طعن مدني رقم 210/46 ق
- التصنيف: المدني
- رقم الطعن: 210
- السنة القضائية: 46
- تاريخ الجلسة: 8 مارس 2004
طعن مدني رقم 210/46 ق
خلاصة المبدأ
- عدم جواز التعويض عن الضرر الموروث.
- موطن الضرر الأدبي الموجب للتعويض- بيانه.
- عدم بيان الدفوع الجوهرية المبدأة أمام محكمة الموضوع في أسباب الطعن تخلف ذلك- أثره.
الحكم
الوقائع/ أقامت المطعون ضدها الدعوى رقم 1996/778 أمام محكمة شمال طرابلس الابتدائية ضد الشركة الطاعنة قالت بيانا لها: إن السيارة رقم 13071/ النقاط الخمس صدمت ابنها، وترتب على ذلك وفاته، وقد دين السائق جنائيا، ولما كانت السيارة مؤمنة بوثيقة سارية المفعول لدى الطاعن بصفته فقد انتهت إلى طلب إلزامه بدفع مبلغ خمسين ألف دينار، وهو قيمة التعويض المستحق للمتوفى والذي انتقل الحق فيه لوالدته بعد وفاته، ومبلغ مائتين وعشرة آلاف دينار تعويضا لها عما لحقها من أضرار مادية ومعنوية، وبتاريخ 1428.10.1 قضت المحكمة بإلزام الطاعن بصفته، بأن يدفع للمطعون ضدها مبلغا قدره عشرون ألف دينار تعويضا عما أصابها من ضرر ادبي من جراء وفاة ابنها، وبرفض ما دون ذلك من طلبات، استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف رقم 45/231 ق، كما استأنفه الطاعن بصفته باستئناف مقابل أمام محكمة استئناف طرابلس التي قضت في الاستئنافين بقبولهما شكلا، وفي الموضوع.
أولا: في الاستئناف الأصلي بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى من رفض الدعوى بالنسبة لطلب التعويض عن الضرر المادي الذي أصاب المتوفى قبل وفاته وبإلزام المستأنف عليه بصفته (الطاعن) بأن يدفع للمستأنفة عنه (المطعون ضدها) مبلغ عشرة آلاف دينار، وبتعديل الحكم المستأنف بالنسبة لما قضى به عن الضرر المعنوي إلى إلزام المستأنف عليه بصفته بأن يدفع للمستأنفة عنه مبلغا قدره أربعون ألف دينار، وبرفض الاستئناف، وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك.
ثانيا: في الاستئناف المقابل برفضه موضوعا
” وهذا هو الحكم المطعون فيه.
الإجراءات
صدر هذا الحكم بتاريخ 1999.1.16 وتم إعلانه بتاريخ 1999.3.3 وبتاريخ 1999.4.3 قرر أحد أعضاء إدارة القضايا الطعن عليه بالنقض بتقرير لدى قلم كتاب المحكمة العليا، مسددا الرسم، ومودعا الكفالة، وصورة من قرار الإنابة، ومذكرة بأسباب الطعن، وأخرى شارحة، وصورة طبق الأصل من الحكم المطعون فيه، وأخرى من الحكم الابتدائي، وأودع بتاريخ 1999.4.12 أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضدها في اليوم السابق وبتاريخ 1999.4.15 أودع محامي المطعون ضدها مذكرة بدفاعه مرفقا بها سند وكالته، وقدمت نيابة النقض مذكرة انتهت فيها إلى الرأي بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت على رأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه المقررة في القانون فهو مقبول شكلاً.
وحيث ينعى الطاعن بصفته على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور في التسبيب من عدة وجوه:-
- إن المحكمة قضت للمطعون ضدها بتعويض قدره أربعون ألف دينار عن الضرر الأدبي، وهو قضاء ينطوي على غلو وإسراف لا يجد له سندا من الفقه أو القانون ويعد مخالفا لما استقر عليه قضاء المحكمة العليا.
- أورد الحكم المطعون فيه أنه بالنسبة للضرر المادي فإن الحكم المستأنف في محله، وأنه بني على أسباب مقبولة ومعقولة وذات أصل ثابت بالأوراق، ويتعين لذلك رفض الاستئناف، وتأييد الحكم المستأنف، وهو من الحكم من قبيل الاضطراب في الأسباب يدل على، أن واقعة الدعوى لم تستقر في ذهن المحكمة، ولم تكن واضحة إلى الحد الذي يمكنها من تحديد نوع الضرر المادي الذي تعنيه مما يصم الحكم بالقصور.
- إن المحكمة لم تبحث ما تمسك به المستأنف في صحيفة استئنافه وما استند إليه فيها، واكتفت بالرد عليها بعبارة قاصرة بأن الاستئناف المقابل لا محل له لما ذكرنا من أسباب، ويتعين لذلك رفضه موضوعا، وهو ما يكون معه الحكم قد أخل بحق الدفاع.
وحيث إن النعي في وجهه الأول مردود، ذلك أنه بالنسبة للتعويض عن الضرر الأدبي فإن موطن الضرر الموجب للتعويض هو العاطفة والشعور وهي من الأمور الخفية التي لا يمكن بالحس الظاهر إدراك مقدار ما يصيبها من ضرر، ومن المتعذر على المحكمة تحديد عناصر هذا الضرر، ومن ثم يكفي لسلامة الحكم بشأن تقدير التعويض عن الضرر الأدبي أن يكون معقولا دونما تقتير أو غلو أو إسراف. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم الابتدائي أنه أورد في معرض بيانه لعناصر الضرر الأدبي الموجبة للتعويض أن المطعون ضدها حرمت من ابنها بوفاته والذي كان في صحة جيدة وهو شاب، وقد حدثت وفاته بصورة مفاجئة ومفجعة، الأمر الذي يؤلم نفس والدته ويلحق لها الأسى والحزن – وكان الحكم المطعون فيه قد عدل مبلغ التعويض بالزيادة مبرراً ذلك بأن المبلغ المحكوم به لا يتناسب مع الألم والحسرة اللذين أصابا المطعون ضدها بفقدان ابنها المتوفى البالغ من العمر ثمان وثلاثين سنة، فإن ما أورده الحكمان على هذا النحو كاف لتبرير التعويض عن الضرر الأدبي باستخلاص سائغ وسليم ينأى بهما عن الغلو والإسراف بما يتعين معه رفض هذا الوجه من النعي.
وحيث إن النعي في وجهه الثالث غير سديد، إذ أن النعي على الحكم بأنه أغفل الرد على المطاعن الواردة بصحيفة الاستئناف دون بيان هذه المطاعن هو نعي مبهم لا يبين منه على وجه التحديد ماهية هذه المطاعن ولا وجه القصور، ولا يغني عن ذلك إشارة الطاعن إلى ورود هذه المطاعن في صحيفة الاستئناف دون تحديدها في تقرير الطعن.
ولما كان الطاعن قد اقتصر في هذا الوجه على القول بأن المحكمة لم تبحث ما تمسك به في صحيفة الاستئناف، واكتفت بالرد عليه بعبارة قاصرة وهي أن الاستئناف المقابل لا محل له لما ذكرنا من أسباب»، دون أن ببين في تقرير الطعن وأسبابه على وجه التحديد أوجه الدفاع التي تمسك بها ولا مواطن القصور في تناول المحكمة لها، وهو ما يعجز المحكمة العليا على بسط رقابتها على الحكم فيما أورده في هذا الشأن بما يتعين معه رفض النعي.
وحيث إن النعي في وجهه الثاني سديد، ذلك أن دعوى التعويض ضد المتسبب في الضرر وفقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة لا تعتبر من ثروة المجني عليه، وإنما يجب أن يثبت للمضرور الذي يموت متأثراً بإصابته حق شخصي في التعويض عن موته متميزاً عما قد يثبت لورثته من حق آخر في التعويض عما أصابهم من ضرر بسبب موت مورثهم، ولما كان الحق لم يثبت للمضرور قبل وفاته، لأن ضرر الموت لم يقع بعد، ولا يمكن أن يثبت له بعد موته لفناء شخصيته وزوال صلاحيته لاكتساب الحقوق ونشوئها في ذمته، فإنه لا يكون لورثته أي حق في المطالبة بالتعويض عن موته أو عن آلام يدعون أنه تجرعها بسبب الموت استناداً إلى كونهم ورثة، لأن صفة الوراثة ليست كافية بمفردها للحكم بالتعويض، ويكون هذا التعويض لم ينشأ إلا نتيجة لموت المورث، وبالتالي لم يدخل قط في ذمته.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض التعويض عن الضرر الذي أصاب المتوفى قبل وفاته، وقضى للمطعون ضدها بالتعويض عن هذا الضرر باعتباره ضرراً مادياً لحق جسم المتوفى، وأن هذا الضرر يورث، فإنه يكون قد خالف القانون بما يتعين نقضه نقضاً جزئياً فيما قضى به في هذا الشأن.
وحيث إن مبنى النقض مخالفة القانون، وكان موضوع القضية صالحاً للفصل فيه، فإن المحكمة تقضي فيه وفقاً للقانون عملاً بنص المادة 358 من قانون المرافعات.
وحيث إن الحكم الابتدائي (المستأنف) قد انتهى إلى رفض التعويض عن الضرر المادي الذي أصاب المتوفى في جسمه قبل وفاته مبرراً ذلك بأن المتوفى لم يكتسب حقاً في التعويض قبل الوفاة، لأنها لم تقع قبلها ولا بعدها، لأن الميت لا يكتسب الحقوق، وليس للورثة المطالبة به باعتبارهم تلقوا هذا الحق عن مورثهم، لأنه لم يثبت له في أية لحظة فإن هذا القضاء يكون في محله ويتعين تأييده.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبنقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً فيما قضى به من تعويض عن الضرر الموروث، وفي موضوع الاستئناف رقم 45/231 طرابلس بتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض التعويض عن الضرر المادي الذي أصاب قبل وفاته، ورفض الاستئناف فيما يخص هذا الشق، وبرفض الطعن فيما عدا ذلك، وبإلزام المطعون ضدها بالمصروفات المناسبة مورث المستأنفة.