أدوات الوصول

Skip to main content

طعن أحوال شخصية رقم 3-50 ق

نشر في

طعن أحوال شخصية رقم 3-50 ق

خلاصة المبدأ

شهادة – ماهيتها- الأصل فيها- الخروج عن الأصل – محله- أثر ذلك.

الحكم 

الوقائع

أقام الطاعنون الدعوى رقم 72/92 ف أمام محكمة تاجوراء الجزئية ضد المطعون عليهما وآخرين طالبين قسمة الأرض التي بينوا حدودها ومعالمها بصحيفة الدعوى كل بحسب نصيبه المحدد شرعا بفريضة مورثهم المرحوم “الصادق محمود حمودة” وأثناء نظر الدعوى نازع المطعون ضدهما في استحقاق المدعين في ميراث والدهم من عقارات تأسيسا على أنها وقف على الذرية فأحالت المحكمة المذكورة الخصوم بشأن هذه المنازعة إلى محكمة شمال طرابلس الابتدائية وعينت لهم الجلسة التي يحضرون فيها أمام إحدى دوائرها الكلية المدنية وأوقفت دعوى القسمة إلى أن يفصل نهائيا في النزاع حول الوقف المدعى به . وبجلسة 11/11/98 ف انتهت المحكمة المحالة إليها الدعوى الى وقف السير في الدعوى بناء على ما رأته من أنها ليست مختصة بالنظر في مسائل الوقف. فأقام الطاعنون الدعوى رقم 164/99 ف امام الدائرة الشرعية الكلية بمحكمة شمال طرابلس الابتدائية بطلب الحكم لهم ببطلان الوقف المدعى به على العقارات موضوع الدعوى – وباستحقاقهم لنصيبهن مما تركه مورثهم من عقارات – والمحكمة المذكورة بعد أن فرغت من نظر الدعوى قضت فيها بعدم صحة الوقف.. ثم قضت محكمة استئناف طرابلس في الاستئناف المرفوع لها من المطعون ضدهما – بقبول الاستئناف شكلا – وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف – وبرفض الدعوى.

الإجراءات

صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 25/6/2002 ف واعلن للطاعن الأول في 17/9/2002 ف ولم تتضمن الأوراق ما يفيد اعلانه الى بقية الطاعنين وبتاريخ 17/10/2002 ف قرر محامي الطاعنين الطعن عليه بطريق النقض مسددا الرسوم ومودعا الكفالة – وسند الوكالة – ومذكرة بأسباب الطعن – وأخرى شارحة – وصورة من الحكم المطعون فيه – واخرى من الحكم الابتدائي كما أودع مستندات اخرى – ثم بتاريخ 2/11/2002 ف أودع أصل ورقة إعلان الطعن لدى قلم كتاب المحكمة العليا معلنة في 27/10/2002 ف – وبتاريخ 18/11/2002 ف أودع محامي المطعون ضدهما مذكرة بدفاعهما مشفوعة بسند الوكالة ومستندات أخرى. وقدمت نيابة النقض مذكرة ناقشت فيها أسباب الطعن وانتهت إلى الرأي بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه وبالجلسة المحددة لنظر الدعوى أصرت على رأيها.

الأسباب

حيث إن الطعن استوفي كافة أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلا.

وحيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون وتفسيره – والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال من الأوجه التالية:

  • اولا: ان الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بصحة الوقف على شهادة الشهود أمام محكمة أول درجة – وأمام المحكمة المطعون في قضائها وهي شهادة سماع لم تتوفر فيها الشروط المطلوبة شرعا حيث لم يقرر الشهود فيها بأنهم يسمعون سماعا فاشيا مستفيضا على السنة أهل العدل وغيرهم بأن العقارات محل النزاع حبس على الذكور دون الإناث ويعلمون أنها تحاز بما تحاز به الأحباس وتحترم بحرمتها واتصل ذلك بعلمهم حتى الآن. فضلا عن أنها جاءت عامة دون تحديد للعقارات التي شملها الحبس المدعى به – وبعضها لم تتضمن ما إذا كان الحبس مؤقتا ام مؤبدا، وهل هو على جهة بر، أو على الذرية.
  • ثانيا: إن صورة المحرر المتضمن شهادة كل من (…) و(…) بان تراب الحمودات بمحلة الوادي الغربي وقف هي شهادة موثقة أمام محكمة تاجوراء الجزئية ومصدق عليها من قاضيها – وقد اوجب القانون ان تؤدى الشهادة شفاها – ولا يجوز الاستعانة بمذكرات مكتوبة إلا بأذن المحكمة أو المستشار المحقق وحيث تسوغ ذلك طبيعة الدعوى ولم تتضمن اسباب الحكم المطعون فيه ما يبرر أخذ المحكمة بهذه الشهادة المكتوبة .. وان العلم والخبر الصادر من مختار وأمام محلة الوادي الغربي قد جاء خاليا من بيان من هو الواقف – وما إذا كان الوقف على الذكور دون الإناث – وما إذا كان الوقف مؤقتا – أم مؤبدا.
  • ثالثا: ان الحكم المطعون فيه وقد انتهى إلى أن المطعون ضدهما اثبتا أن العقارات موضوع الدعوى محبوسه واعتبر هذا هو الأصل والظاهر – وان ادعاء الطاعنين بأنها ملك حر اعتبره خلاف الأصل والظاهر وعجزوا عن إثباته، والصواب هو عكس ما انتهى اليه الحكم.

وحيث ان الواقع في الدعوى انها اقيمت من الطاعنين أمام محكمة أول درجة على المطعون ضدهما طالبين الحكم لهم بعدم صحة الوقف على الذكور دون الإناث والمدعى به منهما على الارض التي آلت إليهم ارثا من والدهم مع اخويهما المطعون ضدهما ومحكمة البداية بعد فراغها من نظر النزاع قضت بعدم صحة الوقف المدعى به – على جميع قطع الأراضي محل الدعوى تأسيسا على أن الوقف المذكور لم يثبت وجوده بشكل جازم وان شهادة الشهود التي يركن إليها المدعى عليهما سواء من استمعت إليهم المحكمة مصدرة الحكم أو ما كانت محررة ومصدقا عليها من محكمة تاجوراء الجزئية لم يرد فيها ما يقطع بوجود الحبس المدعى به كما ان العلم والخبر الصادر من مختار محلة الوادي الغربي لا يمكن اعتباره سندا كافيا لقيام الوقفية لعدم اشتماله على توضيح اسم المحبس، وما اذا كان الوقف على الذكور دون الإناث، أو كان مؤقتا أم مؤبدا .

لم يقبل المطعون ضدهما بهذا الحكم فاستأنفاه امام المحكمة المطعون على قضائها والذى يبين من وقائع حكمها المطعون فيه انهما اقاما استئنافهما على حكم محكمة اول درجة بوصف انه اخطأ في تطبيق القانون وتأويله حيث لم يتقيد بنص المادة الثانية من القانون رقم 124/1972 ف بشأن احكام الوقف التي تنص على ان يثبت الوقف قبل صدور القانون بالبينة والشهرة بين الناس والكتابة على ابواب المساجد – وقد قدم المستأنفان ما يفيد ان العقارات موضوع المنازعة هي وقف طبقا لما هو ثابت بالعلم والخبر وشهادة الشاهدين امام محكمة تاجوراء الجزئية غير ان المحكمة لم تعتد بذلك وقد استمعت المحكمة المطعون على قضائها الى شهادة مجموعة من الشهود والتي كانت شهادتهم لم تخرج عن انهم سمعوا ان الارض محل النزاع وقف وقد تضمنت مدونات الحكم المطعون فيه ان الطاعنين دفعوا بان الحبس المدعى به على الارض محل النزاع لم يكن محترما بحرمة الاحباس حيث اقر المستأنفان بانهما قد تصرفا في اجزاء كثيرة منه بالبيع الى الغير – وان شهادة الشهود سواء ما كان منها امام محكمة البداية أو امام محكمة الاستئناف لم تكن مستوفية للشروط الشرعية التي يجب ان تتوفر في شهادة السماع وذلك بان يدلى الشاهد في شهادة السماع بانه مازال يسمع ان هذه الارض حبس تحاز بما تحاز به الاحباس وتحترم بحرمتها كما ان الشهود لم يبينوا حدود الارض وبالتالي فانه لا يعول على هذه الشهادة .

والمحكمة المطعون على قضائها قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى مؤسسة قضاءها على قولها :- (( يتضح من ذلك ان المستأنفين قدما كل ما لديهما من وسائل الاثبات التي تدل على ان الارض وقف على الذرية امام محكمة البداية وامام هذه المحكمة وان المستأنف عليهم ليس لهم دليل سوى التشكيك في شهادة السماع فلم يقدموا شاهدا واحدا على ان الارض لم تكن وقفا رغم ان شهادة الشهود جاءت متناثرة في عدة مواضع إلا انها تعاضد بعضها البعض وكان على محكمة البداية ان تتقيد بالقاعدة وهى البينة على من ادعى واليمين على من انكر – والمدعى عادة ما يكون هو الذى يخالف دعواه الظاهر اما المدعى عليه فهو الذى يظهر انه صاحب الحق وبالتالي فان الشريعة كلفت المدعى الذى تخالف دعواه الظاهر بالبينة وهو دليل قوى بينما على المدعى عليه اليمين فقط وهو دليل بسيط وفي هذه الدعوى وجود المستأنفين قائمين بالأرض ويتصرفان فيها تصرف المالك في ملكه وقاما باقتسامها مع ابناء عمهما الذكور على اعتبار انها وقف على الذرية واقام عليهما المستأنف عليهم “الدعوى الماثلة” بحجة انها املاك خاصة فكان عليهم اقامة الدليل امام القضاء على ان هذه العقارات المطلوب قسمتها هي ملك خاص لمورثهما أو آلت الى موكليهما عن طريق الميراث – وعوضا عن ذلك قام المستأنف عليهم بالتشكيك في الشهادة وبالجدل في صحة الوقف من اساسه دون تقديم البينة على دعوتهم بان هذه الارض هي ملك خاص وليست وقفا – وحيث ان الحكم المستأنف لم يراع ذلك وان هذه المحكمة تطمئن الى ما جاء في شهادة الشهود امامها والتي تكمل الشهادة التي ادلوا بها امام محكمة البداية وكذلك الى الشهادة المكتوبة عملا بالمادة 95 من قانون الاجراءات الشرعية والتي تفيد في عمومها وتعاضدها الى ان الارض موضوع النزاع والمحددة الحدود والمعالم بصحيفة الاستئناف كانت وقفا على الذرية … إلخ )) .

متى كان ما تقدم وكانت وقائع النزاع -وما انتهى إليه الحكم المطعون فيه وتأسس عليه وما تضمنته أسباب الطعن وفقا لما سلف إيراده فان جميع أوجه المناعي تكون في محلها ذلك أنه بالنسبة للوجهين الأول والثاني فإنه ولئن كان الأصل في الشهادة ألا يشهد الإنسان إلا بما رآه في المرئيات وبما سمعه في المسموعات مستوعبا بدء الكلام وختامه غير أن هناك وقائع لا سبيل إلى إثباتها بهذا الطريق فكان لابد للخروج من هذا الأصل واللجوء إلى شهادة السماع في المسائل التي لا سبيل إلى إثباتها إلا بها مما جعل أهل العلم يأخذون بهذه الشهادة خروجا عن الأصل في عدة مسائل ومن بينها الوقف – واشترطوا للأخذ بها شروطا:

وهي أن يشهد عدلان فاكثر بالسماع – وأن يقرروا في هذه الشهادة انهم يسمعون سماعا فاشيا مستفيضا من أهل العدل وغيرهم أن العقار المدعى بحبسه وقف يحاز بما تحاز به الأحباس، ويحترم بحرمتها – وألا يعينوا المسموع منه وإلا كانت شهادة نقل – وأن يجمعوا في الشهادة بأنهم سمعوا من أهل العدل – وغيرهم وإلا كانت ملغاة – وعن الشهادة المحررة في سجل المقاولات أمام المحكمة فإنها لا تجري مجرى الشهادة التي يدلي بها الشهود أمامها حيث ان الشهادة المثبتة في سجل المقاولات لا تعدو – أن تكون شهادة مكتوبة أدلى بها الشهود امام القاضي وهو بصفته موثقا مقتصرا دوره فيها على إثبات ما ادلى به كل من الشهود امامه ولم يكن سلطته في هذه الحالة أن يناقشهم في مضمونها وبالتالي فإنها لا تعتبر شهادة بالمعنى المقصود – قانونا لأنها لم تبد أمام المحكمة في نزاع قائم وفي مواجهة الخصوم – وبعد أداء اليمين . وفضلا عن كل ذلك فان ما ورد بشهادة الشهود سواء ما قدم منها مكتوبا أو ما ادلوا به أمام محكمة البداية وأمام المحكمة المطعون على قضائها لم تتضمن شروط المحبس عما إذا كان حرمان البنات مطلقا، أو معلقا على شرط، والتي على ضوئها الانتفاع بالعين المحبسة من قبل من حددهم المحبس.

وحيث يبين من مدونات الحكم المطعون فيه – ومحاضر جلسات المحكمة المطعون على قضائها المرفقة صورة منها ملف الطعن لم تتضمن ما يثبت أن شهادة الشهود سواء المحررة منها – أم المؤدية شفاها – التي تأسس عليها الحكم المطعون فيه قد توافرت بها تلك الشروط المطلوبة شرعا.

وإذ كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم المذكور أن الطاعنين قد دفعوا أمام المحكمة التي أصدرته بهذا الدفع فإنه من ثم يكون من المتعين عليها أن تمحص تلك الشهادة وتطبيق شروطها وأحكامها سالفة البيان قبل الأخذ بها – وإذا لم تفعل ذلك فإن حكمها يكون معيبا بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.

وبالنسبة للوجه الثالث فإنه بدوره سديد “ذلك أن الطاعنين ادعوا أن الأرض محل النزاع هي ميراث مشترك بينهم وبين المطعون ضدهما وطلبوا حقهم في ذلك – وأن المطعون ضدهما لا ينازعون في أن تلك الأرض قد آلت إليهم ارثا عن مورثهم و مورث الطاعنين ولكنهم ادعوا بان الطاعنين لا حق لهم فيها باعتبارها حبس على الذكور دون الإناث وإن كان الطاعنون بأنفسهم وصفاتهم من ذرية المورث إلا أنهم باعتبارهم اناثا فلا حق لهم في هذه الأرض لأنها حبس. ومن ثم فان الاصل في ملكية العقار لا تكون مثقلة بأي حق وهو الأصل الظاهر ومن يدعي خلاف ذلك فعليه إثباته.

وحيث ان الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن دعوى الطاعنين هي خلاف الظاهر وطلب منهم إثباته مع أنه هو الظاهر ولا يكلف من يدعى الأصل بإثبات ما يدعيه وليس لقاضي الموضوع رأى في تعيين من يكون عليه الإثبات – ومن يكون له النفي ولا في تكليف أيهما شاء بالإثبات. أو النفي ولا في تجزئة عبء الاثبات بين طرفي الخصومة بل هو مقيد في ذلك بحكم القانون وخاضع فيه لرقابة محكمة النقض متى كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فانه يكون معيبا بالخطأ في تفسير القانون والقصور في التسبيب.

وحيث إن ما ساقه الحكم المطعون فيه من أن حيازة المطعون ضدهما للأرض محل النزاع واستصلاحهما لها – وإنهاء حالة الشيوع فيها مع أبناء عمهما واعتبار ذلك كله دليلا على انها حبس فإنه غير سديد ذلك أن الوقف انما يثبت بشهادة البينة والشهرة بين الناس والكتابة على أبواب المساجد وفقا لما هو منصوص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 124/72 ف بشأن أحكام الوقف وأن إنهاء حالة الشيوع للأرض واستصلاحها ليست مقصورة على الأرض الموقوفة ولا تعتبر وحدها سندا على انها حبس حيث أن الحبس يثبت بما نصت عليه المادة سالفة الذكر .

وحيث إنه بالبناء على كل ما تقدم فانه يتعين نقض الحكم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا – وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه – وبإحالة القضية إلى محكمة استئناف طرابلس للفصل فيها مجددا من هيئة اخرى – وألزمت المطعون ضدهما بالمصاريف شاملة أتعاب المحاماة .