Skip to main content

الطلاق المعلق والطلاق بالثلاث في القانون الليبي: بين التشريع والفتوى

يُعَدُّ الطلاق من أكثر القضايا الاجتماعية حساسية وتأثيرًا على استقرار الأسرة في المجتمع الليبي، خاصة في ظل انتشار بعض الممارسات الخاطئة مثل الطلاق المعلق، الطلاق بالثلاث في لفظة واحدة، ويمين الطلاق. ورغم أن القانون الليبي رقم 10 لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق وضع حلولًا واضحة لهذه المسائل، إلا أن التطبيق الفعلي على أرض الواقع يواجه تحديات كبيرة، أبرزها لجوء المواطنين إلى شيوخ المنابر للاستفتاء بدلًا من المحاكم المختصة.

وفي كثير من الأحيان، لا تستند هذه الفتاوى إلى القانون الليبي، بل إلى اجتهادات فقهية مستوردة من خارج البلاد، مما أدى إلى تناقض بين الفتوى والتشريع، ونتج عنه كوارث اجتماعية وقضائية.

في هذا المقال، نناقش هذه الإشكالات من خلال استعراض الإطار القانوني الذي تبنته الدولة الليبية لمعالجة هذه القضايا، مع تحليل الأسس الشرعية التي استند إليها المشرّع الليبي، وبيان الفرق بين التفسير القانوني والتفسير الفقهي، مع عرض أمثلة حقيقية من القضاء الليبي تسلط الضوء على خطورة الفتاوى غير المتخصصة في مسائل الطلاق.

أمثلة من الواقع القضائي الليبي

  1. طلاق بسبب دخول ابن الزوجة إلى المنزل
    • أحد المواطنين قال لزوجته، التي لها ابن من زواج سابق:
      “إذا دخل ابنكِ المنزل فأنتِ طالق بالثلاث.”
    • بعد أيام قليلة، جاء الابن للسلام على أمه، فاعتقدت أنها أصبحت مطلقة. لجأت إلى أخيها، الذي ذهب إلى المسجد لاستفتاء أحد الشيوخ، فأفتى له أن الطلاق قد وقع، وأنها لا تحل لزوجها إلا بعد زواجها من آخر وطلاقها منه.
    • الزوج، الذي كان مريضًا بمرض عضال، عندما عاد إلى منزله، طُرد من قبل زوجته وأخيها، مما أثر عليه نفسيًا فلجأ إلى أحد أقاربه وتوفي لاحقًا نتيجة لذلك، مما أدى إلى قطيعة بين العائلتين.
  2. طلاق بسبب شهادة مغلوطة
    • موظف اختلف مع زميله حول ما إذا كان قد رأى شخصًا معينًا يفعل أمرًا معينًا، فحلف بالطلاق بالثلاث على صحة كلامه، اعتمادًا على معلومة مغلوطة.
    • وعندما حضر الشخص المعني، تبيّن أنه كان في مدينة أخرى. لجأ الموظف إلى شيخ من شيوخ المنابر، فأفتى له بأن الطلاق قد وقع، فأبلغ زوجته المسكينة، التي لا تعلم شيئًا عن الأمر، أنها أصبحت مطلقة، وطلب منها مغادرة المنزل.
  3. طلاق بسبب لعبة ورق
    • أحد الأشخاص حلف بالطلاق أثناء لعب الكارطة، وعند استفتائه، أُفتي له أن الطلاق قد وقع، مما أدى إلى احتساب طلقة مع طلقات سابقة، ووضع الأسرة في أزمة حقيقية.

موقف القانون الليبي

لقد وضع المشرع الليبي حلولًا عادلة ومنطقية لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وذلك في قانون الزواج والطلاق الذي أعدّته لجنة متخصصة ضمت أساتذة في الفقه الإسلامي ورجال قضاء من علماء الأزهر، منهم:

  • الشيخ عبد السلام بوطلاق
  • حسين البوعيشي

وهم من كبار الفقهاء الذين لا يُشك في علمهم وخبرتهم القضائية التي تجاوزت ثلاثة عقود.

نصوص قانونية ذات صلة

  • المادة (31) من القانون رقم 10 لسنة 1984 تنص على:“يقع الطلاق بالألفاظ الصريحة فيه عرفًا، ولا يقع بألفاظ الكتابة إلا إذا نوى المتكلم بها الطلاق، ولا تثبت النية إلا باعترافه.”
  • المادة (33) من القانون نفسه تنص على:“1. لا يقع الطلاق على الزوجة إلا إذا كانت في زواج صحيح أو معتدة من طلاق رجعي.
    2. لا يقع الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه.
    3. لا يقع الطلاق في الحنث بيمين الطلاق أو الحرام.
    4. لا يقع الطلاق المقترن بالعدد لفظًا أو إشارة أو كتابة إلا طلقة واحدة رجعية ما لم تكن مكملة للثلاث.”

هذا النص واضح، ويؤكد أن الطلاق لا يقع في مثل هذه الحالات، خلافًا لما يروّج له بعض المفتين غير المختصين.

السند الشرعي لهذا الاجتهاد

قد يتساءل البعض عن السند الشرعي لهذا الاجتهاد، خاصة أنه يخالف المشهور في مذهب الإمام مالك وما يفتي به مشايخ الفقه السلفي الشائع في ليبيا حاليًا.

ورغم أن هذا القانون وُضع من قبل ولي الأمر، الذي تجب طاعته، إلا أن له مستندًا شرعيًا قويًا، مستمدًا من نصوص صحيحة، منها:

  1. حديث ابن عباس رضي الله عنهما:“كان الطلاق على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.” (رواه مسلم).
  2. حديث ابن إسحاق عن ابن عباس:أن رجلًا طلق امرأته ثلاثًا في مجلس واحد، فقام ابن عباس ولم يره إلا واحدة.
  3. قاعدة “الأصل في الطلاق أن يكون رجعيًا”:
    • استنادًا إلى قوله تعالى:“الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ” (البقرة: 229).

الدول التي تأخذ بهذا الرأي

عدد من الدول العربية والإسلامية أخذت بنفس الاجتهاد القانوني الليبي، ومنها:

  • السعودية (في بعض الأحكام القضائية).
  • الإمارات.
  • قطر.
  • الأردن.
  • السودان.
  • باكستان والهند (في بعض المناطق وفق القانون الإسلامي).

دعوة إلى ضبط الفتاوى

بما أن القانون الليبي واضح في هذه المسائل، فإنه من غير المقبول أن يتدخل خطباء المساجد في إصدار فتاوى مخالفة له، تؤدي إلى تهديد استقرار الأسر. لذا، فإنني أهيب بـ الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية ودار الإفتاء الليبية أن تصدرا تعميمًا لخطباء المساجد، يقضي بعدم الإفتاء في مسائل الطلاق، وتوجيه السائلين إلى المحاكم المختصة، صاحبة الاختصاص الأصيل.

القانون الليبي أخذ برأي فقهي يجعل مجرد كون الطلاق معلقًا سببًا في عدم وقوعه، دون الحاجة للنظر في نية الزوج. وهذا تبنٍّ واضح لرأي فقهي معتبر، بهدف استقرار الأسرة وتجنب تعقيدات الإثبات في المحاكم.

بقلم: المستشار جمعة عبد الله بوزيد
1/3/2025

تعليقات (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *