أدوات الوصول

Skip to main content

دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية في القانون الليبي: تباينها مع بيت الطاعة التقليدي

تعتبر دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية من القضايا القانونية المثيرة للجدل في المجتمع الليبي، حيث تتداخل فيها العديد من الأحكام الشرعية والقانونية. ومع التطورات التشريعية التي شهدها القانون الليبي، أصبحت هناك حاجة ملحة لفهم أبعاد هذا الموضوع وكيفية التعامل معه قانونياً. يتناول هذا المقال الفروقات بين دعوى الرجوع إلى بيت الزوجية وبيت الطاعة كما هو معروف عرفاً، والإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها في حال عدم امتثال الزوجة لحكم المحكمة.

دعوى الرجوع لبيت الزوجية في القانون الليبي واختلافها مع بيت الطاعة كما هو معروف عرفاً

وردني سؤال من أحد الأصدقاء نصه:

“مساء الخير سيادة المستشار، لدي سؤال، واسمح لي على طرحه لأنني في حضوركم لا أحاول حتى الاجتهاد أو البحث. بالنسبة للمرأة التي يصدر بحقها حكم بالعودة إلى بيت الزوجية (بيت الطاعة كما نسميه) ولا تمثل بالتنفيذ، أو تتأخر كثيراً، بمعنى آخر تتجاهل الحكم رغم كونه مذيلاً بالصبغة التنفيذية، ما هو الإجراء القانوني الذي يمكن اتخاذه حيالها؟ علماً بأنها حاضنة لرضيع. وإذا طلقها زوجها لرفضها الإذعان لحكم المحكمة، فهل تكون لها حقوق؟ ولك الشكر والتقدير سلفاً.”

الرد:

هذا السؤال في محله لأن الصيغة التنفيذية تكون في الأحكام بالإلزام، وهي تعني إمكانية التنفيذ الجبري. ومنطوق الحكم عادة يكون بإلزام المدعى عليها بالرجوع إلى بيت الزوجية، فهل يجوز تنفيذ الحكم بالقوة بإجبار الزوجة على الرجوع؟

لا يوجد نص في قانون الزواج والطلاق الحالي يبيح ذلك، رغم أن قانون إجراءات المحاكم الشرعية رقم 1 لسنة 1958 الملغى قد نص في المادة 212 على أن:

“تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الشرعية بالطاعة أو الحفظ أو الفرقة بين الزوجين وتسليم الصغير ونحو ذلك مما يتعلق بالأحوال الشخصية يكون قهراً ولو أدى إلى استعمال القوة ودخول المنازل، ويتبع رجال التنفيذ في هذه الحالات التعليمات التي تعطى من القاضي أو نائب القاضي الكائن بدائرته المحل الذي يحصل فيه التنفيذ.”

ورغم صراحة هذا النص إلا أنه لم يطبق طيلة الفترة التي نفذ فيها هذا القانون من سنة 1958 إلى سنة 1984 في جميع المحاكم الشرعية فيما يتعلق برجوع الزوجة، تطبيقا للذوق القضائي أو الملاءمات القضائية في قضاء الأحوال الشخصية. وكان العمل في تلك الفترة أن ترفع دعوى النشوز، فإذا ثبت أن الزوجة كانت متعنتة وترفض الرجوع رغم أن الزوج قد أعد لها السكن المناسب والمستقل والصحي إلا أنها ترفض الرجوع ولا يوجد أي سبب قانوني آخر يبرر عدم رجوعها، كان يصدر حكم باعتبارها ناشزا وتحرم من النفقة طيلة مدة نشوزها التي قد تستمر سنوات إلى أن ترضخ وتقبل الرجوع.

إلا أن النشوز رغم أنه منصوص عليه في الفقه المالكي فإن القانون رقم 10 لسنة 1984 قد ألغاه بموجب المادة 73/2 التي نصت على أن:

“تلغى أحكام النشوز الصادرة قبل هذا القانون وتعتبر كأن لم تكن.”

وبذلك فإن حرمان الزوجة من النفقة لا يجوز، وتبدأ النفقة من تاريخ العقد حيث نصت المادة 23 على أن:

“تجب نفقة الزوجة على زوجها الموسر من تاريخ العقد الصحيح، كما تلزم الزوجة الموسرة بالإنفاق على زوجها وأولادها منه مدة إعسار الزوج، وتقدر النفقة بحسب حال الملزم بها وقت فرضها عسراً أو يسراً.”

ومعنى هذا أن النفقة تستحق للمرأة التي ترفض الرجوع، فمادام عقد الزواج قائماً فإن النفقة مستحقة بسبب إلغاء النشوز. وهنا، وفي حالة أن الزوجة غير موسرة، فإن من حقها أن تطلب النفقة ولو كانت رافضة الرجوع. هذا الاجتهاد الذي جاء به المشرع الليبي يخالف قاعدة شرعية في الفقه المالكي وهي “النفقة مقابل الاحتباس”.

إلا أن الزوج عندما يقوم بإعلانها بالحكم للرجوع إلى بيت الزوجية ولم تنفذ يعتبر هذا ضررا حصل له، فيستطيع أن يرفع دعوى تطليقها للضرر ويستفيد من نص المادة 39 والتي نصها:

“إذا عجز الحكمان عن الإصلاح بين الزوجين تولت المحكمة الفصل في النزاع. وفي هذه الحالة تعقد المحكمة جلسة سرية للإصلاح بين الزوجين، فإذا تعذر عليها ذلك وثبت الضرر حكمت بالتطليق فإذا كان المتسبب في الضرر هي الزوجة حكمت المحكمة بسقوط مؤخر الصداق ومتجمد النفقة مع التعويض عن الضرر للطرف الآخر.”

أي أن الضرر هو من الزوجة، فيحكم القاضي بسقوط مؤخر الصداق ومتجمد النفقة مع التعويض. وحسناً فعل المشرع عندما ألغى النشوز الذي كان يضر بالنساء حيث تبقى أحيانا لسنوات معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، ثم إن حرمانها من النفقة قد يعرضها للفساد والضياع.

أما ما يتعلق بحضانة الرضيع كما ورد في السؤال، فإن الحضانة دائماً ينظر فيها إلى مصلحة الرضيع لأن الحضانة تتجاذبها ثلاث مصالح: مصلحة المحضون، مصلحة الحاضنة، ومصلحة الولي. فإذا اتفقت فبها، وإذا اختلفت تقدم مصلحة المحضون، ومصلحة المحضون أن يكون لدى الحاضنة الأم فهي أولى برعايته والاعتناء به.

أرجو أيها السائل أن أكون قد أجبت على سؤالك.

بقلم: المستشار جمعة عبدالله بوزيد
بتاريخ: 31 ديسمبر 2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منشورات ذات الصلة