طعن جنائي رقم 744-52 ق
طعن جنائي رقم 744-52 ق
خلاصة المبدأ
قصد القتل – وسيلة إثباته.
الحكم
الوقائع
اتهمت النيابة العامة المتهمين لأنهما بتاريخ 1996.12.18 ف. بدائرة اختصاص مركز شرطة المدينة طرابلس:
- قتلا عمداً المجني عليه، بأن استدرجاه إلى منزل الأول وخنقه الثاني بينما أمسك الأول بقدميه، قاصدين إزهاق روحه وضرباه بقطعة حديد على رأسه مما نتج عنها إصابته بالإصابات المبينة بتقرير الطبيب الشرعي والتي أدت إلى وفاته وعلى النحو المبين بالأوراق.
- استوليا مغالبة على المبلغ المالي المبين بالمحضر والمملوك للمجني عليه سالف الذكر بأن اعتديا عليه بالخنق والضرب فأردياه قتيلاً واستوليا على المبلغ الذي كان بحوزته، وكما هو ثابت بالأوراق.
وقدمتهما إلى غرفة الاتهام لإحالتهما إلى محكمة الجنايات المختصة لمحاكمتها عما أسند إليهما بالمواد 1، 2، 6 من القانون رقم 6 لسنة 1423 بشأن القصاص والدية والمواد 1، 2، 4، 5، 8 من القانون رقم 13 لسنة 1425 بشأن إقامة حدي السرقة والحرابة، والغرفة قررت ذلك.
ومحكمة استئناف طرابلس – دائرة الجنايات – نظرت الدعوى في جلستها المنعقدة بتاريخ 2000.7.18 وقضت فيها حضورياً بمعاقبة المتهمين بالإعدام قصاصاً عما نسب إليهما. وحيث لم يرض المحكوم عليهما بهذا الحكم فطعنا عليه بالنقض أمام هذه المحكمة التي نظرت الدعوى في جلستها المنعقدة بتاريخ 2002.12.17 وقضت فيها بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى محكمة استئناف طرابلس لنظرها مجدداً من هيئة أخرى وأعيدت محاكمة المتهمين من جديد أمام المحكمة المذكورة بهيئة جديدة وأصدرت فيها حكماً حضورياً بتاريخ 2004.11.7 يقضى منطوقه بمعاقبة المتهمين بالسجن لمدة خمس سنوات عما أسند إليهما في التهمة الأولى وسجن كل منهما ثلاث سنوات عما أسند إليهما في التهمة الثانية وبحرمانهما من حقوقهما المدنية مدة تنفيذ العقوبة ولمدة ثلاث سنوات بعدها وبلا مصاريف جنائية.
وهذا هو الحكم المطعون فيه
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 2004.11.7، وبتاريخ 2005.1.9 قرر أحد أعضاء النيابة العامة الطعن عليه بالنقض لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم، وبذات التاريخ والمكان أودع مذكرة بأسباب الطعن، وبتاريخ 2004.11.11 قرر المحكوم عليه الطعن على الحكم بالنقض لدى ضابط السجن، وبتاريخ 2004.12.27 أودع محاميه مذكرة بأسباب الطعن موقعة منه لصالح الطاعن لدى القلم المذكور سلفاً.
وقدمت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني في الطعن رأت فيه قبول الطعنين شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وعملاً بالمادة 399 إجراءات جنائية تحديد جلسة لنظر الموضوع.
وحددت جلسة 2005.12.31 لنظر الطعن، وتلا المستشار المقرر تقرير التلخيص، وتمسكت نيابة النقض برأيها السابق، ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضرها، وحجزت للحكم بجلسة اليوم.
الأسباب
حيث إن طعن النيابة العامة وطعن المحكوم عليه حازا أوضاعهما الشكلية المقررة قانوناً، لذلك فهما مقبولان شكلاً.
وحيث تنعى النيابة العامة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بمقولة أن هناك تناقض فاحش في أسباب الحكم يستحيل معه الوصول إلى النتيجة التي انتهى إليها إذ انتهى إلى إدانة المطعون ضدهما بتهمتي الضرب المفضي للموت والسرقة بالإكراه بعد إعادة تكييف الواقعة خلافاً لتكييف النيابة العامة التي قدمتهما بتهمتي القتل العمد والحرابة، وأقام الحكم الطعين ذلك التعديل بالنسبة لجريمة القتل العمد على أساس انتفاء نية إزهاق روح المجني عليه لدى المتهمين، إلا أن الحكم ناقض نفسه عندما استدل على إدانة المتهمين عن التهمة المعدلة إلى اعترافاتهما في جميع مراحل التحقيق، وكانت تلك الاعترافات قد تضمنت تصريحاً واضحاً سرده الحكم الطعين بانصراف نية المتهمين إلى قتل المجني عليه، حيث ورد في الحكم قوله “وقام المتهم الثاني بخنقه حتى شل حركته، وعندما حاول استرداد أنفاسه قاما بضربه بأنبوب حديدي حتى فارق الحياة”، كما أورد الحكم في الصفحة السابعة عشر ” وبضبط أقوال المتهمين اعترف كل منهما بما أسند إليه “. وكان ذلك بمناسبة مواجهتهما بتهمة القتل العمد المتضمنة نية إزهاق روح المجني عليه. كما جاء في الحكم في الصفحة السابعة وهو بصدد سرد أقوال المتهمين أمام النيابة العامة بأن المتهم الأول قد ذكر ضمن اعترافه “.. وأضاف أنه أثناء انتظار المجني عليه بمنزله اتفق مع المتهم الثاني على قتل المجني عليه دون أن ينزف منه الدم، وقد جهزا ماسورة من الحديد وأخفياها خلف الصالون وعند حضور المجني عليه دخل الأول لإعداد الشاي وأوهم الثاني المجني عليه بفتح النافذة وقام بخنقه من رقبته ومسكه الأول من ساقيه إلى أن فارق الحياة، وعندما شاهداه لا يزال يتنفس قاما بضربه عدة ضربات بواسطة مأسورة حديدية على رأسه إلى أن تأكد موته “، وهذا يدل دلالة واضحة على توافر نية القتل العمد لدى المطعون ضدهما. بالإضافة إلى ذلك أورد الحكم في الصفحة الثامنة منه على لسان المتهم الثاني قوله “حضر إليه المتهم الأول واقترح عليه قتل المجني عليه والاستيلاء على أمواله”. ثم أورد ” أنه امسكه من قدميه إلى أن شلت حركته، واعترف أنه ذكر للمتهم الأول أن المجني عليه لا زال حياً، فأحضر ماسورة حديدية قام بضربه بها عدة ضربات على رأسه إلى أن فارق الحياة “. فهذا كله يؤدي إلى القول باقتراف المتهمين بجريمة القتل العمد وليس جريمة الضرب المفضي للموت. وإذا ما استدلت المحكمة بهذه الأدلة إلى توافر الجريمة الأخيرة فإن حكمها يكون معيباً بالفساد في الاستدلال.
وانتهت النيابة الطاعنة إلى طلب قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقضه وإلغائه والتصدي لموضوع الدعوى لكون هذا الطعن للمرة الثانية.
وحيث إنه الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تأويله بمقولة إن علاقة السببية غير متوافرة بين فعل الطاعن والنتيجة وهي وفاة المجني عليه، حيث إن الضرب لم يكن هو السبب في وفاة المجني عليه استناداً تقرير الطبيب الشرعي الأول والتكميلي إذ عزى سبب الوفاة إلى هبوط ومتلازم مع مرض القلب والرئة والذي تفاقم بتسمم كحولي وإصابات بسيطة، وما انتهى إليه التقرير اللاحق من أن الإصابات البسيطة حسب وصفه ساهمت في الوفاة بشكل واضح وعدم القطع بسبب معين وكان للوفاة وما تضمنته تلك التقارير من عبارات الترجيح والاحتمال، مما يعني أن علاقة السببية منتفية بين فعل الطاعن ووفاة المجني عليه، كما أن المحكمة قد بنت حكمها على التشكك والاحتمال بالنسبة لجريمة الضرب المفضي للموت بقولها إن هذه الجريمة لا تشترط الضرب بشدة أو بدرجة معينة، وبخصوص السرقة بالإكراه اعتمدت المحكمة على ثبوت العملة لدى أشقاء الطاعن وهذا لا يجزم بحصول الجريمة، حيث لم توصف تلك النقود أو ترقم حتى يمكن القول بأنها ذات نقود المجني عليه. ومن ثم يكون الحكم قد استند إلى أدلة ضعيفة وأخرى ثابتة عند قضائه بإدانة الطاعن مما يكون معه قد وقع في عيب مخالفة القانون والفساد في الاستدلال مما يجعله حرياً بالنقض والإعادة.
وحيث إنه يبين من مدونات الحكم المطعون فيه وهو بصدد تلخيص وقائع الدعوى قوله [ وأضاف المتهم الأول – أنه أثناء انتظار المجني عليه بمنزله اتفق مع المتهم الثاني على قتل المجني عليه دون أن ينزف منه الدم، وقد جهزا مأسورة حديد وأخفياها وراء الصالون، وعند حضور المجني عليه دخل الأول لإعداد الشاهي وأوهم الثاني المجني عليه بفتح النافذة وقام بخنقه من رقبته ومسكه الأول من قدميه إلى أن فارق الحياة وعندما شاهدا المجني عليه مازال يتنفس قاما بضربه عدة ضربات بواسطة مأسورة حديد على رأسه إلى أن تأكدا من مورثه، وقاما بنقل الجثة بسيارة المجني عليه بعد وضعها بالمقعد الخلفي، وتولى المتهم الثاني قيادة المركبة حتى المكان الذي وجدت فيه الجثة واعترفاً بقسمة المبلغ المالي بواقع عشرون ألف دولار لكل واحد منهما، وبالتحقيق معه أمام النيابة العامة اعترف بالوقائع التي سردها واعترف باستيلائها على المبلغ المالي وأنه قد سلم المبلغ لأخيه صلاح الطويل الذي تم استرجاع المبلغ منه لاحقاً، كما اعترف المتهم الثاني أنه تربطه علاقة صداقة بالمتهم الأول وأنه تحدث معه على أساس أنه يحتاج لمبلغ من المال لاستخراج كنز بمنزله عن طريق أحد الشيوخ وأنه بحاجة إلى مبلغ خمسين ألف دينار، وقال إنه حضر إليه المتهم الأول واقترح عليه قتل المجني عليه والاستيلاء على أمواله، وقد قام بنقل عائلته إلى منزل صهره، وبقيا بمنزل المتهم الأول حتى حضر المجني عليه وبحوزته صندوق حذاء تبين أن به المبلغ المالي، وبعد التعريف بين الطرفين، دخل المتهم الأول وأحضر الشاي، وبمجرد إحضار الشاي انقض على المجني عليه وقام بخنقه واستمر ماسكاً له حتى أوقعه أرضاً، واعترف المتهم الثاني أنه مسكه من قدميه إلى أن شلت حركته، واعترف بأنه ذكر للمتهم الأول أن المجني عليه لازال حياً، فأحضر مأسورة حديد وقام بضربه عدة ضربات على رأسه إلى أن فارق الحياة، ثم قاما بوضعه في سيارته ونقلاها إلى المكان الذي وجدت به، واعترف بأن المتهم الأول سلمه عشرة ألف دولار ووصف الصالون الذي قتل عليه المجني عليه بشكل يتطابق مع الكشف الذي أجرته النيابة العامة على مكان الواقعة، كما أنه تم ضبط المبالغ المالية بحوزة المتهمين وأشقائها.. ].
ثم عرض الحكم المطعون فيه لبيان عقيدة المحكمة بقوله : [ وحيث إن المحكمة وهي بصدد نظر الدعوى بعد أن أحاطت بكافة ظروفها وملابساتها ومحصت وقائعها ووقفت على أدلتها وبخاصة تقارير الطبيب الشرعي، ابتداء من تقرير الصفة التشريحية حتى التقرير التكميلي، والتي تدور في مجملها على أن سبب وفاة المجني عليه يعزى إلى صدمة هبوط القلب والتنفس وتتلاءم مع مرض القلب والرئة والذي تفاقم بتسمم كحولي وإصابات بسيطة وما انتهى إليه الطبيب في تقريره اللاحق من أن الإصابات البسيطة حسب وصفه قد ساهمت في الوفاة بشكل واضح، وعدم القطع بسبب معين وكاف للوفاة وما تضمنته تلك التقارير من عبارات الترجيح والاحتمال مثال من الجائز، من المحكمة، من المحتمل، على الأرجح، علاوة على خلو الأوراق مما يدل على نية إزهاق روح المجني عليه من خلال الإصابات التي وصفها الطبيب الشرعي أنها سطحية ترى المحكمة… إعادة قيد الواقعة طبقاً للمادة 374 عقوبات على أساس أن المتهمين ضربا المجني عليه بأنبوب حديدي على أنحاء متفرقة من جسمه وألحقا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وكذلك التهمة الثانية عملاً بأحكام القانون رقم 10 لسنة 1369 و.ر بأنه يعاد قيد الواقعة طبقاً للمادة 450 عقوبات، على أساس أن المتهمين بتاريخ الواقعة استوليا بالإكراه على المبالغ المالية المملوكة للمجني عليه بالقوة بعد أن اعتديا عليه بالضرب وعلى النحو المبين بالأوراق.. ].
لما كان ذلك وكان من المقرر أن قصد إزهاق روح المجني عليه هو أمر داخلي يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، والتعرف عليه يكون إما بإقرار صريح وصحيح يصدر من الجاني ويفيد بما لا يحتمل التأويل أنه نوى من اعتدائه قتل المجني عليه، وأما عن توافر وقائع وظروف خارجية من شأنها أن تكشف عنه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى عدم توافر نية إزهاق روح المجني عليه لدى المتهمين استناداً إلى أن الإصابات التي ألحقاها بالمجني عليه وصفها الطبيب الشرعي بأنها سطحية، وألتفت عن اعترافاتهما التي أوردها عند سرد وقائع الدعوى بأنهما اتفقا على قتل المجني عليه للاستيلاء على المبالغ المالية التي بحوزته، وقام أحدهما بخنقه والآخر أمسك بقدميه حتى شلت حركته، ثم ضرباه بأنبوب من الحديد ” مأسورة ” حتى تأكدا من موته، ووضعا الجثة في سيارة المجني عليه ونقلاها إلى المكان الذي وجدت به، وتقاسما النقود التي كانت معه، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه لم يدل برأيه في هذه الاعترافات من حيث إثباتها لنية إزهاق روح المجني عليه لدى المتهمين من عدمها، وهذا مما يدل على أن الحكم المذكور لم يحط بوقائع الدعوى ويمحصها التمحيص الكافي، ولم يلم بظروفها ودوافع اقترافها، الأمر الذي أوقعه في عيبي القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ويكون ما تنعى هبه النيابة العامة في هذا الشأن في محله، ويتعين تبعاً لذلك القضاء بنقضه وتحديد جلسة لنظر الموضوع كون الطعن للمرة الثانية وذلك عملاً بالمادة 399 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه عما ينعى به الطاعن على الحكم المطعون فيه فيما قضى به عن جريمة الضرب المفضي للموت، فإن هذه المحكمة قد انتهت إلى نقض الحكم في هذا بناء على طعن النيابة العامة مما يغنى هذه المحكمة عن الخوض في مناقشة مناعي الطاعن عن ذات الوقائع بالجريمة المدان بها.
وحيث إنه عما يثيره الطاعن على الحكم المطعون فيه بشأن جريمة السرقة بإكراه فهو غير مقبول، ذلك لأنه يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل وقائع الدعوى – على نحو ما سلف – عرض لبيان قناعة المحكمة فيما يتعلق بجريمة السرقة بالإكراه بقوله : وحيث إن تهمة السرقة بالإكراه ثابتة في حق المتهمين على وجه اليقين وذلك من خلال اعترافاتهما في جميع مراحل التحقيق بضرب المجني عليه بأنبوب حديدي على أنحاء متفرقة عن جسمه والاستيلاء على أمواله واقتسامها وضبط العملة بحوزة اشقائهما واعترافهما بوضع الأنبوب في حديقة مستشفى الخضراء.. دون النظر إلى ما ذهب إليه الدفاع من أن وجود مبالغ مالية بحوزة أشقاء المتهمين لا يقطع بقيام جريمة السرقة بالإكراه، ذلك لأن المتهمين اعترافاً بحصول الواقعة.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة السرقة بإكراه بما تتوافر به كافة عناصرها القانونية وأورد على ثبوتها في حق الطاعن والمحكوم عليه الآخر أدلة سائغة لها أصلها الثابت في الأوراق من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها وتتفق على مقتضيات العقل والمنطق لذا فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو عن كونه مجادلة موضوعية في أدلة الإثبات، وعوداً إلى مناقشتها من جديداً وهو ما لا يجوز طرحه أمام هذه المحكمة بوصفها محكمة قانون ومن ثم يكون ما ينعى به الطاعن في هذا الشأن غير مقبول.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول طعني النيابة العامة والطاعن شكلاً، وفي الموضوع:
- أولاً: بالنسبة لطعن النيابة العامة تقضى الحكم المطعون فيه فيما قضى به عن تهمة القتل العمد وتحديد جلسة لنظر الموضوع.
ثانياً: بالنسبة لطعن المحكوم عليه على (…) بالنسبة لجريمة السرقة بإكراه برفضه.