أدوات الوصول

Skip to main content

طعن جنائي رقم 903-52 ق

نشر في

طعن جنائي رقم 903-52 ق

خلاصة المبدأ

  1. شروط قيام جريمة استلام أشياء مسروقة أو محصلة من جناية أو جنحة.
  2. تقدير الاعتراف يخضع لسلطة محكمة الموضوع.
  3. انتهاء الحكم إلى عدم توفر شروط حد السرقة – اعتبار إنكار المتهم أمام محكمة شبهة تدرأ الحد لا يعيبه – أساس ذلك.
  4. قضاء حكم بالإدانة في جرائم السرقة بموجب أحكام قانون العقوبات دون أحكام قانون إقامة حدي السرقة والحرابة الذي لم تتوفر شروطه – صحيح في القانون.
  5. تقدير قوة الخبرة التدليلية تخضع لسلطة محكمة الموضوع.

الحكم 

الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من: 

  1. …. 2-…. 3-…. 4-…. 5-….

بأنهم قبل تاريخ 14-12-2002 بدائرة مركز شرطة زليتن:

  • المتهم الثاني وحده:
  1. بوصفه عاقل أتم ثماني عشرة سنة ميلادية مختارا غير مضطر أخذ خفية مالا منقولا تزيد قيمته عن قيمة المعاش الأساسي، وذلك بأن سرق المركبة الالية المبينة نوعا ووصفا بالمحضر والمملوكة للمجني عليه على النحو المبين بالأوراق.
  2. وبذلك الوصف سرق المركبة الآلية الموصوفة بالأوراق المملوكة للمجني عليه.
  3. شرب خمرا خالصة على النحو المبين بالأوراق.
  4. المتهمان الثاني والثالث معا: اختلسا منقولا مملوكا للغير باستعمال العنف ضد الأشياء، وذلك بأن سرقا المركبة الالية المبينة نوعا ووصفا بالمحضر والمملوكة للمجني عليه، وذلك بأن قطعا أسلاك الكهرباء (الكوادرو) ، وحالة كون المتهم الثالث أتم الرابعة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة وعلى النحو الثابت بالأوراق.
  5. اختلسا المركبة الالية المملوكة للمجني عليه حالة كون الثالث أتم الرابعة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة وعلى النحو الثابت بالأوراق.
  6. اختلسا منقولا مملوكا للغير، ووقعت السرقة على منقول موجود فى منشأة عامة ، وذلك بأن سرقا منظومة الاذاعة المبينة نوعا ووصفا بالمحضر من 

معهد كادوش للمهن الميكانيكية، حالة كون الثالث أتم الرابعة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة وعلى النحو الثابت بالأوراق.

  • المتهمون الأول والثاني والثالث:
  1. اختلسوا ليلا في طريق عام خارج المدن ( ديلمو وموطورينو وبومبا نفط ) من شاحنة المجني عليه حالة كونهم ثلاثة أشخاص ، وحالة كون الثالث أتم الرابعة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة.
  2. وبذات الوصف المذكور أعلاه سرقوا ((موطوربينو وديلمو)) من آلة كاتربيل المملوكة للمجني عليه.
  3. اختلسوا ليلا ثلاثة مفاتيح كهربائية من مزرعة المجني عليه حالة كونهم ثلاثة أشخاص وحالة كون الثالث اتم الرابعة عشرة ولم يبلغ الثامنة، عشرة وعلى النحو الثابت بالأوراق.
  4. اختلسوا ليلا وباستعمال العنف ضد الاشياء مفاتيح زيت كهربائية من مزرعة المجني عليه، وذلك بأن قطعوا الاسلاك المتصلة بالمفاتيح حالة كونهم ثلاثة أشخاص وثالتهم اتم الرابعة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة.
  5. وبذات الوصف المبين أعلاه سرقوا مفتاح زيت كهربائي من مزرعة المجني عليه….
  6. وبذات الوصف المذكور سرقوا مفتاح زيت كهربائي من مزرعة المجني عليه ….
  7. وبذات الوصف سرقوا مقص حديد (طرانشة) وثلاث قواعد حديدية من محطة وقود تحت الانشاء مملوكة للمجني عليه ….
  • المتهم الثالث وحده:

سرق منقولا موجودا فى منشأة عامة ، وذلك بأن سرق عدة مفاتيح للفك من معهد كادوش للمهن الميكانيكية حالة كونه أتم الرابعة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة وقت ارتكاب الجريمة. المتهمان الأول والثاني معا:-

شرعا ليلا فى سرقة منقول مملوك للغير فى طريق عام خارج المدن والقرى ، وذلك بأن شرعا فى سرقة الشاحنة المملوكة المجني عليه ، وخاب أثر الجريمة لأسباب لا دخل لإرادتهما فيها إذ خرج لهما الخفير من الشاحنة مما منعهم من القيام بالسرقة وعلى النحو المبين بالأوراق.

  • المتهم الرابع وحده:

اشترى أشياء يشتبه من وصفها وثمنها أنها محصلة من جريمة دون أن يتحقق من مشروعية مصدرها ، وذلك بأن قام بشراء مسروقات من المتهم الثاني على النحو المبين بالأوراق.

  •  المتهم الخامس وحده:

1-اشترى أشياء يشتبه من حالة عرضها أنها محصلة من جريمة دون التحقق من مشروعية مصدرها ، بأن قام بشراء مسروقات من المتهم الرابع على النحو المبين بالأوراق.

18) 2- بالوصف السابق استلم مسروقات من المتهم الثاني.

19) قاد المركبة الالية الموصوفة بالأوراق ولم يحمل معه أثناء قيادته لها ترخيص المركبة ورخصة القيادة على النحو المبين بالأوراق.

وطلبت النيابة العامة من غرفة الاتهام إحالة المتهمين الى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 1،2 ،3، 8، 9 من القانون رقم 13/1425 المعدل بالقانون رقم 10/1369 بشأن إقامة حدى السرقة والحرابة، والمادة 4 من القانون رقم 4/1423 بشأن تحريم الخمر المعدل بالقانون رقم 20/1425، والمواد 59، 444، 446/أولا البنود 2،43 وثانيا بندى 3-5،4447/1-2 ، 505/1 عقوبات والمادة 64 من القانون رقم 11/1984 بشأن المرور والمادة 58 من 

القرار رقم 247 /1423 بشأن تحديد أحكام وقواعد المرور فقررت الغرفة ذلك ومحكمة استئناف مصراتة، دائرة جنايات زليتن ، نظرت الدعوى وقضت حضوريا للأول والثاني والثالث وغيابيا للرابع والخامس:-

  • أولا: ببراءة المتهمين الأول والرابع والخامس مما نسب إليهم.
  • ثانيا: بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل وتغريمه عشرين دينارا عن كل تهمة من التهمة الرابعة والخامسة والسادسة وببراءته من بقية التهم المسندة اليه.
  • ثالثا: بمعاقبة الثالث بالحبس ثلاثة أشهر وتغريمه خمسة دنانير عن كل تهمة من التهم الرابعة والخامسة والسادسة وأعفت المتهمين من المصاريف الجنائية 

وهذا هو الحكم المطعون فيه 

الإجراءات

بتاريخ 11-4-2005 صدر الحكم المطعون فيه وبتاريخ 13-4-20-5 قرر المحكوم عليه الطعن بالنقض بتقرير أمام ضابط السجن المختص وأناب إدارة المحاماة الشعبية فى الدفاع عنه فأودع أحد محامى تلك الادارة مذكرة بأسباب الطعن موقعة منه بتاريخ 9-6-2005 لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم.

وبتاريخ 12-6-2005 قرر نائب النيابة بمكتب المحامى العام بمصراته الطعن بالنقض بتقرير لدى القلم المشار إليه، وأودع لديه بذات التاريخ مذكرة موقعة منه بأسباب الطعن.

قدمت نيابة النقض مذكرة انتهت فيها الى الرأي بقبول طعن المحكوم عليه شكلا ورفضه موضوعا ، وبعدم قبول طعن النيابة العامة شكلا.

حددت جلسة 6-2-2006 لنظر الطعنين حيث تلا المستشار المقرر تقريره ، وتمسكت نيابة النقض برأيها السابق ، ونظرت المحكمة الدعوى على النحو المبين بمحضرها ثم قررت حجزها للحكم بجلسة اليوم.

الأسباب

وحيث أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 11-4-2005 فإن آخر يوم من الميعاد المقرر قانوناً للتقرير بالطعن وإيداع أسبابه هو اليوم الستون الذى صادف تاريخ 10-6-2005 وهو يوم الجمعة ومن ثم فإن الميعاد يمتد الى يوم السبت 11-6-2005 وهذا اليوم هو عطلة رسمية بمناسبة ذكرى الاجلاء ، وبالتالي يكون الميعاد قد امتد مرة أخرى الى يوم الاحد 12-6-2005 وهو التاريخ الذي تم فيه الطعن بالنقض وإيداع الأسباب من قبل النيابة العامة ، وبالتالي يكون طعنها وطعن المحكوم عليه مقبولين شكلا.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال بمقولة أن المحكمة استندت في إدانته على اعترافه أمام النيابة العامة بعد أن استبعدت اعترافه بمحضر جمع الاستدلالات لاقتناعها بتعرضه للإكراه من قبل الشرطة وفقا لما أثبته عضو النيابة بمحضر التحقيق الذى أجرى بحضور الشرطة مما جعله يستمر فى اعترافه خوفا من تعرضه للإكراه مجددا لو رجع عن الاعتراف ، واذ أخذت المحكمة باعترافه فإنها تكون قاصرة فى أسبابها وشاب حكمها الفساد فى الاستدلال مما يوجب نقضه.

وحيث يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد ايراده واقعة الدعوى وأدلتها خلص الى استبعاد اعتراف الطاعن بمحاضر الشرطة وقضى بإدانته اعتمادا على اعترافه بمحضر تحقيق النيابة العامة حيث جاء ذلك في قوله:

.. ولقد اعترف المتهم الثاني (الطاعن) بما أسند إليه فى التهم التالية: الرابعة والخامسة والسادسة حيث أفاد بمحضر النيابة أنه ومعه الثالث قام بسرقة المركبة نوع ساني وفك بعض قطع الغيار بها ومعه المذكور واخفوها الى صبيحة اليوم التالي حيث قاما بنقلها وبيعها لآخر. وقد اتضح أن هذه المركبة هي من أملاك … أيضا اعترف لدى تحقيق النيابة بالتهمة الخامسة وفسر كيفيتها بسرقة قطع سيارة مازدا 323 موديل 88 اللون ذهبي وقال بأنه سرق نصف محركها السفلى وعدد اثنين طنابير وكانت المركبة بدون إطارات ، كما اعترف بالتهمة السادسة وقال بأنه قام والمتهم الثالث بسرقة منظومة الاذاعة من معهد المهن الميكانيكية وباعوها لآخر ، كما باعوا جميع قطع المركبات… وحيث أن الاعتراف جاء بمحضر النيابة وكان وليد إرادة حرة وتطمئن له هذه المحكمة وترى أنه قد وافق الحق والصدق والعدل مما يرتب معاقبته عن تلك التهم التي اقترفها عن علم وارادة قاصدا السرقة متعديا على أملاك الغير ، وتأسيسا على تلك الاعترافات تقرر المحكمة معاقبة الثاني عما أسند إليه فى التهم الرابعة والخامسة والسادسة.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحته وقيمته في الإثبات ، وهو بحسب الأصل يكون صادرا عن إرادة حرة فيكون محمولا على حقيقته وسلامته ، وإذا ادعى بصدوره على غير هذه الحالة فإن عبء الإثبات يقع على المدعى ولا يجدى القول المرسل فى تجريح الدليل القائم ، وكان يبين من محضر جلسات المحكمة المطعون فى قضائها أن دفاع الطاعن قدم مذكرة اقتصر فيها على التمسك بطلب الحكم بالبراءة تأسيسا على أن الطاعن أنكر أمام المحكمة ، وأن اعترافه أمام جهات التحقيق جاء نتيجة إكراه مادى ومعنوي ، دون أن يقدم دليلا على أن ثمة إكراها قد مورس عليه أمام النيابة العامة ، أو أن يطلب من المحكمة إجراء أي تحقيق لإثبات بطلان الاعتراف الصادر عنه أمام تلك الجهة ، ومن ثم فإنه لا تثريب عليها فى اعتمادها على ذلك الاعتراف الذي اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع ، وهو ما يجعل نعى الطاعن فى هذا الشأن محض مجادلة فيما اقتنعت به محكمة الموضوع بمقتضى حقها فى تقدير أدلة الدعوى مما لا رقابة عليه فيه من محكمة النقض الأمر الذي يجعل النعي في غير محله ، ويتعين تبعا لذلك رفض الطعن.

وحيث أن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب من الوجوه الالية:

الوجه الأول:

أن المحكمة استبعدت نصوص قانون السرقة والحرابة بشأن واقعة السرقة تأسيسا على أن عدم الاعتراف بها أمام المحكمة يعتبر شبهة ولأن المال المسروق لم يبلغ النصاب ، رغم أن المتهم الثاني معترف بالسرقة بمحضر تحقيق النيابة العامة وهو ما يعتبر دليلا لإقامة الحد طبقا للقانون ، ورغم أن الخبير الذى قدر قيمة المسروقات من خبراء الجدول ومعتمد أمام القضاء وما انتهى إليه فى تقديره نابع من خبرته مما لا يجوز لمحكمة الموضوع مناقشته فيه ، وطرح الخبرة لأسباب فنية وليست موضوعية الأمر الذى يصم الحكم بعيب الخطأ فى تطبيق القانون الموجب لنقضه.

وحيث يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين واقعة الدعوى المسندة الى المتهم الثاني ، واستعرض ما جاء بتقرير الخبير انتهى الى أن الواقعة مما يخضع لأحكام قانون العقوبات حيث جاء ذلك في قوله:

وحيث أن القيد والوصف الواردين فى قرار النيابة العامة فى التهمتين الأولى والثانية لا ينطبقان على ما أسند الى المتهم الثاني ، ذلك أن القانون رقم 10/1369 بشأن إقامة حدى السرقة والحرابة مستقى من الشريعة الإسلامية التي تأمر صراحة بدرء الحدود بالشبهات ، والشبهة التي تدرأ الحد عن المتهم هي إنكاره لدى المحكمة وعدم اعترافه صراحة بما نسب إليه ، ولأن التقدير للمسروقات كان تقديرا عشوائيا لم يؤسس على أساس ثابت بل على أسس مشكوك فى صحتها وإلا كيف عرف الخبير أن القطع المسروقة القديمة سعرها كذا أو كذا ، فكيف جاء بتقدير الاسعار فلو كانت القطع جديدة لقلنا أنه استقى المعلومات من فاتورات التجار (سعر الشراء وسعر البيع ) ولكن التقرير جاء جزافا خاليا من أصول البيع وأسس الشراء وكان تخمينا ، وتأسيسا على ما تقدم فإن الحكم الشرعي لا ينطبق ، وينطبق التعزيز بما قدمته النيابة العامة فى بقية الاتهام ، وقد صنعت خيرا حينما وضعت للجريمة نصين ، وتركت للمحكمة حرية الاختيار بما ينطبق على الواقعة ، وهنا ينطبق قانون العقوبات حسب النصوص الواردة بقرار النيابة.

لما كان ذلك ، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن لقاضى الموضوع الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه فى هذا شأن الادلة الاخرى ، فله مطلق الرأي فى الأخذ به إذا اطمأن اليه أو طرحه إذا لم يقتنع بما جاء فيه وذلك بوصفه الخبير الاعلى المهيمن على إجراءات الدعوى وأدلتها ، وكان يبين مما أورده الحكم المطعون فيه ، والذى له معينه من أوراق الدعوى ، أن الخبير المنتدب أعد تقريرا أورد فيه بيان المنقولات محل الجريمة وقدر قيمتها تقديراً جزافيا دون بيان عناصر وأسس التقدير ، وإذ طرحت المحكمة المطعون فى قضائها تقريره ولم تأخذ به ، معتبرة أن قيمة المال المسروق لم تبلغ نصاب السرقة المعاقب عليها حدا ، فإنها لا تكون قد أخطات فى تطبيق القانون أو شاب حكمها الفساد فى الاستدلال ، لأن ما ذهبت إليه هو من صميم سلطتها التقديرية التي تخولها تقيم أدلة الدعوى والاخذ بها متى حازت قناعتها وطرحها ‘ذا لم تقتنع بها ، وكان يشترط فى السرقة المعاقب عليها حدا أن تبلغ قيمة المال المسروق النصاب المحدد بقرار المجلس الاعلى للهيئات القضائية وهو خمسمائة وعشرة دنانير ، فإن ما أوردته تلك المحكمة على نحو ما سبق ذكره مفاده أنها اعتبرت أن القدر المتيقن هو عدم بلوغ قيمة المسروقات النصاب المذكور ، خاصة وقد تعددت الجرائم بتعدد المجني عليهم واستقلال كل جريمة بعناصرها عن غيرها وفقا للوقائع الواردة بقرار الاتهام مما يوجب توفر شرط النصاب فى كل جريمة على حدة دون اعتبار لقيمة المسروقات مجتمعة ، ومن ثم فإنه لا يؤثر فى قضائها ما أوردته من أن إنكار الطاعن أمامها يعتبر شبهة تدرا الحد عنه طالما أنه يلزم لمعاقبة المتهم حدا أن يتوافر مع الاعتراف سائر عناصر الجريمة وشروطها القانونية ومن بينها شرط النصاب الذى يجب التدليل على تحققه وعلى غيره من العناصر بأدلة قطعية جازمة ، فإذا لم تتوافر هذه الادلة وجب الاخذ بما فيه صالح المتهم ، حتى لا تقام الحدود على مجرد التخمين والتقديرات الظنية غير القاطعة ، وإذا انتهى الحكم المطعون فيه الى إخضاع جرائم السرقة المنسوبة للمطعون ضده ومن معه الى إحكام قانون العقوبات دون أحكام قانون إقامة حدى السرقة والحرابة فانه يكون منزها عما تنعاه عليه النيابة العامة فى هذا الشأن ، الامر الذى يجعل النعي فى غير محله ويتعين رفضه.

الوجه الثاني:

أن المحكمة قضت ببراءة المتهمين الرابع والخامس اعتمادا على اقوالهما بعدم علمهما بأن الأشياء مسروقة مضيفة أن الرابع تحقق من مشروعية مصدرها ، وتكون بذلك لم تفرق بين القصد الجنائي فى جريمة شراء أشياء مشبوهة المصدر وبين جريمة استلام أشياء متحصلة من سرقة رغم أن الثمن ليس هو العنصر الوحيد لمعرفة مشروعية الشيء المستلم أو المشترى ، وإنما المدار هو وصف الشيء وحالة عرضه في قيام المتهمين الثاني والثالث بعرض المسروقات على المتهمين الرابع والخامس ينبئ بأنها محصلة من سرقة لتنوع المعروضات وصغر سنها وكونهما لا يعملان بتجارة قطع الغيار ، فكل ذلك هو الذي يحدد وتحقق الجريمة من عدمها ، مما يجعل المحكمة قد أخطأت حين اعتمدت على أقوال المتهمين الرابع والخامس بعدم علمهما بأن الأشياء مسروقة الأمر الذى يعيب حكمها ويوجب نقضه.

وحيث يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد إيراده واقعة الدعوى وأدلتها خلص الى القضاء ببراءة المتهمين المذكورين مقيما ذلك على قوله:-

((… إن ما نسب الى الرابع هو قيامه بالشراء من المتهم الثاني ، فقد اشترى منه بعض قطع الغيار المستعملة ، وبما أن المتهم المذكور قد أنكر لدى النيابة علمه بأن قطع الغيار التي اشتراها من الثاني أو غيره أنها متحصلة من جريمة سرقة وقد كان تحققه من مشروعية مصدرها تحقق الرجل العادي ، يكفى أن قد دفع قيمتها كاملة برقم محترم كما هو مبين بالأوراق وهى قطع قديمة فلو كانت حديثة لكان يرد سؤال عن  مصدرها ، أما القديمة فإن الكثير من أصحاب المركبات والاليات من يغير القطعة قبل أوان فسادها ، وتباع بأقل من ثمن الحديدة وذلك فى الاغلب الاعم ، ولما كان لا يوجد دليل ضده الامر الذى تقرر براءته مما أسند إليه لعدم كفاية الدليل ، وما سبق ذكره يمكن جعله أسبابا للمتهم الخامس فإن الادلة غير كافية لأنه لا يعرف أنها متحصلة من جريمة سرقة مند قيامه بشراء هذه القطع كما لا يمكن جعل لما اشتراه وصفا خاصا به ، لأنها قطع قديمة ويمكن تغيرها فى كل وقت وأنه اشتراها بالثمن المعقول ، وقد جرت عادة البلد أن يقوم بعض التجار بيع سلعهم بالطريق التي وصلت هذه القطع الى المتهم ، وبالجملة فان الاتهام الوارد من النيابة فى خصوص المتهمين الرابع والخامس لم يثبت الى حد الان بالأدلة التي يمكن الاطمئنان اليها ، وهذه الادلة هي موضع شك على أقل تقدير ، ومن تم تقضى هذه المحكمة ببراءة المتهم الخامس أيضا )) وحيث أنه يشرط لقيام جريمة استلام الاشياء المسروقة او المحصلة بأي وجه من الوجوه من جناية أو جنحة والمعاقب عليها بالمادة 465 مكررة (أ) عقوبات أن يتوافر عنصرها المادي وهو الاستلام أو الشراء أو نحو ذلك ، والعنصر المعنوي وهو انصراف إرادة الجاني الى تحقق الركن المادي مع علمه بأن الاشياء متحصلة من الجريمة ، وكان توافر هذا العنصر أو عدم توافره يعد من المسائل الموضوعية التي تستقل بها محكمة الموضوع دون معقب عليها طالما كان استخلاصها لما تنتهى اليه يستند الى أسباب سائغة ومقبولة عقلا ومنطقا ولها معينها من أوراق الدعوى ، لما كان ذلك وكان يبن مما أورده الحكم المطعون فيه وفقا لما سلف بيانه أن المحكمة مصدرته لم تجد فى أوراق الدعوى ما يقطع بأن المتهمين الرابع والخامس كانا يعلمان بأن المنقولات التي قاما بشرائها محصلة من جريمة سرقة لإنكار المتهم الرابع ، ولقيامهما بدفع مبلغ معقول ثمنا للشراء ، ولما جرت عليه العادة من بيع القطع القديمة والمستعملة بالطريقة التي تم التعامل بها بينهما وبين المتهمين ، مما جعلها تقضى ببراءتهما من التهمة المسندة إليهما بقرار الاتهام موردة فى أسبابها ما يفيد تحققهما من مشروعيته مصدرها وانتفاء كل شبهة بعدم المشروعية مما يعد أيضا قضاء ضمنيا بعدم قيام جريمة شراء أشياء مشبوهة المصدر المعاقب عليها بالمادة 505 عقوبات ، فإنها تكون قد دللت على انتفاء العنصر المعنوي اللازم لقيام الجريمة تدليلا سائغا فى العقل والمنطق مما يجعل حكمها مبرأ من عيب الفساد فى الاستدلال والتصور فى التسبيب وهو ما يجعل النعى فى غير محله.

الوجه الثالث:

أن المحكمة قضت ببراءة المتهم الاول من تهم السرقة لعدم وجود الدليل على اتهامه سوى أقواله وأقوال المتهم الثالث الواردة بمحضر جمع الاستدلالات التي استبعدتها بسبب الإكراه وقد فاتها أنه اعترف بمحضر النيابة العامة بأنه أوصل المتهمين الثاني والثالث إلى ورشة المجني عليه رمضان هويدي لشراء قطع غيار منها بينما جاء بشهادة المذكور والعامل بالورشة والخفير عدم وجود أساس لعملية بيع قطع الغيار وإنما هي سرقة وهو ما أكده المتهم الثاني بمحضر النيابة العامة من أن الأول أخبره بأنه باع قطع الغيار بمدينة طرابلس الأمر الذي يعيب حكمها بالفساد فى الاستدلال ، فضلا عن القصور فى التسبيب حين قضت ببراءته من تهمة القيادة دون حمل الترخيص ، وببراءة المتهم الثاني من تهمة شرب الخمر ، وذلك تأسيسا على أن الأدلة غير كافية وغير ثابتة رغم أن الأول معترف بتلك التهمة أمام غرفة الاتهام ، وأن الثاني معترف بتهمة الشرب أمام قاضى التمديد وقاضى غرفة الاتهام ، الأمر الذى يعيب الحكم ويوجب نقضه.

وحيث يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى ببراءة المتهم الاول من تهمتي السرقة وعدم حمل الترخيص استنادا إلى قوله ( أنه لا يوجد أدلة ضده عدا ما جاء بمحضر ضبط الواقعة من اعترافات منه ومن غيره وكانت وليدة إكراه حيث أثبت وكيل النيابة فى محضره مجموع الإصابات التي حصلت الأول كما حصلت للثالث ، وبالتالي نقرر طرح الأدلة المستقاة من ذلك المحضر… ومن ثم فإنه لا يوجد دليل آخر وقد أنكر ما نسب إليه فى جميع التهم واستمر إنكاره حتى نهاية جميع الاجراءات حتى قفل باب المرافعة ، وعليه فإن الادلة المقدم بها هذا المتهم لا تطمئن لها المحكمة وتقرر براءته مما أسند إليه فى جميع التهم من سرقة ومتعلق بقيادة المركبة الالية إلى آخر القائمة، كما يبين أيضا من الحكم أنه بعد إيراده اعتراف المتهم الثاني بجرائم السرقة التي سرد وقائعها تفصيلا وخلص الى القضاء بإدانته عنها أورد فى شأن براءته من التهمة الأخرى قوله: أما عن بقية الاتهام المنسوب للمتهمين الثاني و.. 

فإن الادلة عنه غير كافية وغير ثابتة ولا يمكن الاطمئنان إليها وقد اعتمدت المحكمة اعتراف كل منهم على نفسه وعلى ما جاء بمحضر تحقيق النيابة العامة ولم تعتمد على ما جاء بمحضر الشرطة للأسباب المشار إليها سلفا.

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة إذا لم تجد فى أوراق الدعوى دليلا يساند الادانة أو اذا كانت الادلة غير كافية فى عقيدتها لثبوت التهمة إلا أن ذلك مشروط بأن يشتمل الحكم على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وأدلة الثبوت فيها ووازنت بينها وبين أدلة النفي ، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه عدم إحاطته وتمحيصه للأدلة المتمثلة فى أن المتهم الثاني بعد أن نفى عن المتهم الاول مساهمته فى السرقة عاد وذكر بمحضر النيابة العامة أن المتهم المذكور طلب منه أن يتستر عليه بعد أن أخبره عن قيامه بسرقة قطع الغيار وبيعها بطرابلس ، فضلا عما قرره المجني عليه رمضان هويدي وأحد عمال الورشة والخفير بمحضر النيابة العامة من عدم بيع قطع الغيار وأن شخصين حضرا للسرقة ، علاوة على ما اعترف به الاول أمام غرفة الاتهام من عدم حمله الترخيص ، وما اعتراف به الثاني أمامها وأمام قاضى التمديد من شربه الخمر ، وهى أدلة كان على المحكمة أن توردها لتبدى رأيها فيها بعد تمحيصها ، لتأخذ بها أو تطرحها إذا رأت أنها غير كافية لتكوين قناعتها بثبوت التهم المشار اليها فى حق المتهمين الاول والثاني ، ومن ثم فإن قعودها عن القيام بذلك يجعل حكمها مشوبا بالفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب مما يجعل نعى النيابة العامة فى هذا الشأن نعيا فى محله ويتعين بناء على ذلك نقض الحكم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة:

  • أولاً: بقبول طعن الطاعن شكلا وفى الموضوع برفضه 
  • ثانيا: بقبول طعن النيابة العامة شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به من براءة المتهم .. من تهمتي السرقة وعدم حمل ترخيص القيادة وترخيص المركبة، ومن براءة المتهم … من تهمة شرب الخمر، وبإعادة الدعوى إلى محكمة استئناف مصراتة، دائرة الجنايات لنظرها مجددا من هيئة أخرى، وبرفض الطعن فيما عدا ذلك.