Skip to main content

منظمات المجتمع المدني ضرورتها وأهميتها في ليبيا

يشهد العالم منذ عقود تصاعدًا ملحوظًا في أهمية منظمات المجتمع المدني، باعتبارها جسورًا بين السلطة والمجتمع، ووسائط لنقل مطالب الناس، وأدوات رقابة على أداء الدولة. في الدول الحديثة، أصبحت هذه المنظمات مؤسسات فاعلة، لا تقل في تأثيرها عن المؤسسات الحكومية، بل تشارك أحيانًا في صياغة السياسات العامة، وتقديم الخدمات الاجتماعية، وحماية حقوق الإنسان.

تحديات منظمات المجتمع المدني في ليبيا

غير أن هذا الدور لا يزال محل توجس في بعض الدول، حيث يُنظر إلى منظمات المجتمع المدني بعين الريبة، وتُفرض عليها قيود قانونية وإدارية تعيق نموها. ليبيا مثال حي لهذا الواقع، إذ لا تزال تفتقر إلى قانون خاص ينظم منظمات المجتمع المدني. ورغم وجود قانون الجمعيات رقم 19 لسنة 2001 ولائحته التنفيذية رقم 73 لسنة 2002، الذي يمثل الحد الأدنى لتأسيس المجتمع المدني، إلا أن هذا القانون معطّل بقرارات إدارية صادرة من جهات غير مختصة. يبلغ عدد هذه القرارات عشرين قرارًا تنظيميًا، أغلبها صادر عن مفوضية المجتمع المدني التي هي محل نزاع بين المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية ومجلس الوزراء ومجلس النواب.

الأسانيد القانونية لمكانة منظمات المجتمع المدني

لقد فقدت جميع هذه القرارات شرعيتها بموجب حكم محكمة جنوب بنغازي الابتدائية في الدعوى المقيدة برقم 581 / 2022م، والذي قضى بوقف العمل بقرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني رقم 286 لسنة 2019م بشأن اللائحة التنظيمية لعمل مفوضية المجتمع المدني. وقد طلب رئيس مجلس المفوضية فتوى من إدارة القانون، وردت إدارة القانون بموجب الفتوى الصادرة بتاريخ 8 مارس 2023، تحت الرقم الإشاري: 37.6.2، بما يلي:

“حيث جاء فيها أن المادة 15 من الإعلان الدستوري، على أن ‘تكفل الدولة حرية تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات وسائر منظمات المجتمع المدني، ويصدر قانون بتنظيمها، ولا يجوز إنشاء جمعيات سرية أو مسلحة أو مخالفة للنظام العام أو الآداب وغيرها مما يضر بالدولة ووحدة التراب الوطني'. ونصت المادة 34 من الإعلان الدستوري ذاته على أن ‘تلغى الوثائق والقوانين ذات الطبيعة الدستورية المعمول بها قبل العمل بهذا الإعلان'. ويستفاد من ذلك أن تنظيم الجمعيات الأهلية وكل ما يتعلق بشؤون المجتمع المدني وفقًا للإعلان الدستوري يتعين أن ينظم بقانون صادر من السلطة التشريعية باعتبارها الجهة المختصة بسن القوانين، وهو ما يعني أن الخطاب في نص المادة رقم (15) المشار إليها موجه لهذه السلطة التي يتعين عليها أن تبادر إلى تنفيذه. ثم خلصت إلى عدم شرعية كافة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي لم يتم تأسيسها استنادًا على أحكام القانون رقم 19 لسنة 2001م بشأن الجمعيات الأهلية على الوجه المبين في صلب المذكرة.”

ومن ثم، فإن منظمات المجتمع المدني المؤسسة بعد سنة 2011 فقدت شرعيتها ولم يتم تنظيمها على أساس قانون الجمعيات. كما ألغيت وزارة الثقافة والمجتمع المدني، ولا توجد وزارة للمجتمع المدني في الحكومتين.

تعريف وأهداف منظمات المجتمع المدني

إن منظمات المجتمع المدني (Civil Society Organizations – CSOs) هي مؤسسات غير ربحية، تنشأ بمبادرة من أفراد المجتمع، وتعمل بصورة مستقلة عن الحكومة، لكنها ليست معادية لها. تشمل هذه المنظمات الجمعيات الأهلية، المنظمات غير الحكومية (NGOs)، الاتحادات المهنية، النقابات، المبادرات الشبابية، والمراكز الثقافية والبحثية، وحتى الجماعات البيئية والنسائية.

تتمثل أهداف هذه المنظمات في الآتي:

  • الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية.
  • تعزيز المشاركة المجتمعية.
  • مكافحة الفساد ومراقبة أداء السلطة.
  • تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية.
  • حماية البيئة.
  • النهوض بالمرأة والشباب والفئات الهشة.

ولعل الجميع يتذكرون منظمة مكافحة الفساد التي أسسها المرحوم محمد بوقعيقيص، وكيف كانت تكتشف الفساد وتفضح مرتكبيه، وهي منظمة من منظمات المجتمع المدني التي أدت دورها أكثر من هيئة مكافحة الفساد الحكومية.

دعوة لإصدار قانون خاص بمنظمات المجتمع المدني

ينبغي لمجلس النواب الإسراع في إصدار قانون حديث ينظم عمل منظمات المجتمع المدني، يراعي خصوصية ليبيا، وتطبيقًا للمادة (15) من الإعلان الدستوري التي نصت على: “تكفل الدولة حرية تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات وسائر منظمات المجتمع المدني، ويصدر قانون بتنظيمها، ولا يجوز إنشاء جمعيات سرية أو مسلحة أو مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة، وغيرها مما يضر بالدولة ووحدة التراب الوطني.” ولأول مرة يظهر مصطلح “المجتمع المدني” في التشريعات الليبية، مما يدل على اهتمام المشرع الدستوري بها. وقد برزت منظمات المجتمع المدني في العديد من المواقع المهمة مثل قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية. فإننا نهيب بمجلس النواب الموقر أن يصدر تشريعًا ينظم المجتمع المدني لكي يؤدي دوره الوطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *