طعن مدني رقم 90/ 46ق
طعن مدني رقم 90/ 46ق
خلاصة المبدأ
تفسير عبارات العقد وفهم نية المتعاقدين من سلطة محكمة الموضوع – شرطه.
الحكم
الوقائع/ أقام المطعون ضده الدعوى رقم 696 لسنة 1994ف أمام محكمة طرابلس الابتدائية ضد الطاعنة، وكل من الممثل القانوني لمصرف الادخار والاستثمار العقاري، ومدير فرع المصرف بطرابلس، وكبير محضري محكمة طرابلس الابتدائية، قائلا في بيانها: إنه اتفق مع المدعى عليها الأولى على إبرام عقد صلح تضمن تنازله عن شقته السكنية التي اشتراها من المدعى عليهما: الثاني، والثالث، نظير أن تسلمه الحلي والمجوهرات الخاصة بها، وتم إثبات ذلك واعتباره بموجب حكم محكمة المدينة الجزئية في الدعوى رقم 389 لسنة 1992ف، وعلى إثر ذلك قامت المدعى عليها الأولى بمساعدة المدعى عليهما: الثاني، والثالث، بتغيير عقد الشقة باسمها بدعوى أنها نفذت ما اتفقا عليه صلحاً وأنها ستسلمه الحلي الخاص به الذي اشتراه لها، أما ما ورد في عقد الصلح بشأن تنازلها عن جميع الحلي الخاص بها والذي في حوزتها وملكها فلم يتم تسليمه له رغم أنه أخطرها وبين لها مفرداته، وانتهى في دعواه إلى طلب الحكم ببطلان إجراءات التنفيذ المتخذة من قبل المدعى عليهم على شقته، وبإبطال عقد الصلح وبطلان عقد الشقة المبرم بين المدعى عليها الأولى والمدعى عليهما: الثاني، والثالث، وبصحة ونفاذ العقد المبرم بين المدعي والمدعى عليهما: الثاني، والثالث، في الشقة سالفة الذكر مع إلزامهم متضامنين بتسليمها له خالية من الشواغل والأشخاص وبأن يدفعوا له مائة ألف دينار تعويضاً عن الأضرار التي تسببوا فيها، وقضت محكمة أول درجة بإخراج المدعى عليهما: الثاني، والثالث، من الدعوى لعدم الصفة، وباعتبار عقد الصلح المبرم بين المدعي والمدعى عليها الأولى صحيحاً مع إلزام المدعى عليها الأولى بتنفيذ الالتزام بتسليم الحلي الوارد ذكرها في محضر الإشهاد، فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم أمام محكمة استئناف طرابلس التي قضت بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وببطلان عقد الصلح وببطلان إجراءات التنفيذ على العقار التي انبنت عليه.
” وهذا هو الحكم المطعون فيه”.
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 1998.2.26ف، ولا يوجد بالأوراق ما يفيد إعلانه، وقرر محامي الطاعنة الطعن عليه بطريق النقض لدى قلم كتاب المحكمة العليا بتاريخ 1999.1.6ف، مسددا الرسم والكفالة، ومودعاً مذكرة بأسباب الطعن، ومذكرة شارحة، وسند وكالته، وصورة رسمية من الحكم المطعون فيه، ثم أودع بتاريخ 1999.1.14ف أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضده في اليوم السابق، وبتاريخ 1999.2.14ف أودع محامي المطعون ضده مذكرة رادة بدفاعه بعد أن كان قد قدم سند وكالته بجلسة نظر طلب وقف التنفيذ، وقدمت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها رأيها بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه مع الإحالة، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت على رأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه المقررة في القانون، فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، إذ أنه لم يحصل وقائع الدعوى على وجهها الصحيح واعتبر أن المفهوم من محضر الصلح تنازل الطاعنة عن جميع ما تملك من حلي خاص بها سواء الذي أتاه المطعون ضده أم غيره، ورتب الحكم على ذلك أنه ليس هناك تحديد ناف للجهالة ومعلومات لدى الطرفين، أن وانتهى إلى القضاء ببطلان عقد الصلح موضوع الدعوى، في حين الطرفين تقدما بعقد صلح موقع منهما إلى محكمة المدينة الجزئية، وأن ما أثبت في المحضر لم يكن سوى مجرد محتوى لهذا التصالح المكتوب الموقع من الطرفين.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك أنه وإن كان لمحكمة الموضوع السلطة في تفسير عبارات العقد وتفهم نية المتعاقدين لاستنباط الواقع منها، وأنه متى كانت عبارات العقد واضحة في الإنباء عن المقصود فلا يصح تفسيرها أو تأويلها على خلاف ما تنبئ عنه، إلا أنه إذا شاب العقد لبس أو غموض فيجب على المحكمة البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين.
وحيث إن الثابت من أوراق الطعن أن طرفي النزاع أبرما إشهاداً على الطلاق مع الإبراء ووقعا عليه مع شاهدين، وهو يتضمن تحديداً لما تم الاتفاق عليه بينهما وهو التزام المطعون ضده بإتمام الإجراءات للطاعنة على الشقة رقم 14 بالعمارة 32 بشارع عمر المختار، والتزام الطاعنة بأن تعيد للمطعون ضده الذهب الذي أتى به إليها وهو عبارة عن القلادة والشنبير وطقم الزواج عدا السوار الذي تصرفت فيه، وتشير الشهادة الرسمية الصادرة عن قلم كتاب محكمة المدينة الجزئية والمودعة بملف الطعن إلى أن صورة من محضر الصلح المشار إليه كانت معروضة على المحكمة المذكورة في الملف رقم 389 لسنة 1992، وهو ملف الدعوى التي قرر فيها القاضي إثبات ما اتفق عليه الطرفان صلحاً وجعله في قوة السند الواجب النفاذ واعتباره. وحيث إن الثابت من الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه ببطلان عقد الصلح وبطلان الإجراءات التي انبنت عليه على أن محضر الصلح لم يشر الى أي اتفاق سابق بين الطرفين ولم يلحق بأي بيان مرفق ومنفصل لمفردات الحلي، وأن تنازل المدعى عليها عن جميع الحلي مقابل تنازل المدعي عن بيت الزوجية قد يفهم منه وبصفة عامة تنازلها عن جميع ما تملك من حلي خاص بها سواء الذي أتاه إياها المستأنف أم غير ذلك دون تحديد لأي قطع أو مصوغات تحديداً نافياً للجهالة ومعلوماً لدى الطرفين، من حيث العدد والوزن والتسمية، وأن عدم بيان وتحديد الحلي والمصوغات الخاصة بالمستأنف عليها التي يطالب المستأنف المستأنف عليها بأن تتنازل عنها له هو أمر لا يتفق مع الواقع والقانون ومن شأنه أن يرتب بطلان الصلح لعدم تلاقي إرادة الطرفين على مضمونه وتحديد مشتملاته، فإن مفاد ذلك أن الحكم المطعون فيه وقف عند المعنى الحرفي لعبارة (( جميع الحلي )) الواردة في محضر الصلح الموقع من القاضي، ولم يبحث عن النية المشتركة لدى المتعاقدين من خلال الإشهاد على الطلاق مع الإبراء الموقع منهما، والذي كان معروضا على القاضي الذي قرر اعتماد الصلح بين الطرفين، وكان واضحاً من خلاله تلاقي إرادتهما على تحديد مفردات الحلي التي التزمت الطاعنة بإعادتها إلى المطعون ضده مقابل إتمام الإجراءات لها على الشقة المبينة في ذلك الإشهاد، ومن ثم فإن الحكم يكون قد شابه القصور بما يوجب نقضه مع الإحالة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وبإحالة القضية إلى محكمة استئناف طرابلس للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى، وبإلزام المطعون ضده بالمصروفات.