طعن مدني رقم 169/ 46ق
طعن مدني رقم 169/ 46ق
خلاصة المبدأ
تكيف العقد مما تستقل به محكمه الموضوع – أساس ذلك.
الحكم
الوقائع/ أقام الطاعن الدعوى رقم 1531 لسنة 1994 م أمام حكمة جنوب طرابلس الابتدائية اختصم فيها المطعون ضدهم بصفاتهم، وقال شرحا لها: إنه سبق له أن استورد كمية من السجائر وأبرم اتفاقا مع شركة النوق للتجارة لاتخاذ إجراءات سحب الكمية وإيجاد سوق لبيعها، وأضاف أن الشركة باعت السجائر للسوق الدبلوماسي بسعر تسعة دنانير للعلبة الواحدة، وتم سحب جزء من المبلغ، وبقي في ذمة السوق مبلغ 425 ألف دينار تنازلت عنه الشركة لمصلحة الطاعن وعند مطالبته بسداد المبلغ رفض السوق الدبلوماسي الدفع رغم إخطاره على يد محضر، وانتهى إلى طلب:
- إلزام المدعى عليهم بالتضامن بدفع المبلغ الذي بذمتهم وقدره 425 ألف دينار مع غرامة تهديدية قدرها 10 آلاف دينار.
- إلزامهم بدفع مبلغ 200 ألف دينار عن الأضرار المادية والمعنوية.
- إلزامهم بدفع الفوائد القانونية بواقع 50% من تاريخ المطالبة القضائية.
- إلزامهم بدفع تعويض تكميلي مقداره 100 ألف دينار. والمحكمة قضت برفض الدعوى
استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف طرابلس التي قضت بقبول الاستئناف شكلا، وفي الموضوع برفضه، وبتأييد الحكم المستأنف.
“وهذا هو الحكم المطعون فيه”
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 1998.4.12، وليس بالأوراق ما يفيد إعلانه، وبتاريخ 1999.3.7م قرر محامي الطاعن الطعن عليه بالنقض لدى قلم كتاب المحكمة العليا، مسددا الرسم والكفالة، مودعا سند وكالته، ومذكرة بأسباب طعنه، وأخرى شارحة، وصورة رسمية من الحكم المطعون فيه، وأخرى من الحكم الابتدائي، ثم أودع بتاريخ 1999.3.23 أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضده الأول في 1999.3.17، وإلى الثاني في 1999.3.21 م، وإلى الثالث والرابع في1999.3.15 م، وبتاريخ 1999.4.13 م أودع محامي المطعون ضده الأول مذكرة رادة بدفاعه مشفوعة بسند وكالته.
وقدمت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها الرأي بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا، وبالجلسة المحددة لنظره أصرت على رأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه المقررة قانونا فإنه يكون مقبولا شكلا.
وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، والقصور في التسبيب، من الوجوه التالية:-
- إن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه ذهب إلى أن العقد المبرم بين السوق الدبلوماسي وشركة النوق ليس عقد بيع وإنما كان دور السوق عبارة عن وسيط في عملية البيع لمصلحة شركة النوق، وفي ذلك خروج عن إرادة المتعاقدين فالاتفاق بينهما تضمن تحديد المبيع وتحديد الثمن، وبالتالي يعتبر عقدا متكامل الأركان والشروط والثابت أن المطعون ضده الأول كان طرفا في العقد كمشتر، واشترى لنفسه وتسلم البضاعة المباعة بالكامل ودفع جزءاً من الثمن من ماله الخاص، ولا وجود لأي طرف ثالث، واحتفظ بها في مخازنه ثم باعها واحتفظ بالثمن.
- رفض الحكم طلبات الطاعن على اعتبار أن المطعون ضده الأول وسيط ولم يأخذ بصفته كمشتر حتى لا يلزم بتسديد باقي الثمن، وهنا تناقض المحكمة نفسها ثانية لأنه من المقرر قانونا أن الوسيط يجب عليه تسليم المبلغ لصاحب البضاعة التي توسط في بيعها، ولا يحتفظ به لنفسه، وفات المحكمة الرجوع إلى الأحكام القانونية المنظمة لعمل الوسيط الذي ليس من حقه أن يكون ذا صفتين في العقد صفة كمشتر، وأخرى كوسيط.
- حجبت المحكمة عن الطاعن الحق في تسلم ديونه بحجة أن المبلغ المطالب به هو عبارة عن رسوم مستقطعة لجهة عامة، وليس جزءا من الثمن، وفات الرجوع إلى أحكام المواد 445، 446، 451، /453 مدني، والاحتكام إلى نصوص الاتفاق التي تؤكد أن العقد تضمن تحديد الثمن على أساس سعر العلبة الواحدة من السجائر بتسعة دنانير.
- إن الكمية معينة ومحددة كما أن المستندات المرفقة بملف الدعوى تؤكد أن جميع الرسوم ومصاريف النقل المشار إليها في الاتفاق تتحملها الجهة البائعة (شركة النوق ).
- ناقضت المحكمة المطعون في حكمها نفسها في أكثر من موضع فمرة تضفي على المشترى صفة الوسيط لكي تعفيه من دفع باقي الثمن، ومع ذلك تعطيه الحق في الاحتفاظ بجزء من الثمن لنفسه ومن جهة أخرى تقرر إن المبلغ رسوم مستحقة لجهة عامة.
- إن المحكمة المطعون في حكمها لم تدرس أوراق الدعوى ومن بينها الاتفاق المبرم بين السوق الدبلوماسي وشركة النوق بتاريخ 1991.7.1، والمتضمن تحديد الثمن، وقولها بأن المطلوب لا يشكل جزءا من الثمن، قول غير صحيح.
- قالت المحكمة إن الطاعن سبق له أن تنازل عن المبلغ في محضر التسوية الموقع بتاريخ 1992.4.29، هذا القول لا أساس له من الصحة لأن المتفق عليه هو تعليق دفع المبلغ إلى حين الرجوع إلى مصلحة الجمارك، وقد رجع الطاعن إلى مصلحة الجمارك التي أكدت له عدم صحة موقف المطعون ضده الأول.
- ثبت أمام المحكمة – بموجب رسالة الجمارك المؤرخة في 1991.8.26 – بأن الجمارك لم تطلب وقف الدفع، وأنها أوضحت في رسائل متعددة أن ما جاء برسالتها المشار إليها لا يمس حق الطاعن، ولا علاقة له بها، وطالبت صراحة ضرورة تسديدها له.
كما أن أمانة الصناعة أكدت في مذكرتها بجلسة 1996.6.19 م بأنها لا علاقة لها بموضوع الدعوى، وتطلب إخراجها منها، فمن هي إذا الجهة الأخرى التي يخصها المبلغ.
- قالت المحكمة المطعون في حكمها: إن جميع المصاريف والرسوم والأثقال تكون على عائق المورد بشركة النوق، في حين أن ما جاء بالاتفاق بشأن الرسوم والمصاريف كان متعلقا بالرسوم الجمركية ومصاريف التخزين والمناولة المستحقة على السجائر، وهي في الموانئ وقبل عملية البيع بصريح نص الاتفاق المؤرخ في 1991.7.1، وقامت شركة النوق بتسديدها لمصلحة الجمارك بموجب صكوك، مما يؤكد أن الرسوم والمصاريف المشار إليها في اتفاق البيع المشار إليه تلك المستحقة على البائع مثل إجراءات البيع وقد قام البائع هي (شركة النوق) بتسديدها فعلا 10- إن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه تجاهل مستندات الطاعن التي تؤكد ثبوت حقه، وهي المستندات المتضمنة لأصل الدين، ومحضر التسوية، ورسائل مصلحة الجمارك، وما ورد في دفاع أمانة الصناعة من إقرار قضائي، ولم يناقشها الحكمان، دفاع أو يردا على ما جاء فيها.
وحيث إن هذه المناعي جميعا في غير محلها، ذلك أن أسباب الطعن في مجملها منصبة على الجدل في طبيعة العلاقة القانونية للاتفاق المبرم بين السوق الدبلوماسي من جهة، والممثل القانوني لشركة النوق العالمية من جهة أخرى، والتي تنازلت للطاعن بصفته عن كمية من السجائر قامت باستيرادها وهل يعتبر الاتفاق المشار إليه عقد بيع مستوف للشروط والأركان، أم أن السوق الدبلوماسي كان يتصرف باعتباره وسيطا يعمل لحساب شركة النوق العالمية التي حل الطاعن بصفته محلها في تسوية كافة الإجراءات الجمركية والمالية مع التزامه بإجراء التسوية النهائية معها فيما بعد.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة استقر على أن تكييف العقد مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع، ولها أن تستظهر نية المتعاقدين مستهدية في ذلك بظروف الدعوى ووقائعها، وما تم الاتفاق عليه بين أطراف العلاقة لتتبين ما إذا كان البيع قد انعقد صحيحا مستوفى الأركان والشروط أم أن الأمر خلاف ذلك، وأن ذلك مما يدخل في سلطتها الموضوعية متى كان مقاما على أسباب سائغة تكفي لحمل النتيجة التي تنتهي إليها.
لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه استخلص من محضر الاتفاق المبرم بين شركة النوق العالمية والسوق الدبلوماسي بتاريخ 1991.7.1. أن دور السوق كان مجرد وسيط انحصرت مهمته في استخراج كمية السجائر من الحظيرة الجمركية وبيعها بقيمة تسعة دنانير للعلبة الواحدة، تدفع إلى الشركة حسب ما يتم بيعه منها، وأن كافة الرسوم والالتزامات القانونية تقع على عاتق الشركة، وعلى أن تتم التسوية المالية في نهاية المطاف معها.
وخلص الحكم إلى أن أي تسوية يقوم بها الطاعن بصفته، بعد أن تنازلت له شركة النوق العالمية عن حقها في إجراء المحاسبة والتسوية المالية مع السوق الدبلوماسي – إنما يقوم بها لحساب شركة النوق باعتبارها المورد وصاحب الحق منتهياً إلى أن المبلغ – محل النزاع – ليس جزءا من الثمن المستحق لشركة النوق التى حل محلها الطاعن بصفته، لأنه مبلغ باهظ قد يستغرق كامل أرباح الطاعن ولا يعقل لو كان الأمر كذلك أن يرتضي تجنيبه لصالح جهة أخرى دون أن يتحفظ على ذلك. وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى بدوره إلى أن دور السوق الدبلوماسي لا يخرج عن كونه وسيطا في بيع السجائر مستدلا على ذلك باتفاق الطرفين على تحمل الشركة لجميع المصاريف والرسوم والأثقال، ومن التزام السوق بتسديد القيمة على أقساط حسب ما يباع من السجائر، ومن ثم فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام الدليل على أن المبلغ المتنازع عليه ليس جزءا من ثمن بيع السجائر وأن السوق الدبلوماسي كان يعمل وسيطا في استخراج السجائر من الحظيرة الجمركية وبيعها لحساب شركة النوق مستدلا على ذلك بما له أصل ثابت في أوراق الدعوى مما يكون. معه ما يجادل به الطاعن بصفته في هذا الشأن جدلا موضوعيا مما تستقل بتقديره محكمة الموضوع، لا يجوز طرحه أمام هذه المحكمة.
وفضلا عن ذلك – فإنه أيا كان وجه الرأي في تكييف الطبيعة القانونية للاتفاق المشار إليه – فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لم يجعل من طبيعة ذلك الاتفاق دعامة وحيدة أقام عليها قضاءء برفض الدعوى المرفوعة من الطاعن بصفته، وإنما أسس قضاءه – فضلا عن ذلك – على سند من أن مبلغ الأربعمائة ألف دينار التي يطالب بها الطاعن هي في الواقع حصيلة قيمة 500 درهم ينبغي توريدها لأمانة الخزانة مقابل بيع كل علبة سيجارة من ذوات العشرين سيجارة تم فرضها بموجب القرار رقم 223 لسنة 1987، وليس هذا فحسب بل إن الطاعن بصفته أبرم محضر تسوية بينه وبين السوق الدبلوماسي بتاريخ 1991.7.1 م أقر فيه صراحة وبدون تحفظ أن المبلغ يخص جهة عامة، ويتعين تجنيبه إلى حين تسوية الموضوع مع الجهات المختصة، وحيث إن المراسلات الصادرة عن مصلحة الجمارك والمرفقة بحافظة مستندات الطاعن التي كانت تحت بصر المحكمة المطعون في حكمها لا تتعارض البتة مع ما قرره الحكم بشأن المبلغ محل النزاع، ذلك أنها تفيد أن المبلغ مترتب في ذمة السوق الدبلوماسي لصالح أمانة الخزانة، وخلت الأوراق مما يفيد تسوية الموضوع معها باعتبارها الجهة المعنية بالتسوية، ومتى خلص الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه وبأسباب سائغة ومقبولة إلى أن المبلغ المتنازع عليه عبارة عن ضريبة فرضت بمقتضى القانون، وهو ما لم يكن مجحودا من الطاعن وفقا لمحضر التسوية المبرم بينه وبين السوق الدبلوماسي، ولا ينال من ذلك إرجاء التسوية بشأنه إلى وقت لاحق وهو ما يقتضي من الخصوم موقفا إيجابيا حياله، ويصبح أداؤه إلى الجهة المعنية واجبا بصرف النظر عن الطبيعة القانونية التي تحكم الاتفاق بينهما.
ولا يغير من ذلك الجدل حول الجهة العامة التي ينبغي أن يورد المبلغ إليها أو الخطأ المادي في تسميتها في المراسلات المتبادلة بين الأطراف، لأن ذلك لا يجعل المبلغ مستحقا بطريق اللزوم للطاعن بصفته، ومن ثم فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وقضى برفض الدعوى التي أقامها الطاعن بصفته طالبا الحكم له بالمبلغ محل النزاع يكون بمنأى عن مخالفة القانون، والقصور التسبيب بما يستوجب رفض الطعن.
فلهذه الأسباب
حکمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه. وبإلزام الطاعن بصفته بالمصروفات.