مدى مشروعية الصلاحيات المخولة لهيئة الرقابة الإدارية بعد إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016
شهدت ليبيا خلال السنوات الماضية جدلًا قانونيًا حول مدى اختصاص هيئة الرقابة الإدارية في مباشرة التحقيقات الجنائية، لا سيما بعد تعديل المادة 42 من القانون رقم 20 لسنة 2013 بموجب القانون رقم 17 لسنة 2016، والذي منح أعضاء الهيئة صلاحيات النيابة العامة، بما في ذلك إحالة المتهمين إلى المحكمة المختصة أو غرفة الاتهام والطعن في الأحكام الصادرة بشأنهم.
إلا أن القانون رقم 1 لسنة 2020 ألغى كافة القوانين والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني العام بعد انتهاء ولايته في 3 أغسطس 2014، مما أثار تساؤلات حول الأثر القانوني لهذا الإلغاء على اختصاصات الهيئة ومدى مشروعية الصلاحيات التي كان يمارسها أعضاؤها خلال الفترة من 2016 إلى 2020.
يهدف هذا المقال إلى تحليل الإطار القانوني لصلاحيات هيئة الرقابة الإدارية قبل وبعد تعديل القانون، ومدى قانونية ممارستها لصلاحيات النيابة العامة، وتأثير إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016 بموجب القانون رقم 1 لسنة 2020، بالإضافة إلى استعراض حكم المحكمة العليا الصادر في الطعن الدستوري رقم 13 لسنة 71 ق وآثاره.
المحتويات
- المبحث الأول: الصلاحيات المخولة لهيئة الرقابة الإدارية وفقًا للقانون رقم 20 لسنة 2013
- المبحث الثاني: إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016 بموجب القانون رقم 1 لسنة 2020
- المبحث الثالث: أثر الطعن الدستوري رقم 13 لسنة 71 ق على مشروعية إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016
- المبحث الرابع: التكييف القانوني للصلاحيات المخولة للهيئة بعد إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016
- الخاتمة والتوصيات
المبحث الأول: الصلاحيات المخولة لهيئة الرقابة الإدارية وفقًا للقانون رقم 20 لسنة 2013
أولًا: الاختصاصات الأصلية للهيئة وفق القانون رقم 20 لسنة 2013
نص القانون رقم 20 لسنة 2013 على أن هيئة الرقابة الإدارية تختص بمراقبة أداء الإدارات العامة والجهات الخاضعة لرقابتها، والكشف عن المخالفات الإدارية والمالية، وضمان حسن سير المرافق العامة.
وبحسب المادة 42 من القانون، فإن الهيئة لا تملك صلاحية مباشرة التحقيقات الجنائية، بل يجب عليها إحالة الأوراق إلى النيابة العامة المختصة خلال مدة لا تتجاوز شهرًا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
أما المادة 38، فقد منحت الهيئة صلاحية تفتيش أماكن العمل دون إذن النيابة العامة، لكنها اشترطت الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة لتفتيش الأشخاص ومنازل الموظفين المنسوبة إليهم المخالفات، في حال وجود مبررات قوية تستدعي ذلك.
ثانيًا: التعديل بموجب القانون رقم 17 لسنة 2016
بتاريخ 23 فبراير 2016، أصدر المؤتمر الوطني العام القانون رقم 17 لسنة 2016 الذي عدّل المادة 42 بحيث أصبح لعضو التحقيق في الهيئة صلاحيات النيابة العامة المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الأول من قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما مكن الهيئة من:
- مباشرة التحقيقات الجنائية بشكل مستقل.
- إحالة المتهم إلى المحكمة المختصة أو غرفة الاتهام بعد تكييف الواقعة قانونيًا واعتمادها من الرئيس أو من يكلفه بذلك.
- مباشرة الدعوى أمام المحكمة المختصة بنفس صلاحيات عضو النيابة العامة، بما في ذلك الطعن في الأوامر والأحكام الصادرة بشأنها.
كما عدّل القانون المادة 38، بحيث أصبح لرئيس الهيئة أن يأذن بتفتيش أشخاص ومنازل المتهمين دون الحاجة إلى إذن النيابة العامة، وهو ما اعتبر توسعًا كبيرًا في سلطات الهيئة.
المبحث الثاني: إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016 بموجب القانون رقم 1 لسنة 2020
أولًا: مضمون القانون رقم 1 لسنة 2020
صدر القانون رقم 1 لسنة 2020، الذي نص في مادته الأولى على إلغاء كافة القوانين والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني العام بعد انتهاء ولايته في 3 أغسطس 2014، وهو ما يشمل القانون رقم 17 لسنة 2016.
ثانيًا: الأثر القانوني للإلغاء على اختصاصات الهيئة
- عودة المادة 42 إلى نصها الأصلي في القانون رقم 20 لسنة 2013، مما يعني أن هيئة الرقابة الإدارية لم يعد لها اختصاص مباشر في التحقيقات الجنائية، بل أصبحت ملزمة بإحالة القضايا ذات الطابع الجنائي إلى النيابة العامة خلال شهر.
- إلغاء الصلاحيات التي كانت تمنح الهيئة سلطة إحالة القضايا إلى المحكمة المختصة أو غرفة الاتهام، مما يعني أن أي قرارات إحالة تمت استنادًا إلى القانون الملغى قد تواجه طعونًا بعدم المشروعية.
- عودة القيود على تفتيش الأشخاص والمنازل، بحيث لا يجوز لأعضاء الهيئة القيام بذلك إلا بإذن من النيابة العامة، وفقًا لما ورد في المادة 38 من القانون رقم 20 لسنة 2013.
المبحث الثالث: أثر الطعن الدستوري رقم 13 لسنة 71 ق على مشروعية إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016
أولًا: خلفية الطعن
تم الطعن في القانون رقم 1 لسنة 2020 أمام المحكمة العليا بموجب الطعن الدستوري رقم 13 لسنة 71 ق، إلا أن المحكمة قضت بتاريخ 2 يناير 2025 باعتبار الطاعنين تاركين للخصومة.
ثانيًا: تحليل أثر الحكم
- عدم الفصل في دستورية القانون رقم 1 لسنة 2020: حكم المحكمة لم يتناول مدى مشروعية الإلغاء، بل قضى فقط بترك الطاعنين للخصومة، مما يعني أن القانون لا يزال ساريًا.
- بقاء الأثر القانوني للإلغاء: طالما لم يصدر حكم ببطلان القانون، فإن جميع القوانين الملغاة بموجبه، بما فيها القانون رقم 17 لسنة 2016، تظل ملغاة، مما يعني أن الصلاحيات التي كان يتمتع بها أعضاء الهيئة لم تعد قائمة قانونًا.
المبحث الرابع: التكييف القانوني للصلاحيات المخولة للهيئة بعد إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016
أولًا: مدى قانونية ممارسات الهيئة وفقًا للوضع الراهن
أي تحقيقات جنائية تجريها هيئة الرقابة الإدارية بعد إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016 يمكن اعتبارها غير قانونية.
تعود الهيئة إلى ولايتها الأصلية بموجب القانون رقم 20 لسنة 2013، مما يعني أن عليها إحالة القضايا الجنائية إلى النيابة العامة دون أن تمارس أي صلاحيات تحقيقية مباشرة.
ثانيًا: مسؤولية أعضاء الهيئة عن التحقيقات التي أجريت وفق القانون الملغى
التحقيقات التي تمت بين 2016 و2020 قد تواجه طعونًا قانونية، نظرًا لاعتمادها على قانون ألغي لاحقًا.
ومع ذلك، وبحسب مبدأ عدم رجعية القوانين، فإن الأعمال التي تمت بناءً على قانون كان ساريًا وقتها تبقى صحيحة، ما لم يصدر حكم بعدم دستورية القانون رقم 17 لسنة 2016 بأثر رجعي.
الخاتمة والتوصيات
يظهر أن إلغاء القانون رقم 17 لسنة 2016 قد أعاد هيئة الرقابة الإدارية إلى نطاق اختصاصاتها الأصلية المحددة بموجب القانون رقم 20 لسنة 2013. ونتيجة لذلك، لم يعد للهيئة صلاحية مباشرة التحقيقات الجنائية أو إحالة المتهمين إلى المحاكم، وأصبح من الواجب عليها إحالة جميع القضايا ذات الطابع الجنائي إلى النيابة العامة المختصة وفقًا للإجراءات القانونية المعمول بها.
التوصيات
- يجب على هيئة الرقابة الإدارية الالتزام بنطاق اختصاصها وفق القانون رقم 20 لسنة 2013، وعدم مباشرة أي صلاحيات تتعلق بالتحقيقات الجنائية.
- ضرورة مراجعة القضايا التي تم التحقيق فيها بناءً على القانون الملغى لتفادي الطعون المحتملة.
- إعادة النظر تشريعيًا في صلاحيات الهيئة لضمان التنسيق الفعال بينها وبين النيابة العامة في مكافحة الفساد دون تعارض في الاختصاصات.
اترك تعليقاً