Skip to main content

ليبيا بعد الكارثة – كيف نفهم ونقيم ميزانية الطوارئ من منظور مهني؟

في الحادي عشر من سبتمبر 2023، واجهت ليبيا واحدة من أصعب المحطات التاريخية عندما دمرت فيضانات كارثية (الإعصار دانيال) أجزاءً كبيرة من شرق البلاد. في ظل هذه الفوضى، أضحي من الواضح أن هناك حاجة إلى استجابة سريعة وشاملة في التعامل مع الأزمة دوليا، في ظل إفتقارنا للخبرة في التعامل مع مثل هذة الأزمات، وضعف البنية التحتية وسوء الإدارة بسبب الفساد والبيروقراطية، والإنسداد السياسي الذي أوقف ولادة حكومة واحدة ومجلس تشريعي معتبر . وبالتالي، اتخذ مجلس النواب – بالإضافة للحكومتين – القائم إجراءًا سريعًا، حيث اجتمع في 14 سبتمبر 2023 وأصدر القانون رقم 25 لسنة 2023 لتخصيص ميزانية الطوارئ.

رغم أن الاستجابة السريعة تستحق الثناء وتشير إلى التزام السلطة بمعالجة الكارثة، فإن هناك العديد من القضايا التي يجب أن يكون المجتمع والحكومة على دراية بها، وهذا ما نسعي إليه في هذة الورقة لربما ترسل بعض التنبيهات للقارئ.

آلية ومرجعية وضع ميزانية الطوارئ

تعد واحدة من أبرز المشكلات هي المعايير التي علي أساسها تم وضع وإصدار الميزانية بقيمة 10 مليارات دينار. قد يؤدي هذا التقدير المتسرع إلى عدم تبني أو فهم للاحتياجات الفعلية، مما قد يؤدي إلى ترك بعض المناطق دون خدمة أو إلى توجيه الموارد بشكل غير صحيح.

هل خصصت الموارد بشكل صحيح؟

في أعقاب الكوارث الطبيعية، يصبح من الضروري الاستجابة بسرعة للحد من الأضرار وتقديم الدعم للمتضررين. وفي هذا السياق، قد يعتبر البعض أن التقدير السريع للميزانية هو الحل الأمثل للتعامل مع الوضع. ولكن، هل هذه هي الطريقة الأمثل لضمان تخصيص الموارد بشكل صحيح؟

بعد الفيضانات المدمرة التي ضربت ليبيا في 11 سبتمبر 2023، اجتمع مجلس النواب لمناقشة واعتماد ميزانية بقيمة 10 مليارات دينار لمعالجة الأضرار. ورغم أن هذا الإجراء يظهر الالتزام والاستجابة السريعة من قبل الحكومة، فإنه يثير تساؤلات حول دقة وفعالية هذا التقدير.

أولاً، قد يؤدي التقدير السريع إلى تقدير زائد للاحتياجات في بعض المناطق، مما يتيح الفرصة لتوجيه الموارد بشكل غير متوازن. وفي المقابل، قد يترتب على التقدير المتسرع تقدير ناقص للاحتياجات في مناطق أخرى، مما قد يترك بعض المناطق دون الخدمات والدعم اللازم.

ثانيًا، قد يؤدي التقدير السريع إلى التغاضي عن بعض الاحتياجات غير الملحة ولكنها مهمة على المدى الطويل. مثل إعادة إعمار البنية التحتية وتقديم الدعم النفسي للمتضررين.

ثالثًا، قد تواجه الحكومة تحديات في مراقبة وتتبع النفقات والتأكد من أن الموارد تتجه نحو الأولويات المحددة.

بينما يعد الاستجابة السريعة أمرًا ضروريًا ومشروعًا في ظل الظروف الاستثنائية، فإنه من الضروري أيضًا التفكير بعمق في كيفية توجيه الموارد وضمان الاستفادة القصوى منها. يجب على المجتمع والحكومة العمل معًا لضمان أن يتم توجيه كل دينار بحذر وفعالية لضمان تحقيق أقصى قدر من الاستفادة لجميع المواطنين.

التخصيصات المبهمة

يعد بعض البنود في الميزانية، مثل “النفقات المختلفة”، التي تبلغ قيمتها 750 مليون دينار، معرفة بشكل غامض.حيث ينقصها التوضيح والتحديد لان التعريفات والتفصيلات الأكثر وضوحًا تخلق الشفافية وتؤدي إلي استخدام هذه الأموال بشكل سليم.

هل نحن أمام إهدار محتملا للموارد؟

في الوقت الذي نسعى فيه جميعًا لتحقيق التقدم والازدهار الوطني، يصبح من الضروري ضمان استخدام الموارد المالية بشكل فعال وشفاف. وعندما يتعلق الأمر بميزانيات الطوارئ، خصوصًا في أعقاب كوارث طبيعية، تصبح هذه الضرورة أكثر إلحاحًا. ولكن، هل نضمن دائمًا هذا الشفافية؟

تواجه ميزانية الاستجابة للفيضانات الأخيرة في ليبيا تحديًا كبيرًا في هذا السياق، حيث تحتوي على بنود مبهمة مثل “النفقات المختلفة”، التي تقدر بـ 750 مليون دينار. وفي حين قد يكون لهذه البنود أسبابها المشروعة، إلا أن الغموض الذي يحيط بها يثير الشكوك والتساؤلات حول طبيعة هذه النفقات وكيفية استخدامها.

الغموض في التخصيصات المالية يمكن أن يؤدي إلى عدة مشكلات:

  1. الاستغلال المحتمل: قد يسهل على الأشخاص ذوي النوايا السيئة استغلال هذه البنود المبهمة لتحقيق مكاسب شخصية.
  2. فقدان الثقة: قد تفقد الحكومة ثقة المواطنين إذا كانت لا توضح كيف و آلية الإنفاق للأموال.
  3. انعدام الشفافية: يصعب على المواطنين والمنظمات المدنية مراقبة النفقات وضمان استخدام الموارد بشكل فعال.

لضمان الاستفادة القصوى من الميزانية وحماية الموارد الوطنية، يجب على الحكومة تقديم تفاصيل أكثر وضوحًا حول جميع التخصيصات المالية، وخصوصًا تلك التي تبدو غامضة. الشفافية ليست فقط واجبًا أخلاقيًا، ولكنها أيضًا ضرورة لبناء دولة قوية ومستقرة وثقة بين المواطنين والحكومة.

شفافية التعويضات

تم تخصيص جزء كبير من الميزانية – 4 مليارات دينار – للتعويضات وإصلاح الأضرار. ولكن ما هي معايير هذه التعويضات؟ كيف سيتم توزيعها، وكيف سيضمن الوصول إلى الأشخاص الأكثر تضررًا؟

الحاجة إلى وضوح في استراتيجية التوزيع

بينما تسعى الحكومة الليبية لمعالجة الأضرار التي تسببت بها الفيضانات المدمرة، تأتي المسألة المتعلقة بتعويض الضحايا في مقدمة الاهتمامات. مع تخصيص مبلغ ضخم يقدر بـ4 مليارات دينار لهذه الغاية، يظل السؤال الأبرز: كيف سيتم توزيع هذه التعويضات بطريقة عادلة وفعالة؟

تتمثل بعض التحديات والمخاوف المرتبطة بشفافية التعويضات فيما يلي:

  1. معايير التعويض: هل تم تحديد معايير واضحة وموضوعية لتقدير الأضرار وتحديد قيمة التعويضات؟
  2. التمييز في التوزيع: كيف يمكن ضمان توزيع التعويضات بطريقة عادلة بين جميع المتضررين، دون تفضيل أو تمييز؟
  3. الوصول إلى الأشخاص الأكثر تضررًا: كيف سيتم ضمان أن يصل التعويض للأشخاص الذين تضرروا بشكل كبير، خصوصًا في المناطق النائية أو الأقل حظا؟
  4. التحقق من الأضرار: ما هي الإجراءات المتبعة للتحقق من الأضرار وضمان عدم الغش أو التضليل؟

من الضروري أن تتخذ الحكومة خطوات عملية لزيادة الشفافية في عملية تقدير وتوزيع التعويضات. قد تشمل هذه الخطوات إشراك المجتمع المدني، واستخدام تقنيات التحقق من البيانات، وتحديد معايير واضحة للتقييم، وتقديم تقارير دورية للرأي العام حول تقدم عملية التعويض.

يجب أن يكون الهدف الرئيسي هو تحقيق العدالة للمتضررين وضمان استعادة حياتهم بأسرع وقت ممكن. لنحقق هذا، يجب أن نضمن شفافية وفعالية في عملية التعويض.

آليات الرصد

بينما تعد إنشاء لجنة عليا لمراقبة النفقات وآليات التقرير الدورية خطوات في الاتجاه الصحيح، فإن حجم الكارثة وعاجلتها يتطلبان رصدًا صارمًا لمنع سوء الاستخدام أو التوجيه غير الصحيح للأموال.

تعزيز الشفافية ومنع الإساءة في إدارة الأزمات

تجسد الفيضانات الكارثية التي ضربت ليبيا تحديًا غير مسبوق للحكومة والمجتمع. وفي ظل هذه الأزمة، يصبح الحاجة ملحة لضمان استخدام الموارد بفعالية وشفافية. ورغم أن إنشاء لجنة عليا لمراقبة النفقات يُعد خطوةً مهمة، إلا أن هناك حاجة لتعزيز آليات الرصد والتقويم.

التحديات المرتبطة بآليات الرصد:

  1. تحديد الأولويات: ضمان أن الأموال تُنفق حيث هي الأكثر حاجة وأنها تحقق أقصى قدر من الفائدة.
  2. التحقق من النفقات: ضمان أن الأموال تُنفق بشكل صحيح، ومنع الفساد أو سوء الإدارة.
  3. التفاعل مع المجتمع: إشراك المجتمع المحلي في عملية الرصد لضمان تقديم الملاحظات والمشاركة في القرارات.

الخطوات المقترحة لتحسين آليات الرصد:

  1. استخدام التكنولوجيا: إنشاء نظام إلكتروني يسمح للمواطنين بمتابعة النفقات والتقارير بشكل فوري وشفاف.
  2. تقييم دوري: تنظيم تقييمات دورية تحلل كيفية استخدام الأموال وتقديم توصيات للتحسين.
  3. تدريب أعضاء اللجنة: ضمان أن أعضاء اللجنة مُدربون جيدًا على كيفية رصد النفقات والتعامل مع المعلومات بكفاءة.

لتجاوز الأزمة، يجب على الحكومة الليبية أن تحقق توازنًا بين الاستجابة السريعة والعمل بشكل شفاف ومسؤول. ومن خلال تعزيز آليات الرصد والتقويم، يمكن أن نضمن أن الإغاثة تصل إلى الأشخاص الذين يحتاجونها بالشكل الصحيح وبأقل قدر من الهدر.

وفي هذا التعليق نختم – رغم أننا أن نرى إخوتنا وأبناء وطننا يعانون الأمرين؛ مرة في فراق الأحباء ومرة عدم الاستفادة من الدرس بسبب طرق الصرف والإنفاق غير المدروس وغير المقنن، الذي لا يستفيد منه المواطن على المدى المتوسط والطويل، والذي قد يفتح بابًا للفساد-. انه من الضروري أن يتم توجيه وإنفاق هذه الميزانية بشكل صحيح. وإحدى أبرز المقترحات التي يمكن أن تساهم في تحقيق ذلك هو إنشاء صندوق دولي لإعادة إعمار المدن المنكوبة. تحت إشراف شركة استشارية عالمية، وتودع الأموال في صندوق دولي مثل Trust والذي يخضع لإشراف ليبي دولي مشترك. وهذا الصندوق يسمح بزيادة المبالغ بشكل شفاف ومستقل، وتكون إدارة الصندوق بلجنة مشتركة من الخبراء الدوليين والليبين شريطة ان تكون الغالبية من المستقلين. ونجاح هذه التجربة في المدن المنكوبة قد يكون بمثابة نموذج قابل للتكرار في باقي المدن الليبية.

ومع ذلك، مثل هذه المقترحات أحيانا تصطدم ببعض المعارضين الذين يبررون موقفهم بذريعة حماية السيادة الوطنية، او منع التدخل الأجنبي. لكن، في العديد من الحالات، يُظهر موقفهم هذا بباعث الرغبة في الإبقاء علي الفوضى لغرض الصرف والإنفاق للمال العام دون محاسبة أو شفافية. و بالتالي يجب أن نتعامل مع هذه الحجج بحذر وفهم، مع التأكيد على البحث عن أفضل الحلول التي تخدم مصلحة الشعب الليبي أولاً وقبل كل شيء.

تشريعات ليبية بشأن الكوارث والنكبات

اللهم نسألك أن تتغمد أخوتنا في الشرق الليبي بواسع رحمتك، وأن تلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.

“ببالغ الحزن والأسى، نتقدم بأحر التعازي والمواساة لأهلنا وإخوتنا في الشرق الليبي، سائلين الله تعالى أن يتقبل المتوفين بواسع رحمته ويسكنهم فسيح جناته. كل نفس ذائقة الموت، وإنا لله وإنا إليه راجعون. نسأل الله أن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، وأن يمن على جميع أبناء ليبيا بالأمن والأمان.”

البوديري شريحة

تعليقات (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *