طعن جنائي رقم 791-52 ق
طعن جنائي رقم 791-52 ق
المحتويات
خلاصة المبدأ
- أركان جريمة التشهير – تحققها.
- رد الحكم على الدفوع الموضوعية صراحة غير لازم، يكفى الرد الضمني- بيان ذلك.
الحكم
الوقائع
تقدم المجني عليهما – المطعون ضدهما الثاني والثالث – بصحيفة ادعاء جنحة مباشرة، أعلنت للمدعي عليه – الطاعن طلبا فيها الحكم:
- أولاً: بمعاقبة جنائياً بتهمة التشهير طبقاً للمادة 439/1، 3 عقوبات.
- ثانياً: بإلزامه أن يدفع لهما مبلغاً وقدره ثمانون ألف دينار كتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية الناشئة عن الجريمة مع المصاريف وأتعاب المحاماة.
ومحكمة أول درجة بعد أن نظرت الدعوى قضت ببراءة المتهم – الطاعن – مما نسب إليه، وبرفض الدعوى المدني.
تم استئناف هذا الحكم من قبل النيابة العامة والمجني عليهما، وبعد أن تداولت محكمة الجنح والمخالفات المستأنفة الأوراق قضت بقبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع:
- أولاً: في الدعوى الجنائية بإلغاء الحكم المستأنف وإدانة المتهم – الطاعن – عما أسند إليه، وبمعاقبته بتغريمه خمسين ديناراً وبلا مصاريف جنائية.
- ثانياً: في الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام المدعي عليه بأن يؤدي للمدعين بالحق المدني مبلغاً وقدره (300) ثلاثمائة دينار تعويضاً شاملاً عما أصابهما من ضرر ورفض ما عدا ذلك، وألزمته المصاريف.
وهذا هو الحكم المطعون فيه
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 2005.3.31 مسيحي، وبتاريخ 2005.5.23 مسيحي. قرر المحكوم عليه (محمد عطية) الطعن على الحكم بطريق النقض لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم، كما قام بتسديد كفالة الطعن المقررة لدى خزانة محكمة جنوب بنغازي بموجب الإيصال رقم 029053، وبتاريخ 2005.5.24 أودع دفاع الطاعن مذكرة بأسباب الطعن لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم.
قدمت نيابة النقض، مذكرة برأيها القانوني، خلصت فيها إلى قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه.
حددت جلسة 2006.1.30 مسيحي، لنظر الطعن وفيها تلا المستشار المقرر تقريره، وحجز الطعن للحكم بجلسة 2006.3.15 مسيحي.
الأسباب
حيث إن الطعن قد حاز الشروط القانونية، فهو مقبول شكلاً.
وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع.
- أولاً: الخطأ في تطبيق القانون: ذلك أن الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التشهير المعاقب عليها بالمادة 439 عقوبات، ولم يدلل على قيامها بركنيها المادي والمعنوي في الواقعة المعروضة رغم الدافع بعدم قيام الأركان القانونية بجلسة المرافعة وإنما اكتفى الحكم المطعون فيه بالقول [إن جريمة التشهير قد توافرت بكامل عناصرها القانونية من خلال العبارات المبينة]. وبالتالي فالمحكمة أخطأت في تكييف الواقعة المعروضة تكييفاً صحيحاً مطابقاً للنموذج التشريعي الذي تضمنه نص المادة 439 عقوبات، فهي لم تبين بياناً قانونياً نافياً للجهالة قيام الركنين المادي والمعنوي لجريمة التشهير في الواقعة المعروضة أمامها، ولم ترد على ما أثاره الدفاع، كما أن الطاعن لم يتلفظ بعبارة جارحة وإنما قام بتقديم وثيقة تمثلت في شكوى إدارية قدمها لرئيسة، وفضلاً عن ذلك فإن وصف المطعون ضدهما بالجهل والغباء وسوء الطوية لا يشكل اعتداء على السمعة، ولا يترتب عليه احتقار من وصف بها لدى أحد وطنه فهناك فرق جوهري كبير بين الأمر المسبب للاحتقار – وهو ما قصده النموذج التشريعي لنص المادة 439 عقوبات، ورتب عليه من ثم عقاباً والأمر المسبب للإحراج الذي لا يدخل في الركن المادي لجريمة التشهير، كذلك فإن القصد الجنائي لدى الطاعن غير متوفر باعتباره قد تقدم بشكوى تتكون من عشرين صفحة وهو ما يدل على صدق نيته بعدم التشهير، مدللاً على صحة ما يدعيه بحجج منطقية ونصوص تشريعية، وآراء علمية، ووقائع مختلفة.
- ثانياً : الاخلال بحق الدفاع : ذلك أن الحكم المطعون فيه قد قرر في قضائه أن الدفوع التي أبديت من الدفاع، ما هي إلا دفوع موضوعية لا تستلزم الرد استقلالاً وإنما يكفى في شأنها الرد الضمني الذي يستفاد من الأدلة، وهذا القول لا يتفق مع الحقيقة، إذ أن الدفوع التي تم إبداؤها في المذكرة الأولى والثانية، ليست دفوعاً موضوعية كما زعم الحكم المطعون فيه، بل هي دفوع قانونية تتمثل في مخالفة الاتهام للنصوص الموضوعية الواردة بقانون العقوبات، كما أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذه الدفوع لا صراحة ولا ضمناً، وبهذا أخطأ في تطبيق القانون بخطئة في عملية المطابقة بين الواقعة المحكومة بالنص، والواقعة التي حكم فيها، ولتوضيح ذلك :
- زعم الحكم المطعون فيه، بأن الدفوع موضوعية لا جوهرية، وهو أمر لا ينطبق على ما سرده الدفاع في مذكرته الأولى والثانية، وإنما ينطبق على ما ورد في مذكرة الطعن في الحكم الابتدائي، الذي تقدمت به النيابة العامة، والذي انحصرت أسبابه في موضوع حرية القاضي في تكوين عقيدته.
- لقد شرح الدفاع في مذكرته الأولى والثانية، الأسباب التي دعت الطاعن إلى تخصيص نسخ من شكواه إلى الجهات الإدارية، التي لها علامة بموضوع الدعوى، وأنه سلك الطريق الإداري السليم الذي ينبغي ركن العلانية وهذا دفع جوهري ينبغي القصد الجنائي عن الفعل، غير أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفع.
- فسر الحكم المطعون فيه ما جاء بكتاب الطاعن تفسيراً جانبه الصواب وبنى عقيدته على فهم خاطئ لما ورد فيه، وذلك عندما أورد أن [ما تضمنه الكتاب لم يكن بمناسبة قضية أو تحقيق..]. في حين كان كتاب الطاعن رداً على عدوان قام به المطعون ضدهما على المصلحة العامة واعتداء سافر على شخصه، فالافتراء على الطاعن كان قبل إعداد المحرر والمحرر الذي قدمه لرئيسة يشكو ظلماً إصابة وأصاب المصلحة العامة ولم يشترط القانون لرفع كل مظلمة أن يكون هناك تحقيق جار أو مجلس تأديب منعقد، كما تضمنت حافظة المستندات المقدمة والمرفقة بالمذكرتين الأولى والثانية، وثائق تقطع باختلاق الجريمة وكيدية الاتهام ولذلك فالقول بأن المستندات المودعة تتعلق بذات الكتاب ليس بموضوع آخر نسابق لما تناولته لجنة التحقيق أو مجلس التأديب معيب بعيبين الأول – أنه لا يصلح دليلاً على قيام التشهير، لأن جريمة التشهير في الدعوى الراهنة إنما يستدل على قيامها بالفهم الدقيق لفحوى المستندات المودعة، وفحوى هذه المستندات يظهر بجلاء كيدية الاتهام. والثاني أن فحوى الكتاب موضوع الدعوى يتغير قضية أساسية هي في حد ذاتها موضوع آخر سابق لما تناولته لجنة التحقيق ومجلس التأديب وهي ما قام به المطعون ضدهما من تغريب للعمل الذي قام به الطاعن واساءتهما إلى المصلحة العامة.
ولذلك فاستناد الحكم المطعون فيه إلى مقدمات خاطئة بنى عليها ثبوت الواقعة، هو خطأ في تكييف العناصر القانونية، التي تدخل في تكوين الركن المادي للجريمة، مما يعد خطأ في تكييف العناصر القانونية.
أما استناد الحكم المطعون فيه إلى حكم المحكمة العليا المشار إليه فهو قياس مع الفارق، والقياس مع الفارق تأويل غير سديد لنصوص القانون فهناك فروق جوهرية يبين الدعوى الراهنة والدعوى التي كانت موضوع الطعن م1 رقم 381/30 المنشور بجلسة المحكمة العليا العددان الأول والثاني من المجلد 24 ومن هذه الفروق.
أن الطاعن في الدعوى الراهنة أنكر الاتهام جملة وتفصيلاً أما الطاعن في الدعوى الأخرى، فقد اعترف بأنه شهر بالمجني عليه كما أن الطاعن في الدعوى الأخرى، هو الذي ابتدر كتابة المحرر لغرض شخص وقدمه لأمانة التعليم، بغير أن يكون هناك قضية قيد النظر أو شكوى إدارية. كذلك أن الورقة التي حررها الطاعن خفي الدعوى الأخرى ورقة رسمية، كتبها بصفة الرسمية، بل هي ورقة عرفية كتبها بخط يده، أما الشكوى الإدارية التي وزنها الطاعن في الدعوى الراهنة فهي ورقة رسمية.
وحيث أن المحكمة المطعون في حكمها قد لخصت واقعة الدعوى بالقول: [حيث تجمل الوقائع في صحيفة جنحة الادعاء المباشر والتي أقامها المجني عليهما والمعلنة للمدعي عليه قانوناً انتهيا فيها لطلب الحكم لهما، أولاً بمعاقبة جنائياً بموجب نص المادة 439/1، 3 عقوبات. ثانياً: وبإلزامه أن يدفع لهما مبلغاً وقدره ثمانين ألف دينار كتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية الناشئة عن الجريمة مع المصاريف وأتعاب المحاماة.
وقالا شرحاً لها أن المدعي عليه، بصفته رئيس مكتب الدوريات بجامعة قار يونس قد توجه بكتاب لأمين اللجنة الشعبية للجامعة وأحال منه عدة نسخ لعدو إدارات مختلفة بالجامعة، منها الأمين المساعد، ومدير المكتبة المركزية، ومدير إدارة التفتيش، والمتابعة، ومدير عام المكتبات تضمن هذا الكتاب ت عبارات جارحة، وماسته بسمعة وكرامة المجني عليهما، ووصفه لهما بالجهل وعدم الفهم وسوء الطوية وأنهما في مستوى حائط من سوء النية والغفلة إنهما قد وقعا في أخطاء لا يقع فيها تلميذ بالسنة الرابعة الابتدائية، وأن ما قام به هو عبث أطفال، وغيرها من العبارات الجارحة، التي تضمنها هذا الخطاب وطلب معاقبته عن تهمة التشهير بموجب نص المادة 439/1، 3 عقوبات.. ].
وبعد أن لخص الحكم واقعة الدعوى – على نحو ما سلف – تطرق لأسانيد قضائه بالقول.. أما عن الموضوع، فإن المحكمة ترى أن الحكم المستأنف، جاء في غير محله.. أن جريمة التشهير قد توافرت بكامل عناصرها وأركانها القانونية، من خلال العبارات المبينة بالخطاب الموجه من قبل المتهم لأمين اللجنة الشعبية للجامعة، ومما تضمنه من عبارات صريحة في الاعتداء على سمعة المجني عليهما والمساس بكرامتها بوصفه لهما بأنهما على مستوى هابط من الجهل والغفلة وسوء الطوية وغيره حمن العبارات التي أطلع عليها عدة أشخاص بإدارات الجامعة الموجه إليها نسخة من الكتاب محل الدعوى، وهو ما تتحقق به جريمة التشهير، فضلاً عن أن ما تضمنه هذا الكتاب لم يكن بمناسبة قضية أو تحقيق إخباري باعتبار أن المستندات المودعة فيما يتعلق بلجنة التحقيق ومجلس التأديب هي في حقيقتها تتعلق أصلاً بذات الكتاب وليس بموضوع آخر سابق عما تناولته لجنة التحقيق أو مجلس التأديب، وهذا ما خلت منه الأوراق وبالتالي تدينه المحكمة عنها عملاً بالمواد 277/2 إجراءات جنائية…
وحيث أنه عما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه، من أنه لم يدلل معلى قيام جريمة التشهير بركنيها المادي والمعنوي وأن العبارات الواردة بالوثيقة لا يشكل اعتداء على السمعة ولا يترتب عليه احتقار، فإنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه قد أورد بهذا الصدد أن جريمة التشهير قد توافرت بكامل عناصرها وأركانها القانونية، من خلال العبارات المبينة بالخطاب الموجه من قبل المتهم لأمين اللجنة الشعبية للجامعة، ومما تضمنه من عبارات صريحة في الاعتداء على سمعة المجني عليهما والمساس بكرامتهما بوصفه لهما بأنهما نعلى مستوى هابط من الجهل والغفلة وسوء الطوية وغيره من العبارات التي أطلع عليها عدة أشخاص بإدارات الجامعة الموجه إليها نسخة من الكتاب محل الدعوى، وهو ما تتحقق به جريمة التشهير..
لما كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن أركان جريمة التشهير هي العقل المادي والقصد الجنائي، وأنه يشترط لتحقق الفعل المادي لجريمة التشهير حصول الاعتداء على السمعة في غيبة المجني عليه ولدى عدة أشخاص، فإن ما أورده الحكم المطعون فيه – على نحو ما سلف – قد حدد المصدر الذي استنتج منه أركان الجريمة، ودلل على ذلك تدليلاً سائغاً له أصله الثابت بالأوراق مما يجعل نعي الطاعن في هذا الجانب في غير محله.
وحيث أنه عما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه – في الشق الثاني – من أنه قد قرر بأن دفوعه لا تعدو أن تكون دفوعاً موضوعية، لا تستلزم الرد استقلالاً، في حين أنها ليست دفوعاً موضوعية، فإنه يبين من الدفوع التي أوردها الطاعن بأسباب طعنه والتي سبق وأن أوردها بمذكرته الأولى أمام محكمة الموضوع وخلاصتها ما أثاره بصدد يخصص نسخ من شكواه إلى الجهات الإدارية التي لها علاقة بموضوع الدعوى، وما تعلق بصدد يفسر الحكم المطعون فيه بصدد أن ما تضمنه الكتاب لم يكن بمناسبة قضية أو تحقيق وما تعلق باستناد الحكم المطعون فيه إلى حكم المحكمة العليا – فإن كل هذه الدفوع لا تعدو في حقيقتها عن كونها دفوع موضوعية. لما كان ذلك وكان قضاء المحكمة العليا قد جرى على أن محكمة الموضوع في المواد الجنائية، غير ملزمة بالرد على جميع الدفوع الموضوعية المطروحة لديها، إذا دللت على وجهة منظرها بأمور لها أصل ثابت في الأوراق، وسائغة قانوناً، مؤدية إلى النتيجة التي وصلت إليها.
لما كان ذلك كذلك – وكان الحكم المطعون فيه على نحو ما سلف – قد دللت على وجهة نظرها بأمور لها أصلها الثابت بالأوراق وسائغة قانوناً ومؤدية إلى ما انتهت إليه من قضاء، إذ دللت على قيام الجريمة بكامل أركانها وعناصرها القانونية ن، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون في غير محله.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه.