Skip to main content

طعن جنائي رقم 1228-49 ق

نشر في
  • التصنيف:
  • ذات الصلة: ,
  • رقم الطعن: 1228
  • السنة القضائية: 49
  • تاريخ الجلسة: 1 فبراير 2003

طعن جنائي رقم 1228-49 ق

خلاصة المبدأ

  1. لا إلزام على المحكمة بالاستجابة لطلب ندب خبير – بيان ذلك.
  2. خضوع الواقعة لاكثر من نص في القانون – تحديد القانون الواجب التطبيق تضمنه نص المادة الثانية عشرة من قانون العقوبات.

الحكم

الوقائع

اتهمت الرقابة الشعبية الطاعنين لأنهما بتاريخ خلال عامي 1999/ 2000 ف بدائرة مركز شرطة منفذ ميناء درنة البحري:

  1. بصفتهما موظفين عموميين، استوليا على حصيلة إيرادات مركز جمرك ميناء درنة البحري المجباة بموجب الإيصالات محل القضية، وذلك بأن استولى الأول على ثلاثمائة ألف دينار خلال العام 1999 ف وحتى 3/7/2000 ف خلال توليه مهمة أمين الخزينة، ثم على مبلغ ثمانون ألف وتسعون ديناراً حصيلة الإيرادات المجباة ولم يتم توريدها لحساب إيرادات مركز جمارك ميناء درنة البحري، بينما قام الثاني وخلال توليه مهام أمين الخزينة في غياب الأول خلال شهر هانيبال عام 1999 ف، وكذلك خلال الفترة الممتدة من 15/1/1430 م، وحتى 15/2/1430 م بالاستيلاء على الإيرادات بنية تملكها والمقدرة بمبلغ ثلاثة وعشرين ألف وخمسمائة وثلاثين ديناراً، ثم استولى على حصيلة إيرادات شهر الصيف 2000ف ولم يوردها إلا فى 17/2/2001 والمقدرة بمبلغ مائة ألف وسبعمائة وسبعة وتسعين دينارا،  كما استولى على مبلغ خمسة وأربعين ألف دينارا خلال عام 1999 ف، وحتى 3/7/1430م وعلى النحو المبين بالأوراق.
  2. استوليا معاً على حصيلة الإيرادات المجباة بموجب الإيصال المالي رقم 1992335 بقيمة مائة وخمسة وسبعين ألف وسبعمائة وثمانية عشر ديناراً، وذلك بأن تمت جباية المبلغ خلال تولى الأول مهام أمين الخزينة فى 1/1/1430 م وتم ترحيله دفترياً وتسويته خلال شهر النوار 1430م أثناء فترة تولى الثاني مهام أمين الخزينة فى غياب الأول وعلى النحو المبين بالأوراق.

     وطلبت إلى غرفة الاتهام بمحكمة درنة الابتدائية إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما عما أسند إليهما بالمواد 27، 28 من القانون رقم 2/1979 ف بشأن الجرائم الاقتصادية، بالغرفة قررت ذلك، ومحكمة الجنايات بعد أن نظرت الدعوى، أصدرت فيها حكما حضوريا يقضي منطوقه بالآتي :- 

  • أولاً :

      بمعاقبة المتهم الأول بالسجن لمدة ست سنوات وبغرامة قدرها تسعمائة واثنين وخمسين ألف دينار 000 ,952 ألف ديناراً وبرد مبلغ مائة وستة وسبعين ألف دينار 000,671 ألف دينار عما نسب إليه.

  •  ثانيا :

     بمعاقبة المتهم الثاني بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة ثلاثمائة واثنى عشر ألف دينار  000 312 ألف دينار  و برد مبلغ مائة وإحدى عشر ألف دينار عما نسب إليه.

  • ثالثا : 

     بحرمانهما من حقوقهما المدنية مدة تنفيذ العقوبة وسنة واحدة بعدها وألزمتهما المصاريف الجنائية.

وهذا هو الحكم المطعون عليه

الإجراءات 

صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 11/4/2002 ف. وفي 24/4/2002 ف قرر المحكوم عليهما الطعن على الحكم بطريق النقض أمام ضابط سجن درنة على النموذج المعد لذلك، وفي 9/5/2002 ف أودع لدى محامي الطاعنين مذكرة بأسباب طعنهما لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم بموجب محضر إيداع.

وقدمت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني في الطعن رأت فيه قبول الطعنين شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون عليه وإعادة الدعوى لنظرها مجددا من هيئة أخرى.

وحددت جلسة 2002.12.17 لنظر الطعن، وتلى المستشار المقرر تقرير التلخيص، وتمسكت نيابة النقض برأيها السابق، ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضرها، وحجزت للحكم بجلسة اليوم.

الأسباب

حيث إن الطعنين حازا أوضاعهما الشكلية المقررة قانونا فهما مقبولان شكلا.

وحيث ينعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفة صحيح القانون و القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع من عدة وجوه كما يلي :

  • أولا :- يبين من الأوراق أن الرقابة الإدارية قد حلت محل النيابة العامة في تحقيق الدعوى ورفعها ومباشرتها أمام المحاكم، وحتى صدور الحكم فيها في حين ينعقد الاختصاص المذكور في مجمله إلى مكتب الادعاء الشعبي ومحكمة الشعب وفقا لأحكام المادة التاسعة من القانون رقم 7 لسنة 1426 المعدل لأحكام القانون رقم 5 لسنة 1988 بشان محكمة الشعب، والمادة 28/2 من القانون رقم 10 لسنة 1423 م بشأن التظهير المعدل بأحكام القانون رقم 18 لسنة 1369 و.ر الواجب التطبيق على واقعة الدعوى بمعرفة مكتب الادعاء الشعبي ومحكمة الشعب المختصتان بنظر الدعوى واتخاذ جميع الإجراءات فيها، مما ينفي عن الرقابة الشعبية الاختصاص ومن ثم يقع باطلا كافة الإجراءات التي اتخذت من جانبها مما يوجب إلغاء الحكم.

وحيث ان هذا النعي مردود عليه بانه من المقرر ان المناط في تحديد أي من النصوص القانونية هي واجبة التطبيق على الواقعة المعروضة عند خضوعها لأكثر من نص قانوني هو إتباع ما ورد بنص المادة 12 من قانون العقوبات التى جرى نصها على انه اذا خضعت إحدى المسائل لعدة قوانين جنائية او لأحكام متعددة من قانون جنائي واحد، فان القوانين الخاصة او الأحكام الخاصة من القانون تسري دون القوانين العامة او الأحكام العامة من القانون الا اذا نص على خلاف ذلك.

وحيث انه بتطبيق ذلك على واقعة الطعن، فان نص المادة 27 من قانون الجرائم الاقتصادية رقم 2 لسنة 1979 جرى على انه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل موظف عام اختلس أموالا عامة أو أموالا للأشخاص مسلمة إليه بحكم وظيفته او ادعى ملكيتها او ملكها لغيره.

أما نص المادة 16 من قانون التطهير رقم 10 لسنة 1423 م الذي يرى الطاعنان بانطباقه على الواقعة وبالتالي اختصاص محكمة الشعب ومكتب الادعاء الشعبي بالتحقيق في الواقعة وفقا لنص المادة 28 من القانون ذاته فقد نصت على انه  يحظر على كل شخص من الأشخاص المشار إليهم في المادة الأولى من هذا القانون ما يلي :- أولا / ان يكتسب مالا او منفعة او مزية مادية بطريقة غير مشروعة، ويعتبر الكسب غير مشروع ويعد سرقة اذا كان مصدره المحاباة او التهديد او مخالفة القانون او إساءة استعمال الوظيفة او المهنة او المكانة او التأثير او كان مجهول المصدر او السبب او لا يتناسب مع الموارد المشروعة للشخص … .

وحيث ان واقعة الدعوى كما جاءت في قرار الاتهام الصادر عن أمين اللجنة الشعبية للرقابة الشعبية، وقرار الإحالة الصادر عن غرفة الاتهام وكما أثبتها الحكم المطعون فيه هي اختلاس الطاعنين – بوصفهما موظفين عموميين – أموالا عامة مسلمة إليهما بحكم وظيفتهما بان استوليا على مبلغ مالي وقدره ” 6320539 د.ل ” ستمائة واثنان وثلاثون ألف وخمسمائة وتسعة وثلاثون دينارا وذلك من المبالغ التي تم جبايتها بمعرفتهما من حصيلة إيرادات جمارك ميناء درنة البحري. الأمر الذي ينطبق عليه نص المادة 27 من قانون الجرائم الاقتصادية رقم 2 لسنة 1979. 

وحيث انه وان كان الاختلاس المنصوص عليه في المادة 27 من قانون الجرائم الاقتصادية يدخل في عموم البند أولا من نص المادة 16 من قانون التظهير رقم 10 لسنة 1423 التي سبق بيانها، باعتبار أن الاختلاس ضرب من ضروب الكسب غير المشروع الناجم عن مخالفة القانون وإساءة استعمال الوظيفة في مفهومها العام، إلا أن ما ورد في نص المادة 27 من قانون الجرائم الاقتصادية السالف بيانها بشأن الاختلاس يعد حكما خاصا بها لتعلقه بهذه الجريمة بالذات. وخصوصية جريمة الاختلاس على هذا النحو تخرجها من المفهوم العام للكسب غير المشروع في صورة مخالفة القانون أو إساءة استعمال الوظيفة، الأمر الذي يتعين معه تطبيقا لنص المادة 12 من قانون العقوبات القول بأن نص المادة 27 من قانون الجرائم الاقتصادية هو النص الخاص الواجب التطبيق.

ولما كان ذلك وكانت المادة 19 من قانون محكمة الشعب رقم 5 لسنة 1988 والمادة 28/2 من قانون التظهير رقم 10 لسنة 1423 م تنصان على أنه  يتولى مكتب الادعاء الشعبي دون غيره التحقيق في الجرائم التي تختص بها محكمة الشعب  … . وكانت المادة التاسعة من القانون ذاته المعدلة بالقانون رقم 7 لسنة 1426 قد نصت في فقرتها التاسعة على اختصاص محكمة الشعب دون غيرها بالفصل في الجرائم المنصوص عليها في المواد  4، 6، 8، 9، 10، 11، 13، 14، 15  من القانون رقم 2 لسنة 1979 بشأن الجرائم الاقتصادية …  ومن ثم فإن هذه الفقرة قد خلت من النص على اختصاص محكمة الشعب بالفصل في جرائم الاختلاس المنصوص عليها في المادة 27 من قانون الجرائم الاقتصادية، وينبني على ذلك عدم اختصاص مكتب الإدعاء الشعبي بتحقيق هذه الواقعة، وينعقد الاختصاص للتحقيق فيها للنيابة العامة أو الرقابة الشعبية حسب الأحوال المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية والقانون رقم 11 لسنة 1425 بشأن إعادة تنظيم الرقابة الشعبية. وبذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون بمنأى عن عيب مخالفة القانون.

  • ثانيا : يقول الطاعن أنه حتى بالافتراض الجدلي باختصاص محكمة استئناف الجبل الأخضر دائرة جنايات درنة بنظر الدعوى فان المادة 45 من قانون الرقابة الشعبية رقم 11 لسنة 1425 م قد خصت أمين اللجنة الشعبية العامة للرقابة دون غيره برفع الدعوى في مواد الجنايات، مما يستوجب على محكمة الموضوع التقيد بقرار الاتهام الصادر عنه دون غيره والذي يختلف في تحديد زمن الواقعة الممتد في قراره من 1429.1.1 م إلى 1430.6.30 م بينما أورد الحكم غير ذلك متجاوزا تلك الفترة في نهايتها وحتى 2000.7.3، كما تجاوز المبلغ المالي المحكوم به عن المطالب به وفق القرار بما يزيد عن المائة والخمسين ألف دينار، كما عبر قرار الاتهام الصادر عن الأمين بعبارة الاختلاس في حين أورد الحكم عبارة استيلاء واكتفى بقيد الواقعة بالمادة 27 من القانون رقم 2 لسنة 1979 في حين تضمن القيد إضافة المادة 28 من ذات القانون، وبذلك يكون الوصف والقيد القانوني الوارد بالحكم خلاف ما تضمنه قرار الاتهام المعد من الأمين المختص مما يصم الحكم بالقصور ويوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي مردود عليه، بأنه يبين من مطالعة محضر جلسة محاكمة الطاعنين، أنه تمت محاكمتهما وفقا لقرار الاتهام المقدم من أمين اللجنة الشعبية للرقابة الشعبية والمعتمد من غرفة الاتهام – حيث جاء في محضر الجلسة  لأنهما – أي الطاعنين – ما بين 1429.1.1 م و 1430.6.30 وبدائرة المكتب الفني لجهاز الرقابة الشعبية درنة وبوصفهما السابق : اختلسا أموالا عامة مسلمة إليهما بحكم وظيفتهما، بأن استوليا على مبلغ مالي وقدره ” 632.539 د.ل ستمائة واثنان وثلاثون ألف وخمسمائة وتسعة وثلاثون دينارا ” وذلك من المبالغ التي تم جبايتها بمعرفتهما من حصيلة إيرادات جمارك ميناء درنة البحري وذلك على النحو المبين بالأوراق، الأمر المعاقب عليه بالمادة 27/1 من القانون رقم 2 لسنة 1979 بشأن الجرائم الاقتصادية . كما يبين من محضر الجلسة ان الدعوى نظرت في عدة جلسات إلى ان تمت المرافعة من قبل دفاع المتهمين بجلسة 2002.3.24 على ضوء مادة الاتهام والتاريخ الواردين به. كما يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه انه بعد ان حصل وقائع الدعوى وأدلة ثبوتها قولها    وتنتهي المحكمة إلى قيام أركان جريمة اختلاس الموظف العام للمال العام المسلم إليه بحكم وظيفته في حق المتهمين ويتعين إدانتهما عن ذلك بمقتضى المادتين 27، 35 من القانون رقم 2 لسنة 1979 بشأن الجرائم الاقتصادية …

ومن ثم فإنه لا مصلحة للطاعنين فيما ينعيان به في هذا الخصوص، ولا يغير من ذلك الخطأ المادي الذي ورد في مقدمة الحكم عند ذكر قرار الاتهام، اذ ان ذلك لم يكن له أي أثر في الاتهام الذي حوكم عنه الطاعنان، وبذلك تنحسر عن الحكم الطعين شائبة بالقصور التي وصمه بها الطاعنان.

وحيث انه عن نعي الطاعنين، بأن المحكمة المطعون على قضائها، حكمت بغرامة تجاوز المبلغ المالي المحكوم به عن المطالب به وفق قرار الاتهام بما يزيد عن المائة والخمسين ألف دينارا، فان هذا النعي مردود عليه بأنه من المقرر أنه يشترط في أسباب الطعن بالنقض أن تكون محددة وغير مجملة، ولا محيلة في بيانها لأوراق أخرى، لأن أسباب الطعن هي وسيلة المحكمة للكشف عن عيوب الحكم، وهي لا تصلح لذلك إلا إذا بينت مواطن القصور او الخطأ بكيفية واضحة لا لبس فيها ولا غموض، ولما كان الطاعنان قد أوردا عبارات عامة ومبهمة بشأن هذا النعي، ولم يحددا ويوضحا مبلغ الغرامة الذي وقع فيه الحكم المطعون عليه في هذا الخصوص، مما يجعل النعي غير مقبول، وفضلا عن ذلك فانه يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى بتغريم الطاعن الأول بغرامة قدرها تسعمائة واثنان وثلاثون ألف دينارا، ورد مبلغ مائة وستة وسبعون ألف دينارا، وتغريم الطاعن الثاني مبلغ ثلاثمائة واثنا عشر ألف دينار ورد مبلغ مائة وعشرة آلاف دينارا، وكان هذا القضاء قد جاء في حدود طلبات الرقابة الشعبية وفقا للضوابط المنصوص عليها في المادتين 27، 35 من قانون الجرائم الاقتصادية رقم 2 لسنة 1979 م ويكون النعي برمته في غير محله.

  • ثالثا : ينعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه اعتبارهما مساهمين في الجريمة دون أن يحدد وجه المساهمة لكل منهما بوصف الفاعل او الشريك، وأية الاشتراك وفق نص المادة 100 عقوبات، مما يعتبر قصورا من الحكم موجبا للنقض. وحيث إن هذا النعي مردود عليه بأنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه بعد أن استعرض وقائع الاختلاس قوله  هذه الأفعال المادية المتمثلة في استيلاء المتهمين بصفتهما موظفين عموميين بقسم الخزينة بمركز ميناء درنة البحري على الأموال المسلمة إليهما بموجب أذونات التحصيل وإيصالات التوريد …  وانتهى الحكم إلى قيام أركان جريمة الاختلاس في حقهما وأدانهما عنهما بموجب المادة 27 من قانون الجرائم الاقتصادية رقم 2 لسنة 1979 ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد اعتبر الطاعنين فاعلين أصليين، ويضحى هذا النعي في غير محله.
  • رابعا : دفع الحاضر مع الطاعنين بمحاضر الجلسات  جلسة 2002.3.24  بالإحالة على ما ورد بدفاعه أمام غرفة الاتهام، وبما يتضمن التشكيك في صلاحية أجهزة الحاسوب المستعملة منهما أثناء العمل، وناشد المحكمة إحالة الدعوى على الخبرة الفنية، وتشكيل لجنة فنية لفحصها، خاصة وأن الخبير الجمركي لا يعدو عن كونه مقاولا، وقد طلب سماع شهادة من حلا في محلهما في العمل. وبالأوراق ما يفيد عطل الجهاز وعدم صلاحيته حتى أنه اثبت إيرادات المنفذ وقيمتها  14.000.000 مليون دينار  وهو رقم لم ولن تصل إليه إيرادات هذا المنفذ يوما، وتجاهل هذا الدفع من محكمة الموضوع أو الرد عليه بشكل مقتضب، او تنصيب نفسها محل الخبير الحسابي بقولها بأن مطابقة إيصالات القبض بقسائم الإيداع لا تتحقق به المراجعة الصحيحة، وكان الأولى مطابقة الإيصالات المستعملة بتلك المسلمة، ومطابقة الايداعات بقيمة الإيصالات المستعملة، وهذا من صميم عمل خبراء المحاسبة، وكان الأولى بها أن تستجيب لطلب دفاعهما، بإحالة الأوراق إلى الخبرة، وسماع أقوال من حل محلهما في الإدارة لدرايتهما أكثر من غيرهما بطبيعة العمل وإنتاجية شهادتهما في الدعوى، أما وقد أغفل الحكم كل ذلك دون مبرر، وجاء دفاعهما قاصرا على طلب الإحالة للخبرة و سماع الشهادة دون أن يعربا عن طلباتهما النهائية بالبراءة أو طلب أخذهما بالرأفة مما يصم الحكم بالقصور الموجب للنقض.

وحيث إن هذا النعي مردود عليه، حيث جاء في الحكم المطعون فيه بصدد الرد على هذا الدفع قوله  أنه لا يقدح ولا ينال من عقيدة المحكمة واطمئنانها للأدلة السابق الإشارة إليها والتي تنهض على حمل الحكم بالإدانة والتي لها أصل ثابت بسائر أوراق الدعوى، ما شكك به المتهم الأول ودفاعه من ان عطل المنظومة الخاصة بجهاز الحاسوب وهو سبب عدم ظهور هذه الإيصالات محل الجريمة لأن سلطة التحقيق قد كلفت خبيرا في مجال تقنية الحاسوب والبرمجة صاحب الدراية بمنظومة مركز الجمارك وذلك لفحص الأجهزة الموجودة بمركز درنة والذي أكد بعد حلفه اليمين القانونية بأن منظومة الجهازين سليمة ولا يوجد بها أي خلل وان ملفاتها اليومية والشهرية والسنوية تعمل بشكل طبيعي، وان الادعاء بعطلهما مستبعد، كما لم يسبق وأن أبلغ عن أي عطل بالخصوص، وكانت تلك المعاينة في حينها ومنتجة لأثرها وهو الأمر الذي رأت المحكمة من خلاله أنه لا مبرر ولا طائل لإعادة المأمورية بعد أن أفرج عن المتهمين ومضى هذا الوقت الطويل على الواقعة … .

وحيث انه من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بإجابة الدفاع إلى طلبه بندب خبير فني لمعاينة أجهزة الحاسوب لإبداء الرأي في مدى صلاحيتها للعمل مادامت قد رأت أنها في غير حاجة الاستعانة برأيه، في أمر بينته من عناصر الدعوى وما بوشر فيها من تحقيقات.

لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استند إلى رأي الخبير الفني الذي استعانت به سلطة التحقيق من حيث تقريره بصلاحية أجهزة الحاسوب وعدم وجود عطل بها واطمأن إليه، فإنه لا يجوز مجادلتها في ذلك، كما أنه لا يجوز إثارة هذا الجدل أمام هذه المحكمة لأنه من المسائل الموضوعية التي تخرج عن اختصاصها باعتبارها محكمة قانون.

ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد رد على هذا الدفع ردا كافيا وسائغا ولا يشوبه القصور، ويضحى هذا النعي في غير محله.

وعما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه بأن المحكمة نصبت نفسها محل الخبير الحسابي بقولها  إن المراجعة الداخلية بمراكز الجمارك قد حادت عن النهج السليم للمراجعة، اذ ان مطابقة إيصالات القبض بقسائم الإيداعات لا تتحقق به المراجعة، وكان عليهم مطابقة الإيصالات المستعملة بتلك المسلمة للوقوف على المستعمل من الإيصالات وغير المستعمل ثم مطابقة الإيداعات بقيمة تلك الإيصالات المستعملة، ولو كان الأمر كذلك لتم اكتشاف الأمر قبل حصول هذا الضرر الكبير بالمال العام .

وحيث إن النعي في هذا الشق في غير محله، ذلك ان التقديرات التي أوردتها المحكمة هي من قبيل التوجيه لبيان أصول المراجعة الصحيحة حتى لا يضار المال العام، وهي من المعلومات العامة التي يدركها القاضي والإنسان العادي الملم بأولويات المحاسبة، ولا تأثير لها على الحكم المطعون فيه ولا تنبئ بان المحكمة قد نصبت من نفسها خبيرا.

كما أنه من المقرر انه لمحكمة الموضوع كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها، وهي الخبير الأعلى في كل ما يستطيع أن تفصل فيه بنفسها، مادامت المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التي تحتاج إلى خبرة، فإذا كانت المحكمة المطعون في حكمها قد اطلعت على الإيصالات التي تمت جباية الأموال بموجبها من قبل الطاعنين ولم تورد إلى خزينة الجمارك، واعتبرت مجموع قيمة هذه الإيصالات هي قيمة الأموال المختلسة منهما، واطمأنت إلى تقرير المكتب الفني للرقابة الشعبية في هذا الشأن، فإنه لا يجوز مصادرة المحكمة فيما خلصت إليه.

وحيث انه عن النعي بعدم استجابة المحكمة لسماع شهادة من حلا محل الطاعنين في عملهما، فانه يبين من الحكم المطعون وهو بصدد التدليل على قيام جريمة الاختلاس في حق الطاعنين قوله  وحيث ان المحكمة ترى أن الأفعال المادية التي أتاها المتهمان والمتمثلة في حق الأول من خلال عدم إيداعه لحصيلة المبالغ الموردة ببعض الإيصالات، مثل الإيصال رقم 1991997 بتاريخ 1429.12.4 بقيمة قدرها أربعون ألفا ومئتان وستون دينارا، والإيصال رقم 1992079 بتاريخ 1429.12.7 بقيمة قدرها ثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وتسعون دينارا، والإيصال رقم 1992471 بتاريخ 1430.1.4 بقيمة قدرها ثلاثون ألفا وخمسمائة وأربعة وستون دينارا – وغيرها وبما مجموعه أثنين وعشرين إيصالا. وفي حق الثاني من خلال عدم إيداعه المبالغ المورد ببعض الإيصالات، مثل الإيصال رقم 1991822 بتاريخ 1429.11.7 بقيمة قدرها أربعة وستون ألفا وخمسمائة وستة وثمانون دينارا والموردة عن طريق شركة البياضة بموجب الإقرار رقم 111، والإيصال رقم 1991757 بتاريخ 1429.10.28 بقيمة قدرها خمسة وعشرون ألفا وتسعمائة واثنان وخمسون دينارا والموردة عن طريق تشاركية نور الحياة بموجب الإقرار رقم 93، والإيصال رقم 1991913 بتاريخ 1429.11.21 بقيمة قدرها أربعة وعشرون ألفا ومئتان وأربعة وعشرون دينارا والموردة عن طريق شركة البياضة بموجب الإقرار رقم 127، والإيصال رقم 1992215 بتاريخ 1429.12.18 بقيمة قدرها عشرون ألفا والموردة عن طريق شركة الهضاب بموجب الإقرار رقم 211 وغيرها حتى بلغت مجموع الإيرادات المستولى عليها مائة وستة وخمسون ألفا من الثاني وأربعمائة وستة وسبعون ألفا من الأول وهذه الأفعال المادية المتمثلة في استيلاء المتهمين بصفتهما موظفين عموميين بقسم الخزينة بمركز ميناء درنة البحري على الأموال العامة المسلمة إليهما بموجب أذونات التحصيل وإيصالات التوريد الصادرة عن بعض الشركات والتشاركيات والخواص، وتصرفهما فيها تصرف المالك في ملكه بعدم إيداعها في الحسابات المخصصة لذلك بالمصرف المختص والثابتة في حقهما من خلال ظهور العجز بين الإيصالات المسلمة إليهما وتلك المستعملة في التوريد والتحصيل بموجب محضر المراجعة، وكذلك تقرير المكتب الفني للرقابة الشعبية، وعدم إنكار المتهمين تحرير كل منهما لمجموعة من الإيصالات، سواء أثناء قيام المتهم الأول بمهام أعماله كرئيس للخزينة وأمين عليها او أثناء تولى الثاني هذه المهام في غياب الأول في إجازته السنوية وفترة انتدابه لقضاء العمل العسكري. وقد توافر الركن المعنوي لجريمة الاختلاس بإضافة المتهمين المال العام المستولى عليه إلى ملك كل منهما وتصرفاتهما فيه بنية المالك بدليل وجود ما تبقى من هذا المال في حيازتهما الخاصة، حيث أودع شقيق المتهم الأول وبأمر منه مبلغ ثلاثمائة ألف دينار نقدا فور القبض عليه وفقا للمستندات الرسمية واعترافات ذلك المودع وإفادة موظف مصرف الوحدة فرع درنة، وأودع شقيق المتهم الثاني مبلغ خمسة وأربعون ألف دينار نقدا، وهو الأمر الذي دلل بشكل صريح وواضح على واقعة الاختلاس المادية ونية التملك، الأمر الذي تنتهي معه المحكمة إلى قيام أركان جريمة اختلاس الموظف العام للمال العام المسلم إليه بحكم وظيفته في حق المتهمين ويتعين إدانتهما عن ذلك …

وحيث أن هذه الأدلة التي ساقها الحكم المطعون فيه كافية لحمل قضاء الإدانة، و سائغة تتفق مع العقل والمنطق، ولها أصلها الثابت في أوراق الدعوى.

لما كان ذلك وكان الحكم المطعون لم يستجب لسماع شاهدي النفي اللذان طلب دفاع الطاعنين سماعهما ولم يرد به ما يبين أسباب عدم سماعهما، وكان من المقرر أن شهادات شهود النفي من الأدلة الموضوعية الخاضعة لتقدير قاضي الموضوع، فله أن يأخذ بها، أو يرفضها أو يعرض عن سماعها إذا رأى عدم جدواها في الدعوى، ورأى أن من الأدلة الأخرى المعروضة عليه ما يقطع باقتناعه ما دام أنه بنى حكمه على أسباب سائغة يقبلها العقل، الأمر الذي يضحى معه النعي في هذا الصدد في غير محله.

  • خامسا: ينعى الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه استدل على نية الاختلاس بوجود متبقي لما استوليا عليه بحوزتهما، بإيداع شقيق الأول بعض المبلغ وإقرار المودع وفق إفادة موظف مصرف الوحدة فرع درنة، وهذه مجرد تخمينات لا أصل لها بالأوراق، فالإيداع الذي تم كان استجابة منهما للعرف القبلي للطاعنين لا تسليما منهما بقيام الاتهام وإذا عدت المحكمة المطعون على قضائها ذلك قرينة على الثبوت فقد فسد استدلالها ووجب نقض الحكم لذلك.

وحيث إن هذا النعي مردود عليه حيث جاء في الحكم المطعون فيه        وبسماع أقوال شقيق المتهم الأول الذي قام بإيداع المبلغ  300 ألف دينار  أفاد بأنه قد أودعه بناء على طلب شقيق وبمرافقة ابنه وكان نقدا وقد سلمه له أثر القبض عليه … وبسماع أقوال من أودع المبلغ  45 ألف دينار  عن المتهم الثاني أفاد بأنه أودعه بناء على تعليمات المتهم المذكور وبسماع أقوال شقيق المتهم الثاني والذي أودع مبلغ  110.797 ألف دينار  بحساب مركز الجمارك رقم 51552 بموجب الصك رقم 47883 في 2000.7.13 أفاد بأنه يمثل إيرادات للمركز كان شقيقه قد أعارها لبعض الأشخاص وعند حبسه أحضروها فقام بإيداعها … . ولقد دلل الحكم المطعون فيه على قيام جريمة الاختلاس في حق الطاعنين من خلال هذه الإيداعات وفقا لما جاء في أسبابه التي وردت عند الرد على النعي الرابع في هذا الطعن.

وحيث انه من المقرر قانونا، وما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة أن تقدير الدليل والموازنة بينه وبين دليل آخر وأخذ المحكمة بما تطمئن إليها منها وترك ماعداه مما لم تطمئن إليه هو مما يدخل في سلطتها التقديرية التي لا معقب عليها في ذلك، طالما استندت إلى دليل قائم في الدعوى وكان استخلاصها سائغا ويؤدي في منطق سديد إلى ما رتب عليه.

ولما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص النتيجة التي توصل إليها بإدانة الطاعنين عن جريمة الاختلاس المسندة إليهما من مجموع الأدلة التي عرضت عليه ومن بينها قرينة إعادة إيداع بعض المبالغ المستولى عليها من قبل الطاعنين، فان استخلاصه يكون سائغا ويؤدي في منطق سديد إلى ما رب عليه، ويكون الجدل في تقدير الدليل أمام هذه المحكمة أمر غير صحيح قانونا.

سادسا :- خلت أسباب الحكم المطعون عليه من تبرير العقوبة خلافا لنص المادة 28 من قانون العقوبات، مما يصم الحكم بالقصور في التسبيب الموجب لنقض. وحيث ان هذا النعي مردود عليه بما جاء في الحكم المطعون فيه عند تبرير العقوبة المقضي بها بقوله  وتقدر المحكمة العقوبة في حق الثاني بالحد الأدنى للعقاب المقرر بالمادة 35 المذكورة، وتأخذ المتهم الأول بالشدة اهتداء بالمادتين 27، 28 عقوبات بمراعاة مركزه الوظيفي كأمين للخزينة فتصرفه هو الذي حرض الثاني على ذلك، فلو كان أمينا فعلا لما أقدم غيره على هذا الفعل، وترى في مدى القصد في ارتكاب الفعل وما ينم عن ضعف نفسي شديد وغياب كبير للوازع الديني الذي يحث على تحريم مال الغير إلا بالحق ….

وحيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على أنه إذا كانت العقوبة الموقعة على المتهم تمثل الحد الأدنى للعقوبة المقررة للجريمة المدان بها فانه لا تكون له مصلحة في النعي على الحكم بعدم تبريره للعقوبة الموقعة عليه، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أوقع على الطاعن الثاني الحد الأدنى لعقوبة الجريمة المدان بها فان ما ينعاه على الحكم من قصور في التسبيب يكون غير مقبول.

كما أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه ليس بلازم على الحكم أن يقيم تقديره للعقوبة على تسبيب مفصل يستعرض فيه جميع العناصر التي قررتها المادة 28 عقوبات لتستهدي بها المحكمة في تقديرها وإنما يكفي لسلامته أن يبرز منها ما يكون متوافرا في الدعوى وله تأثير في تقدير العقوبة الأمر المتحقق في الحكم المطعون فيه الذي استهدى في تقديره للعقوبة المقضي بها على الطاعن الأول بسلوكه وضعف نفسه وغياب الوازع الديني وعدم محافظته على الأموال التي أؤتمن عليها، وكل ذلك يبرر تقديره للعقوبة المقضي بها وينأى به عن القصور الذي ينعاه عليه الطاعن.

وبناء على ما تقدم فان الطعن برمته يكون قائما على غير أساس من القانون ويتعين القضاء برفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول طعن الطاعنين شكلا وفي الموضوع برفضهما.