أدوات الوصول

Skip to main content

طعن جنائي رقم 1255-45 ق

نشر في

طعن جنائي رقم 1255-45 ق

خلاصة المبدأ

  1. جريمة الضرب المفضي للموت- القصد الجنائي فيها – ماهيته.
  2. تقدير توافر علاقة السببية – مسألة موضوعية.

الحكم

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بتاريخ 1997.3.1 ف. بدائرة مركز شرطة سوق الجمعة ضرب المجني عليه فؤاد الطاهر بن جابر عمدا، ولم يقصد من ذلك قتلا، ولكنه أفضى إلى الموت، بأن قذف حجرا بقصد الإيذاء، فألحق بالمجني عليه سالف الذكر الإصابة التي أودت بحياته، على النحو المبين بالأوراق، وقدمته إلى غرفة الاتهام بمحكمة شمال طرابلس الابتدائية، طالبة إحالته إلى محكمة الجنايات طبقا للمادة 374/1 عقوبات، فأمرت الغرفة بذلك، ومحكمة استئناف طرابلس / دائرة الجنايات – بعد ان نظرت الدعوى – أصدرت فيها حكما قضى حضوريا بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما نسب إليه، وبلا مصاريف جنائية.

وهذا هو الحكم المطعون فيه

الإجراءات

صدر الحكم المطعون فيه بتاريخ 1998.4.12 ف. وفي اليوم التالي قرر الطاعن الطعن فيه بطريق النقض لدى ضابط السجن، مصرحا في تقريره بإنابة المحاماة الشعبية، وبتاريخ 1998.5.12 ف أودعت إدارة المحاماة الشعبية مذكرة بأسباب الطعن، موقعة من أحد أعضائها، وأدلت نيابة النقض بمذكرة خلصت فيها إلى الرأي بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، ثم حدد لنظر الطعن جلسة 2003.4.24 ف، وفيها تلا المستشار المقرر تقرير التلخيص، وتمسكت نيابة النقض برأيها السابق ونظرت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم حجزت للحكم فيها بجلسة اليوم.

الأسباب

من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه القانونية، فهو مقبول شكلا.

وحيث ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، والخطأ في تطبيقه ؛ قولا بأنه أدانه في جريمة غير قائمة في حقه، لعدم توافر القصد الجنائي لديه، فواقع الحال، أن إرادة الطاعن وسلوكه لم يتجها إلى قذف المجني عليه، ولم يتعمد ضربه، ولم تنصرف إرادته إلى إحداث النتيجة، مما ينفي القصد الجنائي لديه، كما أن علاقة السببية غير قائمة بين سلوكه ووفاة المجني عليه، اذ أثبت التقرير الطبي أن الوفاة حدثت بسبب كسور بعظام الجمجمة وما أحدثه من نزيف ضاغط على المخ والمخيخ، وأن الإصابة حدثت من المصادمة بجسم صلب راض أي كان نوعه، دون تحديد التي صدمت المجني عليه، وبما أن الشهود اثبتوا سقوط المجني عليه على الأرض بعد قذفه، مما يحتمل معه أن الوفاة حدثت نتيجة ارتطام رأس المجني عليه بالأرض، التي لم يظهر في الأوراق ما إذا كانت صخرية ام ترابية، مما تكون معه رابطة السببية غير متوافرة بين النتيجة وفعل الطاعن، ويكون الحكم معيبا بما يوجب نقضه والإعادة.

وحيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فقال إنها تخلص حسب ما ورد بالأوراق، في أن المتهم مختار على عياد طلحة، حضر يوم الواقعة إلى فندق شاطئ النخيل، وتوجه إلى حيث يجلس كل من (…،…،…،…) وطرق عليهم باب الحجرة بقوة، وعندما خرجوا لمعرفة الطارق وجدوا المتهم يقف أمام الحجرة، وعند سؤاله عن سبب طرقه الشديد للباب، أمسك (…) وضربه برأسه حتى سقط مغمى عليه، فتدخل الحاضرون وفضوا النزاع، ثم حصلت مشكلة أخرى بين المتهم وجمال الطاهر بزيك، أخذ المتهم على أثرها قطعة بلاط، وقذفها بقوة نحو جمال، الا انها أصابت رأس المجني عليه فؤاد، وكانت السبب المباشر في وفاته)، وبعد ان تناول الحكم تكييف الواقعة واستظهار أركانها في قوله ان الواقعة، كما سبق سردها، تشكل جريمة الضرب المفضي للموت، وقد اكتملت كافة أركانها وشروطها القانونية    ” الركن المادي وهو:

  1. فعل الضرب.
  2. والنتيجة، وهي وفاة المجني عليه.
  3. وتوافر علاقة السببية بين الضرب والوفاة، وركنها المعنوي، وهي اتجاه إرادة الجاني إلى إحداث فعل الضرب، أي أنه يرتكب الفعل وهو عالم بحقيقته      المادية، وبان القانون يحرمه ” ولا أثر للغلط في الشخصية، او الحيدة عن الهدف في قيام الركن المعنوي وتحقيق العمد لدى الجاني، فيسأل عن النتيجة التي أحدثها كما لو كان قد تعمدها، ” فالمتهم في واقعة الحال يعلم تماما الشخص الذي قذفه بالبلاطة، وكان يقصد إيذاءه، وكل ما هنالك انه اخطأه وأصاب غيره ” وان جريمة الضرب المفضي للموت لا تتطلب قصدا جنائيا، وانما يكفي لقيامها توافر القصد الجنائي العام أي انصراف إرادة الجاني نحو تحقيق الواقعة الإجرامية، أي واقعة الضرب)، ثم ان الحكم بعد ان أورد قول الطاعن أمام المحكمة (بأنه تشاجر مع جمال، وقذفه ببلاطة ولم يقصد إصابة المجني عليه، لأنه صديقه) ساق في التدليل على قضائه بإدانة الطاعن قوله (والمحكمة وهي بصدد تكوين عقيدتها، وبعد الاطلاع على الأوراق، وما تم فيها من تحقيقات، ترى أن التهمة ثابتة قبل المتهم، أخذا باعترافاته في جميع مراحل التحقيق وأمام هذه المحكمة، بانه ليلة الواقعة كان بفندق شاطئ النخيل، وقد تشاجر مع شخص يدعى جمال بزيك، وتبادل معه الضرب واللكم، وبعد فض النزاع من قبل الحاضرين، اعتدى المدعو جمال على المتهم ثانية وضربه على وجهه، فأخذ قطعة حجر رخامية ” زليزة ” وابتعد مسافة خمسة أمتار وقذف بها المدعو جمال، قاصدا إيذاءه، فأخطأته، وأصابت المجني عليه فؤاد، وقد شهد بذلك كل من جمال ، وعصام، وجمعة، حيث وردت شهادتهم أمام النيابة العامة بأنهم كانوا رفقة المجني عليه، بحجرة بفندق النخيل وقد سمعوا طرقا قويا على باب الحجرة، وعندما خرجوا لمعرفة الطارق، وجدوا المتهم يقف أمام الباب، وعند سؤاله عن سبب طرقه للباب بقوة، اعتدى على المدعو عصام، وضربه برأسه حتى سقط مغشيا عليه، ثم فض النزاع، وبعد ان ذهب كل منهم إلى سبيل حاله، أخذ المتهم قطعة بلاط أرضي ” زليزة ” وقذف بها جمال، الذي كان يقف مع مجموعة من بينهم المجني عليه، فأصابت المجني عليه في رأسه، وسقط على الأرض وثم نقله إلى المستشفى، حيث فارق الحياة، وقالوا بانه لا توجد مشاكل او عداوات بين المجني عليه والمتهم، وقد تأيد ثبوت الاتهام بماورد بتقرير الخبرة رقم 633/26 ” بأن سبب وفاة المجني عليه فؤاد، ناتجة عن كسور بعظام الجمجمة، وما أحدثه من نزيف ضاغط على سطح المخ والمخيخ، وأن الإصابة سطحية حيوية حديثة حددت من المصادمة بجسم صلب راض أي كان نوعه، وبذا يتأكد ثبوت الاتهام قبل المتهم ثبوتا يقينيا لا ريب فيه).

ولما كان من المقرر، أن جريمة الضرب المفضي إلى الموت، لا تتطلب قصدا جنائيا خاصا، وإنما يكفي لقيامها توافر القصد الجنائي العام، وهو يتحقق باتجاه إرادة الجاني، بما يقارفه من أفعال، إلى الاعتداء على سلامة جسد إنسان، وإلحاق الأذى به، ولو كان الفعل الذي أتاه قد أصاب شخصا آخر غير من تقصده بالاعتداء، كما في حالة الخطأ في توجيه السلوك أو الحيدة عن الهدف، ذلك أن المشرع إنما يجرم الضرب المفضي إلى الموت أيا كان شخص المجني عليه، ويستوي لديه أن تقع الجريمة على شخص معين أو شخص غيره، طالما أنه قصد الاعتداء على جسم إنسان ما، وكان من المقرر أنه لا إلزام على المحكمة بالتحدث استقلالا عن القصد الجنائي لدى المتهم، بل يكفي أن يكون القصد مستفادا من وقائع الدعوى، كما أوردها الحكم. ولما كان الحكم المطعون فيه – على نحو ما سلف – قد أثبت، باستخلاص سائغ، أن الطاعن قد أصاب المجني عليه بقطعة ” بلاط ” ألقاها مستهدفا بها غيره، بقصد الاعتداء عليه، بعد أن حيل بينهما والاستمرار في التشاجر، وابتعد الطاعن عنه خمسة أمتار، وقد أدت الإصابة إلى وفاة المجني عليه، وكان لهذا الاستخلاص معينه في أوراق الدعوى، فان ذلك يكفي للتدليل على توافر القصد الجنائي في حق الطاعن، ويحمل الرد الضمني على ما يثيره بشأن القصد لديه، مما يكون معه نعيه على الحكم المطعون فيه، من هذا الجانب، في غير محله.

لما كان ذلك، وكانت علاقة السببية، في المواد الجنائية، علاقة مادية، تبدأ بالفعل الضار الذي يأتيه الجاني، وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله، إذا ما أتاه عمدا، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية، التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع، ومتى فصل فيها إثباتا أو نفيا، فلا رقابة للمحكمة العليا عليه في ذلك، ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، ومتى كان الحكم المطعون فيه – على نحو ما سلف – قد دلل على اتصال فعل الطاعن بإصابة المجني عليه، التي أدت إلى وفاته، اتصال السبب بالمسبب، وكان ما أورده الحكم من أدلة استمدها من أقوال الطاعن والشهود، في شأن إصابة المجني عليه بقطعة ( بلاط ) على رأسه، بفعل الطاعن، يتلاءم مع ما أثبته تقرير الطبيب الشرعي، بان وفاة المجني عليه كانت بسبب إصابته على رأسه، نتيجة اصطدامه بجسم صلب راض، ولا يتناقض معه، فإن المجادلة في ذلك أمام المحكمة العليا لا تكون مقبولة، ويكون نعي الطاعن على الحكم المطعون فيه من هذا الجانب في غير محله.

ومتى كان ذلك، فإنه يتعين رفض الطعن.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع برفضه.