Skip to main content

مقدمة مجلة المحكمة العليا: إرساء مبادئ العدالة وتوثيق الإرث القضائي الليبي

بسم الله الرحمن الرحيم
لله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون
(قُرْآنٌ كَرِيمٌ).

مقدمة

مجلة المحكمة العليا: إرساء مبادئ العدالة وتوثيق الإرث القضائي الليبي

إن من أهم أهداف المحكمة العليا منذ إنشائها لأول مرة في تاريخ القضاء الليبي في سنة 1953 أن تعمل جاهدة مخلصة على إرساء قواعد العدل وإعلاء كلمة الحق، وأن تثبت في النفوس معاني الحرية والمساواة وأن لا قوي ولا ضعيف أمامها، والكل يلوذ بحماها وحقه مضمون، وذلك بفضل الجهود المخلصة التي بذلها ويبذلها رجال المحكمة القوامون عليها الذين ألزموا أنفسهم أن لا يحيدوا عن الحق فيما يقضون، والذين لهم من خبرتهم الطويلة وكفاءاتهم المشهود بها وماضيهم المعروف ما يضمن حسن سير العدالة وتوزيعها بين الناس على السواء.

ولما كانت المحكمة العليا، بموجب التشريعات القائمة، هي المرجع الأخير ونهاية المطاف لأحكام المحاكم في تفسير القوانين وتطبيقها، وكانت المبادئ القانونية التي تقررها في أحكامها ملزمة لجميع تلك المحاكم والسلطات الأخرى في المملكة طبقًا لما نصت عليه المادة 28 من قانونها، فإنه كان من أوجب الواجبات طبع تلك الأحكام ذات المبادئ القانونية، ونشرها على الكافة في مجموعات دورية، عملًا بالمادة 8 فقرة «ز» من لائحة المحكمة الداخلية الصادرة بالمرسوم الملكي المؤرخ في 10 يناير 1954، وذلك حتى يطلع على هذه المبادئ القضاة والمحامون، ويقف الناس على ما تقرره المحكمة العليا من قواعد ومبادئ قانونية، فيستنيروا بها فيما قد يعرض لهم من حالات مماثلة إذا عن لهم أن يلتجئوا إلى المحكمة.

وقد سبق لهذه المحكمة أن نشرت في ستة مجلدات أحكامها ذات المبادئ القانونية التي أصدرتها منذ تأسيسها، إلا أن ذلك لم يكن ليفي بالغرض المطلوب وهو سرعة النشر والاطلاع على تلك المبادئ عقب صدورها، حتى يتدارك الخطأ في تطبيق القانون أو تأويله الذي كشف عنه حكم المحكمة العليا والمبدأ الذي أقرته. ومن ثم فإن الواجب يقضي بنشر هذه المبادئ بأيسر السبل وأسرعها في مجموعات دورية حتى تتحقق الفائدة المرجوة للقاضي والمتقاضي بالاطلاع على القاعدة القانونية التي أقرتها المحكمة.

وقد حال في الماضي دون نشر تلك المبادئ وتقديمها في موعد مبكر ما لاقته المحكمة من صعوبات فنية في الطباعة، مما حدا بي، بعد أن تشرفت برئاسة هذه المحكمة للمرة الثانية، أن فكرت أولًا في تأسيس مطبعة خاصة للمحكمة تقوم بطبع مستلزماتها، وثانيًا في إنشاء مجلة دورية للمحكمة العليا على غرار ما هو معمول به في المحاكم العليا في البلاد الأخرى تنشر فيها جميع الأحكام ذات المبادئ القانونية التي تصدر عن المحكمة أولًا بأول بدون تراخٍ في النشر. وقد تحققت الفكرة الآن فتم تأسيس المطبعة وإصدار المجلة مساهمة من المحكمة في إظهار التراث القضائي الليبي، وتنويرًا للرأي العام وتزويده بالثقافة القانونية الصحيحة.

وقد رأيت تقسيم هذه المجلة إلى ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول منها يشمل الأحكام التي تصدرها المحكمة العليا مع المبادئ القانونية التي تتضمنها.
  • القسم الثاني يعنى بالدراسات والأبحاث التي سيساهم بها رجال القضاء والمشتغلون بالقانون.
  • القسم الثالث يختص بنشر القوانين واللوائح التي تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد رأيت من المفيد أيضًا – وقد أصبحت ليبيا تحتل مركزًا دوليًا مرموقًا – أن يُخصص ركن في المجلة لترجمة المبادئ القانونية التي تصدر عن المحكمة إلى اللغة الإنجليزية، حتى يعم نفعها أولئك المشتغلين بالقانون الذين لا يتكلمون العربية، وحتى نظهر أننا غير متخلفين عن الركب وأننا سائرون نحو التقدم في كل الميادين.

والمحكمة العليا، وهي تستهل سنتها القضائية الجديدة 64 – 65 بإصدار العدد الأول من مجلتها هذه متضمنًا الأقسام الثلاثة، لترجو مخلصة التوفيق في تحقيق جزء من رسالتها السامية، وهي نشر الثقافة والمبادئ القانونية الصحيحة بين جمهور الناس عامة، والمشتغلين بالقانون خاصة، كما أنها تهيب برجال القضاء والقانون أن يسهموا بأبحاثهم ودراساتهم الفقهية والقانونية في تطوير هذه المجلة حتى تأخذ مكانها اللائق بين كبريات مجلات العالم القانونية.

سائلين الله تعالى أن يلهمنا التوفيق والسداد، وأن نكون بإصدار هذه المجلة قد أدينا بعض ما يحتمه علينا الواجب لخدمة وطننا العزيز في هذا الميدان، تحت ظل حامي العدالة ونصير الحق مولانا الملك المعظم حفظه الله ورعاه، وأدام عهده السعيد عهد العدالة والحرية والمساواة.

محمد خليل القماطي
رئيس المحكمة العليا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *