أدوات الوصول

Skip to main content

قانون مكافحة السحر والشعوذة في الميزان

صدر هذا القانون، ولكن الصياغة الحالية تشكل عبئاً على القضاء دون تحقيق النتائج المرجوة، كما قد تؤثر سلباً على سمعة ليبيا دولياً. هل يمكن للقضاء أن يصدر أحكاماً بالإعدام بناءً على أمور غير ملموسة؟ سبق أن علقت على مشروع قانون السحر والشعوذة المقدم من هيئة الأوقاف وسلمته لرئيس مجلس النواب وبعض الأعضاء، ولكن يبدو أن حجة هيئة الأوقاف كانت أقوى. ها أنا أعرضه عليكم للإثراء.

تعليق على مشروع قانون السحر

ناقش هذا القانون وأقر مبدئيًا بملاحظات ولم يوقع من الرئاسة ولم ينشر في الجريدة الرسمية. للأهمية، لا شك أن انتشار ظاهرة السحر والنصب على المواطنين والادعاء بالنفع والإضرار والتأثير هو ظاهرة سيئة ومظهر من مظاهر التخلف الفكري والحضاري. لقد اطلعت على مشروع القانون ورأيت أنه – وإن كان يجب إيجاد معالجة رادعة لهذه الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها – إلا أنه يجب أن تكون هذه المعالجة في إطار السياسة التشريعية السليمة للدولة بحيث تكون متوافقة ومنسجمة مع النظام القانوني الليبي.

مشكلات في صياغة مشروع القانون

إن مشروع هذا القانون يبدو أنه أعد من جهة غير خبيرة في صياغة القوانين وينقصها الإلمام الكافي بالنظام القانوني الليبي مما قد يرتب عدة مشاكل عند التطبيق العملي. وعليه، فإننا نبدي لكم الملاحظات الآتية:

  1. من حيث العقوبة: لقد نصت المادة (3) من المشروع على أن يعاقب الساحر بالقتل حدًا وفقًا لما ثبت في الشريعة الإسلامية. ويثير هذا النص عدة تساؤلات منها:
    • اعتبر جريمة السحر هي جريمة حدية، وهي مسألة خلافية. رأي جمهور الفقهاء لا يعتبر عقوبة الساحر حدًا.
    • عاقب الساحر بعقوبة الإعدام بناءً على حديث النبي عليه الصلاة والسلام المروي عن جُنْدُب بن عبدالله، وهو حديث آحاد، ويرى جمهور الفقهاء أن أحاديث الآحاد لا تبنى عليها الأحكام أو الحدود.
    • وضع قواعد خاصة في الإثبات في المادة (5) والمادة (6) بحيث اشترط لثبوتها أن يكون بالإقرار ولو مرة واحدة من الساحر أو بشهادة الشهود وفقًا لمذهب الإمام مالك، ثم أضاف قواعد الإثبات العامة في قانون الإجراءات الجنائية مما يجعل التناقض في نفس النص.
    • اعتبر المشروع جريمة السحر جريمة حدية ونص على أنه لا يجوز وقف تنفيذها، في حين أن الحدود إذا ما توافرت شروطها وحكم بها لا يجوز وقف تنفيذها أو استبدالها بغيرها.
    • خلا المشروع من بيان كيفية معاقبة الأحداث عند ارتكابهم لهذه الجريمة مما يخالف القواعد العامة في القانون الجنائي الليبي.
    • أحالت المادة (7) إلى أحكام الشريعة الإسلامية فيما لم يرد بشأنه نص، وهو معيار فضفاض ومطاطي لاتساع أحكام الشريعة الإسلامية وكثرة الآراء فيها مما يجعل القاضي المطبق في متاهة لا تعرف لها نهاية.
  2. موقف التشريعات العربية حول جريمة السحر:
    • المملكة المغربية: نص القانون المغربي على أن من احترف التكهن والتنبؤ بالغيب أو تفسير الأحلام يعاقب بغرامة تتراوح بين 10 و120 درهمًا.
    • السودان: نص قانون النظام العام الولائي على الدجل والشعوذة وأنه لا يجوز لأي شخص ممارسة أعمال الدجل والشعوذة والزار، ولم تفرد لها عقوبات محددة.
    • سوريا: يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة من 500 – 2000 ليرة من يتعاطى بقصد الربح، مناجاة الأرواح، والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وورق اللعب وكل ما له علاقة بعلم الغيب.
    • الأردن: جرم المشرع أفعال السحر والشعوذة في المادة 471 من قانون العقوبات الأردني.
    • لبنان: نصت المادة 768 من قانون العقوبات اللبناني على يعاقب بالتوقيف التكديري وبالغرامة من 10 إلى 20 ألف ليرة لبنانية من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح والتنويم المغناطيسي والتنجيم.
    • البحرين: جرم السحر والشعوذة في قانون العقوبات رقم (15) لسنة 1976.
    • الإمارات العربية المتحدة: جرم قانون العقوبات الإماراتي المعدل بالقانون الاتحادي رقم 7 لعام 2016 جرائم السحر والشعوذة.
    • السعودية: وضعت عقوبات للسحر والشعوذة كلها بالسجن والغرامة والجلد، ولم يكن من بينها الإعدام.

نخلص من ذلك أن هناك سبع دول عربية لا تعاقب على الشعوذة والسحر بالإعدام بل تعاقب بعقوبات خفيفة.

الخاتمة

تتداخل أفعال السحر مع الأفعال التي تحصل في ألعاب السيرك ومدن الملاهي من لعب بالأوراق وألعاب خفة اليد. فهل لو تضرر إنسان من هذه الأفعال يعاقب الساحر بالإعدام؟ فإذا نظرنا من زاوية أخرى إلى الأفعال المطلوب تجريمها: فهل هي من جرائم الخطر أم من جرائم الضرر؟ إذا اعتبرناها من جرائم الضرر، فإنها جريمة مستحيلة الإثبات لأنها تعتمد على أمور غيبية لا يمكن إثباتها بدليل علمي أو عقلي. أما إذا نظرنا إليها من زاوية جرائم الخطر، فإن العقاب عليها يكون لأسباب وقائية لاحتمال حصول ضرر لو استمر الفعل.

نحن نعيش في مجتمع دولي أصبح قرية بحكم تطور العلم والتكنولوجيا وأصبحت المنظمات الدولية تراقب النظم التشريعية وتنتقدها، مما يجعل هذا التشريع مثالًا للنقد وقد تكون لها تأثيرات سلبية على المجتمع.

ونخلص من ذلك إلى أن ظاهرة السحر والشعوذة ظاهرة سيئة ويجب محاربتها بقوة سواء عن طريق التوعية والإرشاد وتطوير نظم التعليم، أو عن طريق التشريع وليس بإصدار قانون خاص بل يجب إجراء تعديل في قانون العقوبات بإضافة بعض النصوص التي تؤدي الغرض وتكون أجدى من الناحية العملية. وهو ما نقترحه بأن تضاف مادة مكررة للمادة 292 من قانون العقوبات (المتعلقة بانتهاك حرمة المقابر) يكون نصها كالتالي:

مادة 292 مكرر يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار كل من مارس أعمال السحر أو الشعوذة أو أتى ساحرًا بقصد الإضرار بالغير بمقابل أو بدون مقابل. ويعتبر من أعمال السحر كل فعل أو قول مخالف للشريعة الإسلامية إذا قصد منه التأثير في بدن الغير أو قلبه أو عقله أو إرادته مباشرة أو غير مباشرة حقيقة أو تخيلا. ويعتبر من أعمال الشعوذة التمويه على الناس بأي وسيلة لحملهم على رؤية الشيء على خلاف الحقيقة، والادعاء بعلم الغيب أو معرفة الأسرار أو الإخبار عما في الضمير بأي وسيلة بقصد استغلالهم أو التأثير في معتقداتهم أو عقولهم.

وهذه العقوبة التي تراها مناسبة لهذه الأفعال. أما إذا ترتب على أفعال السحر ضرر جسدي كالإيذاء والقتل، فإن نصوص قانون العقوبات العامة كافية في ردع هذه النتائج وتحقيق العدالة.

بقلم: المستشار جمعة عبدالله بوزيد
بتاريخ: 16 مايو 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منشورات ذات الصلة