Skip to main content

عقود النفط والغاز في ليبيا: التعامل مع المخاطر القانونية في ظل نظام قانوني مختلط

تتناول هذه المقالة النظام القانوني المختلط في ليبيا، الذي يجمع بين عناصر القانون المدني والقانون الأنجلوسكسوني، مع التركيز على تأثير ذلك على عقود النفط والغاز في ليبيا. تُبرز المقالة أهمية مبدأ التقيد بالسوابق القضائية (stare decisis) في النظام القانوني الليبي، حيث تُعد أحكام المحكمة العليا ملزمة لجميع المحاكم والجهات الحكومية، مما يجعلها عنصرًا حاسمًا في تحديد المسؤوليات القانونية وصياغة العقود. كما تسلط الضوء على المخاطر القانونية التي قد تواجه المستثمرين في قطاع الطاقة بسبب سوء فهم الطبيعة المختلطة للنظام القانوني الليبي. وتُختتم المقالة بالتأكيد على ضرورة الفهم الصحيح لهذا النظام لضمان تقديم استشارات قانونية دقيقة وحماية مصالح المستثمرين في سوق الطاقة الليبي المعقد.

يمكنك الاطلاع على المقال باللغة الإنجليزية

المقدمة

تتحدى هذه المقالة التصور السائد الذي يصنف ليبيا كدولة ذات نظام قانوني مدني بحت، وتؤكد بدلاً من ذلك أن نظامها القانوني يتضمن عناصر جوهرية من النظام القانوني الأنجلوسكسوني(1) (Common Law). ليبيا، كغيرها من الدول التي تعتمد مبدأ stare decisis (التقيد بسوابق قضائية)، فهي تعطي لأحكام معينة قوة إلزامية تجعلها المصدر القانوني الأساسي في المسألة.(2)

هذا النظام القانوني الفريد يؤثر بشكل مباشر على قطاع الطاقة في ليبيا. القوانين المستمدة من السوابق القضائية تلعب دورًا أساسيًا في تحديد الشرط الجزائي وصياغة أنظمة التعويض في عقود النفط والغاز. تجاهل هذا الواقع يعرض المستثمرين في هذا القطاع لمخاطر قانونية كبيرة.

أولاً: مبدأ التقيد الرأسي بالسوابق القضائية

تعتمد ليبيا تطبيقًا رأسيًا صارمًا لمبدأ(3) stare decisis. على عكس فرنسا مثلاً، حيث تعتبر قرارات محكمة النقض ذات وزن أدبي فقط،(4) تُعتبر قرارات المحكمة العليا الليبية إلزامية لجميع المحاكم والجهات الحكومية داخل ليبيا.(5)

كما تتبع ليبيا تطبيقًا محدودًا للتقيد الأفقي بالسوابق القضائية، مشابهًا لما يعرف بـ “قانون الدائرة” في الولايات المتحدة.(6) في هذا الإطار، تُلزم المحكمة العليا الليبية نفسها بالسوابق التي تصدرها. ولا يمكن لأي دائرة داخل المحكمة العليا أن تخالف أحكامها السابقة. وحدها الجمعية العامة للمحكمة العليا، المنعقدة بمشاركة جميع الدوائر، تمتلك الصلاحية لإلغاء أو تعديل السوابق القضائية.(7)

ثانياً: ليبيا كنظام قانوني مختلط

يُعتبر مبدأ stare decisis من السمات المميزة للنظم القانونية الأنجلوسكسونية(8). ومع ذلك، ورغم اعتماد النظام القانوني الليبي لهذا المبدأ، لا يزال العديد من المحامين والباحثين الليبيين يصفون النظام القانوني الليبي كنظام مدني. يعود هذا التصنيف إلى وجود قوانين مدونة، وهي ميزة أساسية للنظم المدنية. ومع ذلك، فإن الإطار القانوني الليبي يتبنى أيضًا مفاهيم جوهرية من النظام الأنجلوسكسوني،(9) مما يجعل ليبيا نظامًا قانونيًا مختلطًا يجمع بين عناصر النظامين المدني والأنجلوسكسوني.

تالثاً: عندما تتحول التسمية الخاطئة إلى سوء فهم

قد تبدو مشكلة تصنيف النظام القانوني الليبي على أنها مشكلة تسموية فقط، لكنها تصبح أكثر خطورة عندما تؤدي إلى سوء فهم جوهري للنظام. على سبيل المثال، قد يعتقد بعض المحامين خطأً أن أحكام المحكمة العليا الليبية ليست ملزمة، مما يؤدي إلى تقديم استشارات قانونية خاطئة تعرض مصالح العملاء للخطر.

رابعاً: أهمية السوابق القضائية في عقود النفط والغاز الليبية

تؤثر السوابق القضائية الصادرة عن المحكمة العليا الليبية بشكل كبير على المسؤولية القانونية في عقود النفط والغاز. فعلى سبيل المثال، البنود المتعلقة بالتعويض الاتفاقي، والشرط الجزائي، والأضرار المترتبة على الخسائر، وأنظمة التعويض، وتحديد المسؤوليات تخضع أساسًا للقانون رقم 6 لسنة 2016 (قانون 2016/6). في عام 2021، أكدت المحكمة العليا استمرار سريان هذا القانون واعتبرته جزءًا من النظام العام الليبي.(10)

هذا ممّا يعني إمكانية إثارة أي مخالفة للقانون 2016/6 في أي مرحلة من مراحل التقاضي، بل ويمكن للمحكمة نفسها إثارتها من تلقاء نفسها دون طلب من الخصوم نظرًا لارتباطها بالنظام العام الليبي والأداب. لذلك، على المحامين الذين يعملون في عقود النفط والغاز أن يضمنوا أن استشارتهم تتماشى مع تفسير السوابق القضائية الصادرة عن المحكمة العليا. إهمال هذا الالتزام قد يؤدي إلى استشارات قانونية مشوهة، مما يعرض المستثمرين لمخاطر قانونية وخسائر مادية جسيمة.

الخاتمة

تتأثر عقود النفط والغاز الليبية بشكل كبير بالسوابق القضائية الملزمة الصادرة عن المحكمة العليا الليبية. بالنسبة للمستثمرين في قطاع الطاقة، فإن فهم النظام القانوني الليبي المختلط ليس مجرد مسألة نظرية، بل هو ضرورة عملية. يجب على المحامين أن يكونوا على دراية بجميع الأحكام القضائية ذات الصلة وأن يتم التقيد بها في استراتيجياتهم القانونية.

الفهم الصحيح للنظام القانوني الليبي على أنه نظام مختلط يجمع بين العناصر المدنية والأنجلوسكسونية هو الخطوة الأولى نحو تحسين الممارسات القانونية. هذا الفهم سيعزز من قدرة المحامين على تقديم استشارات دقيقة وموثوقة، مما يعود بالنفع على المستثمرين الصغار والكبار أثناء استكشافهم لسوق الطاقة الليبي، والذي هو سوق شائك ولكن مربح.

المؤلفون

  • محمد ديكنة
  • رتاج الادريسي (مكتب الزحاف للمحاماة)

المراجع

  1. أنظر، ادناه، الملاحضة 3
  2. انظر، أدناه، الملاحظة 5.
  3. جوزيف و. ميد، “السوابق القضائية في المحاكم الدنيا في الولايات المتحدة”، 12 مجلة نيفادا للقانون 787 (2011)؛ لويس غراهام، “القرارات القوية والسوابق القضائية في المحاكم المنسقة”، 35 مجلة قانون كينغ 224، 224–251 (2024)؛ ستيف ليفين، “الاختلاف مع نفسك: السوابق القضائية الأفقية في محاكم الاستئناف المتوسطة للدولة”، مراجعة قانون كانساس (مقبول للنشر 2024)؛ كيرتيس برادلي وتارا لي غروف، “السوابق القضائية الرأسية والسابقة غير المفضلة: تحليل تجريبي ونظري” (2024)؛ ماثيو شراينر، “السوابق القضائية والأصالة: تحليل مقارن لاستئنافين قانونيين” (رسالة دكتوراه غير منشورة، 2024)؛ سوزان يورك، “الحالة الغريبة للقوانين المفقودة” (2025)؛ بريان أ. لانغيل وبن ماير-غودمان، “لا تعبث مع السيد بينهما”، بين، 17 يناير 2024، ص 48؛ جيسون جارفيش، “الفدرالية الهندسية”، ورقة بحثية لدراسات القانون بجامعة بيبردين (مقبول للنشر 2025) (من المقرر نشرها في مجلة ألاباما القانونية).
  4. جان كوماريك، “السوابق القضائية وصنع القانون القضائي في المحاكم العليا: مقارنة بين محكمة العدل والمحكمة العليا الأمريكية ومحكمة النقض الفرنسية”، 11 مجلة كامبريدج لسنة 2009 في دراسات القانون الأوروبي، 399، 399–433.
  5. المادة 31، قانون رقم 6، إعادة تنظيم المحكمة العليا (1982) (تنص على أن “المبادئ القانونية التي اعتمدتها المحكمة العليا في أحكامها ملزمة لجميع المحاكم وجميع الكيانات الأخرى داخل [ليبيا]”).
  6. جوزيف و. ميد، “السوابق القضائية في المحاكم الدنيا في الولايات المتحدة”، 12 مجلة نيفادا للقانون 787 (2011).
  1. انظر، المادة 23، قانون رقم 6 (1982) (كما تم تعديله بالقانون رقم 17 لسنة 1994) (تنص على أن “المحكمة العليا، التي تُعقد في جميع دوائرها ويرأسها رئيسها أو من ينوب عنه، تتمتع بالاختصاص الوحيد … [وتكون لها الكلمة الفصل عندما] يرى أحد دوائر المحكمة العليا أنه من المناسب إحالة القضية إلى الجمعية العامة للتراجع عن مبدأ قانوني اعتمدته في أحكام سابقة”).
  2. ماثيو شراينر، “السوابق القضائية والأصالة: تحليل مقارن لاستئنافين قانونيين” (رسالة دكتوراه غير منشورة، 2024)؛ سوزان يورك، “الحالة الغريبة للقوانين المفقودة” (2025)؛ بريان أ. لانغيل وبن ماير-غودمان، “لا تعبث مع السيد بينهما”، بين، 17 يناير 2024، ص 48؛ جيسون جارفيش، “الفدرالية الهندسية”، ورقة بحثية لدراسات القانون بجامعة بيبردين (مقبول للنشر 2025) (من المقرر نشرها في مجلة ألاباما القانونية).
  3. فكر على سبيل المثال في القانون الإداري الليبي: قبل إصدار التشريعات المتعلقة بالقانون الإداري، كانت المحاكم الليبية، وخاصة المحكمة العليا الليبية، هي من أنشأ المبادئ المتعلقة بالقانون الإداري الليبي.
  4. انظر، طعن مدني رقم 453/64، المحكمة العليا الليبية (26 مايو 2021) (تنص بأنّ مخالفة القانون رقم 2016/6 يمكن أن تثار من قبل الأطراف في أي مرحلة من مراحل التقاضي، ويمكن للمحكمة إثارة هذه المخالفات من تلقاء نفسها، لأنها تتعلق بالنظام العام والآداب في ليبيا).
  5.  نفس المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *