Skip to main content

طعن جنائي رقم 240-50 ق

نشر في

طعن جنائي رقم 240-50 ق

خلاصة المبدأ

صدور حكم من الدولة الأجنبية ضد المطلوب تسليمه – حجة على ثبوت الاتهام في حقه – أساس ذلك.

الحكم

الوقائع

تخلص الواقعة كما يبين من سائر أوراق الطعن في أن الطاعن، وهو تونسي الجنسية، قد ارتكب داخل الأراضي التونسية عدة جرام، وهي جريمة ترويج المخدرات، والتوسط في بيعها، وحيازتها بقصد الاتجار، وجريمتي إصدار صكوك بدون رصيد، والاشتراك في مشاجرة، والتي صدر بشأنها عدة أحكام جنائية غيابية، حيث قضت المحاكم التونسية بإدانته، ومعاقبته بالسجن سبعة عشرة سنة مع الغرامة عن جريمة ترويج المخدرات والتوسط في بيعها، وحيازتها بقصد الاتجار، وحبسه مدة خمسة أشهر وستة عشر يوما فضلا عن الغرامة عن جريمتي إصدار صكوك بدون رصيد، و بحبسه شهر واحد عن جريمة الاشتراك في مشاجرة. ولم تنفذ ضده تلك الأحكام لخروجه من الأراضي التونسية إثر صدورها، ودخوله إلى الأراضي الليبية، وبتاريخ 2000.7.19 طلب السيد وزير العدل التونسي عن طريق مكتب الشرطة الجنائية العربية والدولية من السلطات الليبية القبض على المذكور، وتسليمه إلى السلطات التونسية، والذي تم القبض عليه فعلا أثناء تواجده في الجماهيرية بمدينة زوارة، وتم إجراء التحقيقات الأولية معه من قبل أحد أعضاء النيابة العامة بمكتب النائب العام، وذلك بالقدر اللازم للتحقق من شخصيته، وثبت أنه فعلا الشخص المطلوب تسليمه، وأقر بارتكابه لتلك الجرائم في بلده الجمهورية التونسية وحكم عليه فيها وبناء على طلب النائب العام أحيل الطلب إلى رئيس محكمة استئناف الزاوية، حيث تم انتداب أحد مستشاري المحكمة للتحقيق مع المطلوب تسليمه، حيث أسفرت تلك التحقيقات بأن المقبوض عليه والمطلوب تسليمه تونسي الجنسية، وكان قد دخل إلى الجماهيرية في 1995.6.22 من أجل العمل واعترف بصدور أحكام ضده من قبل السلطات القضائية لارتكابه جرائم الاتجار في المواد المخدرة وإصدار صكوك بدون رصيد، وأنه يرفض تسليمه للسلطات التونسية، ورأي المستشار المنتدب إحالة أوراق الطلب إلى الدائرة الجنائية الثانية بمحكمة استئناف الزاوية للنظر في طلب تسليم المحكوم عليه، وتلك المحكمة قررت في 2002.11.12 حضوريا تسليم المواطن التونسي – رضا ضو سعد دارين – إلى السلطات القضائية التونسية التي طلبته، مع استمرار حبسه، وبلا مصاريف جنائية.

وهذا هو القرار المطعون فيه

الإجراءات

صدر القرار المطعون فيه بتاريخ 2002.11.18، وبتاريخ 2002.11.27 طعن في بطريق النقض المحامي المهدي زايد، بناء على توكيل خاص صادر إليه من المطلوب تسليمه، وبموجب تقرير أودعه لدى قلم كتاب المحكمة مصدرة القرار، وبذات التاريخ، ولدى نفس القلم أودع المحامي سالف الذكر مذكرة بأسباب الطعن، وقدمت نيابة النقض مذكرة برأيها القانوني في الطعن رأت فيها قبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بنقض القرار المطعون فيه، ورفض الأذن بتسليم الطاعن مع الإفراج عنه، ونظر الطعن – بغرفة مشورة – بجلسة 2003.4.29 حيث تلا المستشار المقرر تقريره، وعدلت نيابة النقض عن رأيها السابق، ورأت قبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بالنقض مع الإعادة، ونظر الطعن على النحو المبين بمحضر الجلسة، ثم صدر فيه القرار الآتي.

الأسباب 

وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه القانونية فهو مقبول شكلا.

وحيث ينعى الطاعن على القرار المطعون فيه، الخطأ في تطبيق القانون، وتأويله، والقصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، وذلك من ثلاثة وجوه:

  • الأول : إن القرار المطعون فيه بشأن تسليم الطاعن جاء مجحفا بحقه، ذلك أن الأحكام الغيابية التي استندت عليها المحكمة غير نهائية، وهي مبنية على مجرد الظن والتخمين، لا على الجزم واليقين، وهي مجرد أحكام تهديدية صدرت في غيبة الطاعن، دون ان يبدي دفاعه، وبالتالي فهي لا تعد دليلا على ارتكابه ما نسب إليه.
  • الثاني : إن المحكمة المطعون في قرارها أسست أمر تسليم الطاعن على انه ارتكب عدة جرائم صدر بشأنها أحكام غيابية، دون أن تبين المحكمة ماهية هذه الأحكام والأدلة التي بنيت عليها تلك الأحكام.
  • الثالث : أن الطاعن ودفاعه، دفعا أمام المحكمة المطعون في قرارها بعدم جواز تسليم الطاعن قانونا، على اعتبار انه متزوج من امرأة ليبية، ولديه إجراءات تحت الإنجاز للحصول على الجنسية العربية الليبية، قبلت من الجهة المختصة، كما دفعا ببطلان أمر حبسه لمخالفته الاتفاقية التي أشار إليها قرار المحكمة المطعون فيه، مما يجعل القرار نفسه باطلا، نظرا لأن الطاعن لم يعرض على المحكمة إلا بعد مضي أربعة أشهر من تاريخ القبض عليه، وكل ذلك يوجب إلغاء القرار، والإفراج عنه.

وحيث يبين من القرار المطعون فيه، أن المحكمة بعد أن استعرضت وقائع الطلب، وسنده، واستمعت إلى رأي النيابة العامة، ودفاع الطاعن، أوردت قولها :

ومن حيث ان المحكمة قد واجهت الشخص المطلوب تسليمه – بغرفة مشورة  – بصدور عدة أحكام جنائية غيابية ضده من المحاكم التونسية، ولم تنفذ عليه تلك الأحكام، فاعترف صراحة بانه اقترف بعضا من الجرائم المنسوبة إليه داخل الأراضي التونسية، وحكم عليه من أجلها، وعلى سبيل المثال الحكم الجنائي الصادر ضده بتاريخ 1994.11.11 من محكمة استئناف مدنين القاضي بمعاقبته بالسجن مدة خمسة عشرة سنة، وتغريمه عشرين ألف دينار عن تهمة ترويج المواد المخدرة، والتوسط في بيعها، وبسجنه أيضا لمدة سنتين وتغريمه ألفي دينار عن تهمة حيازة المخدرات وتعاطيها دون ان ينفذ عليه الحكمان المذكوران، ورفض تسليمه إلى السلطات القضائية التونسية معللا ذلك انه من أصل ليبي، وتزوج حاليا من امرأة ليبية، وقدم صورة ضوئية من عقد زواجه، وقال انه تقدم بطلب الجنسية الليبية، وتمسك بعدم تسليمه إلى السلطات القضائية التونسية …… وبالرجوع إلى جميع الأوراق وسائر التحقيقات التي أجريت مع الشخص المطلوب تسليمه تبين من خلالها انه يحمل الجنسية التونسية وقت ارتكابه الجرائم المحكوم عليه من أجلها، وإلى حد الآن لازال يحمل تلك الجنسية حسب وثيقة الجنسية المرفقة بالأوراق، وليست لديه جنسية ليبية رغم طلبه ذلك حسبما تحدث دفاعه، والعبرة قانونا بجنسيته وقت ارتكابه الجرائم المحكوم عليه من أجلها وفقا لبنود المعاهدة، ومن ثم فلا التفات إلى ما أبداه المطلوب تسليمه ودفاعه في هذا الصدد من دفوع واهية وغير قائمة على أساس من الواقع والقانون، ومن ثم تعين رفضها، وان ما تضمنته المذكرة الدفاعية من دفوع فيما يتعلق بعدم التحقيق مع المطلوب تسليمه خلال ثلاثة أيام وفيما يتعلق بعدم اتخاذ الإجراءات من قبل النائب العام خلال ثلاثة أيام أيضا من تاريخ إخطاره بالقبض حسبما ذكر الدفاع، فان المحكمة ترى ان الالتزام بذلك لا يعدو كونه أمور تنظيمية، وحتى وان لم يتوافر بعضها فلا يترتب على عدم توافرها البطلان، وان حبسه غير باطل لأنه وفق إجراءات قانونية سليمة مادامت صادرة ضده أحكام قضائية غيابية من محاكم مختصة لها ولاية الفصل قانونا في التهم المسندة إليه، وقد اعترف بانه لم ينفذ تلك الأحكام حتى الآن، وانها لم تنقضي بالتقادم وفق قانون الدولتين حتى الآن. ومتى كان ذلك وإن طلب التسليم غير متعلق بمواطن ليبي، وإنما بمواطن تونسي اقترف داخل الأراضي التونسية أفعالا تكون جرائم جنائية عادية حسب قانون الدولتين الليبية والتونسية، وليست جرائم سياسة ولم يوجد له أمر آخر مطروح أمام القضاء الليبي لا قيد التحقيق ولا المحاكمة وفقا لحكم المادتين 493/ مكرر أ، 494 إجراءات جنائية، ومن ثم جاز عرض التسليم على المحكمة، وتجاب الجهة الطالبة لطلبها لموافقته لما نص عليه الباب الثالث من الاتفاقية المبرمة بين الدولتين الليبية، والتونسية بتاريخ 1961.7.14 بخصوص تسليم المجرمين في فصولها – من الفصل التاسع عشر، وحتى نهاية الفصل السابع والعشرين – المرفقة صورة منها بالأوراق … وأن زواجه من امرأة ليبية تراه المحكمة لا يعد عقبة أمامها في تطبيق القانون ومن ثم فإنه لا مراء في تسليمه إلى الجهة الطالبة، وهو ما انتهت إليه المحكمة في القرار تطبيقا لحكم المادة 505 إجراءات جنائية.

لما كان ذلك، وكان المشرع عندما نص في المادة 505 إجراءات جنائية من أنه إذا كان المطلوب تسليمه قد صدر ضده حكم بالإدانة اعتبرت الأدلة متوافرة على ثبوت التهمة، ولو كان الحكم قابلا للطعن بحسب قانون البلد الذي صدر فيه، إنما يفصح عن التزامه بالقاعدة المقررة قانونا وهو أن الحكم يكون حجة فيما فصل فيه، وهو لذلك وضع قرينة لا تقبل إثبات العكس مؤداها أنه طالما كان هناك حكم صادر بإدانة الشخص المطلوب تسليمه، فإن الأدلة تعتبر متوافرة على ثبوت التهمة ولا يجوز للمحاكم الليبية أن تعقب على الأحكام الأجنبية الصادرة بالإدانة من حيث ثبوت الجريمة المدان بها المطلوب تسليمه من عدمه. 

لما كان ذلك وكان ما ينعى به الطاعن في السبب الأول من أسباب الطعن أن الأحكام الغيابية الصادرة ضده لا تقطع بارتكابه للأفعال المسندة إليه، فإن النعي في هذا الشأن يكون في غير محله. وأما بالنسبة لما ينعى به الطاعن في السبب الثاني، فإنه يبين من القرار المطعون فيه – على النحو السالف بيانه – أنه قد أشار إلى بعض الأحكام الصادرة بحق المطلوب تسليمه، والجرائم الصادر في شأنها تلك الأحكام والعقوبات المقضي بها عليه، وطالما ان الطاعن لا يجحد صدور تلك الأحكام، او ان الأفعال المنسوبة إليه لا تكون جرائم طبقا لقانون أحد البلدين، فإنه لا محل لما ينعى به على القرار من وجوب بيان ماهية الأحكام الصادرة ضده، والأدلة القائمة عليها.

لما كان ذلك، وكان يبين من القرار المطعون فيه انه قد رد على دفاع الطاعن، ورأى أن زواجه من امرأة ليبية لا يمنع من صدور القرار بتسليمه، وأكد القرار المذكور أن الطاعن تونسي الجنسية، وأن العبرة قانونا بجنسيته وقت ارتكابه الجرائم المحكوم عليه من أجلها، وفقا لبنود المعاهدة المبرمة بين ليبيا وتونس، كما رد القرار – على النحو السالف بيانه – أن مواعيد التحقيق، واتخاذ الإجراءات من النائب العام هي مجرد أمور تنظيمية لا يترتب على مخالفتها البطلان، وإن حبس الطاعن لم يكن باطلا لأنه تم وفق إجراءات قانونية سليمة، وكانت المادة 497 من قانون الإجراءات تنص على أنه : (( إذا طلبت إحدى الدول الأجنبية تسليم شخص أو رأى وزير العدل عرض تسليمه عليها، يصدر النائب العام بناء على طلب وزير العدل أمرا بالقبض على المطلوب تسليمه، اذا كان متهما او محكوما عليه في الخارج، ويجب تقديم المقبوض عليه إلى النيابة العامة التي يقع بدائرتها وكان ضبطه في خلال أربع وعشرين ساعة، وعلى عضو النيابة بها بعد التحقق من شخصيته أن يأمر بالتحفظ عليه وأن يخطر النائب بذلك فورا )).

ومن ثم فإن ما انتهى إليه القرار المطعون فيه في محله، ذلك أن نص المادة 497 سالف الذكر لم يرتب البطلان على عدم مراعاة المواعيد المبينة فيه، ولأن الطاعن يؤسس بطلان حبسه على مجرد تأخر عرض طلبه على المحكمة المطعون في قرارها، ومن ثم فإن ما ينعى به الطاعن في السبب الأخير يكون هو أيضا في غير محله. ومتى كان ذلك فإن الطعن برمته يكون على غير أساس يتعين رفضه موضوعا.

فلهذه الأسباب

قررت المحكمة قبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه.