Skip to main content

التصديق على أحكام الإعدام في جرائم القتل العمد بعد صدور قانون القصاص والدية

تعتبر أحكام الإعدام من أخطر العقوبات التي يمكن أن تصدرها المحاكم، وتتطلب إجراءات دقيقة ومحددة لضمان العدالة والإنصاف. في ليبيا، أثارت مشكلة التصديق على أحكام الإعدام جدلاً واسعًا، خاصة بعد صدور قانون القصاص والدية. في هذا المقال، سنتناول التحديات القانونية والتشريعية التي صاحبت هذه القضية، والجهات المسؤولة عن التصديق على هذه الأحكام في ظل التحولات السياسية والقانونية في البلاد.

نصت المادة (430) من قانون الإجراءات الجنائية الصادر سنة 1954 على أنه: “متى صار الحكم بالإعدام نهائيًا، وجب رفع أوراق الدعوى فورًا إلى الملك بواسطة وزير العدل. وينفذ الحكم إذا لم يصدر الأمر بالعفو أو بإبدال العقوبة في ظرف ثلاثين يومًا”. كما نصت المادة 76 من الدستور الملكي على أنه “لا ينفذ حكم الإعدام الصادر من أية محكمة ليبية إلا بموافقة الملك”، ونصت المادة 77 على أن “للملك حق العفو وتخفيف العقوبة”.

كان للملك صلاحية العفو عن العقوبة بالكامل أو إبدالها بأخف منها، وكان لا بد من موافقته على تنفيذ أحكام الإعدام. عندما تغير النظام الملكي، ظلت المادة 430 من قانون الإجراءات الجنائية قائمة بصيغتها القديمة. في البداية، كان مجلس قيادة الثورة هو من يحل محل الملك في ممارسة هذا الاختصاص، إلا أنه بعد إعلان قيام سلطة الشعب، امتنع القذافي عن التصديق على أحكام الإعدام بحجة أنه ليس رئيس دولة ولا يحل محل الملك.

اجتهدت اللجنة الشعبية العامة للعدل بأن أعلى سلطة يمكن أن تطبق النص عمليًا هي اللجنة الشعبية العامة، فأحالت قائمة بأسماء المحكومين بالإعدام إلى اللجنة الشعبية العامة التي صادقت على القائمة كما جاءت. اعترضت إدارة التفتيش القضائي آنذاك برئاسة المستشار المرحوم أحمد الطشاني على هذا الإجراء من ناحية الاختصاص، ومن ناحية أن اللجنة الشعبية العامة لم تطلب ملفات القضايا لتقدير إمكانية العفو أو التخفيف والتي يتطلبها القانون. أعد الطشاني مذكرة بذلك أحالها إلى أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل الذي أوقف هذا الإجراء وقدم مقترحًا بأن يعقد هذا الاختصاص للمجلس الأعلى للهيئات القضائية.

بناءً على ذلك، صدر تعديل قانون نظام القضاء بموجب القانون رقم 10 لسنة 1996، حيث عدلت المادة (131) لتصبح: “يختص المجلس الأعلى للهيئات القضائية بالنظر في الترشيحات للتعيين في وظائف أعضاء الهيئات القضائية وترقيتهم ونقلهم وندبهم وإعارتهم على الوجه المبين في القانون. ويمارس المجلس كافة الاختصاصات المتعلقة بملاك الوظائف القضائية وسائر شئون أعضاء الهيئات القضائية الوظيفية. كما يختص دون غيره بالمسائل الآتية:

  1. التصديق على الأحكام الخاضعة للتصديق والمشار إليها في المادة (430) من قانون الإجراءات الجنائية.
  2. إصدار قرارات العفو الخاص من تنفيذ العقوبة كليًا أو جزئيًا.
  3. أي اختصاصات أخرى تنص عليها القوانين النافذة.”

مع صدور قانون نظام القضاء الحالي، نصت المادة (5) منه على أن المجلس يختص بالإشراف على شئون القضاء وممارسة كافة الاختصاصات المتعلقة بالشئون الوظيفية لأعضاء الهيئات القضائية. ويختص أيضًا بالمسائل التالية:

  1. إبداء الرأي في جميع المسائل المتعلقة بالهيئات القضائية ودراسة واقتراح التشريعات المتعلقة بالنظم القضائية.
  2. التصديق على الأحكام الخاضعة للتصديق قانونًا.
  3. إصدار قرارات العفو من تنفيذ العقوبة كليًا أو جزئيًا.
  4. الاختصاصات الأخرى التي ينص عليها هذا القانون أو غيره من القوانين الأخرى.

وبالتالي، فإن الاختصاص الذي كان يمارسه الملك في المادة المذكورة آل إلى المجلس الأعلى للقضاء. رغم أن مقترح فبراير لتعديل الإعلان الدستوري أنشأ وظيفة رئيس الدولة ونظم اختصاصاته في المادتين 33 و34 منه، إلا أنه لم ينص على اختصاصه بالتصديق على أحكام الإعدام، مما يعني أنه أبقاها لدى مجلس القضاء الأعلى.

ولا يخفى على القارئ أن الهدف من إعطاء هذه السلطة للملك أو لرئيس الدولة في مختلف الدول هو إمكانية ممارسة سلطاته في تخفيف العقوبة أو العفو عنها، وهي سلطة عادة ما تنص عليها الدساتير في الدول. إلا أن هذه القاعدة تصطدم بقاعدة قانونية أخرى، بل دستورية، هي مخالفة قواعد الشريعة الإسلامية التي لا تعطي لولي الأمر سلطة العفو أو التخفيف في قضايا الحدود والقصاص. بعد صدور قانون القصاص والدية، والذي حصر العفو عن عقوبة الإعدام في ورثة المجني عليه أو أحدهم، فإن المجلس الأعلى للقضاء لا دور له في التصديق على أحكام الإعدام في قضايا القصاص لأنه لا يملك العفو أو التخفيف، ولا يعدو قراره أن يكون نوعًا من التزيد الذي لا لزوم له وتعطيلًا لحكم منصوص عليه في القرآن الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى…” (البقرة: 178).

لذلك، أرى أن تنفيذ أحكام الإعدام قصاصًا يجب أن يتم بأمر من النائب العام بعد التأكد من استيفاء كافة الإجراءات القانونية.

بقلم: المستشار جمعة عبدالله بوزيد
بتاريخ: 25 اكتوبر 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *