طعن مدني رقم 2/ 46ق
طعن مدني رقم 2/ 46ق
خلاصة المبدأ
– التحقق من حالة المبيع، يستلزم، استلاما فعليا له التسليم الحكمي أو المادي لا يعد استلاما فعليا – أثره.
الحكم
الوقائع/ تخلص الواقعة في أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 94/1485 أمام محكمة طرابلس الابتدائية ضد المطعون ضده، قالوا فيها: إنهم اتفقوا، على أن يقوم بتزويدهم بمصنع متكامل للأردية مع مواد التشغيل مقابل اثنين وثلاثين ألفاً وثمانية وثمانين ديناراً و 911 درهما، وقد تسلموا الآلات والمواد داخل صناديق مقفلة منذ عام 1991ف، وبناء على إلحاحهم في الإسراع في تركيب المصنع، فقد وافق المطعون ضده على فتح الصناديق بمعرفة أحد المهندسين التابعين له، ثم تعاقد مع الشركة العامة للغزل والنسيج بطرابلس على القيام بتركيب المصنع، حيث تبين للقائمين بالتركيب أن آلات المصنع قديمة سبق استعمالها، وبها نواقص والبعض منها غير صالح للاستعمال، وانتهوا إلى طلب إلزامه بأن يدفع لهم مبلغ واحد وسبعين ألفاً وأربعمائة وخمسة وستين ديناراً وتسعمائة درهم، تعويضاً لهم عما لحقهم من خسارة، وما فاتهم من كسب، والمحكمة قضت برفض الدعوى بالنسبة للتعويض عن التأخير في التركيب، وبسقوط الدعوى فيما عدا ذلك بالتقادم، وقضت محكمة استناف طرابلس في الاستئناف المرفوع من الطاعنين برفضه، وتأييد الحكم المستأنف، وقضت المحكمة العليا في الطعن المدني رقم 43/471ق المقام منهم بنقضه مع الإحالة، وقضت محكمة استئناف طرابلس – بعد تحريك الاستئناف أمامها من جديد – برفضه، وتأييد الحكم المستأنف.
والحكم الأخير هو المطعون فيه
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 1998.6.25ف، ولا يوجد بالأوراق ما يدل على إعلانه، وبتاريخ 1998.10.1ف قرر محامي الطاعنين الطعن فيه بالنقض، بالتقرير به لدى قلم كتاب المحكمة العليا، مسددا الرسم، ومودعاً الكفالة والوكالة، ومذكرة بأسباب الطعن وأخرى شارحة، وصورة من الحكم المطعون فيه، وأخرى من الحكم الابتدائي ضمن حافظة مستندات.
وبتاريخ 1998.107ف أودع أصل ورقة إعلان الطعن معلنة للمطعون ضده بذات التاريخ. واودعت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها الرأي بقبول الطعن
وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه مع الإحالة، وفي الجلسة أصرت على رأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلاً. وحيث إنه مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بسقوط دعوى الضمان على تسلم الطاعنين في 1991.6.12ف الصناديق التي قيل لهم إنها تحوي مصنعاً جديداً للأردية، رغم أن ما صدر من الشركة المطعون ضدها يدل على أن تسلم الطاعنين لتلك الصناديق مجرد تسلم مادي وبقصد إيداعها في مخازن الطاعنين لغاية إرسال من يتولى تركيب المصنع، إذ قامت بشراء تذاكر سفر واستخراج تأشيرات دخول لمن يتولى التركيب من فنيي الشركة الكورية الموردة، وأرسلتها إلى المكتب الشعبي بسيول لتسليمها إليها مما يفيد اتفاقها مع الشركة الموردة على إرسال من يقوم بتركيب المصنع وتشغيله للتعرف على طريقة التشغيل، وما به من نواقص إن وجدت، وبالتالي فإن الطاعنين لا يملكون فتح الصناديق قبل ذلك ومعرفة ما بها، وأن تكليف الشركة المطعون ضدها أحد مهندسيها بفتح الصناديق بتاريخ 1993.4.6ف وتقديم تقرير بشأن المصنع، وتعاقدها بعد ذلك مع الشركة العامة للغزل والنسيج على تركيبه حيث باشر الفنيون التابعون لها التركيب اعتباراً من 1994.1.8ف ولغاية 1994.2.9ف، وأثبتوا في تقريرهم حالة المصنع، ولم يكن ذلك من باب المساعدة والمحافظة على سمعة الشركة المطعون ضدها، إنما يدل على سيطرتها على آلات المصنع المخزنة في الصناديق حتى انتهاء الفنيين التابعين لها من التركيب، وإذ كان الطاعنون أقاموا دعواهم في 1994.12.7ف بعد أن علموا بعيوب المصنع فإنها تكون مرفوعة في الميعاد إلا أن الحكم المطعون فيه ذهب إلى سقوط حقهم في رفعها بمرور سنة من تاريخ تسلمهم الصناديق المقفلة في 1991.6.12ف، مما يجعله مشوباً بالخطأ في تطبيق أحكام المواد 441,438,423 من القانون المدني، قاصر التسبيب جديرا بالنقض.
وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المادة 438 من القانون المدني تنص على أنه (( إذا تسلم المشتري المبيع وجب عليه التحقق من حالته بمجرد أن يتمكن من ذلك، وفقاً للمألوف في التعامل، فإذا كشف عيباً يضمنه البائع وجب عليه أن يخطره به خلال مدة معقولة، فإن لم يفعل اعتبر قابلا للبيع)).
ومفاد هذا النص أن التزام المشتري بالتحقق من حالة المبيع يقتضي أن يكون قد تسلم المبيع تسلما فعلياً يتح له إمكانية التحقق من حالته بحيث إذا كان التسلم حكمياً أو مادياً أو حال ظرف من الظروف المألوفة في التعامل دون توافر هذه الإمكانية فإنه لا يصح ترتيب النتيجة التي نصت عليها تلك المادة واعتبار المشتري قابلاً للمبيع ومن ثم سقوط حقه في الضمان.
لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورد دفاع الطاعنين بأن التسليم الفعلي للمصنع يتم بتركيبه وتجربته بالكامل، وأن سيطرة الشركة المطعون ضدها على المصنع ظلت قائمة بعد نقله في صناديق مقفلة إلى مخازن الطاعنين، وذلك واضح من كتابها المؤرخ 1993.4.6ف بالموافقة على فتح الصناديق بمعرفة المهندس التابع لها وتكليفها الشركة العامة للغزل والنسيج بتركيب المصنع، وقد اكتشف الفنيون التابعون لهذه الشركة عيوب المبيع، وأعدوا تقريراً بذلك في 1994.2.9ف، ورد على هذا الدفاع بأن موافقة الشركة المطعون ضدها على قيام المهندس الذي حددته بفتح الصناديق، وتقديم تقرير لها كانت من قبيل المجاملة للمحافظة على سمعتها بتقديم خدمات مجانية لعملائها، وأن تلك الموافقة تمت بعد عامين من التسليم، وبأن مخاطبتها الشركة العامة للغزل والنسيج بشأن تركيب المصنع المبيع ليست شرطاً من شروط التعاقد والتسليم.
وكان يبين من هذا الذي أورده الحكم أنه أثبت أن فتح الصناديق تم بموافقة الشركة المطعون ضدها، وبمعرفة المهندس الذي حددته، وأنها كلفت من يقوم بتركيب المصنع محل البيع وهو ما ينبئ عن أن تسلم الطاعنين للمصنع وقت وصوله إلى مخازنهم وقبل الشروع في تركيبه لم يكن تسلماً فعلياً يتيح لهم إمكانية التحقق من حالته، ذلك أن التحقق من سلامة المبيع من العيوب لا يتاح للمشتري إلا بتركيب المصنع – وهو وحدة صناعية متكاملة لا آلات متناثرة وتشغيله والوقوف على موافقته للمواصفات الواردة في العقد صلاحية وطاقة إنتاجية، وإذ كان الحكم قد ذهب إلى خلاف ذلك واعتبر الطاعنين قابلين للمبيع منذ وصوله إلى مخازنهم ورتب على ذلك سقوط حقهم في الضمان استناداً لنص المادة 438 من القانون المدني سالفة البيان، فإنه يكون فاسد الاستدلال، مخطئاً في فهم القانون وتأويله، متعين النقض دون حاجة إلى مناقشة باقي أسباب الطعن
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه، وإحالة القضية إلى محكمة استئناف طرابلس للفصل فيها مجدداً من هيئة أخرى، وإلزام المطعون ضده بصفته المصاريف.