طعن مدني رقم 269/ 48ق
طعن مدني رقم 269/ 48ق
خلاصة المبدأ
لا تتناول محكمة النقض من الحكم المطعون فيه إلا ما تناولته أسباب الطعن – أساس ذلك.
الحكم
الوقائع/ أقام الطاعن وآخرون الدعوى رقم 1468 لسنة 1993ف اف أمام محكمة طرابلس الابتدائية مختصماً الشركة المطعون ضدها، قال شرحاً لها: إنه التحق بالعمل لدى الشركة المدعى عليها في 1979.7.1ف، وظل يعمل بها إلى أن فوجئ بإنهاء خدماته بتاريخ 1993.3.21ف، وانتهى إلى طلب وقف تنفيذ قرار الفصل وإعادته لسابق عمله، وفي الموضوع بإلغاء قرار الفصل، وبجلسة 1993.10.31ف قضت المحكمة برفض الدعوى. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 219 لسنة 40 ق أمام محكمة استئناف طرابلس التي قضت بإلغاء الحكم المستأنف فيما يتعلق بمستحقات المستأنفين، وبالزام المستأنف عليه بصفته بأن يدفع لكل واحد منهم مستحقاته حسبما هو وارد بتقرير الخبير، وبرفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك، قرر محامي الطاعن الطعن في هذا الحكم بالنقض بتقرير أمام المحكمة العليا، قيد تحت رقم 267 لسنة 42ق التي قضت بتاريخ 2000.1.31ف بنقض الحكم مع الإعادة، قام الطاعن بتحريك استئنافه من جديد أمام محكمة استئناف طرابلس التي قضت برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف.
” وهذا هو الحكم المطعون فيه
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 2001.3.15ف، ولا يوجد في الأوراق ما يفيد إعلانه، وبتاريخ 2001.5.12ف قرر محامي الطاعن الطعن فيه بطريق النقض بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة العليا، مودعاً سند الوكالة، ومذكرة بأسباب الطعن، وأخرى شارحة، وصورة رسمية من الحكم المطعون فيه، وأخرى من الحكم الابتدائي وحافظة بمستنداته.
وبتاريخ 2001.5.17ف أودع أصل ورقة إعلان الطعن معلنة للمطعون ضدها في اليوم السابق. وبتاريخ 2001.6.19ف أودع محامي الشركة مذكرة رادة مشفوعة پسند وکالته.
قدمت نيابة النقض مذكرة برأيها انتهت فيها إلى رفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره أصرت على رأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلاً.
وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، من الوجوه التالية:-
الوجه الأول:- أن الحكم المطعون فيه تجاهل القواعد والخطوط التي رسمتها المحكمة العليا عند نقضها للحكم الاستئنافي الأول حيث لم تعالج المحكمة أوجه القصور الواردة فيه وخلصت في حكمها إلى عبارات عامة لا تنبئ عن دراسة جادة للدعوى، وما قدمه الطاعن من أسانيد، حيث لم يتطرق لمسألة الإعلان ولا إلى مبررات الفصل.
الوجه الثاني:- أن الحكم المطعون فيه لم يقم ببحث الخصومة ودفوع الأطراف، وما قدموه من مستندات خلافاً لحكم المحكمة العليا الصادر في الطعن المرفوع من الطاعن الذي لم يلزم المحكمة بتطبيق قواعد محددة على موضوع الدعوى، بل وجهها إلى تصحيح أخطاء إجرائية وعيوب في الحكم من حيث قواعد التسبيب وتلافي أوجه الإخلال بحق الدفاع.
الوجه الثالث:- أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي في كامل قضائه برفض الدعوى، وهذا يخالف حكم المحكمة العليا عند نقضها للحكم الاستئنافي السابق، لأن النقض انصب على الشق الثاني من الحكم المتعلق برفض طلب إلغاء قرار فصل الطاعن وإعادته لسابق عمله دون أن يتعلق بالتعويض الذي لم يكن محلا للطعن بالنقض، ولم يتطرق إليه الحكم وبالتالي فإن إعادة طرح الخصومة أمام محكمة الاستئناف يكون مقيداً بالشق الثاني دون الشق الأول.
الوجه الرابع:- أن الحكم المطعون فيه خالف المادة 273 من قانون المرافعات حيث لم يورد الوقائع على نحو صحيح، وأنه تجاهل الدفوع والردود القانونية التي أبداها الطاعن على نحو مبتسر تعسفاً منه لموافقة – النتيجة التي انتهى إليها، من ذلك أنه افترض علم الطاعن بالإخطار الموجه إليه، كما افترض صحة القرار وقانونيته، واعتبرها من المسلمات دون دليل، فالطاعن أنكر وصول الإخطار إليه، ولم تثبت المطعون ضدها أنها سلمته له بأي طريق معتمد قانوناً.
الوجه الخامس:- أن الحكم أيد الحكم الابتدائي القاضي برفض الدعوى مخالفاً المادة 46 من قانون العمل التي تعطي لرب العمل حق إنهاء العقد، غير محدد المدة بشرط عدم التعسف في استعمال هذا الحق وإخطار الطاعن وفقاً للضوابط المنصوص عليها بالمادة 52 من قانون العمل، بل إن ما قدمته من مبررات قد تم رفضها من الجهات المختصة، وطلب إليها الاستمرار في تشغيل الطاعن ومن معه.
الوجه السادس:- أن الأصل في التعويض هو إعادة العامل إلى عمله إن كان فصله تعسفياً، وهو ما يعبر عنه بالتعويض العيني، فإن لم تر المحكمة ذلك قضت له بالتعويض المناسب، فقرار الفصل لا يترتب حرمان العامل من التعويض الذي لم تقم في حقه مبررات جدية لفصله.
وحيث إن النعي في الأوجه: الأول، والثاني، والرابع، والخامس، والسادس، في غير محله، ذلك أنه لقاضي الموضوع سلطة كاملة في بحث الأدلة والمستندات المقدمة له في الدعوى والموازنة بينها وترجيح ما تطمئن نفسه إلى الأخذ به منها وفي استخلاص ما يرى أنه واقعة الدعوى دون رقابة للمحكمة العليا عليه في هذا الشأن، متى كان عمله هذا له أصل ثابت بالأوراق، وينتهي بمنطق سليم إلى النتيجة التي رتبها عليه.
لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أورد دفوع الطاعن ورد عليها بقوله: (( وحيث إن هذا الدفاع غير صحيح من ناحية الواقع أو القانون ذلك أنه فيما يتعلق بالواقع فإن الثابت من أوراق ومستندات الدعوى أن الشركة المستأنف عليها لم تكن متعسفة في قرارها بالاستغناء عن خدمات المستأنف لديها بل تم ذلك لظروف اقتصادية ألمت بها جعلتها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه بعض العاملين لديها ويدل على ذلك:-
- تنازل الشركة عن موقعها الكائن بالفلاح للشركة المغاربية بما في ذلك أجهزة الهاتف الخاصة بالشركة.
- الخطاب الموجه من الشركة إلى الهيئة العامة للقوى العاملة بطرابلس والتي مفادها أن الاحتفاظ بكل العاملين لديها سوف يحملالشركة مسؤولية قانونية بسبب عدم قدرتها على دفع مرتباتهم وحقوقهم والمؤرخة في 1993.6.22ف .
- التقرير المقدم من المحاسب والمراجع القانوني للشركة المستأنف عليها بتاريخ 1993.7.18ف والذي مفاده أن الشركة المستأنف عليها متوقفة كلياً عن مزاولة العمل منذ شهر الربيع سنة 1992ف، وأنها لم تحقق أي دخل منذ ذلك التاريخ، بل إنها حققت خسائر مالية متواصلة طيلة السنوات الثماني السابقة، وأخيراً إخطار الشركة المستأنف بواسطة البريد المسجل رغبتها في إنهاء خدماته معها عملاً بالمادة 46 من قانون العمل،أما من الناحية القانونية فإنه كما ورد بأسباب الحكم المستأنف فإن عقد المستأنف مع الشركة المستأنف عليها أصبح من العقود غير محدد المدة وأن الشركة المستأنف عليها أنذرت المستأنف طبقاً للمادة 46 من قانون العمل وأبدت الاستعداد لتسليمه مستحقاته……. وانتهى الحكم إلى أن الشركة قامت بما يسمح به القانون ويوجبه، وأن المستأنف لم يثبت عكس ذلك، ومن ثم فإن فصل المستأنف لا تعسف فيه ((، فإن ما انتهى إليه الحكم على هذا النحو يكون قد تناول دفوع الطاعن ورد عليها بأسباب سائغة ومقبولة ولها أصل ثابت بالأوراق، يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، ويكون ما ينعاه الطاعن في هذه الوجوه على غير أساس متعين الرفض.
وحيث إن النعي في وجهه الثالث سديد، ذلك أن النقض لا يتناول من الحكم المطعون فيه إلا ما تناولته منه أسباب الطعن التي حكم بقبولها وبني النقض على أساسها، فإذا كان الحكم متعدد الأجزاء، وكان لكل جزء موضوعه وسببه متميزين ومستقلين عن موضوعات الأجزاء الأخرى وأسبابها، وكان الطعن في بعضها دون بعض، فإن النقض مهما تكن صيغة الحكم الصادر به لا يكون إلا جزئياً، لا يتناول من الحكم المطعون فيه إلا ما تناولته منه محكمة النقض، وقبلته بناء على أسباب الطعن المفصلة في تقريره.
لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات حكم المحكمة العليا في الطعن المدني رقم 267 لسنة 42 ق المقام من الطاعن أنه تناول من أسباب الطعن الجزء المنصب على واقعة فصل الطاعن وإعادته لسابق عمله دون غيرها من الأسباب، وقضي الحكم بنقض الحكم المطعون فيه في هذا الجزء مؤسساً قضاءه على أن ما أبداه الطاعن من دفوع ودفاع، وما قدمه من مستندات أمام محكمة الموضوع، لو تم بحثها والرد عليها فإنه قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى، ولم يتعرض حكم النقض في أسبابه المستحقات الطاعن العمالية المحكوم بها وفقا لتقرير الخبير لعدم الطعن فيها بالنقض من قبل الطاعن، أو الشركة المطعون ضدها، بما يكون معه قضاء محكمة الموضوع في هذا الجزء قد اكتسب قوة الشيء المحكوم به، ويترتب على ذلك أنه يمتنع على محكمة الإحالة عند نظرها للدعوى من جديد التعرض له احتراما لحجية الأحكام، وكانت محكمة الإحالة لم تلتزم هذا النظر وقضت برفض الاستئناف وتأييد الحكم الابتدائي في كامل قضائه برفض الدعوي، ولم تقصر قضاءها على واقعة فصل الطاعن وإعادته لسابق عمله وفقا لحكم المحكمة العليا المشار إليه، فإنها تكون قد خالفت القانون بما يوجب نقض الحكم في هذا الشق، لما كان ذلك، وكانت أوجه النعي الأخرى سبق رفضها على ما سلف بیانه، وكان مبنى النقض في هذا الشق مخالفة القانون، وكان الموضوع صالحاً للفصل فيه، فإن المحكمة تقضي فيه وفقاً للقانون عملاً بالمادة 358 من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً فيما قضى به من رفض مستحقات الطاعن العمالية، وفي موضوع الاستئناف رقم 219 لسنة 40ق طرابلس بالغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى وبإلزام الشركة المستأنف ضدها بأن تدفع للمستأنف مستحقاته العمالية المبينة بتقرير الخبير، وبتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك، وبإلزام الشركة المطعون ضدها بالمصروفات عن جميع مراحل التقاضي.