Skip to main content

ضرورة إلغاء أو تعديل بعض المواد القانونية: المادة 388 كنموذج

تتطلب العدالة القانونية مرونة وتحديثاً مستمرين لتواكب تطورات المجتمع وظروفه المتغيرة. تُعد المادة 388 من قانون الإجراءات الجنائية الليبي مثالاً حياً على النصوص التي أصبحت بحاجة ماسة للمراجعة والتعديل. فبينما كان الهدف من فرض كفالة الطعن ضمان جدية الإجراءات، أصبحت هذه الكفالة عقبة أمام تحقيق العدالة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. يتناول هذا المقال ضرورة إلغاء أو تعديل بعض المواد القانونية التي لم تعد تلبي احتياجات الواقع المعاصر، مع التركيز على المادة 388 كنموذج.

المادة 388 – الكفالة

نص المادة:

إذا لم يكن الطعن مرفوعاً من النيابة العامة أو من المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية، يجب لقبوله أن يودع رافعه مبلغ خمسة جنيهات كفالة تخصص لوفاء الغرامة المنصوص عليها في هذه المادة، ولا يسري ذلك على من يعفي من إيداع المبلغ المذكور بقرار من لجنة المساعدة القضائية. ولا يقبل قلم الكتاب التقرير بالطعن إذا لم يصحب بما يدل على هذا الإيداع أو بشهادة رسمية من جهة الإدارة دالة على فقر رافعه. ويحكم على رافع الطعن بغرامة لا تزيد على خمسة جنيهات إذا لم يقبل الطعن أو إذا رفض.

يشبه هذا النص نص المادة 427 من قانون الإجراءات الجنائية المصري الصادر سنة 1950، والذي ألغي بتاريخ 21/2/1959. وكان نص المادة:

إذا لم يكن الطعن مرفوعاً من النيابة العامة أو من المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية، يجب لقبوله أن يودع رافعه مبلغ خمسة جنيهات كفالة تخصص لوفاء الغرامة المنصوص عليها في هذه المادة. ولا يسري ذلك على من يعفى من إيداع المبلغ المذكور بقرار من لجنة المساعدة القضائية. ولا يقبل قلم الكتاب التقرير بالطعن إذا لم يصحب بما يدل على هذا الإيداع، أو بشهادة رسمية من جهة الإدارة دالة على فقر رافعه. ويحكم على رافع الطعن بغرامة لا تزيد على خمسة جنيهات إذا لم يقبل الطعن أو إذا رفض. ويجوز الحكم بهذه الغرامة في مواد الجنح والمخالفات على المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية إذا لم يقبل طعنه أو إذا رفض.

المشكلات العملية

من خلال التطبيق العملي، يتبين أن العشرات بل المئات من الطعون تُحكم بعدم القبول بسبب عدم إيداع كفالة الطعن. غالباً ما يسهو الطاعن عن دفع هذه الكفالة وإيداع الإيصال بالملف نظراً لضآلة قيمتها. ففي سنة 1953، كانت خمسة جنيهات مبلغا كبيرا ومؤلما للطاعن. فقد كان ثمن الخروف جنيها واحدا، وثمن كيلو اللحم عشرة قروش، والحد الأدنى للأجور أربعة جنيهات. إذا ترجمت هذه الأرقام بلغة الأرقام اليوم، فإن الخمسة جنيهات تعادل على الأقل خمسة آلاف دينار.

الحكمة من النص

الحكمة من هذه الكفالة واضحة من النص، وهي لتسديد الغرامة التي قد يُحكم بها والتي لا تزيد على خمسة جنيهات. الجزاء واضح أيضاً: شرط لقبول الطعن. توجد أحكام بعقوبات غير مقيدة للحرية أو بتعويضات كبيرة خسرت الطعون بالنقض لهذا السبب، رغم أن قيمة الخمسة دنانير التي ضيعت هذه الطعون لا تكفي لشراء سندويتش أو علبة سردين أو كيلو موز بأسعار أسواقنا الآن.

أهمية المراجعة والتعديل

القوانين الإجرائية، سواء قانون المرافعات المدنية والتجارية أو قانون الإجراءات الجنائية، بحاجة إلى مراجعة مستمرة وتعديلات متوالية لأهميتها في تسيير العدالة وتيسيرها. مقارنةً بين قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950، الذي عدل بموجب واحد وأربعين قانوناً، وقانون الإجراءات الجنائية الليبي الذي صدر بعده بعامين وعدل تسع مرات فقط رغم ما فيه من العيوب، يتبين أن المشرع المصري أحسن صنعاً عندما ألغى هذه المادة بالمرة.

أهيب بالمشرع الليبي أن يعدل هذا النص ونصوص كثيرة مماثلة في قانوني الإجراءات والمرافعات.

بقلم: المستشار جمعة عبدالله بوزيد
بتاريخ: 3 أبريل 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *