Skip to main content

نحو مراجعة القوانين المتعلقة بحضانة الأنثى: ضرورة التعديل والتحديث

تعتبر القوانين أحد الأعمدة الأساسية التي تستند عليها المجتمعات في تنظيم حياتها اليومية وضمان حقوق أفرادها. ومع تطور المجتمعات والتغيرات الحاصلة في الأدوار الاجتماعية، يصبح من الضروري مراجعة وتحديث بعض القوانين لتتوافق مع متطلبات العصر. في هذا المقال، نسلط الضوء على قانون الحضانة في ليبيا، وخاصة فيما يتعلق بحضانة الأنثى حتى زواجها، ونناقش ضرورة تعديل هذا القانون بما يتماشى مع الظروف الحالية والتطورات الاجتماعية.

قوانين في حاجة إلى تعديل

إننا في حاجة إلى مراجعة نظامنا القانوني بكامله بما يحويه من تشريعات ونصوص عقيمة لا يصدقها العقل ولا يقبلها المنطق وغير قابلة للتطبيق وتظل حبرا على ورق من حيث الواقع. فلماذا تبقى مندسة بين ثنايا السطور؟ سنقوم في منشوراتنا هذه بتناول هذه النصوص.

في هذا المنشور، نتناول حق الحضانة بالنسبة للأنثى إلى أن تتزوج. فالقانون رقم 10 لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق فيما يتعلق بحضانة الأنثى، نصت المادة 62 منه على أن: “الحضانة حفظ الولد وتربيته ورعاية شئونه وتوجيهه من حين ولادته إلى أن يبلغ الذكر ويتم الدخول بالأنثى وذلك بما لا يتعارض مع حق الولي”. والحضانة، من خلال اشتقاق لفظها من كلمة حضن، أي حضن الأم. وواجبات الحاضنة وشروطها كما نصت عليها المادة 65 هي: “يشترط في الحاضن ذكراً كان أم أنثى أن يكون بالغاً عاقلاً أميناً قادراً على تربية المحضون وصيانته ورعايته خالياً من الأمراض المعدية، ويختص الحاضن الذكر بأن يكون محرماً للمحضونة الأنثى وعنده من يحضن من النساء”.

ونص القانون على شروط وواجبات أخرى أخذًا من مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وهي تنظر للمحضون من جانب واحد، وهو كونه صغيرا في حاجة إلى خدمة الحاضنة. ثم نص على منازعات الحضانة بين الأم والأب ثم الجدة لأم ثم الجدة لأب ثم المحارم من النساء… إلخ.

هذا القانون اختص الأنثى بوضع خاص، حيث تكون محضونة حتى زواجها والدخول بها، وتتنازعها خصومات الحضانة. ومن وضع هذا النص ينظر للمرأة كما كانت منذ قرون، وهي المرأة البسيطة التي تعيش في كنف الحاضنة تراقبها وترعاها وتربيها، فتكون أكثر خبرة واطلاعًا على شؤون النساء وتستمر هذه الحضانة مهما طال الزمن.

إذا نظرنا إلى وضع المرأة في أيامنا هذه، نجد أنها قد تكون طبيبة اختصاصية أكثر دراية وخبرة من حاضنتها، أو أستاذة جامعية تعلم الطلبة أصول العلوم، أو نائبة في مجلس النواب تقرر مصير بلادها، أو قاضية في محاكم الاستئناف أو المحكمة تفصل في القضايا الكبرى. فكيف تكون محضونة لمرأة مسنة لكي تربيها وتعلمها وهي أقل منها تعليما وثقافة وخبرتها تنحصر في شؤون البيت؟ إذا استمر بقاء هذا النص، فإنه يتصور أن تطالب تلك العجوز بحضانة حفيدتها البالغة من العمر أربعين عامًا، والأستاذة الجامعية أو القاضية أو وكيلة النيابة، وقد تكون قاضية مختصة بالأحوال الشخصية تفصل في قضايا الحضانة للغير، وهي في نفس الوقت تتنازعها خصومة حضانة بين الأب والأم أو الجدة.

ثم نستغرب أيضًا: هل حق الحضانة أقوى من حق الولاية على المال والولاية على النفس؟ كما نص عليه القانون رقم 17 لسنة 1992 بشأن تنظيم أحوال القاصرين ومن في حكمهم، حيث بينت المادة (9) أن “سن الرشد ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة”. ونصت المادة (35) على “تنتهي الولاية على النفس ببلوغ الصغير سن الرشد ويرفع الحجر عن المجنون أو المعتوه”. ونصت المادة (58) على أن “تنتهي الولاية على المال بالنسبة للصغير ببلوغه سن الرشد، وبالنسبة لغيره من القُصَّر بزوال الحجر عنه”. ثم نصت المادة (59) على أن “ترد إلى القاصر أمواله عند بلوغه سن الرشد أو عند رفع الحجر عنه، ويسأل الوصي لمورثته عن قيمة ما تم التصرف فيه باعتبار القيمة وقت التصرف”، ولو كانت بالملايين.

وعليه، فإني أرى أن هذا النص لم يعد يتفق مع مقتضيات الحاضر في بلادنا وفي العالم، ويمثل تناقضًا واضحًا بين نصوص النظام القانوني الليبي. اقترح أن يُعدل بحيث تنتهي الحضانة ببلوغ سن الرشد، أو أن يُترك للمحضونة حرية الاختيار. والله أعلم.

بقلم: المستشار جمعة عبدالله بوزيد
بتاريخ: 21 مارس 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *