أدوات الوصول

Skip to main content

طعن جنائي رقم 44/298ق

نشر في

طعن جنائي رقم 44/298ق

خلاصة المبدأ 

تعد صلة السببية متوافرة وفقا لنص المادة 58 من قانون العقوبات ولو تداخلت عوامل أخرى مستقلة عن نشاط الجاني ساهمت في وقوع النتيجة – بيان ذلك – متى تنقطع صلة السببية. 

الحكم 

الوقائع 

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده لأنه بتاريخ 1992/7/14 ف بدائرة مركز شرطة قار يونس – بنغازي: – 

  1. قتل نفسا عمدا من غير سبق إصرار، ولا ترصد، بأن سحب أقسام مسدسه، ذاتي الحركة، ورمى إطلاقة في الهواء ليفرق الناس، ثم هوى بالمسدس على رأس المجني عليه (…) ضاغطا على الزناد، وأثناء الضرب، حتى خرجت الإطلاقة التي أودت بحياة المجني عليه المذكور وذلك وفقا للتقرير الطبي الشرعي المرفق على النحو المفصل بالأوراق. 
  2. اشترك في مشاجرة نتج عنها وفاة أحد الأشخاص، بأن اشترك في معركة جماعية تبودل فيها الضرب، ونتج عنها قتل المجني عليه (…) على النحو المفصل بالأوراق. 

وطلبت النيابة العامة من غرفة الاتهام بمحكمة بنغازي الابتدائية إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بمقتضى نصوص المواد 76، 78، 1/372، 386 من قانون العقوبات، وأثناء نظر الدعوى أمام الغرفة تقدم والدا المجني عليه (…) و (…) بصحيفة ادعاء مدني ضد المطعون ضده أعلنت إليه بالجلسة الأولى المحددة لنظر الدعوى أمام غرفة الاتهام بتاريخ 1992/10/29 ف، وقد طلبا فيها إحالة المذكور إلى محكمة الجنايات وفق قرار الاتهام، ثم الحكم عليه بعد ذلك بأن يدفع لهما مبلغا قدره مائة ألف دينار 100.000 دال، كدية في مقتل ولدهما، وتعويضا لهما عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهما نتيجة فعل الطاعن الإجرامي مع إلزامه المصاريف وشمول الحكم بالنفاذ المعجل، وبلا كفالة والغرفة قررت إحالة الدعويين الجنائية والمدنية وفق قرار الاتهام وطلبات المدعي بالحق المدني، وبعد أن أدخل المدعيان بالحق المدني أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل بصفته كمدعى عليه أول، ومحكمة جنايات بنغازي بعد أن نظرت الدعوى، أصدرت فيها حكما حضوريا، قضي:- 

أولا: في الدعوى الجنائية: – بإدانة المتهم (…) عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت، وبمعاقبته عنها بالسجن لمدة عشر سنوات، وبحرمانه من حقوقه المدنية حرمانا دائما، وبفرض مراقبة حريته لمدة سنتين بعد تنفيذه للعقوبة المقضي بها، وألزمته المصاريف الجنائية. 

ثانيا في الدعوى المدنية -:- بإلزام المتهم (…) بأن يؤدي للمدعيين بالحق المدني مبلغا قدره أربعون ألف دينار، مع المصاريف، وبرفض الدعوى بالنسبة للمدعى عليه الأول بصفته، وكان المحكوم عليه قد طعن في ذلك الحكم بطريق النقض، حيث قضت هذه المحكمة ( بهيئة أخرى في 1425/1/30 م، بقبول الطعن شكلا، ونقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعويين الجنائية والمدنية، وإعادة القضية إلى محكمة جنايات بنغازي لنظر هما مجددا من هيئة أخرى، والمحكمة المذكورة بعد أن نظرت الدعوى محددا، رأت أن ما أسند إلى المطعون ضده، التهمة الأولى لا يخرج عن كونه قتل خطأ، ثم قضت حضوريا:- 

أولا: – في الدعوى الجنائية بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات، وألزمته المصاريف الجنائية. 

ثانيا: – في الدعوى المدنية باعتبار المدعي تاركا لدعواه وألزمته مصاريفها، وقد طعنت النيابة العامة على هذا الحكم الأخير بطريق النقض، وهذه المحكمة قضت في 2003/3/18 ف بقبول طعن النيابة العامة شكلا، وبنقض الحكم المطعون فيه، وتحديد جلسة 2003/4/29ف لنظر موضوع الدعوى، وفي تلك الجلسة حضر المطعون ضده بصحبة محاميه، وتلي قرار الاتهام، ورد المتهم بأنه لم يقصد قتل المجني عليه، وأن الواقعة في أصلها مشاجرة، وأن الوفاة تمت بقضاء الله وقدره، وترافع محاميه على النحو المبين بمحضر الجلسة، وبعد سماع المرافعة تقرر صدور الحكم بجلسة اليوم. 

الأسباب 

وحيث إن واقعة الدعوى استخلاصا من مطالعة الأوراق والتحقيقات وما دار بشأنها في الجلسة تخلص في أنه بتاريخ 1992/7/14 ف، ورد بلاغ إلى مركز شرطة قار يونس عن وقوع جريمة قتل بالقرية السياحية، فقرر مأمور الضبط القضائي الانتقال إلى مكان الواقعة، وهناك وجد جمعا من الناس، وشاهد بقعا من الدم،و آثار دماء في مكان وقوع الجريمة وبانتقال مأمور الضبط القضائي إلى المستشفى حيث نقل المصاب، علم بوفاة هذا الأخير، فقام بمعاينة الجثة على النحو الوارد بالمحضر, وبسؤال الشاهد (…) ملازم بالشرطة استدلالا، قرر أنه أبلغ من قبل الأمن الصناعي بالقرية حول وقوع مشاجرة، ولدى ذهابه إلى مكان الواقعة، وجد المتهم والمجني عليه يتشاجران، ثم حضر مجموعة من الناس وحاولوا منع المشاجرة، وقام بمسك المجنى عليه، ولكنه أفلت منه ثم تمكن جماعة من الإمساك به ووضعه في زاوية، ثم شاهد المتهم يقوم بإخراج مسدسه وإطلاق رصاصة منه في الهواء، ثم توجه إلى المجنى عليه، وأطلق طلقة وبعدها شاهد المجنى عليه ملقى على الأرض، وقام بنقله للمستشفى، الشاهد (…)، وأضاف قائلا: إنه شاهد المتهم وهو يخرج مسدسه وأطلق طلقة في الهواء من كثرة الزحام، وسمع صوت، إطلاقة أخرى، ثم شوهد المجني عليه ملقي على الأرض، وشهد كل من (… )، و (…)، و(…): و (…)، بما لا يخرج عما شهد به الشاهد المذكور، وأضاف كل من الشاهد (…) أنهما شاهدا المتهم وهو يقوم بضرب المجني عليه بأخمص المسدس، وبعدها سمعا صوت الإطلاقة، وبسؤال الشاهد (…) بمحضر تحقيق النيابة العامة قال: إنه لم يحضر المشكلة من بدايتها بيد أنه شاهد كلا من المتهم والمجني عليه، وبينهما مشادة كلامية، وكل منهما يحاول ضرب الآخر، ثم قام المجني عليه بضرب المتهم برأسه على وجهه فأصابه في أنفه، وحاول شخص من رفاق المتهم أن يعتدي على المجنى عليه بالضرب وحاول الحاضرون التفريق بينهم، وفي تلك الأثناء قام المتهم بإطلاق عيار ناري، وتفرق الناس، ثم قام حوالي خمسة أشخاص من بينهم المتهم بضرب المجني عليه، حيث كان المتهم ممسكا بالمسدس من الأخمص وإصبعه على الزناد، ويضرب المجني عليه بالمسدس، فانطلقت منه إطلاقة، وأصابت المجني عليه في رأسه سقط على إثرها أرضا، كما شهد المدعو (…) بتحقيقات النيابة العامة بما لا تخرج عما شهد به الشاهد (…) وأضاف قائلا: إنه شاهد المتهم بعد حصول الواقعة وهو يبكي، واضعا رأسه بين يديه، وتارة أخرى يقوم بضرب الحائط بقبضة يده، وبسؤال كل من (…)، (…)، و(…)، و(…)، و(…)، فقد شهدوا بمحضر تحقيق النيابة العامة – أنهم حضروا المشاجرة، وشاهدوا المتهم عندما أطلق عيارا نارياً في الهواء لتفريق الناس، ثم توجه إلى المجني عليه وضربه بأخمص مسدسه علی راسه ضربتين، وفي الثانية خرجت إطلاقة ووقع المجني عليه على إثرها، كما اتفقت أقوالهم على أن المتهم استمر في مكانه بعد الحادثة، وأخذ يصرخ ويندب حظه، وبسؤال المتهم استدلالا قرر أنه حضر مع بعض رفاقه في العمل إلى صالة الألعاب بالقرية السياحية، وكانوا يرغبون في ممارسة لعبة كرة ( البولنج ) ولكن شخصا آخر أخذ دورهم في اللعبة، وتناقشوا مع مدير الصالة حول إمكانية السماح لهم باللعب ولكنه رفض، وقد تطور الموقف إلى مشاجرة، وتدخل المجني عليه وقام بضربه برأسه، وتجمع الناس حولهم فأخرج مسدسه وأطلق رصاصة في الهواء لتفريق الناس، واشترك معه في ضرب المجني عليه آخرون، وفي الأثناء سمع صوت إطلاقة ثم سقط المجني عليه على الأرض، وأضاف أنه شاهد مسدسات بأيدي الأشخاص الذين حضروا المشاجرة، وقال: إنه رمى إطلاقة واحدة فقط في الهواء، وأمام النيابة العامة، ردد المتهم أقوالهم سالفة الذكر، وانتهى إلى نفي تهمة القتل العمد، وقد أرفق الأوراق تقرير الصفة التشريحية رقم 92/1136 ف المؤرخ في 92/7/8 ف، والذي انتهى فيه الطبيب الشرعي إلى أنه يبين من التقرير الأولى بشهادة وفاة المستشفى، والكشف الظاهري على جثة (…) أن خياطة الجرح شملت فتحة الدخول، والخروج، وأن إصابة المذكور نارية تنشأ من عيار ناري معمر بمقذوف مفرد يتعذر بيان عياره نظرا لعدم استقرار المقذوف، الذي أصابه باتجاه من الأمام، واليمنى للخلف واليسار بأعلى قمة الرأس، سبب الجرحان الناريان المشاهدان في كسر بعظام القبوة، و ما صحب ذلك من نزيف بالمخ وتهتك قمته، والإصابة من مسافة جاوزت المدى القريب للسلاح المستعمل، والذي يقدر عادة بنحو ربع متر في الأسلحة القصيرة، ونصف متر في الأسلحة الطويلة الماسورة, وتعزى الوفاة لتلك الإصابة النارية النافذة بالراس، وقد أعطيت شهادة طبية بهذا المعنى “. 

وحيث إنه بعد أن تقرر نقض الحكم للمرة الثانية تم نظر الدعوى، ثم نظر الدعوى على النحو الثابت بمحضر الجلسة، 

حيث حضر المتهم، وبصحبته محاميه الأستاذ (…)، وتلي قرار الاتهام، ورد المتهم على التهمة أنه لم يقصد قتل المجني عليه، وأن الواقعة في أصلها مشاجرة، وأن الوفاة تمت بقضاء الله وقدره، وترافع محاميه و دفع بأن مذكرة النيابة لا تشير إلى توافر القتل العمد، وأن موكله رجل أمن باعتباره شاهد مشاجرة قد حاول تفريق الجموع، وأن مذكرة الطعن المقدمة من النيابة العامة انصبت على دعم تناول الحكم السابق تهمة الاشتراك في المشاجرة، وكان محامي المتهم قد تقدم بمذكرة دفاع إلى محكمة الجنايات خلص فيها إلى طلب تغيير الوصف والقيد من المادة 1/372 عقوبات، إلى المادة 1/377 عقوبات باعتبار الواقعة قتل خطأ ونيابة النقض تمسكت بالطلبات الواردة بمذكرتها، ورأت سقوط تهمة المشاجرة بمضي المدة. 

وحيث إن الثابت بأوراق الدعوى أن النيابة العامة قد وجهت للمتهم تهمة القتل العمد، ومحكمة الجنايات رأت في حكمها الصادر بتاريخ 94/1/16 ف عدم توافر نية القتل لدى المتهم، وأنزلت به العقوبة الواردة بنص المادة 1/374 عقوبات عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت، وكان المحكوم عليه ” المتهم ” قد طعن في ذلك القضاء بطريق النقض، وهذه المحكمة ( بهيئة أخرى ) كانت قد قضت في 1425/1/30 م بقبول الطعن شكلا، ونقض الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى محكمة الجنايات لنظرها مجددا من هيئة أخرى، وقد أسست المحكمة العليا ذلك القضاء على القول: ( وحيث إنه يجب لكي يكون الجاني مسؤولا عن النتيجة التي ينتهي إليها فعله في جريمة الضرب المفضي إلى الموت المنصوص عليها في المادة 1/374 من قانون العقوبات ان تقوم العلاقة السببية بين فعل الجاني ووفاة المجنى عليه، بأن يكون الفعل وهو الضرب سببا للموت، ولا يكون هذا الفعل سببا للنتيجة وهى الموت، إلا إذا كان هو السبب الوحيد في حصولها، وكان من شانه آن يؤدي إليها تبعا للمألوف من جريان الأمور، أو تداخلت معه عوامل أخرى سواء كانت سابقة أو معاصرة أو لاحقة له، ما دامت هذه العوامل من الأمور المتوقعة الحصول، أما إذا تداخلت معه عوامل أخرى لاحقه له، وكانت هي وحدها كافية لحصول النتيجة وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة 18 من قانون العقوبات، فإن صلة السببية تكون منتفية، مما يتعين معه على محكمة الموضوع إيضاح مدى مساءلة الجاني عن النتيجة عند تداخل عوامل أخرى مع نشاطه الإجرامي المتمثل في الضرب، وإلا كان حكمها قاصرا في التسبيب….. وبعد أن استعرضت المحكمة العليا أسباب الحكم المطعون فيه، أضافت قائلة: ( وهذا الذي ساقه الحكم مفاده أنه يسلم بأن ما قام به الطاعن يقتصر على ضرب المجني عليه بأخمص المسدس فقط، وأنه لم يقم بسحب الزناد، بل انطلق العيار الناري على إثر اصطدام جسم المسدس برأس المجني عليه بفعل الضرب، وأن الوفاة ناجمة عن الإصابة بالعيار برأس المجني عليه بفعل الضرب، وأن الوفاة ناجمة عن الإصابة بالعيار الناري، وليس عن واقعة الضرب في حد ذاتها، ومع ذلك لم يبين الحكم ما إذا كان فعل الطاعن وهو الضرب، هو السبب الوحيد في وفاة المجني عليه دون تدخل أية عوامل أخري، أم أن هناك عوامل أخرى، تداخلت فعل الطاعن ولكنها عديمة الأثر، مع تحديد موقفه من عامل انطلاق العيار الناري دون تدخل من الطاعن، وما هو الأثر الذي يترتب عليه، وعندما أعيدت محاكمة المتهم، قضت محكمة جنايات بنغازي بمعاقبته بالحبس مع الشغل ثلاث سنوات عن جريمة القتل الخطأ طبقا للمادتين 63، 1/377 عقوبات، وهو ما لم يطعن عليه المتهم، ولم تقبل به النيابة العامة وطعنت عليه بطريق النقض على النحو الماثل طالبة نقض الحكم مع الإعادة. 

لما كان ذلك، وكانت المادة 57 من قانون العقوبات تنص على أن: لا يعاقب أحد على فعل يعتبر جريمة قانونا، إذا كان الضرر أو الخطر الذي يترتب عليه وجود الجريمة لم ينشأ عن عمله أو تقصيره ). كما تنص المادة 58 من ذات القانون، على أنه: ( لا ينفي صلة السببية بين الفعل أو الامتناع من جهة، وبين الحادث من جهة أخرى، وجود أسباب أخرى سابقة عليه، أو مصاحبة له، أو لاحقه به، وإن كانت ذلك فإن صلة الأسباب هذه مستقلة عن فعل فاعل، أو امتناعه، وتنتفي صلة السبية بين الحادث وبين الوقائع اللاحقة له إذا كانت هي وحدها كافية لوقوعه، ومفاد ذلك: أنه لا يكفي لقيام الركن المادي أن يباشر الجاني سلوكا إجراميا وأن تقع نتيجة يعاقب عليها القانون بل لا يجد أن يثبت أن هذا السلوك هو الذي أدى إلى حدوث النتيجة، ومع ذلك فإن صلة السببية وفقا للمادة 58 سالفة الذكر تعتبر متوفرة ولو تداخلت عوامل أخرى مستقلة عن نشاط الجاني ساهمت في وقوع النتيجة سواء كانت تلك العوامل سابقة أو معاصرة أو لاحقة لنشاط الجاني، وسواء كان يعلم بها أو يجهلها، غير أن العقوبة تخفض في شأنه بما لا يجاوز الثلث إذا كان لا يعلم بالأسباب السابقة أو المعاصرة لفعله، أو كانت الأسباب اللاحقة مستقلة عن فعله أو امتناعه على أن يكون لسائر هذه الأسباب أهمية كبرى في وقوع النتيجة، ولا تتقطع صلة السبية إلا إذا كانت الوقائع اللاحقة الفعل الجاني كافية بذاتها لوقوع النتيجة المعاقب عليها، ومن ثم يكون من المحتم مساءلة الجاني عن النتيجة التي يؤول إليها حال المجني عليه طالما ثبت الاتصال بين فعل الجاني وتلك النتيجة اتصال السبب بالمسبب بحيث لا يتصور طروء النتيجة بغير وقوع ذلك الفعل الذي انبنى عليه، ومطابقة ذلك على وقائع الدعوى الراهنة يلاحظ أنه وإن كانت وفاة المجني عليه قد حدثت نتيجة إصابته بالعيار الناري، وليس عن واقعة ضرب المتهم له في حد ذاتها على النحو الثابت بتقرير الطبيب الشرعي سالف البيان إلا أن خروج المقذوف الناري من مسدس المتهم كان نتيجة الفعل الضرب الذي قام به المتهم، ولا يمكن القول بأن خروج المقذوف من المسدس عملا مستقلا عن فعل المتهم، إذ لولا قيام المتهم بضرب المجني عليه بالمسدس ما كان للرصاصة أن تخرج منه، وإن كان ذلك لم يكن يقصده المتهم من الضرب، ذلك أن رابطة السببية تعتبر قائمة إذا كانت النتيجة التي حصلت محتملا توقعها وفقا لما تجري عليه الأمور عادة، وأنه وإن كان النظر إلى رابطة السببية يكون من الناحية المادية لا من الناحية المعنوية، بمعنى أنه لا يرجع فيها إلى توقع الجاني نفسه، و أنما إلى توقع النتيجة ذاتها بصرف النظر عما إذا كان الجاني قد توقعها، إلا أن قول المتهم في التحقيقات أنه أمن المسدس قبل ضرب المجني عليه به، يؤكد أن المتهم نفسه كان يتوقع حصول ما حدث فعلا، ومن ثم فإنه يتعين مساءلته عن النتيجة التي حصلت، ولو لم يكن يقصدها عملا المادة 63 من قانون العقوبات، والتي تنص على أن ترتكب الجريمة مع تجاوز القصد إذا نجم عن الفعل أو الامتناع ضرر أو خطر أكثر جسامة مما كان يقصده الفاعل، وإنزال العقوبة المنصوص عليها بحكم المادة 374 عقوبات، والتي تقدرها المحكمة بالسجن تسع سنوات مراعية في ذلك النتيجة التي ترتبت على فعل المتهم، وهو موت المجني عليه الذي كان شابا في مقتبل العمر، ولأن المتهم لم يكن مضطرا إلى استعمال السلاح في الضرب، إلا أنه نظرا للأهمية الكبرى للسبب اللاحق وهو خروج المقذوف من المسدس، الذي سبب وفاة المجني عليه، يتعين تخفيض العقوبة المذكورة طبقا للمادة 58 عقوبات، وعلى النحو المبين بالمنطوق، وتستند المحكمة في القضاء بإدانة المتهم إلى أقوال الشهود سالفة البيان، وإلى أقوال المتهم نفسه أمام هذه المحكمة، ولأنه لا محل لما دفع به المتهم، في مرافعة محاميه أمام محكمة الجنايات من أن الواقعة لا تخرج عن كونها قتلا خطأ، لأن المتهم تعمد ضرب المجني عليه، وأن الرصاصة التي قتلت المجني عليه خرجت من المسدس نتيجة لذلك، ولأن الجريمة لا ترتكب عن خطأ إلا عندما يكون الحادث غير مقصود أصلا حسبما نصت عليه المادة 63 عقوبات، كما أنه لا محل للقول بأن المتهم وهو رجل أمن كان يقصد من وراء إطلاق النار تفريق الناس، و إنهاء المشاجرة، لأن الثابت بالأوراق أن المتهم لم يكن مكلفا بحفظ الأمن في القرية السياحية، التي قدم إليها زائرا بقصد ممارسة إحدى الألعاب, وقد جاء في أقواله بتحقيقات النيابة العامة أنه يتبع وحدة مكافحة المخدرات، ولأن المتهم نفسه كان من بين المشتركين في المشاجرة، أما بالنسبة لتهمة الاشتراك في المشاجرة المسندة للمتهم، فهي أيضا ثابتة ضده من خلال أقوال الشهود التي سبق سردها، ومن أقوال المتهم نفسه بالتحقيقات، إلا أنه متى كانت هذه الجريمة الأخيرة مرتبطة بجريمة الضرب المفضي إلى الموت، وهي الجريمة الأشد، طبقا للمادة 1/76 عقوبات، فإنه يتعين الاكتفاء بالعقوبة سالفة الذكر، مع حرمان المتهم من حقوقه المدنية مدة تنفيذ العقوبة ولمدة سنة بعدها عملا بالمادة 34 عقوبات، وعن المصاريف فإن المحكمة رأت إعفاء المتهم منها عملا ينص المادة 287 إجراءات جنائية. 

فلهذه الأسباب 

حكمت المحكمة في الموضوع بإدانة المتهم، ومعاقبته بالسجن ست سنوات، وبحرمانه من حقوقه المدنية مدة تنفيذ العقوبة، ومدة سنة بعدها، عن تهمني الضرب المفضي للموت، والمشاجرة المسندتين إليه، وبلا مصاريف جنائية.