طعن جنائي رقم 188-50 ق
طعن جنائي رقم 188-50 ق
خلاصة المبدأ
عبء الإثبات في المواد الجنائية – يقع على النيابة العامة – أساس ذلك.
الحكم
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن لأنه بتاريخ 16/10/2001 بدائرة مركز شرطة غوط الشعال.
أعطى صكا مصرفيا للمستفيد… لا يقابله رصيد قائم قابل للسحب لدى المصرف المسحوب عليه، حالة كون قيمة الصك تجاوز الألف دينار 26000 د.ل وعلى النحو الثابت بالأوراق.
وقدمته إلى محكمة دائرة الجرائم الاقتصادية – دائرة الجنح والمخالفات لمحاكمته بالمادة 13/1 مكرر من القانون رقم 2 لسنة 1979 بشأن الجرائم الاقتصادية. وأثناء نظر الدعوى تقدم المدعى بالحق المدنى بصحيفة ضد المدعى عليه طلب فيها إلزامه بدفع مائة ألف دينار تعويضا عن الضررين المادي والأدبي مع المصاريف والأتعاب وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. والمحكمة المذكورة بعد نظرها الدعوى قضت فيها حضوريا.
- أولا: فى الدعوى الجنائية بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل والنفاذ مدة عام كامل وتغريمه ألف دينار عما نسب إليه وبلا مصاريف جنائية.
- ثانيا: فى الدعوى المدنية: بإلزام المدعى عليه بأن يعوض المدعى بمبلغ قدره ستمائة دينار شاملا للضررين المادي والمعنوي مع المصاريف ورفض ماعدا ذلك من طلبات.
استأنف المحكوم عليه هذا القضاْء أمام محكمة شمال طرابلس الابتدائية – دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة – التي نظرت الدعوى وقضت فيها بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه، وتأييد الحكم المستأنف وبلا مصاريف جنائية.
وهذا هو الحكم المطعون فيه
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 19/10/2002 ف وبتاريخ 6/11/2002 قرر محامي المحكوم عليه الطعن عليه بالنقض أمام قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم بموجب توكيل مرفق وبالتاريخ ذاته ولدى نفس القلم أودع مذكرة بأسباب الطعن، وثبت من الاوراق أن الطاعن قد نفذ الحكم.
وقدمت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني في الطعن رأت فيه قبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه.
وحددت جلسة 28/6/2003 لنظر الطعن، وتلا المستشار المقرر تقرير التلخيص، وتمسكت نيابة النقض برأيها السابق، ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضرها، وحجزت للحكم بجلسة اليوم.
الأسباب
حيث أن الطعن حاز أوضاعه الشكلية المقررة قانونا، فهو مقبول شكلا.
وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال من عدة وجوه:
- الوجه الأول : أن الحكم المطعون فيه أحال في أسبابه إلى أسباب الحكم الابتدائي وجعلها جزءا منه، والحكم المحال إليه جاء مخالفا للقانون لعدم مراعاته أبسط قواعد العدالة ونظم المحاكمة بأن صادرت حقوق الطاعن اللصيقة بشخصية التي أهمها أن الأصل فيه البراءة، وعلى من يدعى العكس الإثبات ولقد استجابت المحكمة المطعون فى قضائها لطلبات سلطة الاتهام التي عجزت عن تقديم أدلة إثبات ضد الطاعن، إذ عجزت عن تقديم شهادة من المصرف تفيد أن محل الجريمة لا يقابله رصيد قائم قابل للسحب، ومن هنا تخلفت أركان الجريمة، ولقد دفع الطاعن بذلك أمام المحكمة المطعون فى قضائها، وقال أن عبارة موانع قانونية لا تعنى عدم وجود الرصيد بل قد يكون مانعا آخر، وبالتالي يكون الحكم المطعون فيه مخالفا للقانون.
- الوجه الثاني: يقول الطاعن أنه دفع امام المحكمة المطعون فى قضائها بوجوب اعمال الفقرة الثانية من المادة 13 مكرر من قانون الجرائم الاقتصادية بدلا من الفقرة الأولى باعتبار أن الصك معيب وخال من أحد بياناته – تاريخ صدوره – التي أوجب المشرع إذا تخلف أحدها اعمال النص المذكور، ومن ثم يكون الصك معيبا، ويكون الحكم قد جاء مخالفا للقانون.
- الوجه الثالث: استدلت المحكمة المطعون فى قضائها على اعتراف الطاعن بتحريره صكا بمبلغ 6000 دينار. وأن عدم صرف الصك معناه عدم وجود رصيد قائم قابل للسحب، وهذان السببان لا يعنيان ان الجريمة مكتملة الأركان إذا أن الطاعن لا ينكر انه سلم الصك، ولكنه ينكر انه لا يقابله رصيد ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد وقع فى عيب الفساد فى الاستدلال.
وحيث أن ما ينعى به الطاعن فى الوجه الاول من طعنه فهو في محله ذلك أنه يبين من مدونات الحكم الجزئي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بقوله ( اشتكى المجنى عليه ضد المتهم بالقول انه سلمه صكا بقيمة 26 ألف دينار مسحوب على مصرف الأمة فرع جنزور حساب رقم (9101) وعند مراجعته المصرف اتضح أنه لا يقابله رصيد، وقال المتهم إن قيمة الصك هي 6000 دينار فقط، وأن المتهم حرر القيمة بالأرقام والشاكي اضاف اليها رقم 2 عن اليسار، اضافة الى كتابته باقي بيانات الصك بالأحرف عدا التوقيع. ثم أقامت النيابة العامة هذه الدعوى عليه، طبقا لما سلف، وحضر وانكر ما نسب اليه وقال ان حسابه بالمصرف كان يغطى قيمة الصك …).
ثم عرض الحكم لبيان ادلة الثبوت بقوله ( لقد اقر المتهم انه وقع على الصك رقم 833991 المشار اليه سلفا والمرفق بالأوراق، واقر كذلك انه حرر قيمته بالأرقام وهى 6000 دينار، وحيث انه لم يقدم ما يفيد أن حسابه رقم 9101 بمصرف الامة فرع جنزور كانت به نقودا وتغطى هذه القيمة عند تقديم الصك للمصرف بتاريخ 10/10/2001، وأن ادعائه بذلك يعوزه الدليل، ومن ثم يترجح خلوه من أي نقود، وهو ما دفع المصرف لإعادة الصك الى المستفيد – المجنى عليه – وتأسيسا على ما تقدم تتحقق ادانة المتهم …).
وجاء فى الحكم المطعون فيه وهو بصدد الرد على هذا النعي عندما دفع به امامه قوله (وأما من حيث الموضوع، فأن المستأنف لم يأت بجديد من شأنه أن بعيب سلامة الحكم المستأنف سوى ما ذكره دفاعه من أن الجريمة غير ثابته لان المصرف المسحوب عليه لم يبين سبب ارجاعه للصك، وقد يكون سببا أخر غير عدم وجود الرصيد، وهذا الدفع مردود من وجهين: –
- الوجه الأول: أن المتهم اعترف استدلالا وتحقيقا أنه قد حرر الصك ووقع عليه بمبلغ ستة آلاف دينار.
- والوجه الثاني: أن المصرف عادة ما يقوم بإرجاع الصكوك لعدم وجود رصيد للزبون، ولو كان غير ذلك لذكر ان الحساب لا يخص صاحب دفتر الصكوك مثلا، أو أن هذا الزبون لا يوجد لديه حساب بهذا المصرف، ومن ثم فإن المحكمة ترى أن أسباب الحكم المستأنف جاءت سائغة ومقبولة ومؤدية عقلا ومنطقا إلى النتيجة التى انتهى اليها …).
لما كان ذلك وكان من المقرر قانونا أن المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته بحكم قضائي، أي أن الأصل فى المتهم البراءة، وينبني على ذلك أنه لا التزام على المتهم إثبات براءته، وإنما يقع عبء الاثبات على النيابة العامة، إذ يجب عليها عند رفع الدعوى الجنائية ضد المتهم أن تقيم الدليل على ما تدعيه، وأن تثبت توافر أركان الجريمة وعناصر إثباتها والنصوص المنطبقة عليها، فإن هي عجزت عن إقناع المحكمة قضت تلك الأخيرة بالبراءة، طالما أنها لم تقدم الدليل الكافي والمقنع للإدانة.
لما كان ذلك وكان الحكم الجزئي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أدان الطاعن عن جريمة إعطاء صك بدون رصيد – على الرغم من دفع الطاعن فى مرحلة التحقيق والمحاكمة بأن لديه رصيد – تأسيسا على أن الطاعن لم يقدم أن حسابه رقم 9101 بمصرف الامة فرع جنزور كانت به نقودا وتغطى قيمة الصك عند تقديمه للمصرف، وأن ادعائه بوجود الرصيد يعوزه الدليل، ومن ثم يترجح خلو حسابه من أي نقود.
ومن ثم فإن الحكم محل الطعن يطلب من المتهم تقديم الدليل على براءته على خلاف الأصل، اذ أن ذلك من مهمة النيابة العامة التى عليها أن تقدم دليل الادانة، لذلك فأن الحكم المطعون فيه يكون قد وقع فى عيب مخالفة القانون مما يتعين نقضه والإعادة. فضلا على أن ترجيع الصك من المصرف الى المستفيد بسبب وجود موانع قانونية فإن هذه العبارة لا تؤدى عقلا ومنطقا الى القول بأنها تعنى أن حساب الطاعن لا يوجد به رصيد، فقد تكون موانع أخرى غير ذلك، وإذا كانت المحكمة قد فسرت هذه العبارة على أنه لا يوجد رصيد لدى الطاعن، فإن حكمها يكون قاصر البيان فى شقه الخاص بالدعوى الجنائية بما يوجب نقضه والاعادة فى هذا الخصوص، ومتى تقرر ذلك فأن حسن سير العدالة ووحدة الأساس فى الدعويين يقتضى نقضه والإعادة أيضا فيما قضى به فى شقه الخاص بالدعوى المدنية حتى تعيد محكمة الموضوع نظر الدعوى برمتها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة الدعويين إلى محكمة شمال طرابلس الابتدائية – دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة – لنظرها مجددا من هيئة أخرى.