قضية الطعن المدني رقم 8/ 58 ق
بجلستها المنعقدة علنا صباح يوم الأحد 9 رجب 1437 ه الموافق 17.4.2016 م بمقر المحكمة العليا بمدينة طرابلس
الحضور
برئاسة المستشار الأستاذ: أحمد بشير بن موسی.” رئيس الدائرة ” و وعضوية المستشارين الأساتذة: بشير سعد الزياني.: مصطفی امحمد المحلس: عبد الحميد علي الزيادي.: فتحي عبد السلام سعد.وبحضور عضو النيابة بنيابة النقض الأستاذة: حميدة عبد السلام بلو ومسجل الدائرة السيد: أنس صالح عبد القادر.
الملخص
أصدرت الحكم الآتي في قضية الطعن المدني رقم 8/ 58 ق
المقدم من:
- أمين اللجنة الشعبية العامة للتخطيط والمالية بصفته.
- الممثل القانوني لشركة الاستثمار الوطني بصفته.تنوب عنهما إدارة القضايا
ضد:..
1(…) 2(…) 3(…)4 (…)5 (…)6 (…) 7(…) 8(…) 9 (…) 10(…)11(…)12 (…)13 (…)14 (…)15 (…)16 (…) 17(…) 18(…)19(…)20 (…)21 (…)
عن الحكم الصادر من محكمة استئناف مصراته بتاريخ 8.7.2010 م في الاستئناف رقم 659 / 2010 م.بعد الإطلاع على الأوراق، وتلاوة تقرير التلخيص، وسماع المرافعة الشفوية، ورأي نيابة النقض، والمداولة قانونا.
الوقائع
أقام المطعون ضدهم الدعوى رقم 1204 / 2009 أمام محكمة مصراته الابتدائية اختصموا فيها الطاعنين بصفتيهما قالوا بيانا لها: إنهم يعملون بميناء مصراته البحري، وأنه تنفيذا للقانون رقم 1/ 1986 بشأن مساهمة الليبيين في الشركات العامة ثم استقطاع ما نسبته
1.5% من مرتب كل واحد منهم لصالح الطاعن الثاني، وأنه ولكون المحكمة العليا قد قضت في الطعن الدستوري رقم 2 / 53 ق بعدم دستورية ذلك القانون، فقد أضحت تلك المبالغ المستقطعة غير مستحقة للطاعنين بما يتعين ردها إليهم وفقا للمادتين 182، 184 من القانون المدني، كما أن الطاعنين وقد أثريا على حسابهم مما يلزمهما تعويضهم في حدود ما أثريا به، وانتهوا إلى طلب الحكم بإلزام المدعى عليهما بصفتيهما أن يردا ما تم استقطاعه من مرتباتهم وأن يدفعا لكل منهم أربعة آلاف دينار تعويضا عن الضررين المادي والمعنوي مناصفة.فقضت المحكمة بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يردا لكل مدع المبلغ المستقطع من مرتبة وفق ماهو مبين بتقرير الخبرة على سبيل دفع غير المستحق، وبمبلغ مماثل للمبلغ المستقطع من كل منهم تعويضا عن الضررين المادي والمعنوي، وقضت محكمة استئناف مصراته في الاستئناف المرفوع من المحكوم عليهما بتأييد الحكم المستأنف.وهذا هو الحكم المطعون فيه
إجراءات الطعن
الإجراءات صدر هذا الحكم بتاريخ 2010.8.7، وأعلن بتاريخ 20.9.2010 وبتاريخ 10.3.2010 قرر أحد أعضاء إدارة القضايا الطعن فيه بالنقض نيابة عن الطاعنين بصفتيهما لدى قلم كتاب المحكمة العليا مسددا الرسم ومودعا الكفالة وسند الإنابة عن الطاعن الثاني ومذكرة بأسباب الطعن وأخرى شارحة، وصورة من الحكم المطعون فيه ومن الحكم الابتدائي، وبتاريخ 10.8.2010 أودع أصل ورقة إعلان الطعن معلنة إلى المطعون ضدهم بتاريخ 12.10.2010.وأودعت نيابة النقض مذكرة انتهت فيها إلى الرأي برفض الطعن، وقررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى الدائرة المختصة، وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها.
الأسباب
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه المقررة في القانون فهو مقبول شكلا.وحيث ينعى الطاعنان بصفتيهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب وبيان ذلك:
- لقد تم الدفع أمام محكمة أول درجة بعدم اختصاصها محليا بنظر الدعوى بالنسبة للطاعن الثاني باعتبار أن شركة الاستثمار الوطني التي يمثلها لها الشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة ومقرها مدينة طرابلس ومن ثم ينعقد الاختصاص المحكمة جنوب طرابلس الابتدائية، وجاء رد محكمتي الموضوع على الدفع لا يتفق وصحيح القانون.
- إنهما دفعا أمام محكمتي الموضوع بأن ما تم استقطاعه من مرتبات المطعون ضدهم إنما كان تنفيذا للقانون رقم 1/ 1986 بشأن مساهمة الليبيين في الشركات العامة وأن صدور حكم من الدائرة الدستورية بإلغاء القانون الذي بموجبه استقطعت المبالغ المحكوم بردها فإن شروط رد غير المستحق لا ينطبق على واقعة الحال لأنها تمت في ظل قانون نافذ، وتقتصر المطالبة على رد المبالغ التي استقطعت بعد صدور الحكم، بعدم دستورية القانون المذكور وكذلك عن الفترة السابقة لصدور قانون تعزيز الحرية رقم 20 لسنة 1991 الذي استندت عليه المحكمة العليا في الطعن رقم 2 / 53 ق لصدوره بعد القانون رقم 1 لسنة 1986 سند الاستقطاع.وكان الطاعنان قد تمسكا بهذا الدفع أمام المحكمة المطعون في حكمها إلا أنها لم تعن بإيراده ومناقشته أو الرد عليه.
- إن الحكم بالتعويض لا محل له، فالطاعن الثاني عندما تسلم المبالغ المستقطعة كان حسن النية لأن ذلك تم تطبيقا للقانون رقم 1 لسنة 1986 إذ العبرة في حسن النية بوقت استلام غير المستحق على خلاف ما ذهب إليه حكما محكمتي الموضوع ولكل ذلك يكون الحكم معيبا حريا بالنقض.
وحيث إن السبب الأول للطعن في غير محله.ذلك أن مفاد نص المادة 76 من قانون المرافعات نصت في فقرتها الثانية على أنه “لا يجوز الدفع بعدم الاختصاص المحلي إلا في الجلسة الأولى عند نظر الدعوى ابتدائيا ” ومفاد ذلك على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن الدفع الذي يبديه الخصم في الدعوى بعدم اختصاص المحكمة محليا بنظر الدعوى يجب أن يبدي في الجلسة الأولى، ويجب أن يتضمن تعيين المحكمة التي اعتبرها الخصم مختصة بنظر الدعوى، وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه وهو بصدد رده على دفع الطاعنين بصفتيهما في هذا الشأن أورد القول ” وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة محليا بنظر الدعوى فقد نصت المادة 76 /2 على أنه لا يجوز الدفع به إلا في الجلسة الأولى عند نظر الدعوى ابتدائيا، وحيث إن دفاع المدعى عليهما قد دفع به بعد تداول الدعوى لعدة جلسات بالتالي يتعين الالتفات عن هذا الدفع ” فإن هذا الذي ساقه الحكم كاف، لطرح الدفع ويحمل ما انتهى إليه من نتيجة في هذا الشأن، وإذ أيده الحكم المطعون فيه فإنه يكون بمنأى عن شائبة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه.وحيث إن السبب الثاني للطعن غير سديد.ذلك أن المطعون ضدهم استندوا في دعواهم إلى أحد مصادر الالتزام وهو الإثراء بلا سبب الذي من تطبيقاته دفع غير المستحق إذ نصت المادة 184 من القانون المدني في فقرتها الأولى على أن ” كل من تسلم على سبيل الوفاء ماليس مستحقا له وجب عليه رده ” ونصت الفقرة الأولى من المادة 188 من ذات القانون على أنه ” إذا كان من تسلم غير المستحق حسن النية فلا يلتزم أن يرد إلا ما تسلم ” ومفاد ذلك أن دفع غير المستحق يتحقق متى كان ما تسلمه غير مستحق له من الأصل، إلا أنه إذا كان وقت تسلمه للشئ المطالب برده حسن النية فإنه لا يلتزم إلا برد ما تسلم، ولما كان الواقع في الدعوى أن المبالغ المحكوم بردها إلى المطعون ضدهم إنما كانت في حدود الاستقطاعات التي حصلت من مرتباتهم بمقتضى القانون رقم (1) لسنة 1986 بشأن تنظيم مساهمة الليبيين في الشركات العامة التي قضت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بعدم دستوريته بموجب الطعن الدستوري رقم 2 / 53 ق وهو حكم كاشف عن عدم مشروعية الأساس الذي تم بموجبه استقطاع المبالغ المطالب بردها، وبالتالي فإن شروط دفع غير المستحق قائمة من تاريخ بداية الاستقطاع، وإذ التزم الحكم الابتدائي هذا النظر وأسس قضاءه على سند من القول “….وحيث أثبت الخبير أن الشركة قامت باستقطاع جزء من مرتبات كل واحد من المدعين شهريا بنسبة 1.5% تنفيذا للقانون رقم 1 لسنة 1986 بشأن مساهمة الليبيين في الشركات العامة وقد بين الخبير في تقديره إجمالي المبلغ المستقطع من كل واحد من المدعين والذي آل إلى
شركة الاستثمار الوطني، وحيث إن المحكمة العليا قد قضت في الطعن الدستوري رقم 2 / 53 ق بعدم دستورية المادة الثامنة من القانون المشار إليه فيما تضمنه من استقطاع لمخالفته بنود الوثيقة الخضراء لحقوق الإنسان وقانون تعزيز الحرية رقم 20 لسنة 1991، وحيث كان ذلك، فإن طلب المدعين استرداد المبالغ المستقطعة في محله عملا بالمادتين 184، 185 من القانون المدني، حيث إنه في واقعة الدعوى قد زال سبب الالتزام بعد أن تحقق، لأن زوال السبب القانوني للوفاء بالدين يجعله وفاء بلا سبب عملا بقاعدة الأثر الرجعي لزوال التصرف القانوني فيصبح من حق الدافع استرداد ما دفعه بعد زوال السبب، بالتالي تكون الدعوى قد وأقيمت على أساس سليم من الواقع والقانون “.وكان هذا الذي ساقه الحكم في منطق سديد و استخلاص سائغ يرتد إلى معينه الثابت بالأوراق كافيا لحمل ما انتهى إليه من نتيجة ويحمل دليلا منطقيا للأثر المترتب على حكم المحكمة العليا بعدم دستورية القانون سند الاستقطاع.بما يضحى النعي بأن قضاءه شمل الفترة التي سبقت صدور الحكم بعدم دستورية القانون المذكور ضربا في غير مضرب.وإذا أيده في ذلك الحكم المطعون فيه وأحال على أسبابه فإنه لا يكون قد خالف القانون أو حاد عن الفهم السوي لمقتضى نصوصه أو شابه قصور في هذا المقام.
وحيث إن السبب الأخير للطعن في محله.ذلك أن الفقرة الأولى من المادة 188 من القانون المدني نصت على أنه ” إذا كان من تسلم غير المستحق حسن النية فلا يلتزم أن يرد إلا ما تسلم ” ونصت الفقرة الثالثة من ذات المادة ” وعلى أي حال يلتزم من تسلم غير المستحق برد الفوائد والثمار من يوم رفع الدعوى ” ومفاد ذلك أن حسن النية الذي يتسلم غير المستحق لا يلزم إلا برد الفوائد والثمار فقط من يوم رفع الدعوى.وإذ كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكمين الابتدائي والمطعون فيه، وسائر أوراق الطعن أن المبالغ المستقطعة من مرتبات المطعون ضدهم وتسلمها الطاعن الثاني إنما تم بمقتضى القانون رقم 1/ 1986 وقوته، ومن ثم فإنه يكون حسن النية ما دام عدم استحقاق تسلمه لها لم يتبين إلا بعد صدور حكم الدائرة الدستورية بهذه المحكمة في الطعن الدستوري رقم 2 / 53 ق الذي قضى بعدم دستورية القانون المذكور، إذ يبين من مدونات الحكم الابتدائي أنه أورد تبريرا – لما قضى به من تعويض للمطعون ضدهم – قوله ” وحيث إنه عن طلب التعويض عن الضرر المادي فإن المادة 188 مدني المعدلة بالقانون رقم 74 / 1972 بشأن تحريم ربا النسيئة قد بينت حدود الرد حيث نصت على أنه إذا كان من تسلم غير المستحق حسن النية فلا يلزم برد إلا ما تسلم أما إذا كان سيئ النية فإنه يلزم برد الثمرات التي جناها أو التي قصر في جنيها من الشيء الذي تسلمه بغير حق وذلك من يوم الوفاء أو من اليوم الذي أصبح فيه سيئ النية، أما إذا كان الذي تسلمه نقودا ألزم برد ما استفاده منه في حدود ما لحق الدافع من ضرر وعلى أي حال يلزم من تسلم غير المستحق برد الثمرات من يوم رفع الدعوى “.وبتطبيق هذا النص على واقعة الدعوى تبين أن المدعى عليهما خلال الفترة من بداية الاستقطاع إلى تاريخ صدور الحكم بعدم الدستورية والعلم به كانا يقومان به تنفيذا لأحكام القانون فلا يلزمان إلا برد ما تسلماه، أما خلال الفترة التي ثبت فيها علمهما بالحكم بعدم الدستورية والتي تبدأ من تاريخ صدور كتاب المدعى عليه الأول المؤرخ في 23.2.2009 والذي أشار فيه إلى الطعن الدستوري، فبذلك التاريخ ثبت علم المدعى عليهما بحق المدعين في الاسترداد ولم يقدما بملف الدعوى ما يفيد قيامهما برد هذا المبلغ بالفعل حتى هذا التاريخ وقد جرى الفقه القانوني على أن حسن النية الوارد بالنص يراد به أن يعتقد المدفوع له أنه على حق فيما تسلمه من قيم مالية وهي واقعة مادية تخضع لكافة طرق الإثبات، وحيث كان ذلك، وكان كل مدع قد الحقه ضرر مادي تمثل فيما لحقه من خسارة وما فاته من كسب نتيجة حرمانه من المبالغ التي تم استقطاعها من مرتبه مصدر دخله الذي يعول عليه في معيشته ومعيشة أسرته وتفويت فرصة الاستفادة من تلك المبالغ وتنميتها والاستعانة بها في قضاء حاجاته اليومية وما صاحب ذلك من ألم نفسي وأسى وحزن يمثل الضرر المعنوي…بالتالي فإن المحكمة تقدر التعويض عن الضررين المادي والمعنوي بمبلغ يماثل ما تم خصمه من كل واحد من المدعين، وكما هو بالمنطوق )).وحيث إن ما ساقه الحكم على النحو المتقدم، فضلا عن كونه لم يكن دقيقا في تفسير نصوص فقرات المادة ( 188 ) من القانون المدني وخاصة الفقرة الثالثة التي حصرت مقدار التعويض الذي يلزم به من تسلم غير المستحق إذا كان حسن النية في رد الفوائد والثمار من يوم رفع الدعوى، والذي معناه أنه إذا كان غير المستحق مبلغا من النقود فإن التعويض يقتصر على الفوائد التي جناها منه، وحيث قدر الحكم التعويض وفقا لحكم المادتين 224، 225 من القانون المدني، فإنه يكون قد خالف حكم الفقرة الثالثة من المادة 188 من القانون ذاته التي تحكم المسألة بما يجعله معيبا، ويكون الحكم المطعون فيه بقضائه تأييدا له – دون أن يزيل ما اعتراه من عيب – معيبا بعيبه، بما يتعين نقضه.وحيث إنه ولئن كان مبنى النقض – في هذا الشق – مخالفة القانون، والخطأ في تطبيقه، إلا إنه ولما كان الموضوع غير صالح للفصل فيه لما يتطلبه ذلك من تحقيق موضوعي لمعرفة الفوائد التي يكون الطاعن الثاني قد جناها من استثمار الأموال المحكوم بردها لكل مدع، وهو ما يخرج عن وظيفة هذه المحكمة القيام به باعتبارها محكمة قانون – مما يتعين أن يكون مع النقض الإحالة.
الحكم
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، و بنقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تعويض، وإحالة القضية بشأنه إلى محكمة استئناف مصراته للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى، ورفض الطعن فيما عدا ذلك، وإلزام المطعون ضدهم المصاريف المناسبة
- المستشار أحمد بشير بن موسى رئيس الدائرة.
- المستشار بشير سعد الزياني.
- المستشار مصطفي امحمد المحلس.
- المستشار عبد الحميد علي الزيادي.
- المستشار فتحي عبد السلام.
- مسجل الدائرة سعد أنس صالح عبد القادر.