ظاهرة حرمان النساء من الإرث في المجتمع الليبي
تردني أسئلة كثيرة من نساء حرمن من حصولهن على نصيبهن في التركة من مورثيهن، بحيث أصبحت ظاهرة تستدعي إخضاعها للنقاش. ويكون ذلك في صور مختلفة، منها أنه لا توزع التركة بعيد وفاة المورث، ويترك الأمر على ما هو عليه لسنوات طويلة، وتكون كل أعيان التركة أو بعضها تحت سيطرة بعض الأبناء. وبمضي مدة طويلة دون مناقشة التركة، يتمسك بها حائزها، وأحيانًا يدعي الابن الحائز أنه كان شريكًا لوالده أو أنه أجرى عليها تحسينات وصيانات كلفته أموالًا كثيرة، وأحيانًا يحصل على توكيل في البداية من جميع الورثة لإنهاء الإجراءات، ثم يقوم ببيع العقار. وتجد المرأة نفسها محرجة؛ إن طالبت بحقها قد تخسر أخوتها، وإن سكتت ضاع حقها. فإن أعطيت بالمطالبة العائلية لا تعطى حقها، بل تعطى نصيبًا زهيدًا.
المحتويات
الواقع الاجتماعي والتقاليد
قد لا يُصدق البعض أن المجتمع الليبي المسلم، بلد المليون حافظ، يقبل بحرمان المرأة من الإرث، ولكن للأسف هذه حقيقة واقعة، خاصة في العقارات، من خلال بعض الحيل المخالفة للشريعة الإسلامية. ففي المنطقة الشرقية، يطبّقون قاعدة معروفة منذ أكثر من مائتي سنة تُنسب لأحد مشايخ البدو يُدعى “عمر بوجلغاف”، وهي: “المرأة لها بيتها وما ضم وراسها أو ما لم”. ويُقصد بهذه العبارة أن للمرأة الحق في أثاث البيت، والذهب أو الفضة التي تلبسها على رأسها، والتي غالبًا ما تكون مهرها.
أما في المنطقتين الغربية والجنوبية، فيتحايلون على حق المرأة في الإرث من خلال الوقف على الذرية، حيث يقوم الرجل بوقف عقاراته على أبنائه الذكور دون الإناث، وإن نزلوا (أي أبناء الأبناء) دون البنات، فتحرم الإناث من ذريته. وعلى الرغم من أن هذا الرأي يستند إلى اجتهاد فقهي ضعيف في مذهب الإمام مالك، إلا أن فقهاء المذاهب الأخرى، وكذلك غالبية فقهاء المذهب المالكي، يُسمّونه “الوقف الجَنَف” أي الظلم. ومع ذلك، فقد طُبق هذا النوع من الوقف على نطاق واسع.
أمثلة واقعية
وفي الحالتين، يُستغل ضعف المرأة وعدم قدرتها على المطالبة بحقوقها في مواجهة الذكور، وفقًا للعادات الاجتماعية التي لا تقبل بذلك. وما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما سمعته عن رجل قام ببيع قطعة أرض ورثها عن والده بسبعة ملايين دينار، وأعطى كل واحدة من أخواته الثلاث ألف دينار “جبر خاطر”، كما يسمونه في العُرف.
الجهود القانونية والتشريعية
كان هذا الأمر شائعًا أكثر قبل ستينات القرن الماضي، مما دفع الملك إدريس -رحمه الله- إلى عرض الموضوع على مجلس النواب، الذي أصدر القانون رقم (6) لسنة 1959 بشأن حماية حق النساء في الإرث، وهو ما زال ساري المفعول إلى اليوم، وإن لم نجد له صدى في التطبيق العملي.
نصوص قانونية ذات صلة
وقد نص القانون في مادته الأولى على:
“يكون ميراث النساء وتعيين أنصبتهن طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية”.
أما المادة الثانية فقد نصّت على:
“لا يجوز الامتناع عن أداء ما تستحقه المرأة من نصيب في الميراث. ويُقصد بالامتناع عدم تسليم المرأة نصيبها في الميراث أو الحيلولة دون انتفاعها به أو تصرفها فيه أو حبس غلته عنها أو عدم تمكينها من مباشرة ما للمالك من حقوق أخرى على ملكه، بشرط أن يكون استحقاق المرأة ثابتًا سواء بالإقرار أو بصدور حكم نهائي من جهة مختصة”.
في حين نصّت المادة الثالثة على:
“إذا نازع واضع اليد على التركة في حق المرأة في الميراث أو في نصيبها فيه، وجب عليه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ مطالبة المرأة بحقها أن يحضر إلى المحكمة المختصة للفصل في النزاع، وإلا اعتُبر مُقرًا بحقها في الميراث”.
ونصّت المادة الرابعة على:
“كل ميراث استحق لأية امرأة في الفترة من 25 ديسمبر سنة 1951 حتى العمل بهذا القانون يجب أداؤه إليها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به إذا كان الميراث غير متنازع فيه”.
أما المادة الخامسة فقد نصّت على:
“كل مخالفة لأحكام هذا القانون يُعاقب عليها بالحبس مع الحكم بأداء ما تستحقه المرأة من ميراث”.
موقف شيوخ القبائل
عند مناقشة بعض مشايخ القبائل حول مشروعية تطبيق قاعدة “المرأة لها بيتها وما ضم وراسها وما لم”، كان ردهم أن أراضي القبيلة حصلوا عليها وحافظوا عليها مئات السنين بقوة السلاح، وإذا قُسّمت على النساء اللاتي يتزوجن من رجال ليسوا من القبيلة، فسيؤدي ذلك إلى توزيع أراضي القبيلة على قبائل أخرى، مما يهدد بفقدان القبيلة لمصدر رزقها، وقد يخلق نزاعات مع القبائل الأخرى قد تتطور إلى حروب.
التشريعات الحديثة ومعوقات التطبيق
أما في المنطقة الغربية، فقد ألغى القانون رقم (16) لسنة 1973 بشأن إلغاء الوقف على غير الخيرات هذه الحيلة.
رغم صدور القوانين التي تمنع حرمان النساء من الإرث وإلغاء الوقف على الذرية، إلا أن هذه الممارسات ما زالت قائمة في الواقع العملي، مستندة إلى ضعف المرأة وجهلها بحقوقها، وسلطة المجتمع الذكورية.
الحكم الشرعي في حرمان المرأة من الإرث
من الناحية الشرعية، فإن حرمان المرأة من الإرث يتناقض بوضوح مع نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وهو ظلم محرم شرعًا وتعدّ على حدود الله.
توصيات
هذا الموضوع مطروح للنقاش، ويجب اتخاذ إجراءات عملية لحماية حق النساء في الإرث، وهو حق مهدور في مجتمعنا. وعلى كل حال فإن القانون يحمي حق النساء في الإرث عند اللجوء للقضاء.
بقلم المستشار جمعة عبدالله بوزيد
26/3/2024
اترك تعليقاً