طعن جنائي رقم 694-52 ق
- التصنيف: الجنائي
- رقم الطعن: 694
- السنة القضائية: 52
- تاريخ الجلسة: 26 مارس 2006
طعن جنائي رقم 694-52 ق
خلاصة المبدأ
- متى تتحقق جريمة التهديد، استخلاص مدلول عباراته- يخضع لسلطة محكمة الموضوع.
- ورقة الحكم يجب أن تكون مستوفية بذاتها- مخالفة ذلك- أثره.
- السب ماهيته- الفرق بين جريمتي السب والتهديد.
- الدفع بعدم تواجد المتهم بمكان الواقعة، دفع موضوعي يكفي في شأنه الرد الضمني.
الحكم
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين لأنهم في 7/10/2004 ف بدائرة مركز شرطة حي الاكواخ.
- هددوا المجني عليه بلقاسم سعيد بارتكاب جريمة ضد النفس ، بأن ذكروا له بأنهم سوف يقومون بقتله على النحو المبين بالأوراق.
- خدشوا شرف المجني عليه سالف الذكر في حضوره بأن وجهوا له عبارات السب المبينة بالمحضر على النحو المبين بالأوراق.
وطلبت من محكمة باب بن غشير الجزئية معاقبته بموجب المواد 2/430 ، 1/438 ، 2/76 عقوبات نظرت المحكمة المذكورة الدعوى وقضت حضوريا ببراءة المتهمين مما نسب إليهم.
إستأنفت النيابة العامة الحكم أمام محكمة جنوب طرابلس الابتدائية دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة التي نظرت الاستئناف وقضت حضوريا بقبوله شكلاً.
وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ومعاقبة المتهمين بحبس كل واحد منهم ستة أشهر عن التهمة الأولى وبتغريمه خمسة وعشرين دينارا عن التهمة الثانية وأمرت بوقف نفاذ عقوبة الحبس فقط خمسة سنوات من تاريخه وبلا مصاريف.
وهذا هو الحكم المطعون فيه
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 10/4/2005ف وبتاريخ 14/5/2005 ف قررت محامية المحكوم عليهم بالطعن في الحكم بطريق النقض لدى قلم كتاب المحكمة مصدرته بموجب توكيل من كل منهم يخولها ذلك، وبذات التاريخ ولدى ذات الجهة أودعت مذكرة بأسباب الطعن لصالح موكلها موقعة منها، وقد أودعت نيابة النقض مذكرة برأيها فيها للقول بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع النقض مع الإحالة.
حدد لنظر الطعن جلسة 11/2/2006 ف وفيها تلا المستشار المقرر تقريره وتمسكت نيابة النقض برأيها ونظرا الطعن على النحو المبين بمحضر الجلسة تم حجز للحكم بجلسة اليوم
الإسباب
حيث أن الطعن استوفى شروطه فهو مقبول شكلا.
وحيث ينعى الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع على النحو الآتي :
- أولاً: دانت المحكمة المطعون في قضائها الطاعنين رغم عدم ثبوت الاتهام وخلو الأوراق من العبارات التي تشكل جريمتي التهديد وخدش الشرف والتي تعتبر شرط القيام الاتهام وهو ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا مما جعل حكمها شوبا بالعيب الخطأ في تطبيق القانون والقصور في الأسباب ويتعين نقضه.
- ثانيا: دانت محكمة الموضوع الطاعن الرابع رغم انه قدم لها رسالة رسمية من جهة العمل التي يتبعها تفيد أنه كان متواجدا بالعمل بثلاجة ميناء طرابلس البحري وكذلك الطاعن الخامس حيث قدم لها ما يثبت أنه كان في إجازة سنوية وأنه يوم الواقعة كان خارج البلاد ولم تعتد بتلك المستندات الرسمية وطرحتها دون تحقيق للتأكد من صحة تلك المستندات مما جعل حكمها مشوبا بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في الأسباب والفساد في الاستدلال الموجب لنقضه.
- ثالثا: دانت المحكمة المطعون في قضائها الطاعنين وعولت في ذلك على شهادة الشهود التي يظهر منها يقينا بأنه قد تم تلقينها اياها وقد جاء منا فيه للحقيقة حيث ذكروا أن هناك فريقا ثانيا دون أن يكون لهذا الفريق وجود فكان حكمها معيبا بالقصور والفساد في الاستدلال.
- رابعاً: دفع الطاعنون أمام المحكمة المطعون في قضائها بعدة دفوع جوهرية الا انها لم تكلف نفسها عنا مناقشة تلك الدفوع والرد عليها فكان حكمها مخلا بحق الدفاع الموجب لنقضه.
وحيث انه عن النعي الأول فإنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه قد حصل وقائع الدعوى قائلا انه بتاريخ 7/10/2004 وانتقل المدعو بلقاسم سعيد بلقاسم الى مركز شرطة حي الاكواخ وتقدم بشكوى أفاد فيها بأنه يملك عقارا كان قد استأجره من الشركة الاهلية للتبريد الواقعة بمنطقة الفلاح وعند انتقاله إلى موقع العقار لغرض صيانته العمل به، إذ بمجموعة من الأشخاص يتراوح عددهم من اربعة الى خمسة اشخاص يقومون بشتمه لسب والدته وتهديده بالقتل رميا بالرصاص، وبعد ذلك عرض لبيان أقوال الشهود وكان مضمونها أن المتهمين حاولوا ضرب المجني عليه وهددوه بالقتل و تلفظوا بألفاظ غير اخلاقية في مواجهته.
ثم خلص إلى بيان عقيدة المحكمة في قوله إن ما ذهبت إلى محكمة البداية في قضائها ببراءة المتهمين في غير محله كون الواقعة وفق ما حملته اوراقها تعد ثابتة في حقهم بكامل أركانها وشروطها تأسيسا على شهادة المجني عليه التي وردت سائغة مقبولة متفقة مع أقواله استدلالاً تطمئن إليها المحكمة خاصة وأنها تأيدت بشهادة شاهدي الإثبات التي وردت هي الاخرى متناسقة لا غموض فيها ولا تناقض مع شهادة المجني عليه.
وحيث يتضح مما ساقه الحكم المطعون فيه انه قد تأسس في شأن قيام جريمة التهديد المعاقب عليها بالمادة 430 عقوبات استناداً لأقوال المجني عليه والشهود التي جاءت متفقة متناسقة على ان المتهمين قد هددوا المجني عليه بالقتل ، وكان القانون لا يشترط لقيام جريمة التهديد بأنزال ضرر غير مشروع ان تكون عبارة لتهديد واضحة صريحة وان يحدد الفاعل فيها الامور التي ينوي ارتكابها اضرار بالمجني عليه وانما يمكن ان تكون غامضة ملتوية ومن تم فان جريمة التهديد يمكن ان تقع بالكتابة او شافهه او بالإشارة او الرمز لما كان معنى التهديد واضحاً وسواء كان ذلك بحضور المجني عليه او لدى وسيط ، اذ يكفي ان يكون من شان العبارة التي يطلقها الجاني ان توقع الخوف والرعب في نفس المجني عليه فضلا عن ان تقدير عبارة التهديد وما تنطوي عليه من معان يعتبر من الامور الموضوعية التي تتفرد محكمة الموضوع باستخلاص مدلولها من الظروف المختلفة التي صدرت فيها والاسلوب الذي وجهت به والحالة النفسية لكل من الفاعل والمجني عليه والدوافع التي كانت وراء صدورها ، كما كان ذلك وكانت عبارة التهديد بالقتل بالرصاص التي وجهها الطاعنون للمجني عليه لسبب منازعة بينهما على عقار كانت بينه ظاهرة الدلالة على معنى التهديد ، ولذلك فلا مجال لتعييب الحكم من هذه الناحية ولا تتريب على محكمة الموضوع فيما ذهبت اليه من قيام جريمة التهديد ضد الطاعنين وادانتهم عنها مطمئنة الى سلامة تقديرها في استخلاص معنى التهديد من تلك العبارة بلا معقب عليها من محكمة النقض اذ ان استخلاصها كان سليما ومتفقا مع العقل والمنطق ومع ظروف الدعوى وقد أصابت به صحيح القانون مما يجعل نعي الطاعنين في هذا الشأن في غير محله وأما فيما يتعلق بجريمة خدش الشرف – السب – المعاقب عليها بالمادة 1/438 عقوبات فانه لما كان المراد بالسب هو الشتم سواء بأطلاق اللفظ الصريح الدال عليه او باستعمال المعاريض التي نوحي اليها والذي يحط من كرامة الشرف عند نفسه او لدى غيره بخلاف التهديد الذي يقوم على توجيه عبارات من شأنها ازعاج المجني عليه او القاء الرعب في نفسه او احداث الخوف عنده بأنزال ضرر غير مشروع به او الحاق الاذى بشخصه او اله ، وكان يجب ان يشمل الحكم الصادر بالإدانة في جريمة السب على الفاظ السب التي تكون الركن المادي للجريمة حتى تتمكن محكمة النقض ومراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة ، ولا يكفي في ذلك حتى الإحالة إلى مواطن في آخر أوراق الدعوى لما هو مقرر من أن الحكم هو تلك الورقة الشكلية المستوفاة لكافة عناصرها القانونية والتي لا يجوز تكملتها بما هو خارج عنها ، وكان الحكم المطعون فيه وإن كان قد قرر قيام جريمة السب في حق الطاعنين إلا أنه لم يورد العبارات التي تكون جريمة السب واستغني عن هذا البيان ، وكانت العبارات المنسوبة الى المتهمين لا تحط من كرامة المجني عليه ولا تؤدي سمعته وإنما تبعث بتطبيقها الانزعاج والخوف في نفس الأمر الذي يجعله قاصراً قصورا يعيبه بما يستوجب نقضه فيما قضى به بالنسبة لجريمة خدش الشرف مع الإعادة.
وحيث انه عن النعي الثاني وما يثيره الطاعنون الرابع والخامس من عدم تواجدهما بمكان الواقعة يوم وقوعها فهو نعى لا اساس له مردود عليه بأنه وبالرغم من أن الدفع بعدم التواجد بمكان الواقعة وقت حصولها هو من الدفوع الموضوعية التي لا تستلزم من الحكم رداً خاصا ويكفي في شأنها الرد الضمني المستفاد من الأدلة التي عول عليها في اقامة قضائه إلا أنه وبالاطلاع على مدونات الحكم المطعون فيه يبين أنه قد تناول دفاع الطاعنين الرابع والخامس بعدم تواجدهما بمكان الواقعة بتاريخها قائلاً ( أما قول الدفاع أن احد المتهمين وهو المدعو… – الطاعن الرابع – لم يكن موجودا بتاريخ الواقعة وإنما كان متواجدا بالعمل المكلف به وهو مناوبا بثلاجة ميناء طرابلس البحري يوم الواقعة فهو لا يثبت قطعا عدم تواجده بمكان الواقعة وإنما هو افادة بمكان عمله وفق توزيع العمل في تلك الجهة إذ لم تحمل الأوراق ما يفيد أنه فعلا لم يكن موجودا بمسرح الواقعة وأنه كان طيلة ذلك اليوم متواجدا بتلك الثلاجة بميناء طرابلس ، وهو ما ينصرف كذلك على الدفع بأن أحد المتهمين وهو المدعو…. قد كان خارج البلاد بتاريخ الواقعة ذلك أنه عقب الاطلاع على الصورة الضوئية المرفقة لجواز سفره فقد تبين أنه غادر البلاد يوم الواقعة وهو 7/10/2004 ف وهو لا ينفي تواجده بمكان الواقعة بذلك التاريخ صباحا وسفره مساء حيث لم يرفق توقيت المغادرة ولم يرد بالأوراق ما ينفي قطعا تواجده بمسرح الواقعة يوم حصولها خاصة وأن شهادة المجني عليه كانت واضحة في تواجده بمسرحها وهو ما أكدته شهادة الشهود التي تعتبرها المحكمة مكملة لشهادة المجني عليه ومؤكدة لها إذ لم تحمل الأوراق ما يخالفها ويناقضها.
وكان الحكم المطعون فيه قد اطمأن الى ما أورده من أقوال المجني عليه وشهادة الشهود بأن هذين الطاعنين كانا من ضمن المجموعة التي حاولت ضربه وهددته بارتكاب جريمة ضد النفس وهو ما يتضمن اطراحه لما اثاره المذكوران ويجعل عليه بهذا الشأن غير سديد.
وحيث انه فيما يحدث النص الثالث فإنه لما كان المرجع في وزن أقوال الشهود هو تقدير محكمة الموضوع و اقتناعها يصدقها ومطابقتها للحقيقة إذ لها وحدها مطلق الحرية في أن تأخذ منها ما يطمئن إليه وجدانها وتطرح ما الأوراق لها دون أن تكون ملزمة ببيان الأسباب التي دفعتها لذلك طالما اطمأنت الى صحتها ومطابقتها للحقيقة والواقع مكان لها أصل ثابت في أوراق الدعوى بلا رقابة من أحد وكان الحكم الطعين قد عول في قضائه على أقوال المجني عليه أقوال شاهدي الإثبات التي أعرب عن اطمئنانه إليها لصحتها ومطابقتها للواقع كما سلف بيانه فإن ما ينعاه الطاعنون من تجريحهم لشهادة الشهود لا يعد وأن يكون مجادلة موضوعية وعودا الى مناقشة ادلة الدعوى بتجريح الشهود ومدى تقدير شهادتهم في الإثبات مما تستغل به محكمة الموضوع ولا رقابة عليها من المحكمة العليا لما أن ما استخلصته كان سائغا ومقبولا يتعين لذلك عدم قبوله.