الطعن الدستوري 5/ 64 ق
- التصنيف: الدستوري
- ذات الصلة: عدم دستورية
- السنة القضائية: 64
- تاريخ الجلسة: 3 فبراير 2025
الطعن الدستوري 5/ 64 ق
المحتويات
خلاصة المبدأ
القانون 44 لسنة 1970م بشأن فرض ضريبة الجهاد – الطعن بعدم دستوريته
الحكم
الوقائع
أقام الطاعن الدعوى الماثلة أمام الدائرة الدستورية بهذه المحكمة على المطعون ضدهم بصفاتهم، حيث قال شرحًا لها: إنه يعمل بوزارة التربية والتعليم، وإن جهة عمله تستقطع من مرتبه ما نسبته (3%) شهريًا تحت مسمى “ضريبة الجهاد” التي قررها القانون رقم (44) لسنة 1970م الصادر عن مجلس قيادة الثورة بتاريخ 26-03-1970م. وأضاف أنَّ ذلك يخالف المادة الأولى من الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 03-08-2011م، التي تقضي بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريعات في الدولة الليبية، مما يكون معه القانون المطعون فيه مخالفًا للإعلان الدستوري، ويتعين الحكم بعدم دستوريته.
الإجراءات
أقام محامي الطاعن الدعوى الدستورية الماثلة بتاريخ 05-01-2017م، أمام قلم كتاب المحكمة العليا مسددًا الرسم، ومودعًا الكفالة والوكالة ومذكرة بأسباب الطعن. ثم أودع في 19-01-2017م أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضدهم بصفاتهم في 09-01-2017م. وأودعت نيابة النقض مذكرة انتهت فيها إلى الرأي بعدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة للمطعون ضدهما الثالث والرابع، وقبوله بالنسبة للباقين وفي الموضوع بعدم دستورية القانون محل الطعن.
وبجلسة نظره، تلي تقرير التلخيص، وسمعت المرافعة الشفوية، وقدمت نيابة النقض مذكرة عدلت فيها عن رأيها السابق طلبت فيها عدم قبول الطعن شكلاً بالنسبة لجميع المطعون ضدهم، عدا الأول لعدم صفتهم. وتمسكت برأيها السابق في الموضوع، وحُجز الطعن للحكم بجلسة اليوم الموافق 03-02-2025م.
الأسباب
حيث إن رأي نيابة النقض بعدم قبول الطعن في مواجهة جميع المطعون ضدهم عدا الأول في محله، ذلك أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على وجوب توافر الصفة لدى الخصم أمام القضاء سواء كان مدعيًا أو مدعى عليه. ولا تتوافر هذه الصفة في الطعن بعدم دستورية أي قانون، إلا إذا رفع في مواجهة الجهة التي أصدرته.
وحيث إن الجهات المطعون ضدها من الثاني إلى السابع بصفاتهم ليست من الجهات التشريعية التي تتولى إصدار القوانين عدا المطعون ضده الثاني (المؤتمر الوطني العام) الذي حل محله (مجلس النواب)، مما يكون معه جميع المطعون ضدهم لا صفة لهم في الدعوى، عدا الأول. ويتعين الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة لهم.
وحيث إن الطعن قد استوفى كافة شروطه القانونية بالنسبة للمطعون ضده الأول بصفته، فيكون مقبولًا شكلاً.
وحيث ينعى الطاعن على القانون المطعون فيه مخالفته نص المادة الأولى من الإعلان الدستوري الصادر سنة 2011م التي تجعل من مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا لكافة التشريعات في الدولة. وهذه المادة لا تجيز ما أوجبه هذا القانون من فرض ضريبة على جميع أصحاب الدخول والمرتبات لعدم وجود محل لها. حيث إن فرض الضريبة المقررة بموجب هذا القانون هو أخذ للمال دون سند شرعي، فضلاً عن كونها لا تسهم في تمويل ميزانية الدولة التي يُنفقُ من خلالها على المرافق العامة والخدمات الأساسية للمواطنين، مما يوجب الحكم بعدم دستورية هذا القانون.
وحيث إن الرقابة التي تباشرها هذه المحكمة على التشريعات من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية الواردة في الدستور، إنما تخضع للدستور القائم دون غيره أيا كان تاريخ العمل بها، لضمان اتساقها مع المفاهيم التي أتى بها الدستور القائم.
ولئن كان القانون المطعون فيه قد صدر قبل العمل بالإعلان الدستوري القائم، فإنه ظل ساريًا معمولًا بأحكامه حتى أدركه الإعلان الدستوري المشار إليه. ومن ثَمَّ فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على دستورية هذا القانون في ضوء أحكام الإعلان الدستوري القائم.
حيث إن الإعلان الدستوري المذكور نص في مادته الأولى على أنَّ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، ونص في المادة 34 على إلغاء الوثائق والقوانين ذات الطبيعة الدستورية المعمول بها قبل العمل بهذا الإعلان. كما نص في مادته الخامسة والثلاثين على استمرار العمل بكافة الأحكام المقررة في التشريعات القائمة عدا ما يتعارض منها مع أحكام هذا الإعلان.
والمستفاد مما سلف أنه إن تعارض نص تشريعي مع ما قرره هذا الإعلان، وجب إلغاء هذا التشريع من الجهة مصدرته، أو الحكم بعدم دستوريته من القضاء المختص، ولو كان هذا التشريع سابقًا في صدوره للإعلان الدستوري.
حيث إن القانون المطعون فيه نص في مادتيه الأولى والثانية على فرض ضريبة إضافية على الأرباح والدخول تُسمى “ضريبة الجهاد”، لصالح صندوق الجهاد بنسبة (1%) إذا لم يجاوز الدخل خمسين دينارًا شهريًا، و(2%) إذا لم يجاوز مائة دينار، و(3%) إذا زاد عن مائة دينار. وقد بينت المادة الثالثة من القانون رقم 59 لسنة 1972م بشأن صندوق الجهاد الأهداف التي من أجلها أُنشئ هذا الصندوق، والتي تمثلت في دعم استعداد العالم الإسلامي للجهاد ضد القوى الاستعمارية وتمكينه من الحفاظ على كيانه واستقلاله وتقديم المساعدات النقدية والعينية إلى أسر الشهداء والجرحى وضحايا العدوان الاستعماري من أبناء الأمة الإسلامية، والمساهمة في بناء المنشآت التي تخدم الدعوة الإسلامية وشؤون المسلمين.
وحيث إن الحِكمة المتوخاة من فرض الضرائب هي مساهمة المستهدفين بأحكامها في تمويل الإيراد العام للدولة، الذي من خلاله يكون الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والقضائية وغيرها بما يخدم المصلحة العامة ويحقق التنمية الشاملة.
حيث إن الإعلان الدستوري الصادر في 03-08-2011م، إعلاءً منه لدور الملكية الخاصة، كفل حمايتها، ولم يجز النَّيْل منها أو المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود اللازمة لتنظيمها، ليستأثر صاحبها دون غيره بسلطاته القانونية. فإن سلبه أحدٌ إياها أو نازعه فيها بغير سبب مشروع، حق له أن يتوسل بالدستور وبالقانون لاستردادها وصونها.
لما كان ذلك وكان القانون المطعون فيه قد فرض ضريبة الجهاد على جميع أصحاب الدخول لدعم حركات التحرر ونصرة العالم الإسلامي في جهاده ضد القوى الاستعمارية ولمساعدة أسر الشهداء والجرحى وضحايا العدوان الاستعماري من أبناء الأمة الإسلامية، وكانت هذه الضريبة لا تدخل ضمن الموازنة العامة للدولة ولا تسهم في النفقات العامة بمختلف مجالاتها، فإنَّ ذلك يخرجها عن مجال وظيفتها المبتغاة منها، فضلاً عن فقدانها الأساس الدستوري. ذلك أنَّ هذا القانون قد صدر في ظل الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 02-12-1969م، تلبية للرؤى السياسية السائدة آنذاك، وهي رؤى خلا منها الإعلان الدستوري القائم والصادر عام 2011م، ما يجعله مترديًا في مخالفة الدستور، ويقتضي الحكم بعدم دستوريته.
وحيث إن القضاء الدستوري بما له من مواءمات يُنزِلُ حكمه بما يتلاءم مع مقتضيات المصلحة العامة، فإن هذه المحكمة مراعاة منها لعدم إثقال كاهل الدولة برد ما استقطعته من الضريبة المقضي بعدم دستورية القانون الذي فرضها بما يؤثر على الخزانة العامة للدولة، ويعوق الدولة عن تنفيذ خططها، تحدد اليوم التالي لصدور الحكم موعدًا لسريان آثاره.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم قبول الطعن شكلاً في مواجهة المطعون ضدهم بصفاتهم من الثاني إلى السابع، وبقبوله شكلاً في مواجهة المطعون ضده الأول، وفي الموضوع بعدم دستورية القانون رقم 44 لسنة 1970م بفرض ضريبة الجهاد.