طعن جنائي رقم 484/ 45ق
- التصنيف: الجنائي
- رقم الطعن: 484
- السنة القضائية: 45
- تاريخ الجلسة: 19 مارس 2003
طعن جنائي رقم 484/ 45ق
خلاصة المبدأ
- المطالبة بالتعويض عن الضرر أمام القضاء الجنائي – شرطه.
- البيان المعول عليه في الحكم هو الذي يبدو فيه اقتناع المحكمة – بيان ذلك.
الحكم
اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم لأنهم بتاريخ 1425/2/16م بدائرة مركز شرطة ترهونة: –
- المتهم الأول وحده أتلف مالا غير منقول حتى صيره غير نافع كليا، وذلك بأن قام بإعادة حرث منبوت الشعير المملوك للمجني عليه (…)، بواسطة جرار زراعي، وعلى النحو الوارد بالأوراق.
- المتهمون من الثاني إلى الرابع اشتركوا بطريق الاتفاق مع المتهم الأول على ارتكاب جريمته وقد وقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق ، وبحضورهم ، وعلى النحو الوارد بالأوراق.
وطلبت النيابة العامة من محكمة ترهونة الجزئية معاقبة المذكورين طبقا للمادتين 3/100 ، 1/457 من قانون العقوبات ، واثناء نظر الدعوى الجنائية أمام المحكمة المذكورة، تقدم المجني عليه المدعو (…) بصحيفة ادعاء بالحق المدني طلب في ختامها الحكم بإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا له مبلغا قدره خمسون ألف دينار تعويضا عما لحق به من ضرر مادي وأدبي ، مع إلزامهم بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة ، وتلك المحكمة قضت ببراءة المتهمين مما نسب إليهم ، وبرفض الدعوى المدنية ، مع الزام رافعها بالمصاريف ، ولما لم يجد ذلك القضاء قبولا لدى النيابة العامة ، والمدعي بالحق المدني، فقد طعنا عليه بطريق الاستئناف ، ومحكمة ترهونة الابتدائية ( دائرة الجنح و المخالفات المستأنفة) ، قضت في 97/11/29 ف بقبول الاستئنافين شكلا ، وفي الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف.
وهذا هو الحكم المطعون فيه
الإجراءات
صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 97/11/29 ف، وفي اليوم 97/12/14 ف طعن فيه بطريق النقض المدعي بالحق المدني بموجب تقرير أودعه لدى قلم كتاب محكمة ترهونة الابتدائية، وبتاريخ 97/12/28 ف أودع محامي المدعي بالحق المدني مبلغ كفالة الطعن بموجب الإيصال رقم 5505380، وفي يوم 97/12/28 ف طعن فيه أيضا أحد أعضاء النيابة العامة بموجب تقرير أودعه لدى قلم الكتاب سالف الذكر، وأودعت النيابة العامة مذكرة بأسباب طعنها لا يوجد بها أي بيان عن تاريخ إيداعها أو الجهة التي أودعت لديها ولا يوجد بالأوراق محضر إبداع يفيد في ذلك، وقدمت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني في طعن رأت فيها عدم قبول طعن النيابة العامة شكلا، وبقبول طعن المدعي بالحق المدني شكلا ، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الدعوى المدنية وتصحيحه بعدم اختصاص المحكمة بنظرها ، وحددت جلسة 2003/2/2 ف لنظر الطعن وفيها تلا المستشار المقرر تقريره ، وتمسكت نيابة النقض برأيها السابق ونظر الطعن على النحو المبين بمحضر الجلسة ، ثم حجز للحكم بجلسة اليوم.
الأسباب
وحيث إنه وإن كان طعن النيابة العامة قد قرر به في الميعاد الذي حدده القانون ، إلا أن النيابة العامة لم تودع أ أسباب طعنها بالشكل الذي أوجيه القانون ، ذلك أنه وإن أرفقت بملف الدعوى مذكرة بأسباب الطعن تحمل توقيع أحد أعضاء النيابة بنيابة ترهونة ، إلا أنها لا تحمل ما يدل على صحة إبداعها قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ، أو قلم كتاب المحكمة العليا في الميعاد المبين بالمادة 385 من قانون الإجراءات الجنائية ، حيث لا يوجد أي بيان بذلك على المذكرة ، ولا يوجد محضر بذلك ، ولما كان قضاء هذه المحكمة قد استقر على المعول عليه في تحديد صحة إيداع أسباب الطعن في الزمان والمكان المحددين قانونا هو بما يصدر من قلم الكتاب من إقرار بحصول الإيداع ، بحيث يقع ثباته إما بواسطة محضر إيداع يحرره قلم الكتاب المحكمة التي أصدرت الحكم ، أو قلم كتاب المحكمة العليا ، أو أن يؤشر قلم الكتاب المختص بأحد القلمين المذكورين على أسباب الطعن بما يفيد إيداعها في المحكمة ، وفي تاريخ معين بتوقيع دال على اسم صاحبه وصفته ، أو يختمها بختم المحكمة للدلالة على صفة ومحل الإيداع ، أو أن يصل ملف الدعوى مرفقا به مذكرة أسباب الطعن إلى قلم كتاب المحكمة العليا قبل فوات ميعاد الطعن ، لما كان ذلك، وكانت مذكرة أسباب طعن النيابة العامة خالية من كل ما سلف بيانه ، وكان ملف الدعوى قد أحيل إلى قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 98/1/11 ف أي بعد فوات ميعاد الطعن، ومن ثم فإن تلك المذكرة تكون فاقدة لشروط صحتها وقبولها ، وبالتالي يكون الطعن من النيابة العامة في حكم المقرر به بدون أسباب ، الأمر الذي يسقط الحق فيه ، عملا بأحكام المادة 385 من قانون الإجراءات الجنائية ، ويستتبع ذلك عدم قبول طعن النيابة العامة شكلا.
وحيث إن الطعن المقام من المدعي بالحق المدني استوفى كافة أوضاعه القانونية ومن ثم فهو مقبول شكلا.
وحيث ينعى هذا الأخير على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، ومخالفة القانون، وذلك من ثلاثة وجوه:
الأول: أن المحكمة المطعون في حكمها أوردت في أسبابها أن النص المنطبق على الواقعة ، هي الفقرة الثانية من المادة 457 البند 4 ، وليس كما جاء بقرار الاتهام ، وهي في ذات الوقت تبنت أسباب حكم محكمة أول درجة التي بنت حكمها على أساس مادة الاتهام وهي المادة 1/457 عقوبات ، ومن ثم فإن تعديل المحكمة المطعون في حكمها لمادة الاتهام يجعل حكمها مشوبا بالقصور في التسبيب يستوجب نقضه.
الثاني: – من خلال الاطلاع على أسباب حكم محكمة أول درجة ، وكذلك أسباب الحكم المطعون فيه ، يبين أن محكمة الموضوع بدرجتيها لم تبحث في مسألة ملكية المنبوتات التي تم إتلافها، واستند الحكمان في القضاء ببراءة المتهمين برفض الدعوى المدنية على مستندات تفيد تخصيص المزرعة رقم 40 للمتهم الثاني ، وكذلك شهادة عضو اللجنة الشعبية العامة للزراعة بمنطقة سيدي الصيد ، وهذان الدليلان لا يعنيان ملكية منبوت الشعير الذي قام المتهمون بإتلافه، وكان يجب على المحكمة المطعون في حكمها أن تبحث في هذا الأمر لكي تتوصل إلى إدانة أو تبرئة المتهمين ، وإذ هي لم تفعل فإن حكمها يكون مشوبا بالفساد في الاستدلال متعبنا نقضه.
الثالث :- أن المحكمة المطعون في حكمها قضت في الدعوى المدنية بالرفض , بيد أن الحكم الصحيح فيها هو بعدم الاختصاص ، لأن محكمة الجنح المستأنفة أقامت قضاءها على أساس انعدام الخطأ الجنائي ( انعدام الجريمة ) ، وعملا بنص المادة 224 من قانون الإجراءات ، فقد كان على المحكمة القضاء بالبراءة في الدعوي الجنائية ، وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية.
وحيث يبين مما دونه الحكم المطعون فيه أن النص القانوني المنطبق على الواقعة في حالة ثبوتها هي الفقرة الثانية من المادة 457 عقوبات البند 4 ، وليس كما جاء بقرار الاتهام وبحكم محكمة أول درجة ، كما أشار الحكم المطعون فيه إلى أخذه بالأسباب التي بني عليها حكم محكمة أول درجة ، والتي كانت قد قضت ببراءة المطعون ضدهم مما نسب إليهم تأسيسا على أن المزرعة رقم 40 وما بها مملوكة للمتهم الثاني الذي كان عند حرثه للأرض يمارس حقه المشروع، ودون أن تتطرق محكمة أول درجة إلى النص المنطبق على واقعة الدعوى، لما كان ذلك ، وكان ما عول عليه حكم محكمة أول درجة له معينه الصحيح في أوراق الدعوى ، ويؤدي في منطق سائغ إلى ما رتبه عليه ، فإنه لا ينال من سلامته أو سلامة الحكم المطعون فيه ، ما استطرد إليه الحكم الأخير من بيان النص القانوني المنطبق على الواقعة في حالة ثبوتها ، إذ أن البيان المعول عليه في الحكم هو الذي يبدو فيه اقتناع القاضي دون غيره من الأجزاء الخارجة عن هذا السياق ، لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد تناول دفاع الطاعن المتعلق بملكية المنبوتات التي تم إتلافها ، ورد المستأنف ” عليه ، بقوله : ( وحيث إن الدفاع المستأنف ” المدعي بالحق المدني ” قد جاء بمذكرة دفاعه أن ما ذهبت إليه محكمة الدرجة الأولى في غير محله ، ذلك أن التهمة التي قدمت بها النيابة العامة المستأنف ضدهم هي تهمة إتلاف أموال ، وأن هذه التهمة تتوافر شروطها بمجرد اعتداء الجاني على مال مملوك للغير بغض النظر عن الخوض في ملكية الأرض أو حق الانتفاع بها، وحيث إن هذا الدفع لا يوافق صحيح الواقع والقانون، ذلك أنه ثبت هذه المحكمة من خلال المستندات المرفقة بملف الدعوى، وما جاء بشهادة الشاهد (…) أن المزرعة رقم 40 قد تم تخصيصها للمدعو (…) ، وبالتالي فإن من حقه الانتفاع بهذه المزرعة وما يلحق بها ، وعليه فإن شرط تملك المال لغير الجاني لم يتوافر في واقعة الحال ، وهو شرط يجب توافره لمساءلة الجاني عن جريمة إتلاف أموال الغير ، المعاقب عليها بنص المادة 457 عقوبات ، حيث لم يثبت المشتكي ملكيته أو حيازته للمزرعة رقم 40 وما عليها من أشجار ومستنبتات ، وإنما ثبت ذلك للمتهم الثاني ) .
لما كان ذلك، فإن وما ينعى به الطاعن في السبب الثاني من أسباب الطعن من أن الحكم المطعون فيه لم يبحث مسألة ملكية المنبوتات، يكون في غير محله.
وحيث إنه بالنسبة لما ينعى به الطاعن في السبب الأخير من أسباب الطعن ، فهو في محله ، ذلك أن المادة 224 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية ، ومفاد هذا النعي أن القضاء بالتعويض في الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية لا يكفي فيه وقوع خطأ وترتب ضرر ، وإنما يلزم فضلا عن ذلك أن يكون هذا الخطأ جريمة في الوقت عينه ، فإذا انتفى هذا الشرط وجب على المحكمة الجنائية أن تقضي بالبراءة في الدعوى الجنائية ، وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية – وليس المحكمة الجنائية أن تستكمل عناصر البحث لتتمكن من الفصل في الدعوى المدنية رغم تيقنها من أن الفعل لا يعد جريمة ، لأن ذلك يتعارض مع القواعد التي تحدد ولاية المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية ، وهي ولاية ضيقة واستثنائية ، ولا يحتج في ذلك بما نصت عليه المادة 282 إجراءات من أن كل حكم يصدر في موضوع الدعوى الجنائية يجب أن يفصل في التعويضات التي يطالبها المدعي بالحقوق المدنية ، لأن هذا النعي عام ينصرف حكمه إلى دعاوى التعويض التي تختص القاضي بنظرها والفصل فيها ، وتلك هي الدعاوي التي يكون الضرر الذي يطلب التعويض عنه ناشئا عن جريمة ، فإن انتفى هذا الشرط زال اختصاص القاضي الجنائي بنظرها ، وامتنع عليه الفصل في موضوعها ، ومن ثم إذا كان مبنى البراءة عدم مسؤولية المتهم وعدم عقابه حق للقاضي الجنائي أن يفصل في موضوع الدعوى المدنية ، لأن الحكم في هذه الحالة لا ينفي وقوع الجريمة بل يؤكد وقوعها ، أما إذا كان مبنى البراءة أن الفعل لا يكون جريمة فإنه يتعين على المحكمة الجنائية عند الحكم بالبراءة أن تحكم كذلك بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية ، لما كان ذلك ، وكان يبين مما دونه حكم محكمة أول درجة المؤيد بالحكم المطعون فيه ، أنه أسس براءة المطعون ضدهم مما نسب إليهم على أن ما صدر عن المتهم الأول لا يكون جريمة بل هو ممارسة لحقه في الانتفاع ، واستغلال للمزرعة الخاصة بوالده ، كما أسس ذلك الحكم رفضه للدعوى المدنية على القول إن طلبات المتدخل بالحق المدني غير قائمة على أساس ، لأن حرث الأرض من قبل المتهم الأول كان ممارسة لحقه في الانتفاع بالمزرعة ، في أنه كان يتعين القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية طالما انتهت المحكمة الجنائية إلى أن الفعل لا يشكل جريمة ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أبد الحكم المذكور دون أن يصحح ما وقع فيه من خطأ ، فقد تعين نقضه وتصحيح ذلك الخطأ عملا بالمادة 393 من قانون الإجراءات الجنائية.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة: –
أولا: بعدم قبول طعن النيابة العامة شكلا.
ثانيا: بقبول طعن المدعي بالحق المدني شكلا، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه ، فيما انتهت إليه بشان الدعوى المدنية ، وبعدم اختصاص محكمة أول درجة بنظر الدعوى.