Skip to main content

هل يجوز إيداع  عائدات النفط في دولة ليبيا خارج مصرف ليبيا المركزى؟

هل يجوز إيداع أموال إيرادات و عائدات النفط في دولة ليبيا في حساب باسم المؤسسة الوطنية للنفط خارج مصرف ليبيا المركزى؟

التأصيل القانوني لموضوع هذا السؤال يستدعي الرجوع إلى الإطار القانوني الذي يحكم وينظم هذه المسألة، والذي يتوزع في العموم على التشريعات التالية:

  • الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 3/8/2011م (المادة 27).
  • القانون المالي للدولة وتعديلاته ولوائحه.
  • قانون البترول رقم 25 لسنة 1955 م.
  • قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 وتعديلاته بالقانون رقم 46 لسنة 2012 م.
  • قرار “الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام” سابقاً رقم 10 لسنة 1979 بشأن إعادة تنظيم المؤسسة الوطنية للنفط المعدل للقانون رقم 24 لسنة 1970 بشأن المؤسسة الوطنية للنفط.
  • كتاب وكيل مجلس الوزراء (الكاتب العام للجنة الشعبية العامة سابقاً) ذات الرقم الإشاري 0957 بتاريخ 3/4/1995.

طالما اعتبر قانون البترول النفط ملكًا للدولة الليبية، فإنه لا يجوز لأي شخص أن يستطلع أو يبحث أو ينقب عنه أو يستخرجه في أي مكان في ليبيا ما لم يصرح له بذلك بموجب أحكام القانون (المادة 1)، الذي منح هذا الحق للمؤسسة الوطنية للنفط وفق قانون تنظيم المؤسسة (المادة 1). وتلزم هذه القوانين بأن يتم إيداع الأموال العائدة من بيعه في حساب مصرفي أو أكثر داخل دولة ليبيا، بما في ذلك إيراداتها. ويجوز للمؤسسة تحقيقًا لأغراضها فتح حساب مصرفي أو أكثر خارج دولة ليبيا (المادة 14 من قانون تنظيم المؤسسة)، بشرط أن يكون الإنفاق على أنشطتها وتطوير القطاع في حدود الميزانية التقديرية المقترحة من قبلها والمعتمدة من مجلس الوزراء (المادتان 15 و16 من قانون تنظيم المؤسسة).

وهذا التوجه لا يتعارض مع القانون المالي للدولة الذي يسمح في المادة 14 منه للهيئات والمؤسسات العامة بإيداع بعض أو كل أموالها في أحد المصارف المملوكة بالكامل للدولة. حيث قيد القانون – فقط – الوزارات بفتح حساب لدى مصرف ليبيا المركزي بناءً على كتاب من وزير المالية، بينما اكتفى بخصوص المؤسسات والهيئات بتقديم إخطار إلى وزير المالية بعد فتح الحساب لدى أي بنك مملوك بالكامل من الدولة.

بيد أن ما ورد في كتاب الكاتب العام المشار إليه قد حدد آلية لإيداع عائدات النفط في مصرف ليبيا المركزي بعد استلامها لدى المصرف الليبي الخارجي، وسحب من المؤسسة اختصاص الإنفاق على خطط التطوير لديها بموافقة مجلس الوزراء.

وفقًا لما سبق، يبقى كتاب الكاتب العام بمثابة “قرار” صادر عن ديوان مجلس الوزراء، يجوز تعديله من ذات السلطة (مجلس الوزراء) أو جهة أعلى، أي بقانون. مما يعني وجود إمكانية الإلغاء أو التعديل بالرجوع إلى الأصل التشريعي وهو المادة (14) من قانون إعادة تنظيم المؤسسة، الذي يسمح لها بفتح حساب مصرفي أو أكثر طالما أن المصرف مملوك بالكامل للدولة وفق المادة 14 من القانون المالي للدولة. وتأتي المادة 14 من القانون المالي للدولة عامة في ذكرها لكلمة “مصرف”، ما يعني أي مصرف تجاري، والتقييد الوحيد عليها جاء بنص المادة 14 التي اشترطت أن يكون المصرف مملوكًا بالكامل للدولة. ولا تحتاج المؤسسة في هذه الحالة لموافقة وزير المالية، وإنما تلتزم فقط بإخطاره بذلك تسهيلًا لدوره في المراقبة والمتابعة عند اقتراح الميزانيات السنوية للدولة بالتنسيق مع وزارة التخطيط، وذلك أثناء متابعة تنفيذ قانون الميزانية الذي يحدد أوجه الإنفاق والإيرادات العامة.

في هذا السياق، ربما يجادل البعض في أن قانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 قد أناط بمصرف ليبيا المركزي اختصاص الاحتفاظ بعائدات النفط لديه، وتحديدًا وفق أحكام المادتين (5 و6) فيما يتعلق بإدارة احتياطات الدولة من الذهب والنقد الأجنبي. ولكن يظهر من هذا الجدل أن الفقرة تتعلق بإدارة الاحتياطات، وليس التحكم فيها أو حراستها كعوائد “يتم التصرف فيها وفق قانون الميزانية من حساب المؤسسة الوطنية للنفط”.

أما ما يزيد عن ذلك، يجوز للدولة تكليف أي شخص عام تراه مناسبًا للاحتفاظ بهذه الأموال وفق أحكام القوانين النافذة، أو استثمارها كمؤسسة ليبيا للاستثمار أو مصرف ليبيا المركزي. فالاستثمار هنا يتعلق بالاحتياطات، والمادة تتحدث بوضوح عن الاحتياطات وليس الإيرادات. فالاحتياطات هي الأموال المجنبة بقانون الميزانية، أما الإيرادات ومنها النفطية وأخرى كالضرائب، فلا تصبح احتياطات إلا بعد تجنيبها أو جزء منها بقانون الميزانية.

لذا، فإنه يجوز للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق إلغاء أو تعديل الكتاب المشار إليه، وذلك بالرجوع إلى نص المادة 14 من قانون المؤسسة الوطنية للنفط والمادة 14 من القانون المالي للدولة، أو اقتراح أي آلية أخرى يراها مناسبة في هذه الظرفية.

وبناءً على ذلك، يجوز للمؤسسة الوطنية للنفط فتح حساب مصرفي في أحد المصارف العامة والمملوكة بالكامل للدولة الليبية دونما الحاجة لإذن وزير المالية، إذا تم إلغاء الكتاب المذكور، وبالتالي إيداع أموال العائدة من بيع النفط به والتصرف فيها وفق قانون الميزانية. وبالإمكان إخضاع الحساب لآلية مبادرة من المجلس الرئاسي تكون أكثر عدالة وشفافية، بإدارته من قبل لجنة مشتركة تضم أعضاء من المؤسسة الوطنية للنفط ووزارة المالية وديوان المحاسبة ومصرف ليبيا المركزي، بالإضافة إلى مراقبين من الأمم المتحدة والمجتمع المدني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *