوع إلى مدونات الحكم المطعون فيه يبين منها أنه بين طلبات المطعون ضده التي رفضت الدعوى بشأنها وهي المتمثلة في التعويض عن المساحة المكانية محل إنشاء البئر، وعما لحق بئره الخاصة من نقص في القيمة الإنتاجية للمياه، ودفع قيمة استغلال البئر موضوع الدعوى خلال الفترة من أي النار 1992 م وحتى تاريخ رفع الدعوى، ورد الحالة إلى ما كانت عليه، وذلك بردم البئر سالفة الذكر … ثم بين الطلب الذي فصل فيه للمطعون ضده، وقد حدده بانه المتعلق بشق طريق في مزرعته للوصول منها إلى البئر العامة ونقل المياه إلى المواطنين عبرها والتي شغلت مساحة من مزرعته دون ان يتم تعويضه عنها، وقضى بمبلغ عشرة آلاف دينار بواقع ستة آلاف وخمسمائة دينار عن الضرر المادي، وثلاثة آلاف وخمسمائة دينار عن الضرر المعنوي مؤسسا قضاءه على سند من القول: (… ترى المحكمة تعويض … المستأنف ” المطعون ضده ” عما لحقه من أضرار مادية التي تتمثل فقط في المساحة المستغلة كطريق من مزرعته من قبل الجهات العامة ” المستأنف ضدها ” والتي أثبتها الخبير في تقريره، وقدر التعويض عنها بمبلغ ستة آلاف وخمسمائة دينار، وهو أولى بتقدير هذا التعويض عن هذا النوع من الضرر لأنه يخضع للخبرة الفنية التي هي من صميم عمله، وهو ما لم ينكر عليه دفاع المتدخل في الدعوى … كما ان المستأنف ” المطعون ضده ” لحقته أضرار معنوية متمثلة في الألم والحزن وهو يرى مزعته قد شقت بها طريق طويل المسافة، وهو ما يحز في نفسه خاصة عندما يقارنها بالمزارع الأخرى من حوله … وما يسببه مرور المركبات وغيرها من مضايقات نفسية، ومن ثم فإن المحكمة تقدر التعويض عن هذا الضرر بمبلغ ثلاثة آلاف، وخمسمائة دينار..)فإن ما أورده الحكم المطعون فيه على نحو ما تقدم لا ينطوي على عيب مناقضة أسبابه لمنطوقه، او التفاته عن دفع لم يرد عليه، وكان قضاؤه بالتعويض عن الضرر المعنوي مؤسسا على أسباب سائغة تقوى على النتيجة التي انتهى إليها.
بما يضحى النعي عليه من هذه الوجوه على غير أساس متعين الرفض … وحيث إن الوجه الثالث مردود / ذلك ان المادة 361 من القانون المدني تنص على أن:(تتقادم دعوى المطالبة بالالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا – الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون …)، ومفاد ذلك أن الأصل العام في دعوى المطالبة بالالتزام أن تتقادم بانقضاء خمس عشرة سنة، وكان ما يرمي إليه المشرع هو حث صاحب الحق على المطالبة به خلال المدة المعينة التي حددها القانون دون انقطاع، وإذا لم يقم بذلك فإنه يعاقب عن إهماله بسقوط حقه فيما عدا الحالات التي ورد بها نص خاص بالقانون، أو الاستثناءات الواردة في التقادم الخمسي، و الثلاثي، و السنوي.
وحيث إن تقرير المنفعة العامة لمشروعات المرافق، وأيلولة العقارات اللازمة لذلك إلى الدولة أمر جائز وفقا لقانون التطوير العمراني رقم 116/1972م بشرط أن يتم ذلك بمقابل تعويض وفقا للأحكام والإجراءات المنصوص عليها في الباب الرابع من القانون المذكور، ومؤدى ذلك أن يكون مصدر التزام الجهة النازعة للملكية بتعويض أصحاب العقارات هو القانون سواء التزمت تلك الجهة بالإجراءات التي رسمها القانون، او التفتت عنها ؛ إذ ان نزع الملكية دون اتخاذ الإجراءات القانونية يؤدي إلى الاستيلاء على عقار صاحب الشأن ونقل حيازته إلى الدولة التي تخصصه للمنفعة العامة، ويتفق في غايته مع نزع الملكية باتخاذ الإجراءات القانونية، ومن ثم يستحق ذووا الشأن جميع ما يرتبه القانون من حقوق بما في ذلك الحق في التعويض بما يعادل ثمن العقار، ويتقادم هذا الحق بمضي خمس عشرة سنة من تاريخ الاستحقاق.
لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لسقوط الحق في رفعها بالتقادم المبدى من الطاعنين بصفاتهم بناء على قوله (فإن الدعوى الراهنة، والحق في رفعها يسقط بالتقادم الطويل الأجل الذي مدته خمس عشرة سنة، وليس بالتقادم الذي مدته ثلاث سنوات … وحيث إنه باحتساب المدة من إنشاء البئر العامة وشق طريق لها في مزرعة المطعون ضده خلال سنة 1979 م، وإلى رفع الدعوى خلال سنة 1993 م يتبين أنه لم تمر على تاريخ حفر البئر، وشق الطريق لها، ورفع الدعوى مدة السقوط الطويلة …) فإن ما انتهى إليه الحكم على النحو المتقدم في شأن هذا الدفع يتفق وصحيح القانون بما يتعين معه رفض النعي من هذا الوجه.
وحيث إنه لكل ما تقدم فإن الطعن يكون مقاما على غير أساس متعين الرفض.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه.