طعن مدني رقم 917/ 57ق
طعن مدني رقم 917/ 57ق
خلاصة المبدأ
القضاء بالتعويض عن الضرر المعنوي دون المادي – جوازه – أساسه.
الحكم
الوقائع/ أقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 98 / 2008 أمام محكمة أبو عطني الجزئية على الطاعن بصفته، قالوا بياناً لها: إنهم يعملون في قسم التحبيب بالشركة الأسلاك والمعدات الكهربائية – التابعة للمدعى عليه – وأن تحاليل أجريت لهم إظهرت إصابة كل واحد منهم بتسمم في الدم بسبب ارتفاع نسبة الرصاص في أجسامهم، وارجعوا تلك الإصابة إلى تقصير وإهمال المدعى عليه بصفته في توفير وسائل الأمن والسلامة لهم وفق ما يفرضه عليه القانون رقم 76/93 بشأن الأمن والسلامة العمالية، مما الحق بهم أضرارا، وخلصوا إلى طلب الحكم بإلزام المذكور أن يدفع للمدعي الأول مبلغ مائتين وخمسين ألف دينار تعويضاً عن الضرر المادي، ومائة ألف عن الضرر المعنوي، وأن يدفع لكل من الثاني والثالث مبلغ مانتي ألف تعويضاً عن الضرر المادي، ومائة ألف عن الضرر المعنوي، وأن يدفع للرابع مبلغ مائة وخمسين ألف دينار تعويضاً عن الضرر المادي، ومائة ألف عن الضرر المعنوي. فقضت المحكمة بإلزام المدعى عليه أن يدفع للمدعي الأول مبلغ خمسة آلاف دينار، وللثاني مبلغ أربعة آلاف، ولكل من الثالث والرابع مبلغ ثلاثة آلاف وخمسمائة دينار، تعويضاً شاملا لما لحق كل واحد منهم من أضرار. وقضت محكمة الحزام الأخضر الابتدائية في الاستئناف المرفوع من طرفي الخصومة بتعديل الحكم المستأنف، والاكتفاء بالزام المدعى عليه بتعويض كل واحد من المدعين بمبلغ ألفين وخمسمائة دينار عن الضرر المعنوي، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات.
وهذا هو الحكم المطعون فيه
الإجراءات
صدر هذا الحكم بتاريخ 29. 10. 2009، وأعلن بتاريخ 2.21. 2010. وقرر محامي الطاعن بصفته الطعن فيه بالنقض لدى قلم كتاب المحكمة العليا بتاريخ 321 2010 مسدداً الرسم ومودعاً الكفالة والوكالة، ومذكرة بأسباب الطعن، وأخرى شارحة، وصورة من الحكم المطعون فيه، ومن الحكم الابتدائي، ضمن حافظة مستندات وبتاريخ 2010.3.24 أودع أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضده بتاريخه. وبتاريخ 26. 4. 2010 أودعت محامية المطعون ضدهم مذكرة بدفاعها مشفوعة بسند وكالتها عنهم، طلبت فيها رفض الطعن، وأودعت نيابة النقض مذكرة انتهت فيها إلى الرأي برفض الطعن، وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى الدائرة المختصة، وفي الجلسة المحددة لنظر الطعن أصرت النيابة على رأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه المقررة في القانون، فهو مقبول شكلا.
وحيث ينعى الطاعن بصفته على الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون، والقصور في التسبيب، والإخلال بحق الدفاع، وبيان ذلك:
- إن المحكمة مصدرته لم ترد على الدفوع الجوهرية التي تضمنتها صحيفة استئناف الطاعن ومذكرة دفاع محامية، ردا كافيا.
- لم يتضمن حكمها ردا على الدفع الموضوعي المتعلق بانعدام السند القانوني للمسئولية التقصيرية التي استند إليها المطعون ضدهم.
- إن قضاءها بالتعويض عن الضرر المعنوي دون المادي، يعني عدم ثبوت الخطأ لديها، وذلك لارتباط الضرر المعنوي بالضرر المادي وجوداً وعدماً، إذ لا يمكن تصور الضرر المعنوي دون المادي خاصة في حالات إصابة العمل، فإذا لم يثبت حق العامل أو المصاب في التعويض المادي لعدم وجود مبرراته، أو عدم ثبوته، فمن البديهي عدم توافرها في التعويض عن الضرر المعنوي لعدم ثبوته هو أيضاً، ولكل ذلك يكون الحكم معيباً، بما يوجب نقضه.
وحيث إن السبب الأول للطعن مردود، ذلك أن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه يجب على الطاعن أن يبين أوجه الدفوع الجوهرية التي لم يرد عليها الحكم المطعون فيه، ولا يغني عن ذلك الإحالة على المذكرات المقدمة في الدعوى، وإلا كان الدفع مجهلا غير مقبول، وكان الطاعن لم يبين في أسباب طعنه أوجه الدفاع التي قدمها للمحكمة المطعون في حكمها والتي لم تناقشها تلك المحكمة – حتى تتبين هذه المحكمة ما إذا كانت من الدفوع الجوهرية التي تستلزم رداً خاصاً أم غير ذلك – فإن نعيه يكون قد جاء مجهلا وتعين الالتفات.
وحيث إن السبب الثاني للطعن في غير محله، ذلك أن قضاء هذا المحكمة استقر على أن استخلاص الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها وإثبات عنصر الخطأ وعلاقة السببية بينه وبين الضرر وتحديد المسئول عن الخطأ، موكول لقاضي الموضوع دون معقب متى كان قد أقامه على ما يحمله من واقع وظروف الدعوى ومستنداتها. وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه برر قضاءه بالزام الطاعن بصفته بدفع التعويض المقضى به بقوله ” وحيال الموضوع في الاستئناف الثاني الشفوي المرفوع من الشركة المستأنفة، فإن ما تنعى به على الحكم المستأنف فيما يخص عدم تقديم المستأنف ضدهم ما يثبت خطأ الشركة المستأنفة أو تقصيرها قد جاء في غير محله وعلى غير أساس من القانون والواقع، ذلك أن الخبير المنتدب في الدعوى أثبت خطأ الشركة بعدم توفير وسائل السلامة العمالية، وأن الإصابة التي لحقت بالمستانف ضدهم – والمتمثلة في زيادة نسبة الرصاص في الدم كانت بسبب تعرضهم لمواد كيماوية تصنع في داخل مصنع الشركة المستانفة، والتي لم تراع الأسس الفنية والقانونية المتبعة في مثل هذه الحالات، والتي عددها الخبير تفصيلاً في تقريره، كما أوضح تقرير فريق الهيئة الوطنية المكلفة من قبل الخبير، تعرض العاملين بالشركة المستأنفة لمواد كيماوية خطرة تحتوي على الرصاص، حيث يتعرض العاملون بشكل دائم للغبار الناتج من هذه المواد، وأثبت التقرير مخالفة الشركة المستانفة لإجراءات الأمن والسلامة العمالية، والتي أدت لإصابة المستأنف ضدهم بزيادة نسبة الرصاص في الدم عن المعدل الطبيعي، ولا ينال من ذلك ما دفعت به الشركة من توفيرها للألبسة الواقية، وتسليمها للعاملين بالشركة إذ أثبت الخبير أن هذه الألبسة لا تتوافر فيها أبسط إجراءات السلامة، فضلا عن انعدام وسائل التهوية الصناعية، والتهوية المتوفرة سيئة في جميع الصالات..”، فإن ما ساقه الحكم على النحو السالف بيانه كاف لتبرير ما انتهى إليه من ثبوت الخطأ في جانب الطاعن بصفته و أورد من الأسباب ما يكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها، بأسلوب سائغ مستقى مما له أصل ثابت بالأوراق. بما يكون هذا الشق من النعي مجرد مجادلة موضوعية فيما كونت منه محكمة الموضوع معتقدها من أدلة لا يقبل أمام هذه المحكمة.
وحيث إن السبب الأخير للطعن غير سديد، ذلك انه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير التعويض من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع حسبما يراه مناسباً لجبر الضرر الذي وقع متى أقامه على أساس سانغ وأسباب مبررة، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه برر قضاءه بالتعويض عن الضرر المعنوي دون المادي قوله( خلت الأوراق مما يفيد تحقق الضرر المادي للمستأنف ضدهم جراء إصابتهم بزيادة نسبة الرصاص في دمهم عن المعدل الطبيعي، وإن هذه الإصابة تسبب أمراضا خطيرة وفق ما ورد بالدراسات الطبية المرفق صورة منها، إلا أنه لم يثبت إصابة أي فرد من المستأنف ضدهم بهذه الأمراض، كما انه لم يثبت عجزا جزئيا أو كلياً مؤقتا أو دائماً في أي عضو من أعضاء الجسم لأي من المستأنف ضدهم، ومن ثم فإن الضرر المادي غير متحقق في الدعوى الراهنة، خلافاً للضرر المعنوي الذي تيقنت المحكمة من تحققه من خلال المعاناة النفسية للمستأنف ضدهم عند إبلاغهم بنتيجة التحليل بزيادة الرصاص في دمهم، والمتمثلة في الشعور بالقلق، والضيق، والخوف من تدهور الأوضاع الصحية، بما يستوجب تعويض المستأنف ضدهم عن هذه الأضرار، وتقدر المحكمة التعويض لمناسب لجبر هذه الأضرار على النحو الوارد بالمنطوق لما كان ذلك، وكان قضاء هذه المحكمة جرى على أن موطن الضرر المعنوي للتعويض هو العاطفة والشعور والحنان، والتي هي بلا شك من الأمور الخفية التي لا يمكن إدراك ما يصيبها من ضرر بالحس الظاهر، في حين أن الحكم بالتعويض عن الضرر المادي مشروط بحدوث إخلال بمصلحة مالية للمضرور، وأن يكون الضرر محققاً، وأن يكون قد وقع فعلاً، أو يكون وقوعه في المستقبل محققا، فإنه ينبني على ذلك أن لا تلازم بين الضررين المادي والمعنوي، وان الأخير لا يتوقف وقوعه على وقوع الأول ما دام لكل منهما مكمنه الذي هو أساس الحكم بالتعويض عنه وجبره، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضي للمطعون ضدهم بالتعويض عما لحقهم من ضرر معنوي فإنه لا يكون قد خالف القانون، أو حاد عن الفهم السوي لمقتضى نصوصه، أو شابه قصور في التسبيب. وحيث أنه متى كان ما تقدم، فإن الطعن يكون غير قائم على أساس، بما يتعين رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعاً، وإلزام الطاعن بصفته المصاريف.