تحليل القانون والاتفاقيات العقارية بين ليبيا وتونس
يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل قانوني شامل للإطار التشريعي والاتفاقيات الثنائية التي تحكم الملكية العقارية وحقوق الإقامة والتنقل بين ليبيا وتونس. يركز التقرير على اتفاقيتين رئيسيتين: اتفاقية عام 1961 بشأن الإعلانات والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين، واتفاقية عام 1973 بشأن حق التملك والعمل والإقامة والتنقل. يكشف التحليل أن هذه الاتفاقيات توفر أساسًا قانونيًا متينًا للحقوق المتبادلة للمواطنين، إلا أن تطبيقها العملي واجه تحديات كبيرة، لاسيما فيما يتعلق بتسجيل العقارات في تونس، مما أدى إلى قضايا احتيال ونزاعات قضائية. يسلط التقرير الضوء على السياق التاريخي والسياسي الذي أثر في هذه الاتفاقيات، ويقدم توصيات عملية للأفراد والحكومتين لتعزيز الشفافية، وحماية حقوق الملكية، وتسهيل الاستثمار العقاري المستقبلي.
المحتويات
1. المقدمة
1.1. الغرض ونطاق التحليل
يهدف هذا التقرير إلى تفكيك المشهد القانوني المعقد الذي يحكم ملكية العقارات والحقوق ذات الصلة لمواطني ليبيا وتونس في أراضي بعضهما البعض. سيتناول التقرير الاتفاقيات الثنائية الأساسية، وعمليات التصديق عليها، والتحديات العملية التي واجهت تطبيقها، مع التركيز بشكل خاص على تسجيل الممتلكات والقضايا القانونية المرتبطة بها. يغطي التحليل اتفاقيتين رئيسيتين: اتفاقية عام 1961 المتعلقة بالإعلانات والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين، واتفاقية عام 1973 الشاملة بشأن حق التملك والعمل وممارسة المهن والحرف وحق الإقامة والتنقل.
1.2. لمحة موجزة عن السياق التاريخي والمعاصر للعلاقات الليبية-التونسية
شهدت العلاقات بين ليبيا وتونس مراحل مختلفة من التعاون والتوتر منذ استقلال كل منهما. تميزت فترة الستينيات بتفاعل محدود، حيث ركزت كلتا الدولتين على ترتيب شؤونهما الداخلية بعد قرون من الاستعمار المباشر، وكانت الظروف الاقتصادية صعبة مع ندرة الموارد، مما قلل من دور المصالح المادية في توجيه مسار العلاقات.1
شهدت فترة السبعينيات، بالتزامن مع بدايات حكم معمر القذافي، درجات من حدة التوتر، على الرغم من محاولات لتوحيد البلدين في صيغة “اندماجية”، أبرزها إعلان جربة في يناير 1974.1 هذه المحاولات كانت مدفوعة بشعارات قومية مثل “تحرير فلسطين” و”تحقيق الوحدة العربية”.1 يكمن سبب التوتر في تصادم الرؤى والأيديولوجيات؛ حيث تبنت تونس نهج “المؤسساتية” و”البراغماتية السياسية”، بينما غلبت على السياسة الليبية أساليب “الشخصنة والمزاجية والعبث”.1 بعد تخلي نظام بورقيبة السريع عن طموحات القذافي بشأن “إعلان جربة”، تصاعد التوتر، واتهمت تونس ليبيا بـ “زعزعة الأمن والاستقرار والتدخل في شؤونها الداخلية”.1
من المهم ملاحظة أن الاتفاقيات الشاملة لعام 1973، والتي صدق عليها القانون الليبي رقم 98 لسنة 1973 4، تم توقيعها في يونيو 1973، أي قبل إعلان جربة الفاشل في يناير 1974.1 يشير هذا الترتيب الزمني إلى أن الطابع الشامل لاتفاقيات 1973، التي غطت الملكية والعمل والاستثمار والضمان الاجتماعي، قد صيغت في فترة تفاؤل سياسي كبير نحو تكامل أعمق ووحدة محتملة. يعكس النطاق الواسع لهذه الاتفاقيات إرادة سياسية لترسيخ تعاون واسع النطاق.4 ومع ذلك، فإن التوترات السياسية اللاحقة وفشل مشروع الوحدة 1 قد أثرت على التنفيذ الفعال والإنفاذ الإداري لهذه الاتفاقيات بمرور الوقت، مما أدى إلى التحديات العملية التي لوحظت لاحقًا، مثل مشكلة العقارات غير المسجلة. هذا يوضح أن فعالية الأطر القانونية الثنائية الشاملة، خاصة تلك التي تتناول مجالات حساسة مثل حقوق الملكية، تعتمد بشكل كبير على الاستقرار السياسي المستدام والتوافق بين الدول الموقعة. يمكن أن تؤدي التحولات السياسية إلى جمود إداري أو عدم إنفاذ صريح، حتى لو ظلت النصوص القانونية “سارية المفعول”.
على الرغم من التقلبات السياسية، استمرت الروابط الاجتماعية والاقتصادية القوية، مدفوعة بالجغرافيا المشتركة والهجرة المتبادلة للعمل والتبادل التجاري الكبير.5 لا تزال ليبيا شريكًا تجاريًا رئيسيًا لتونس، حيث تستورد تونس النفط والغاز الليبي، وتصدر تونس المنتجات الغذائية والأدوية والمنتجات الصناعية إلى ليبيا.5
2. الاتفاقيات الثنائية التأسيسية والتصديق عليها
يتم تفصيل الاتفاقيات الرئيسية التي تتناول بشكل مباشر أو غير مباشر حقوق الملكية العقارية بين ليبيا وتونس في هذا القسم.
2.1. اتفاقية عام 1961 بشأن الإعلانات والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين
تم توقيع هذه الاتفاقية في طرابلس بتاريخ 14 يونيو 1961 بين المملكة الليبية والجمهورية التونسية.6 كان الغرض الأساسي منها هو تسهيل التعاون القضائي، بما في ذلك إعلان الأوراق والوثائق القضائية، وتنفيذ الإنابات القضائية، وإنفاذ الأحكام، وتسليم المجرمين.6
التصديق:
- ليبيا: صدق عليها القانون الليبي رقم 14 لسنة 1963، الصادر عن الملك إدريس الأول بتاريخ 20 أغسطس 1963.6 وقد وافق هذا القانون صراحة على اتفاقية عام 1961.
- تونس: صدق عليها القانون التونسي رقم 1 لسنة 1962، بتاريخ 9 يناير 1962.8 وقد وافق هذا القانون أيضًا صراحة على الاتفاقيات المبرمة في 14 يونيو 1961.
الأحكام المتعلقة بحقوق الملكية (ضمنية/مفسرة): على الرغم من أن عنوان اتفاقية عام 1961 لا يذكر صراحة “الملكية” أو “العقارات”، إلا أنها تُفسر بشكل حاسم من قبل السلطات التونسية على أنها تمنح الليبيين الحق في تملك العقارات في تونس، على غرار التونسيين.8 يستند هذا التفسير إلى الروح الأوسع لحرية التنقل والحقوق المتبادلة بين المواطنين، خاصة فيما يتعلق بـ “الاستيطان”.
توضيح إداري تونسي (مذكرة 27/2016): أصدرت إدارة الملكية العقارية التونسية المذكرة رقم 27 بتاريخ 31 أكتوبر 2016، والتي تعفي الليبيين على وجه التحديد من شرط الحصول على رخصة الوالي عند اقتناء العقارات في تونس.8 تنص هذه المذكرة صراحة على أنها صدرت “تفعيلًا للاتفاقية المبرمة بين تونس وليبيا المؤرخة في 14 جوان 1961 والمصادق عليها بتاريخ 9 جوان 1962 والمتعلقة لحرية التنقل والتملك لكل من مواطني البلدين”.8
إن تركيز عنوان اتفاقية 1961 على التعاون القضائي 6، في حين تشير المصادر التونسية 8 بوضوح إلى أنها الأساس لحق الليبيين في امتلاك العقارات في تونس، يشير إلى أن حق الملكية كان إما مفهومًا ضمنيًا ضمن سياق “الاستيطان” الأوسع للاتفاقية أو تم تفسيره لاحقًا ليشمله. تعد المذكرة الإدارية لعام 2016 8 بمثابة إجراء إداري حاسم قام بتفعيل أو توضيح هذا الحق القائم، وإن كان قد يكون غير مطبق أو غامضًا، عن طريق إزالة عقبة بيروقراطية كبيرة (رخصة الوالي). هذا يدل على أن الحق القانوني ربما كان موجودًا لعقود، لكن ممارسته العملية كانت تعوقها المتطلبات الإدارية حتى عام 2016. هذا الوضع يبرز كيف يمكن للممارسات والتفسيرات الإدارية أن تؤثر بشكل كبير على التطبيق العملي للاتفاقيات الدولية، حتى بعد عقود من التصديق عليها. كما يشير إلى أهمية الأحكام الواضحة والصريحة في المعاهدات مقابل الاعتماد على التفسيرات الواسعة أو السياق التاريخي، مما قد يؤدي إلى الغموض والعوائق العملية.
2.2. اتفاقية عام 1973 بشأن حق التملك والعمل وممارسة المهن والحرف وحق الإقامة والتنقل
تم توقيع هذه الاتفاقية في تونس بتاريخ 6 يونيو 1973 بين الجمهورية العربية الليبية والجمهورية التونسية.4 وتعتبر هذه الاتفاقية أكثر صراحة فيما يتعلق بحقوق المواطنين في أراضي بعضهم البعض.
التصديق: صدق عليها القانون الليبي رقم 98 لسنة 1973 بتاريخ 12 ديسمبر 1973.4 وقد صدر هذا القانون عن مجلس قيادة الثورة.
الأحكام الرئيسية (ذات الصلة المباشرة بالعقارات):
- حق التملك: يُدرج صراحة كأحد الحقوق المكفولة لمواطني كلا البلدين في أراضي الطرف الآخر.4
- حق الإقامة والتنقل: مكفول للمواطنين، مع مراعاة القوانين والقرارات المتعلقة بالنظام العام.12 يجب على المقيمين لأكثر من 6 أشهر التسجيل لدى قنصليتهم وحمل بطاقات تعريف صادرة عن السلطة المختصة في بلد الإقامة.12
- المساواة في الضرائب: يخضع مواطنو كل من البلدين في البلد الآخر لنفس الضرائب والرسوم والتكاليف الجبائية التي يخضع لها مواطنو ذلك البلد.12
- تعريف المواطن: يشمل الشخص الطبيعي والشخص المعنوي.12 هذا أمر مهم لملكية الشركات للعقارات.
- اتفاقيات أخرى ذات صلة: صدق القانون 98 لسنة 1973 أيضًا على اتفاقيات تتعلق بالاستثمار والتجارة والجمارك والضمان الاجتماعي والتعاون الفني والتحويلات البريدية.4 وقد حلت اتفاقية منطقة التجارة الحرة لعام 2008 محل اتفاقية الاستثمار لعام 1973.13
تنص المادة 4(أ) من اتفاقية 1973 على أن يتمتع مواطنو كل من البلدين بحقوق الإقامة والتنقل “دون الإخلال بالقوانين والقرارات المتعلقة بالنظام العام”.12 يوفر هذا الشرط، الشائع في الاتفاقيات الدولية، سلطة تقديرية واسعة للدولة المضيفة. وهذا يعني أنه بينما يتم منح حق الملكية، فإن ممارسته يمكن أن تكون مقيدة بالقوانين المحلية التي تُسن تحت ذريعة “النظام العام”. قد يشمل ذلك قيودًا على أنواع الممتلكات (مثل الأراضي الزراعية أو المناطق الاستراتيجية)، أو حدودًا قصوى للملكية، أو متطلبات ترخيص محددة. يتناقض هذا مع المذكرة التونسية لعام 2016 8 التي أزالت عقبة إدارية محددة (رخصة الوالي) بدلاً من فرضها تحت بند النظام العام. هذا التباين يسلط الضوء على التوتر المحتمل بين المنح الواسعة للحقوق في المعاهدات الدولية وحق الدول السيادي في تنظيم الشؤون المحلية. بالنسبة للمستثمرين والأفراد، تتطلب عبارة “النظام العام” هذه بذل العناية الواجبة الشاملة بشأن القوانين واللوائح العقارية الوطنية المحددة، حيث لا تضمن المعاهدة نفسها حقوقًا غير مقيدة.
يكشف البحث عن وجود اتفاقيتين متميزتين (1961 و 1973) يبدو أنهما تمنحان أو تُفسران على أنهما تمنحان حقوق ملكية عقارية. تستند السلطات التونسية في إعفاء الليبيين من رخصة الوالي إلى اتفاقية 1961 القضائية في المقام الأول 8، بينما تتضمن اتفاقية 1973 صراحة “حق التملك” في عنوانها.4 على الرغم من التصديق على كلتيهما، قد تختلف أو تتداخل تطبيقاتهما المحددة ونطاق الحقوق الممنوحة. كما أن تشارك القانون الليبي رقم 98 لسنة 1973 4 والقانون رقم 98 لسنة 1975 14 نفس الرقم التشريعي ولكن بمحتوى مختلف يزيد من احتمالية الالتباس، مما يؤكد الحاجة إلى دقة في الاستشهادات القانونية. هذا الأساس القانوني المزدوج يمكن أن يخلق تعقيدًا للممارسين القانونيين والأفراد الذين يسعون لتأكيد حقوقهم. يتطلب الأمر فهم أي اتفاقية محددة وتصديقها الوطني وتفسيراتها الإدارية هي الأكثر صلة بمعاملة عقارية معينة أو نزاع قضائي. كما يؤكد على أهمية السياق التاريخي في تفسير الحقائق القانونية الراهنة.
2.3. جدول: التسلسل الزمني والأحكام الرئيسية للاتفاقيات العقارية الثنائية (1961 و 1973)
اسم الاتفاقية الكامل | تاريخ التوقيع | قانون التصديق الليبي (الرقم، السنة، التاريخ) | قانون التصديق التونسي (الرقم، السنة، التاريخ) | الأحكام الرئيسية المتعلقة بالعقارات | الحالة الحالية |
اتفاقية الإعلانات والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين | 14 يونيو 1961 | القانون رقم 14 لسنة 1963 (20 أغسطس 1963) 6 | القانون رقم 1 لسنة 1962 (9 يناير 1962) 9 | تُفسر على أنها تمنح حق التملك لليبيين في تونس (تفعيل بمذكرة 27/2016).8 تسهيل الإجراءات القضائية المتعلقة بالأوراق والوثائق.6 | سارية 6 |
اتفاقية حق التملك، وحق العمل، وممارسة المهن والحرف، وحق الإقامة، وحق التنقل | 6 يونيو 1973 | القانون رقم 98 لسنة 1973 (12 ديسمبر 1973) 4 | (صدقت عليها تونس في نفس تاريخ التوقيع 6 يونيو 1973) 12 | حق صريح في التملك والإقامة والتنقل، والمساواة في الضرائب، ويشمل الشخص الطبيعي والمعنوي.12 | سارية 12 |
3. الأطر القانونية المنظمة لملكية العقارات للأجانب
يقدم هذا القسم لمحة موجزة عن المبادئ العامة لملكية الأجانب للعقارات في كل من ليبيا وتونس، كخلفية للاتفاقيات الثنائية.
3.1. الإطار القانوني الليبي
ينظم القانون الليبي بشكل عام ملكية العقارات للأجانب. ورغم أن التفاصيل المحددة بشأن القيود العامة على الملكية الأجنبية ليست متوفرة بشكل واسع في المواد البحثية، إلا أن قانون الاستثمار (القانون رقم 9 لسنة 2010) يسمح للأجانب (أفرادًا أو شركات) بمزاولة الأنشطة الاقتصادية بملكية تصل إلى 100% في معظم القطاعات، باستثناء النفط والغاز.15 يشير هذا إلى موقف أكثر انفتاحًا تجاه اكتساب الممتلكات لأغراض الاستثمار.
تؤكد إعادة تفعيل مصلحة السجل العقاري الليبي في عام 2022 لقبول صحائف الدعاوى والأحكام القضائية النهائية 16 على توجه نحو تنظيم وتوثيق حقوق الملكية داخل ليبيا.
إن الإشارة إلى القانون رقم 9 لسنة 2010 بشأن الاستثمار، الذي يسمح بملكية أجنبية بنسبة 100% للمشاريع الاقتصادية 15، توحي بوجود تمييز محتمل في القانون الليبي بين العقارات المكتسبة لأغراض الاستثمار (التي قد تكون أكثر تحررًا) والعقارات المكتسبة للاستخدام السكني البسيط من قبل الأفراد. قد تخضع هذه الأخيرة للوائح مختلفة، وربما أكثر صرامة، لغير المواطنين خارج نطاق الاتفاقيات الثنائية المحددة. فهم هذا التمييز أمر بالغ الأهمية للمشترين الأجانب. قد يجد المستثمرون مسارات أكثر وضوحًا لاقتناء العقارات بموجب قوانين الاستثمار، بينما قد يعتمد الأفراد الباحثون عن عقارات سكنية بشكل أكبر على الاتفاقيات الثنائية مثل تلك المبرمة مع تونس.
3.2. الإطار القانوني التونسي
بينما يتطلب القانون التونسي بشكل عام تصاريح محددة لاقتناء الأجانب للعقارات (مثل رخصة الوالي)، فقد تم إعفاء مواطني بعض الدول من هذا الشرط بموجب اتفاقيات ثنائية.8
أصدرت المذكرة رقم 27 لسنة 2016 من إدارة الملكية العقارية إعفاءً خاصًا لليبيين من شرط رخصة الوالي عند اقتناء العقارات في تونس، وذلك تفعيلًا لاتفاقية 1961.8 يشير هذا إلى أن الاتفاقية الثنائية بالنسبة لليبيين تتجاوز المتطلبات المحلية العامة فيما يتعلق بهذا التصريح المحدد. كما أن دولًا عربية أخرى، مثل المغرب، وفرنسا، لديها اتفاقيات استيطان تمنح مواطنيها حقوق ملكية في تونس.8 هذا يضع الاتفاقيات الليبية-التونسية في سياق إقليمي أوسع للحقوق المتبادلة.
يعد التصريح الصادر عن العياري 8 بأن “اتفاقيات الاستيطان، كونها اتفاقيات دولية، تعلو القوانين الداخلية التونسية حسب ما يشير إلى ذلك الدستور التونسي” مبدأً قانونيًا بالغ الأهمية. يفسر هذا التصريح بشكل مباشر سبب قدرة المذكرة الإدارية لعام 2016 8 على إعفاء الليبيين من متطلب محلي (رخصة الوالي) استنادًا إلى اتفاقية عام 1961 الثنائية. يوفر مبدأ سمو القانون الدولي هذا، إذا طُبق باستمرار، أساسًا قانونيًا قويًا لحقوق مالكي العقارات الليبيين في تونس. ومع ذلك، فإنه يعني أيضًا أن أي تغييرات مستقبلية في الإطار القانوني المحلي بشأن الملكية الأجنبية ستحتاج إلى احترام أحكام هذه المعاهدات الدولية ما لم يتم تعديل المعاهدات نفسها أو إلغاؤها.
4. التحديات والقضايا العملية في ملكية العقارات وتسجيلها
على الرغم من وجود الاتفاقيات، لا تزال هناك تحديات عملية كبيرة، خاصة في تونس.
4.1. العقارات غير المسجلة والاحتيال
توجد مشكلة كبيرة تتعلق بعقود العقارات غير المسجلة التي تخص مواطنين ليبيين في تونس.8 قبل عام 2016، لم تكن مكاتب القباضة قادرة على تسجيل هذه العقود، مما أدى إلى خسارة 6% من قيمة العقد لخزينة الدولة.8
إن عدم التسجيل يفتح الباب أمام الاحتيال وإعادة بيع العقارات التي سبق بيعها لليبيين.8 هذا يخلق خطرًا كبيرًا للمشترين الذين لا يملكون سند ملكية رسميًا. بدأت عملية تسجيل هذه العقود في أوائل عام 2016 بعد صدور منشور من وزير المالية آنذاك، مما سمح لمكاتب القباضة بتسجيلها. من الرسوم البالغة 6%، تذهب 5% لخزينة الدولة و1% كرسوم خدمة لإدارة الملكية العقارية.8
حقيقة أن عدم التسجيل كان يعود في المقام الأول إلى عدم قدرة مكاتب القباضة على معالجة هذه العقود قبل عام 2016 8 تشير إلى وجود اختناق إداري أو إجرائي بدلاً من حظر قانوني أساسي على الملكية الليبية. يشير المنشور الوزاري اللاحق في عام 2016 8 الذي سمح بالتسجيل إلى اعتراف بهذه المشكلة ومحاولة إدارية لتسوية الوضع واستعادة الإيرادات المفقودة. ومع ذلك، فإن فترة عدم التسجيل خلقت بيئة خصبة للاحتيال 8، مما يسلط الضوء على ضعف شديد في سوق العقارات للمشترين الأجانب عندما لا تعمل آليات التسجيل المناسبة. هذا يوضح أن حتى مع وجود اتفاقيات ثنائية مواتية، فإن غياب الإجراءات الإدارية الفعالة والواضحة للتسجيل يمكن أن يقوض أمن حقوق الملكية، مما يؤدي إلى نزاعات قانونية واسعة النطاق وخسائر مالية. ويؤكد ذلك على الحاجة إلى بنية تحتية إدارية قوية لدعم الاتفاقيات الدولية.
4.2. النزاعات الإدارية والقضائية
هناك أكثر من 300 قضية معلقة أمام المحكمة الإدارية التونسية تتعلق بعدم تسجيل عقود الملكية من قبل مواطنين ليبيين.8 يشير هذا إلى تراكم كبير للقضايا وعدم اليقين القانوني المستمر للعديد من مالكي العقارات الليبيين.
تتولى المحكمة العقارية في تونس مسؤولية تسجيل العقارات (الطوعي والإجباري)، وتحديث السجلات العقارية، وحل النزاعات، والنظر في الطعون ضد قرارات اللجان الجهوية أو حافظ الملكية العقارية.18 هذه هي الهيئة القضائية الرئيسية للمنازعات المتعلقة بالعقارات.
تتسم العمليات القضائية المتعلقة بالعقارات في تونس بطول المدة، وقد تستغرق سنوات، وقد تتجاوز مدة القضايا الأطراف الأصلية.17 تشمل المشاكل الوثائق غير المكتملة والعقارات غير المسجلة، خاصة الأراضي الزراعية.17 تتضمن آليات الاحتيال قيام البائعين بإعادة بيع العقارات التي سبق بيعها لليبيين ولكن عقودهم لم تسجل.8 قد لا يجد المحامون أو الموثقون المعاملات القائمة إذا لم يتم تسجيل العقود الأولية بشكل صحيح.17
إن وجود “أكثر من 300 قضية” في المحكمة الإدارية 8 يعكس بشكل مباشر نتيجة عدم قدرة الإدارة السابقة على تسجيل العقود. تمثل هذه القضايا محاولات من قبل المواطنين الليبيين لإضفاء الطابع الرسمي على ملكيتهم وحل النزاعات الناشئة عن فترة عدم التسجيل. تعني المدة الطويلة للعمليات القضائية 17 أن هذه المشاكل ستستمر في إثقال كاهل النظام القانوني وتسبب عدم اليقين للأفراد المتضررين لفترة طويلة. تتفاقم المشكلة بسبب تعرض العقارات غير المسجلة لإعادة البيع والاحتيال 8، مما يخلق تشابكات قانونية معقدة تتطلب تدخلًا قضائيًا. هذا الوضع يبرز التداعيات طويلة المدى لأوجه القصور الإداري على حقوق الأفراد والنظام القضائي. ويشدد على أهمية التدابير الإدارية الاستباقية لمنع مثل هذه التراكمات وحماية حقوق الملكية، بدلاً من الاعتماد فقط على سبل الانتصاف القضائية اللاحقة.
تؤكد المواد البحثية بشكل متكرر على المشاكل الناجمة عن العقارات غير المسجلة.8 لا تمنح البنوك قروضًا بضمان عقار غير مسجل.19 هذا يعزز المبدأ القانوني الأساسي بأن التسجيل الرسمي (السند العقاري / شهادة الملكية) أمر بالغ الأهمية لتأمين حقوق الملكية، ومنع الاحتيال، وتمكين المعاملات المالية. كانت المذكرة الصادرة عام 2016 التي سمحت بالتسجيل 8 خطوة حاسمة نحو معالجة هذه المشكلة. بالنسبة لأي فرد أو كيان يفكر في شراء عقارات في أي من البلدين، لا يمكن المبالغة في التأكيد على الضرورة المطلقة لضمان التسجيل الصحيح وفي الوقت المناسب في السجل العقاري الرسمي. الاعتماد فقط على العقود أو الوعود غير الرسمية، حتى مع وجود اتفاقية ثنائية سارية المفعول، يعرض المشترين لمخاطر قانونية ومالية كبيرة.
4.3. جدول: ملخص التحديات الشائعة في تسجيل العقارات وأساسها القانوني
التحدي | السبب الجذري | السياق القانوني/الإداري | التأثير على المالكين |
عقود غير مسجلة | عدم قدرة الإدارة على التسجيل قبل 2016 8 | مذكرة 27/2016 سمحت بالتسجيل لاحقًا 8 | عدم اليقين القانوني، صعوبة إثبات الملكية 8 |
الاحتيال وإعادة البيع | عدم التسجيل الرسمي للعقود 8 | قضايا المحكمة الإدارية المتعلقة بعدم الترسيم 8 | خطر فقدان العقار، نزاعات قضائية معقدة 8 |
طول الإجراءات القضائية | تعقيد الملفات ونقص الوثائق 17 | المحكمة العقارية مسؤولة عن التسجيل وحل النزاعات 18 | تكاليف مالية ووقتية كبيرة، عدم استقرار الحقوق 17 |
صعوبة الحصول على تمويل | البنوك لا تقبل العقارات غير المسجلة كضمان 19 | الحاجة إلى “سند عقاري” أو “شهادة ملكية” 19 | تقييد القدرة على الاستفادة المالية من العقار |
5. التوصيات
بناءً على التحليل القانوني والتحديات المحددة، تُقدم التوصيات التالية للأفراد والحكومات المعنية:
5.1. للأفراد (المواطنين الليبيين الذين يقتنون عقارات في تونس):
- إعطاء الأولوية للتسجيل الرسمي: يجب دائمًا التأكد من تسجيل عقود شراء العقارات رسميًا لدى إدارة الملكية العقارية التونسية والسلطات الضريبية المختصة (القباضة) فور الشراء. وقد سهلت مذكرة 2016 8 هذه العملية بإزالة شرط رخصة الوالي.
- الاستعانة بمستشار قانوني مؤهل: ينبغي الاستعانة بمحامٍ تونسي مرموق متخصص في قانون العقارات لإجراء العناية الواجبة الشاملة، والتحقق من سندات الملكية (titre foncier)، وضمان اتباع جميع الإجراءات القانونية، بما في ذلك صياغة العقد وتسجيله بشكل صحيح. هذا أمر بالغ الأهمية لتجنب المشاكل الناجمة عن العقارات غير المسجلة والاحتيال.8
- فهم الالتزامات الضريبية: يجب العلم بأن مالكي العقارات يخضعون لنفس الضرائب والرسوم التي يخضع لها المواطنون التونسيون، وفقًا لما نصت عليه اتفاقية 1973.12 ينصح بطلب المشورة المهنية بشأن جميع الضرائب والرسوم المطبقة.
- الاحتفاظ بالسجلات: ينبغي الاحتفاظ بسجلات دقيقة لجميع وثائق المعاملات وشهادات التسجيل والمراسلات.
- التسجيل القنصلي: بالنسبة للمقيمين لفترات طويلة (أكثر من 6 أشهر)، يجب التسجيل لدى القنصلية الليبية في تونس والحصول على بطاقة تعريف محلية كما هو مطلوب بموجب اتفاقية 1973.12
5.2. للحكومتين (ليبيا وتونس):
- تعزيز التعاون القانوني الثنائي:
- توضيح وتنسيق القوانين: العمل على زيادة التنسيق أو التوضيح الصريح للقوانين المحلية مع أحكام الاتفاقيات الثنائية لعامي 1961 و 1973، خاصة فيما يتعلق بحقوق ملكية العقارات والإجراءات الإدارية لمواطني كلا البلدين. من شأن ذلك أن يقلل من الغموض والنزاعات المحتملة.
- رقمنة السجلات: تسريع الجهود لرقمنة السجلات العقارية وربطها حيثما أمكن، لتعزيز الشفافية ومنع الاحتيال وتبسيط التحقق من الملكية عبر الحدود. تعد إعادة تفعيل السجل العقاري الليبي في عام 2022 16 خطوة إيجابية في هذا الاتجاه.
- معالجة القضايا العالقة:
- تسريع قضايا العقارات غير المسجلة: تنفيذ آليات خاصة أو إجراءات سريعة داخل المحكمة الإدارية والمحكمة العقارية لحل تراكم قضايا العقارات غير المسجلة التي تخص المواطنين الليبيين.8 يمكن أن يشمل ذلك لجانًا قضائية مخصصة أو جهود وساطة.
- حملات التوعية العامة: إطلاق حملات توعية عامة مشتركة في كلا البلدين لتثقيف المواطنين بشأن الإجراءات القانونية الصحيحة لاقتناء العقارات وتسجيلها، مع تسليط الضوء على مخاطر العقود غير الرسمية والاحتيال.
- تسهيل الاستثمار:
- استكشاف أحكام أو حوافز محددة ضمن اتفاقيات الاستثمار القائمة (مثل اتفاقية منطقة التجارة الحرة لعام 2008 13) لزيادة تشجيع وحماية الاستثمارات العقارية من قبل مواطني وشركات كلا البلدين، مع التمييز بين العقارات السكنية والتجارية إذا لزم الأمر.
- المراجعة الدورية للاتفاقيات: إنشاء لجنة مشتركة للمراجعة والتحديث المنتظم للاتفاقيات الثنائية لضمان بقائها ذات صلة وفعالة في معالجة التحديات والفرص المعاصرة.
6. الخلاصة
يستند الإطار القانوني الذي يحكم ملكية العقارات بين ليبيا وتونس إلى اتفاقيات ثنائية مهمة من عامي 1961 و 1973، والتي تمنح حقوقًا متبادلة للمواطنين. في حين توفر هذه الاتفاقيات أساسًا قانونيًا قويًا، فقد واجه تطبيقها العملي تحديات كبيرة، لا سيما المشكلة المنتشرة للعقارات غير المسجلة في تونس، مما أدى إلى الاحتيال والعديد من النزاعات القانونية. كانت المذكرة الإدارية التونسية لعام 2016 خطوة حاسمة في معالجة الحواجز الإجرائية أمام التسجيل، مما أدى إلى تفعيل حقوق كانت موجودة ضمنيًا منذ عام 1961.
للمضي قدمًا، يعد التعاون الثنائي المستمر والمعزز، إلى جانب الإصلاحات الإدارية القوية والتوعية العامة، أمرًا ضروريًا لضمان الوضوح القانوني، وحماية حقوق الملكية، وتعزيز بيئة أكثر أمانًا للمعاملات العقارية بين الدولتين. ستكون معالجة إرث العقارات غير المسجلة وتبسيط الإجراءات المستقبلية أمرًا أساسيًا لإطلاق الإمكانات الكاملة لهذه الشراكة الاقتصادية والاجتماعية الدائمة.
المصادر
- Al Jazeera Centre for Studies, العلاقات الليبية-التونسية.pdf
- الجمهورية العربية الإسلامية قصة الوحدة بين تونس وليبيا
- الجمهورية العربية الإسلامية – ويكيبيديا
- قانون رقم 98 لسنة 1973 م بشأن التصديق على بعض الاتفاقيات المعقودة بين الجمهورية العربية الليبية والجمهورية التونسية
- إدريس أحميد يكتب: العلاقات التونسية الليبية تاريخ مشترك ومستقبل متجدد | اقرأ الخبر
- قانون رقم 14 لسنة 1963 م بالموافقة على اتفاقية الإعلانات والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين المعقودة بين المملكة الليبية والجمهورية التونسية
- قانون رقم 14 لسنة 1963 م بالموافقة على اتفاقية الإعلانات والإنابات القضائية وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين المعقودة بين المملكة الليبية والجمهورية التونسية – المجمع القانوني
- ضمن اتفاقية استيطان..مواطنو المغرب العربي وفرنسا لهم الحق في امتلاك العقارات في تونس
- قانون عدد 1 لسنة 1962 بتاريخ 9 جانفي 1962 يتعلق بالمصادقة على الاتفاقيات المبرمة بين حكومتي الجمهورية التونسية والمملكة الليبية المتحدة – Tunisie – Legal Databases
- . الاتفاقيات الثنائية في مجال الهجرة Archives – Tunisie – Legal Databases
- مواطنو المغرب العربي وفرنسا لهم الحق في امتلاك العقارات في تونس وفق اتفاقيات استيطان
- اتفاقية بشأن حق التملك وحق العمل وممارسة المهن والحرف وحق الاقامة وحق التنقل بين الجمهورية العربية الليبية والجمهورية التونسية – المجمع القانوني
- اتفاقية منطقة تبادل حر بين الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى والجمهورية التونسية
- قانون رقم 98 لسنة 1975 م بتعديل بعض أحكام القانون رقم 112 لسنة 1973 م فى شأن تنظيم مزاولة أعمال حفر آبار المياه
- قراءة قانونية في أحكام القانون الليبي بشأن ازدواج الجنسية – شركة الاتقان للمحاماة
- بعد توقف لـ14 عاماً.. السجل العقاري يصدر أول شهادة عقارية إلكترونية – منصة فواصل Fawasel Media
- المشاكل العقارية في تونس شاهد كيف تتم عملية التحيل وكيف يبيع المتحيل الارض .. مختص في العقارات يفسر
- وزارة العدل : المحكمة العقارية
- مخاطر العقود العقارية غير المسجلة في تونس
اترك تعليقاً