طعن جنائي رقم 1352-45 ق
- التصنيف: الجنائي
- رقم الطعن: 1352
- السنة القضائية: 45
- تاريخ الجلسة: 29 يناير 2003
طعن جنائي رقم 1352-45 ق
خلاصة المبدأ
- يكفي لصحة الحكم توقيعه من رئيس الدائرة – أساس ذلك.
- لا تناقض فيما أورده الحكم بخصوص الوسيلة المستعملة في الجريمة – أثره. ذلك.
- يجوز لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم على متهم آخر – أساس ذلك.
- استخلاص نية القتل يخضع لسلطة محكمة الموضوع.
- عدم بيان الطاعن ماهية الدفوع التي أثارها لدى محكمة الموضوع – أثر ذلك.
- تطبيق أحكام القانون رقم 6/1423 بشأن القصاص والدية باعتبار انه القانون الأصلح دون قانون العقوبات الذي ارتكبت الجريمة في ظله- أساس ذلك.
الحكم
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين الثلاثة ومعهم الرابع بأنهم بتاريخ 17-4-1993 ف بدائرة مركز شرطة محروقة:
قتلوا عمداً مع سبق الإصرار المجني عليه وذلك بأن عقدوا العزم على قتله وأعدوا الوسيلة اللازمة لتنفيذ ذلك ( عصا ) ثم انهالوا عليه ضرباً فألحقوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وعلى النحو المفصل بالأوراق، وطلبت النيابة من غرفة الاتهام إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمادتين : 368،369 من قانون العقوبات فقررت الغرفة ذلك، ومحكمة جنايات سبها بمحكمة استئناف طرابلس نظرت الدعوى وقضت حضورياً بمعاقبة الطاعنين بالإعدام شنقاً عما نسب إليهم، وأمرت بنشر ملخص الحكم بإلصاقه بالمنطقة التي صدر فيها الحكم وبالمنطقة التي ارتكبت فيها الجريمة وبالمنطقة التي كان فيها المحل الأخير لإقامتهم، وبنشره مرتين متتاليتين بجريدتي الفجر الجديد والميزان على نفقتهم وبلا مصاريف جنائية وببراءة المتهم الرابع مما نسب إليه.
وهذا هو الحكم المطعون عليه
الإجراءات
صدر الحكم المطعون عليه بتاريخ 9-3-1998 ف، وبذات التاريخ قرر المحكوم عليهم الطعن بطريق النقض بتقرير أمام ضابط السجن المختص وأنابوا إدارة المحاماة الشعبية للدفاع عنهم فأودع أحد أعضائها مذكرة بأسباب طعن الطاعن الثاني موقعة منه بتاريخ 1998.4.7 لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم، ولم يودع الطاعنان الأول والثالث أسباب الطعن كل منهما.
قدمت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني انتهت فيها إلى الرأي بعدم قبول طعني الطاعنين الأول والثالث شكلا، وبقبول طعن الطاعن الثاني شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه لجميع الطاعنين والتصدي بإعمال صحيح القانون ومعاقبتهم بالدية. حددت جلسة 2001.12.30 لنظر الطعن حيث تلا المستشار المقرر تقريره، وصممت نيابة النقض على رأيها، ثم نظرت الدعوى على النحو المبين بمحضرها عدة جلسات لاحقة ثم حجزت للحكم بجلسة اليوم.
الأسباب
من حيث أن طعن الطاعن الثاني حاز أوضاعه المقررة قانونا فهو مقبول شكلا، اما الطاعنان الأول والثالث فإنهما وإن كانا قد طعنا في الميعاد الا أنهما لم يقدما أسبابا لطعنهما مما يسقط حقهما في الطعن عملا بالمادة 385/3 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث ينعى الطاعن الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون وإخلاله بحق الدفاع وفساده في الاستدلال بمقولة أن الحكم لم يتم توقيعه من طرف جميع القضاة الذين شكلوا الهيئة التي أصدرته، وأنه شابه تناقض لقوله مرة أن سبب الوفاة إصابة بالرأس ناتجة عن سلاح ثقيل مثلوم، وقوله مرة أخرى أن سبب الوفاة هو قطعة من الخشب، كما أن الحكم اعتمد في إدانته الطاعن على أقوال متهم آخر وهو ما لا يصلح لذلك باعتبار أن شهادة متهم على متهم لا يجوز اعتبارها دليلا في الدعوى، وقد أخطأ الحكم في تطبيق القانون عندما أكد على توافر نية القتل لديه رغم أن وجود هذه النية يتطلب استعمال أداة صالحة للقتل كسلاح أو سكين وهو ما لم يتم في حالة الطاعن، علاوة أن الحكم لم يرد على الدفوع التي ضمنها المذكرة المقدمة للمحكمة، ومن كل ذلك يكون الحكم حريا بالنقض والإعادة لتنظر الدعوى مجددا من هيئة أخرى.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على انه يكفي لصحة الحكم في الجنايات، او في الجنح والمخالفات المستأنفة ان يحصل التوقيع عليه من رئيس الجلسة، ولا يلزم توقيعه من المستشارين او القاضيين الآخرين، ويعتبر توقيع رئيس الجلسة دالا بذاته على مشاركة العضوين الآخرين في الحكم، ولا يترتب على عدم توقيعهما عليه بطلانه، وكان الثابت من ورقة الحكم المطعون فيه أنه تم توقيعه من رئيس الجلسة فان النعي عليه بالبطلان يغدو في غير محله.
لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه انه قد انتهى إلى قيام الطاعن ومن معه بضرب المجني عليه بواسطة قطعة من الخشب مما أدى إلى إصابته جمجمته بعدة كسور وتهتك المخ ونتج عن ذلك وفاته، معتبرا ذلك متفقا مع ما ورد بتقرير الصفة التشريحية من أن سبب الوفاة هو إصابة بالرأس ناتجة عن سلاح ثقيل مثلوم، فإنه لا وجود للتناقض الذي يدعيه الطاعن فيما أورده الحكم بخصوص الوسيلة المستعملة في ضرب المجني عليه، كما أنه لا تعارض بين ما أورده الحكم في هذا الشأن وما ورد في تقرير الصفة التشريحية، ولا يغير من ذلك قول الحكم أن الأداة المستعملة ( القطعة الخشب ) قاتلة بطبيعتها طالما أنه قد دلل على قيام الطاعن ومن معه باستعمالها في ضرب المجني عليه، وأنها كانت السبب في إحداث الإصابات التي أدت إلى وفاته الأمر الذي يجعل هذا الوجه من النعي في غير محله.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا تثريب على الحكم إن هو عول على أقوال متهم في إدانة متهم آخر طالما كان لذلك أصل في أوراق الدعوى ومن ثم فإنه ما يعيبه الطاعن على الحكم المطعون فيه لاعتماده في إدانته على أقوال متهم آخر ليس سوى جدل موضوعي لا يقبل أمام هذه المحكمة لا سيما وأن الطاعن لم يوضح في أسباب طعنه من هو المتهم الآخر) كما لم يورد في نعيه ما ينال من سلامة تلك الأقوال، مما يجعل هذا الوجه من النعي هو الآخر في غير محله.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن توافر نية القتل أمر خفي يضمره الجاني في نفسه، ولا يدرك بالحس الظاهر، وانما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى، وان استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول لقاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية بلا معقب عليه طالما كان استخلاصه سائغا، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه قد استند فيما انتهى إليه من توافر نية القتل لدى الطاعن ومن معه إلى استعمالهم قطعة خشب في الضرب، وان مكان الإصابة برأس المجني عليه وباستعمال قدر من القوة مما أدى إلى كسور بالجمجمة وتهتك بالمخ، فضلا عما اعترفوا به في محضر الضبط ومحضر التحقيق من عزمهم على قتل المجني عليه لعدم الوفاء لهم بحقوقهم المترتبة في ذمته وكل ذلك يؤدي إلى القول بتوافر نية القتل لدى الطاعن ومن معه بغير مجافاة للعقل والمنطق الأمر الذي يجعل نعي الطاعن بأن الحكم قد دلل على هذه النية رغم عدم استعمال الجناة سلاحا قاتلا او سكينا نعيا في غير محله.
لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يوضح في أسباب طعنه ماهية الدفوع التي تقدم بها لمحكمة الموضوع وأغفلت الرد عليها حتى يبين ما إذا كانت دفوع جوهرية مما تلتزم بإيراده والرد عليه، أو أنها من قبيل الدفوع الموضوعية التي يكفي فيها الرد الضمني ممثلا في قضائها بالإدانة والذي يعد رفضا لها الأمر الذي يجعل هذا الوجه من النعي غير مقبول.
وحيث انه وان كان الطاعن قد نعى على الحكم بالأوجه المتقدم ذكرها والتي تبين عدم صحتها إلا أنه لما كانت المادة الأولى من القانون رقم 6/1423 بشأن القصاص والدية تنص على أنه يعاقب بالإعدام قصاصا كل من قتل نفسا عمدا، ويسقط القصاص بالعفو ممن له الحق فيه، فاذا سقط القصاص بالعفو فتكون العقوبة الدية، وكان ملف الدعوى قد تضمن مستندا مؤرخا في 1998.6.30 صادرا من محكمة الإسماعيلية للأحوال الشخصية بجمهورية مصر العربية باعتبار أن المجني عليه من رعاياها وهو عبارة عن فريضة شرعية تفيد أن الوارث الوحيد للمجني عليه هو ابنه المسمى (….)، كما تضمن ملف الدعوى مستندا آخر مؤرخا في 1998.8.27 صادرا عن الوارث المذكور ومصدقا عليه من الجهات الرسمية المختصة وقد أورد فيه ما يلي :
أقر بتسامحي وتصالحي وتنازلي عن كافة حقوقي وتنازلي عن الحق الجنائي وتنازلي عن الحق المدني، وتنازلي عن جميع الحقوق الخاصة والعامة في القضية وليس لي الحق في مطالبتهم مستقبلا.
لما كان ذلك وكان القانون رقم 6/1423 بشأن القصاص والدية قد نص في المادة الأولى منه على سقوط عقوبة الإعدام المقررة عن جريمة القتل العمد المعاقب عليها قصاصا بالعفو ممن له الحق فيه وتكون العقوبة الدية ومن ثم فإن القانون المذكور هو الأصلح للطاعنين من أحكام قانون العقوبات التي لا تعتد بعفو أولياء الدم عن الجاني في جريمة القتل العمد المنصوص عليها فيه، ومن ثم يتعين تطبيق أحكام القانون رقم 6/1423 المشار إليه في شأن الطاعنين عملا بحكم المادة 386/2. من قانون الإجراءات الجنائية، والمادة الثانية من قانون العقوبات.
وكان يبين من المستند المؤرخ في 1998.8.27 المشار إليه أن ولي دم المجني عليه وهو وريثه الوحيد قد تصالح مع الطاعنين قاتلي مورثه بالنسبة للحقوق المدنية – أي الدية – وفقا لما سلف بيانه، وبموجب هذا التصالح يسقط القصاص في القتل عن الطاعنين المذكورين، وتكون العقوبة البديلة هي الدية.
لما كان ذلك، وكانت الدعوى صالحة للفصل فيها طبقا لحكم المادة 25 من قانون المحكمة العليا، فإن المحكمة تتصدى للفصل فيها بتطبيق أحكام القانون رقم 6/1423 بشأن القصاص والدية سالف الذكر باعتبار انه القانون الأصلح للطاعنين دون قانون العقوبات الذي ارتكبت الجريمة في ظله، وذلك نزولا عن حكم المادة 2 عقوبات والمادة 386 من قانون الإجراءات الجنائية، وتبعا لذلك فان المحكمة تقضي بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لجميع الطاعنين بسبب وحدة الواقعة المسندة إليهم، وبسقوط عقوبة الإعدام قصاصا المقضي بها على كل منهم ومعاقبتهم بالدية التي تم الصلح بشأنها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول طعني الطاعنين الأول والثالث شكلا وبقبول طعن الطاعن الثاني شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لجميع الطاعنين وبسقوط عقوبة الإعدام المقضي بها على كل منهم، وذلك بعفو ولي الدم عنهم، وبمعاقبتهم بالدية التي تم الصلح بشأنها.