أدوات الوصول

Skip to main content

طعن جنائي رقم 54/ 53ق

نشر في

طعن جنائي رقم 54/ 53ق

خلاصة المبدأ

  1. الرجوع إلى السلطات العامة للاستعانة بها – متى يصلح أن يكون سببا لنفي قيام حالة الدفاع الشرعي.
  2. قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفائها، يخضع لسلطة محكمة الموضوع – شرطه.
  3. مجرد إصابة المجني عليه في مقتل لا يدل بذاته على توافر نية القتل – بيان ذلك.

الحكم

الوقائع/ اتهمت النيابة (…) لأنه بتاريخ 2000.7.19 بدائرة مركز شرطة حى الأندلس:- قتل عمدا المجني عليه (…)، بأن قام بطعنه بسكين في صدره ناحية القلب بنية قتله، فألحق به الإصابات البليغة التي أدت إلى وفاته، والمبيئة بتقرير الطب الشرعي وعلى النحو الوارد بالأوراق.

وقدمته إلى غرفة الاتهام بمحكمة شمال طرابلس الابتدائية، وطلبت إحالته إلى محكمة استئناف طرابلس – دائرة الجنايات – لمحاكمته عما نسب إليه بالمادتين 1، 2 من القانون رقم 6 لسنة 23 بشأن أحكام القصاص والدية المعدل بالقانون رقم 1430/7، والغرفة قررت ذلك والمحكمة المذكورة نظرت الدعوى وقضت حضوريا بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة عشر سنوات عما نسب إليه، وبمصادرة أداة الجريمة المضبوطة، وبلا مصاريف جنائية.

وهذا هو الحكم المطعون فيه.

إجراءات الطعن

صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 2005.8.7 ف، وقرر المحكوم عليه الطعن فيه بطريق النقض من داخل السجن الرئيس بطرابلس بتاريخ 2005.8.9، وبتاريخ 2005.10.5 ف أودع محاميه لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم مذكرة بأسباب الطعن موقعة منه.

كما قررت النيابة العامة الطعن في الحكم بطريق النقض، حيث حضر أحد أعضائها لدى القلم المذكور سلفا وقرر لديه الطعن بالنقض بتاريخ 2005.10.3، كما أودع لديه بذات التاريخ مذكرة بأسباب الطعن حضر موقعة منه.

وقدمت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني، خلصت فيها إلى الرأي بقبول طعن النيابة العامة شكلا، وفي الموضوع برفضه، وبقبول طعن المحكوم عليه شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه مع الإعادة.

وهذه المحكمة حددت لنظر الطعن جلسة 2006.3.26 ف، وفيها نظر، حيث تلا المستشار المقرر تقرير التلخيص، وسمعت الدعوى، وتمسكت نيابة النقض برأيها السابق، ثم حجزت للحكم فيها بجلسة اليوم.

الأسباب

من حيث إن طعني النيابة العامة والمحكوم عليه قد حازا كافة أوضاعهما المقررة لهما في القانون، لذا فهما مقبولان شكلا.

وحيث إن النيابة الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه خطأه في تطبيق القانون، وفساده في الاستدلال، لتعديله للتهمة المسندة إليه من قبل النيابة من تهمة القتل العمد إلى تهمة الضرب المفضي إلى الموت، تأسيسا على أن نية القتل لم تكن متوافرة لدى المتهم المطعون ضده، مع أن سبب الوفاة كما اثبتها التقرير الطبي ناتجة عن طعنة بالصدر ناحية القلب، أي أن المتهم طعن المجني عليه في مقتل، ومن ذلك تستظهر نية القتل، كما أن الأداة المستعملة في الجريمة هي اداة قاتلة بطبيعتها، وهي سكين كبير الحجم وفق ما جاء في شهادة شقيق المجني عليه الذي ذكر أن المتهم سحب السكين من صدر شقيقه بقوة بعد قيامه بطعنه، كما أن الشاهد (…) أكد في شهادته أنه رافق المتهم إلى قرية غرناطة، وهناك افترقا، وبعد فترة سمع أن المتهم يتشاجر مع أشخاص، لذا ذهب إليه لفض النزاع وبوصوله وجد المتهم يلوح بالسكين يمينا ويسارا، وذلك ما يدحض ما ذكره المتهم من أنه تحصل على أداة الجريمة من المحني عليه، وهذه الأمور كلها تؤكد توافر نية القتل لديه، ومن ثم فالحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى عدم توافرها لديه يكون مخطئا في تطبيق القانون، وفاسدا في الاستدلال على نفي توافرها، سيما وأنه لا يجوز الاستناد في نفيها على أقوال المتهم المطعون ضده، من أنه لم يكن ينوي قتل المجني عليه، خصوصا وأنه عاد وأنكر قيامه بطعن المجني عليه، مع أن شهود الواقعة أثبتوا ذلك، ومن ثم فإن النيابة الطاعنة واستنادا إلى ما سلف تطلب نقض الحكم المطعون فيه مع الإعادة.

وحيث إن مما ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه ورغم إقراره ضمنيا بتوافر كافة شروط قيام حالة الدفاع الشرعي رأى بأن تلك الحالة منتفية لإمكانية أن يلجأ الطاعن إلى رجال السلطة العامة، مع أن الواقع القائم والذي كان الطاعن واجه فيه شخصيا من كان يلاحقه و يصرعلى أديته وبأداة من شأنها أن تحدث القتل أو الجروح البالغة في الحال وهي العكاز – القيلة – فكيف يتسنى للطاعن في مثل هذه الظروف أن يلجأ إلى رجال السلطة العامة، خاصة مع ما تقرره المحكمة العليا بوجوب معالجة ظروف حالة الدفاع الشرعي من خلال نفسية المدافع في ظروفه الحرجة التي يناط به هو دون غيره الخروج من مأزقها، الأمر الذي يجعل الحكم قد جاء قاصرا في أسبابه ومخلا بحق الدفاع لرده على دفعه بأنه كان في حالة دفاع شرعي بما سلف، ومن ثم فالحكم المطعون فيه جدير بالنقض مع الإعادة.

وحيث إنه من المقرر أن مجرد ارتكاب الفعل المادي الذي من شأنه إحداث الوفاة لو أصاب مقتلا لا يدل بذاته على نية مقترفه في إزهاق الروح، لأن هذه النية قائمة في ذهن الجاني، ويلزم للقول بتوافرها أن يعترف بها الفاعل اعترافا صريحا، أو يستدل عليها بمظاهر خارجية تؤدي عقلا ومنطقا إلى القول بتوافرها، وكان تقدير توافر هذه النية من عدمه من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع دون تعقيب عليها في ذلك متى كان استخلاصها لما انتهت إليه في هذا الشأن سائغا ومرتدا إلى أصوله بأوراق الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه، وكما يبين من مدوناته قد عدل قيد ووصف الاتهام المسند للمتهم من تهمة القتل العمد المعاقب عليها بمقتضى المادتين 1، 2 من القانون رقم 6 لسنة 23 بشأن أحكام القصاص والدية وتعديلاته إلى تهمة الضرب المفضي للموت المعاقب عليها بمقتضى المادة 374 من قانون العقوبات، تأسيسا على أن انية إزهاق الروح لم تكن متوافرة لدى المطعون ضده (المتهم)، حيث أورد في هذا الشأن قوله: [ فقد تأكد لدى المحكمة بأن نية إزهاق روح المحني عليه لم تكن متوافرة في حق المتهم، إذ إن المتهم قام بطعن المجني عليه طعة واحده ولم يكرر ذلك للتأكد من وفاته، بل أنه ذهب ولا يعلم هل مات أم لا بدليل أنه حضر لرفيقه الذي كان معه ذاكرا له أنه ضرب المجني عليه بسكين ولم يذكر له أنه قتل المجني عليه، وحيث كان ذلك وأن القتل العمد يشترط قصدا خاصا، وهو نية إزهاق روح المجني عليه، وهو ما لم تتأكد منه المحكمة، ولا يوجد بالأوراق ما يدل عليه بشكل واضح وفق ما جاء بالعديد من احكام المحكمة العليا، لذلك فإن المحكمة تأكد لديها أن الواقعة لا ينطبق عليها قانون القصاص والدية، إذ إن الواقعة هي عبارة عن جرح أفضى للموت، ومن ثم فإن قانون العقوبات هو القانون الواجب التطبيق دون غيره ]، ثم أورد الحكم أن التهمة المسندة للمتهم – المطعون ضده – بعد تعديلها ثابتة في حقه بكامل أركانها، وأورد تأسيسا لقضائه بذلك قوله: ( وذلك تأسيسا على إقرار المتهم بأنه قام بطعن المجني عليه بسكين في صدره طعنة واحدة، وذلك بمحضر ضبط الواقعة، وأن السكين كان كبير الحجم، وأن نصاب السكين المضبوط هو نفسه الذي قام بطعن المجني عليه به وقد تأيد ذلك بما ذكره شقيق المجني عليه بشهادته استدلالا وتحقيقا وأمام الغرفة بأن المتهم هو من قام بطعن المجني عليه بسكين في صدره طعنة واحدة عندما هم بالنزول من المركبة… إلخ).

لما كان ذلك، ومتى كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن نية إزهاق روح المجني عليه لم تكن متوافرة لدى المطعون ضده، لأنه قام بطعنه طعنة واحدة بالسكين، ولم يكرر ذلك للتأكد من وفاته، وأنه ذهب دون أن يعلم ما إذا كان قد مات أم لا، بدليل أنه ذكر لرفيقه الذي كان معه أنه ضرب المجني عليه بسكين ولم يقل لـه أنـه قتله، الأمر الذي لم تتأكد معه المحكمة من وجود هذه النية لديه، إذ لا يوجد بالأوراق ما يدل على ذلك، وكان هذا الذي استند عليه الحكم مرتدا إلى أصوله الثابتة بأوراق الدعوى، ويؤدي إلى ما رتبه عليه الحكم الطعون فيه من غير مجافاة للعقل والمنطق، ذلك أن طعن المجني عليه بسكين قاتل بطبيعته في موضع قاتل لا يقطع في حد ذاته بتوافر نية إزهاق روح المجني عليه لدى الجاني، بل يلزم للقول بتوافرها مع ذلك أن يثبت بشكل قاطع أنه قد تعمد طعنه في هذا الموضع وبنية إزهاق روحه، وهو ما لم يتسن للمحكمة مصدرة الحكم المطعون فيه استظهاره في واقعة هذه الدعوى لخلو أوراق الدعوى مما يدل على ذلك.

ومتى كان ذلك، وكانت المحكمة المطعون في حكمها قد انتهت إلى أن نية إزهاق روح المجني عليه غير متوافرة لدى المطعون ضـد، وكان من المقرر أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم، لأن هذا الوصف ليس نهائيا بطبيعته و ليس من شأنه منع المحكمة من تعديله متى رأت رد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذي ترى أنه الوصف القانوني السليم، وذلك بشرط أن تكون الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة هي بذاتها التي اتخذتها المحكمة أساساً للوصف الجديد، ودون أن يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أخرى، أو إضافة عنصر آخر، وكانت الواقعة المادية التي اتخذتها المحكمة أساسا للوصف الجديد هي طعن المجني عليه بسكين في صدره طعنة أدت إلى وفاته طبقا للمادة 374 من قانون العقوبات هي بذاتها الواقعة المادية التي كانت مبينة بأمر الإحالة، باعتبارها تكون جريمة القتل العمد طبقا للقانون رقم 6 لسنة 1423 بشأن أحكام القصاص والدية، والمحكمة إذ فعلت ذلك فإنها تكون قد استعملت سلطتها التقديرية والقانونية في تقدير توافر نية القتل العمد من عدمه، وفي رد الواقعة إلى الوصف الذي رأت أنه الوصف القانوني السليم، وهو ما يكون معه النعي على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون، وبالفساد في الاستدلال في غير محله، ومن ثم يتعين القضاء برفض طعن النيابة العامة.

وحيث إنه عن نعي الطاعن – المحكوم عليه – على الحكم المطعون فيه بالقصور في الأسباب، والإخلال بحقه في الدفاع، لأنه رغم إقراره بتوافر حالة الدفاع الشرعي لدى الطاعن ضمنيا عاد ونفاها لديه بمقولة أنه كان بإمكانه اللجوء إلى رجال السلطة العامة، فإن الذي بين من مدونات الحكم الطعين أنه أورد دفع الطاعن أمام المحكمة المطعون في حكمها بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، كما أورد أقواله استدلالا من أنه قبل الواقعة كان بداخل مصيف غرناطة، وحصلت مشكلة بين شخصين فقام بفض النزاع بينهما، ولذلك حضر إليه المجني عليه وقال له شن دخلك، وقام بضربه على وجهه، وطرده من قرية مصيف غرناطة، وعقب ذلك وعند مدخل القرية حضر له رفقة آخرين، وقاموا بالاعتداء عليه بالضرب بالأيدي، وكان هو منحنياً فسقط سكين من المجني عليه فقام هو بالتقاطه وأخافهم به، وأثناء ذلك حضر المدعو (…) وسال عن سبب المشكلة فقاموا بضربه، قام هو بالهروب فلحق به المجني عليه وأخوه على متن مركبة يقودها المجني عليه ونزل المجني عليه بيده عكازه (قيله) وأخذ يقترب من الطاعن عندها قـام الطاعن بطعنه بالسكين فسقط أرضا، وهرب الطاعن وأوضح أنه طعنه طعة واحدة في الجهة اليسرى من الصدر، وأن قصده كان الدفاع عن نفسه، ثم أورد الحكم ردا على دفع الطاعن قوله: وأن حالة الدفاع الشرعي غير قائمة في حق المتهم، إذ كان بإمكانه الركون إلى رجال السلطة العامة، ومتى كان ذلك، وكان الطاعن دفع أمام المحكمة المطعون في حكمها بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه، وكانت أقواله استدلالا التي أوردها الحكم المطعون فيه ترشح يقام وتوافر حالة الدفاع الشرعي لديه، وكان الحكم الطعين قد نفى توافر هذه الحالة لدى الطاعن استنادا إلى أنه كان بإمكانه اللجوء إلى رجال السلطة العامة، بما ينبئ عن أن المحكمة قد اعتبرت أن الطاعن كان قد ارتكب الفعل لدفع جريمة تقع إضرارا به، إلا أنه مع ذلك لم تتوافر حالة الدفاع الشرعي لديه، لأنه كان بإمكانه الركون إلى رجال السلطة العامة للاحتماء بهم.

وكان من المقرر أنه، ولئن كان تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها تتعلق بموضوع الدعوى المحكمة الموضوع الفصل فيه بلا معقب، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استدلال الحكم استدلالا سليما يؤدي منطقيا إلى ما انتهى إليه، وكان من المقرر أن الرجوع إلى السلطات العامة للاستعانة بها في المحافظة على حق أو صد عدوان لا يصلح على إطلاقه سببا لنفي قيام حالة الدفاع الشرعي، بل إن الأمر في هذه الحالة يتطلب أن يكون من ظروف الزمن وغيره ما يسمح بالرجوع إلى هذه السلطات قبل وقوع الاعتداء بالفعل، وكان الحكم الطعين، وإن نفى قيام هذه الحالة لدى الطاعن تأسيسا على أنه كان بإمكانه الركون إلى رجال السلطة العامة، إلا أنه لم يدلل كيف أنه كان بإمكانه الركون إلى رجال السلطة العامة، ومن ثم فإن رد الحكم على دفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعي لديه يعد ردا قاصرا، وهو ما يعيبه بالقصور في التسبيب بما يتعين معه نقضه مع الإعادة دون حاجة لبحث مناعي الطاعن الأخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول طعن النيابة العامة شكلا، وفي الموضوع برفضه، وبقبول طعن المحكوم عليه شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وإعادة الدعوى إلى محكمة استئناف طرابلس – دائرة الجنايات – النظرها مجددا من هيئة أخرى.