طعن جنائي رقم 158/ 53ق
- التصنيف: الجنائي
- ذات الصلة: التقصير في القيام بالواجب
- رقم الطعن: 158
- السنة القضائية: 53
- تاريخ الجلسة: 29 أبريل 2007
طعن جنائي رقم 158/ 53ق
خلاصة المبدأ
التقصير في أداء الواجب الوظيفي – حالات تحققه – المادة 237 عقوبات.
الحكم
الوقائع/ اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهما…
لأنهما بتاريخ 2000.10.11 ف بدائرة مركز شرطة الأبيار
- المتهم الأول وحده: حرر ورقة عرفية مزورة بقصد تحقيق منفعة لنفسه وذلك بأن قام بتحرير التعهد محل القضية بخط يده وزور توقيع الشاهد الثالث.
- المتهم الثاني وحده باعتباره موظفا عاما ” مختار محلة الأبيار ” أهمل بدون وجه حق في أداء عمل من أعمال وظيفته بأن قام بالتصديق على التعهد المذكور دون أن يقوم بإقفال الخانة الأخيرة، مما ممكن المتهم الأول من إضافة الاسم الثالث.
وقدمتهما إلى محكمة الأبيار الجزئية طالبة معاقبتهما طبقا لنصي المادتين 1/237 – 1/346 عقوبات، واثناء نظر الدعوى تدخل المجني عليه بصحيفة ادعاء بالحق المدني طلب فيها إلزام المدعى عليه ” المتهم ” بأن يدفع له تعويضا وقدره خمسون ألف دينار مع النفاذ المعجل، وبإلزامه المصاريف وأتعاب المحاماة.
والمحكمة المذكورة بعد أن نظرت الدعوى قضت فيها حضوريا ببراءة المتهمين مما نسب إليهما.
استأنفت النيابة العامة والمدعي بالحق المدني ذلك الحكم أمام دائرة الجنح والمخالفات المستأنفة ” بمحكمة بنغازي الابتدائية، وتلك الدائرة بعد أن نظرت الدعوى قضت فيها حضوريا بقبول الاستئنافين شكلا، وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف وبلا مصاريف جنائية.
وهذا هو الحكم المطعون فيه.
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 2005/10/10 ف فقرر عليه أحد أعضاء النيابة العامة الطعن بالنقض لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة الحكم بتاريخ 2005/11/6..ف وأودع أسباب الطعن موقعة منه لدى نفس القلم وبذات التاريخ.
وأودعت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني في الطعن خلصت فيه إلى القول بقبوله شكلا، وفي الموضوع برفضه.
وبعد أن أودع المستشار المقرر تقريره عن الطعن حدد لنظره جلسة 2006/6/27 ف، وفيها تلي تقرير التلخيص وتمسكت نيابة النقض برأيها السابق، ونظر الطعن على النحو المبين بمحضره، ثم حجز للحكم الجلسة اليوم.
الأسباب
وحيث إن طعن النيابة العامة قد استوفى شرائطه القانونية فهو مقبول شكلا.
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وعلى وجوه من القول حاصلها أن محكمة ثاني درجة اعتمدت في براءة المتهمين على حكم محكمة أول درجة بتأييد ما جاء فيه والتفتت عن التقرير الفني المرفق بالأوراق وطرحت شهادة الشهود فيما يتعلق بواقعة التزوير مما يجعل حكمها معيبا بالقصور
في التسبيب والفساد في الاستدلال، فالتزوير المعاقب عليه قانونا ينشاً عنه عقيدة تخالف الواقع عند كل من يطلع على الورقة محل التزوير وهو لا يكون كذلك إلا إذا كانت الورقة صالحه كدليل إثبات وينطبق ذلك على الواقعة الراهنة حيث تبين أن الورقة المتعلقة بتعهد حول الأرض وإدراج أسماء الشهود بها حدودهم في الأرض وقد اثبت تقرير الخبرة الفنية بعد استكتاب المتهم بأن المتهم (…) هو الذي حرر بخط يده جميع البيانات والألفاظ والأرقام المكونة لحدود الإرث وأسماء الشهود وأرقام بطاقاتهم الشخصية والثابتة بصورة التعهد موضوع القضية والتوقيع المنسوب للمتهم الثالث بذات الصورة الضوئية مزور على توقيعات المدعو (…) بطريقة التقليد بالمقارنة، وقد استبعدت محكمة أول درجة التقرير الفني واستندت في استبعاده على أنه قد جاء مبتوراً وقاصراً في مسألة التوقيع وما إذا كان المتهم هو الذي قام بالتوقيع عن الشاهد الثالث من عدمه وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم مما يجعل ما ذهبت إليه محكمة أول درجة ومحكمة ثاني درجة في تأييدها للحكم مشوبا بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وأضافت النيابة العامة أن المحكمتين التفتنا عن شهادة (…) الذي أفاد تحقيقا بأن المتهم قد حضر له وطلب منه التوقيع كشاهد فقام بالتوقيع على المستند محل التزوير باعتباره مد یده على الأرض، وبذلك يثبت تزوير المستند ثبوتا كافيا، كذلك شهادة تحقيقا بأنه لم يوقع على المستند، وان لديه إفادة من مختار محلة الأبيار بأنه لم يوقع على المستند ومن ثم يقوم الركن الأساسي في جريمة التزوير وهو تغيير الحقيقة في المستند خاصة وانه قدم هذا المستند في دعوى مدنية، كما تضمن المستند المزور الركن المعنوي الجريمة التزوير ويؤيد ذلك ما ذهبت إليه المحكمة العليا التى قضت بانه من المقرر أنه لا يشترط في التزوير في الورقة العرفية وقوع الضرر بالفعل بل يكفى احتمال وقوعه والبحث في وجود الضرر واحتماله إنما يرجع فيه إلى الوقت الذي وقع فيه تغيير الحقيقة وكذلك انه لا يشترط لقيام التزوير ان يكون كليا وإنما تقوم الجريمة ولو كان التزوير جزئيا بأي واقع في بعض بيانات المحرر، وإذ قضت كل من المحكمتين بالبراءة، فإن ذلك يجعل الحكم المطعون فيه مشوبا بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب.
وأخيراً قالت النيابة العامة في واقعة الإهمال المسندة إلى المتهم الثاني والتي قضت فيها محكمة أول درجة بالبراءة وأيدتها في ذلك محكمة ثاني درجة استناداً إلى أن المتهم عندما قام بالتصديق اتبع المعمول به في مثل هذه الحالات وان عدم إغلاقه للخانة قد يقوم به وقد لا يقوم به فلا يوجد ما يلزم للقيام بذلك وهذا الذي ذهبت إليه المحكمة لا يتفق وصحيح القانون وتكون قد وقعت في عيب الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب إذ اكتفى المتهم باعتباره مختار المحلة بالتصديق على التعهد المزور بدون أن يقوم بإقفال الخانة الأخيرة مما مكن المتهم الأول (…) من إضافة اسم الشاهد الثالث وتزوير توقيعه والثابت بالتقرير الفني المرفق بالإضافة إلى أقوال الشاهد الثالث المزور توقيعه والذي أفاد تحقيقا بأنه لم يقم بالتوقيع على المستند أمام مختار المحلة ومن هنا تبين لنا بأن الركن المعنوي لجريمة الإهمال في أداء العمل وإذ ذهب الحكم المطعون فيه المؤيد لأسباب حكم محكمة البداية إلى خلاف ذلك فإنه يكون مشوبا
بالفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب. وحيث إن ما ذهبت إليه النيابة العامة في منعاها على الحكم المطعون فيه والمؤيد لحكم محكمة البداية مردود عليه لما هو مقرر أن القانون الجنائي رسم طريقا خاصا لإثبات التزوير أو نفيه، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه المؤيد لأسباب حكم محكمة البداية بعدم أخذه بما جاء في تقرير الخبير الفني الذي يخص التعهد المزور لقصوره في إثبات توقيع المتهم على التعهد المزور أو الشهادة ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض وأنه من المقرر ان الإهمال والتقصير في أداء الواجب الوظيفي يتحقق بترك الموظف لعمله المنوط به في وقته بأن يتغاضى عنه أو يؤديه بتراخ وتباطؤ بدون عذر مشروع، لما في ذلك من إخلال بحق الواجب الوظيفي والإساءة إلى المصلحة العامة وأن الركن المعنوي لجريمة الإهمال أو التقصير في أداء الواجب يتحقق بعدم مبادرة الموظف إلى قيامه بعمله في وقته بدون عذر و وقت كل عمل هو الزمن اللازم لأدائه حسب حال ذلك العمل.
ولما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسباب بالحكم المطعون فيه بعد استعراضه لوقائع الدعوى ووقوفه على ظروفها والأدلة القائمة فيها قد خلص إلى القضاء ببراءة المتهمين مما اسند إليهما بقوله: والمحكمة باستعراضها لكل ما سبق سرده وبيانه والإشارة له قد تداولت نظر الدعوى على النحو الثابت في محضر جلساتها حيث اتضح لها جليا أن هناك أرضاً محل المنازعة بين الطرفين، وأن السند محل الواقعة هو محرر يفيد أن الأرض الرعوية جنوب الأبيار حدودها: شمالا ” شطيب بشر العلواني وجنوبا البلدة وشرقا وادى الدمام وغربا المعطرد”، وان مقدمي الإقرار هم ورثة (…) و (…) و (…) وان الشهود هما (…) و (…) وأقر الشاهد الأول بالتوقيع وأشار إلى انه خدع في ذلك والشاهد الثاني هو (…) المتهم ولا مجادلة في ذلك أو في توقيعة أما الشاهد الثالث أنكر بأنه قد قام بالتوقيع على المستند في حين أن المدعو (…) قام بكتابة رقم بطاقته على التعهد، وأكد ذلك المدعو (…) حيث ذكر أن الشاهد الثالث قام بالتوقيع في مكتبه، وأنه كان حاضرا وكان (…) وأناس لا يتذكرهم، لذلك ترى المحكمة ان المدعو (…) هو الذي حرر هذا المستند وقدمه للشهود وقاموا بالتوقيع وهم الشاهد الأول والشاهد الثاني هو المتهم نفسه ويبقى الشاهد الثالث الذي تم إحالة الموضوع إلى الخبرة والذي أفاد أن التوقيع مزور، وأفاد الخبير إن (..) قام بكتابة البيانات والأرقام والألفاظ المتمثلة في حدود الإرث وأسماء مقدمي الإقرار وأسماء الشهود وأرقام البطاقات الشخصية هي بخط (…..) غير أن المعول عليه في كل ذلك هو التوقيع هل هو توقيع الشاهد الثالث أم لا ؟ وهو الذي ذكر بأنه مزور لأنه أغفله الخبير، هل التوقيع مزور من قبل المتهم أم لا وهذا عليه معول كبير خاصة وأن الخبير لم يبين لنا هل التوقيع هو خط (…) أم خط إنسان آخر، واكتفى بأن التوقيع مزور وهذا قصور في تقرير الخبرة يجعل المحكمة يخالجها الشك ويكتنف عقيدتها نوع من الشك والغموض والريبة فيما إذا كان التوقيع قام به إنسان آخر غير المتهم، ولا يمكن العمل هنا بالاستنتاج وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل، إذ لا يمكن القول طالما أن المدعو (…) هو الذي حرر جميع الألفاظ والبيانات والأرقام وهو الذي قام بالتوقيع تبعا لذلك خاصة ونحن نبحث هذا أو ما جاء في مجمل السند هل يمثل الواقع من عدمه، وأن الأرض محل منازعة، وأن هناك قضايا بين الطرفين بخصوص ذلك، الأمر الذي يزيد من اضطراب عقيدة المحكمة بالقول الذي يبين من أقوال الشاهد (…) و (…) بأن الشاهد الثالث قد قام بالتوقيع أمامهم وان الرجوع إلى الخبير وتقرير الخبرة الذي أفاد ان التوقيع مزور، غير انه لم يبين كما أشرنا إليه سابقا هل خط المتهم (…) أم خط شخص آخر ولا يعرف لماذا سرد جميع مشتملات المستند واغفل التوقيع ليترك الساحة مفتوحة للاجتهاد والشك والاحتمالات فضلا عن أن المتهم أنكر التزوير تحقيقا وفي محاضر جلسات هذه المحكمة على مدى مراحلها وكما أن المجني عليه لم يشاهد هو نفسه أو عن طريق شهود أن المتهم الأول هو الذي قام بتزوير توقيع الشاهد الثالث ويبقى هل هذا المستند في مجمله تمثل حقيقة الواقع أم لا ؟ فهذا لم يثبت أيضا وبخصوص الإهمال في أداء العمل للمتهم الثاني الذي اسند له إذ لم يغلق الخانة وأضيف اسم الشاهد من جراء ذلك، فإن المحكمة ترى أن المتهم الثاني عندما قام بعملية التصديق اتبع المعمول به في مثل هذه الحالات وأن عدم إغلاق الخانة قد يقوم بها وقد لا يقوم بها فلا يوجد ما يلزم القيام بذلك فالذي لديه نية التزوير يمكن أن يقوم بأي إجراء حتى في أدق الأوراق الرسمية وبالتالي لا نرى أي صورة من صور الإهمال، وصفوة القول أن المحكمة ترى أن المحرر وان أسند الخبير إلى المتهم الأول كتابته إلا أن تقرير الخبير جاء مبتوراً وقاصراً في مسألة التوقيع فلم يشر هل توقيع المتهم الأول أم توقيع شخص آخر؟ والشك يفسر لمصلحة المتهم والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال يسقط به الاستدلال، وبالتالى لا يوجد اعتراف بذلك ولا يوجد شهود إثبات ضده بل يوجد شهود نفي يؤكدون أن الشاهد الثالث قام بالتوقيع ويبقى القول إن المحكمة تنتهى إلى الحكم بالبراءة للمتهم الأول لعدم كفاية الدليل للإدانة، وأن المتهم الثاني لم يتوافر في حقه حالة من حالات الإهمال فلا يتصور كل من قام بتحرير سند أو قام برسالة رسمية يقوم بإغلاق كل أطراف الورقة للاحتياط من العبث فيها، وينتهي إلى البراءة وعن الدعوى المدنية رفضها لقيامها على غير سند.
وحيث إنه يبين من سياق الحكم المتقدم انه خلص في استدلال سائغ ومقبول عقلا ومنطقا إلى براءة كل من المتهمين مما اسند إليهما وبنى على أسباب من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه ولها أصولها المردودة إليها في الأوراق مما يكون معه نعي الطاعنة بعدم أخذ المحكمة بما ساقته من وقائع تثبت الاتهام والتي كانت المحكمة على بينة منها، وأنها مجرد مجادلة موضوعية في اقتناع المحكمة فيما انتهت إليه لا تكون مقبولة لأن عدم اخذ المحكمة بالوقائع التي ساقتها النيابة العامة باعتبارها أدلة إدانة والتي كانت المحكمة المطعون في حكمها على بينة منها – كما سلف القول مفاده أنها لم تجد فيها ما يغير من عقيدتها التي تكونت لديها مما لا يصح معه مصادرتها في عقيدتها هذه، ويحملها على الاقتناع بما لم تقتنع به، مما يكون معه نعي النيابة العامة على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب غير سديد ويتعين رفضه
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول طعن النيابة العامة شكلا، وفي الموضوع برفضه.