حضانة الأنثى في القانون الليبي: بين الحاجة إلى التعديل والتناقض التشريعي
يعد موضوع حضانة الأنثى في القانون الليبي من القضايا التي تحتاج إلى مراجعة وتعديل، خاصة في ظل التطورات الاجتماعية والقانونية التي شهدها المجتمع الليبي. فالقانون رقم (10) لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق لا يزال يحمل نصوصًا قديمة تتناقض مع القوانين الحديثة المتعلقة بسن الرشد وحقوق الولاية على النفس والمال.
إن استمرار حضانة الفتاة حتى زواجها، كما ينص عليه القانون الحالي، يثير العديد من التساؤلات حول مدى انسجامه مع واقع المرأة الليبية اليوم، حيث أصبحت تشغل مناصب عليا كالقاضية والطبيبة والأستاذة الجامعية والنائبة البرلمانية. فهل يعقل أن تُعتبر هذه المرأة محضونة رغم بلوغها سن الرشد وتمتعها بالأهلية القانونية الكاملة؟
في هذا المقال، سنناقش الحاجة الملحة إلى تعديل قانون الحضانة ليتماشى مع مقتضيات العصر، وسنوضح التناقض التشريعي بين هذا القانون وغيره من القوانين التي تحدد سن الرشد وتنهي الولاية على النفس عند بلوغه، مع اقتراح حلول تواكب تطور المجتمع الليبي.
من القوانين التي باتت في حاجة ماسة إلى المراجعة والتعديل القانون رقم (10) لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق، خاصة فيما يتعلق بحضانة الأنثى، حيث نصت المادة (62) منه على:
«الحضانة حفظ الولد وتربيته ورعاية شؤونه وتوجيهه من حين ولادته إلى أن يبلغ الذكر ويتم الدخول بالأنثى، وذلك بما لا يتعارض مع حق الولي».
وقد جاء مصطلح الحضانة مشتقًا من الحضن، وهو دلالة واضحة على احتضان الأم تحديدًا. كما حددت المادة (65) شروطًا وواجبات للحاضن بنصها:
«يشترط في الحاضن، ذكراً كان أم أنثى، أن يكون بالغاً، عاقلاً، أميناً، قادراً على تربية المحضون وصيانته ورعايته، خالياً من الأمراض المعدية. ويختص الحاضن الذكر بأن يكون محرماً للمحضونة الأنثى، وعنده من يحضن من النساء».
انتقاد قانون الحضانة
إن هذا القانون استند في وضعه على المذهب المالكي، الذي نظر إلى المحضون من زاوية واحدة فقط، وهي احتياجه للرعاية والخدمة بسبب صغر سنه، دون أن يأخذ بعين الاعتبار تغير الأزمان وتطور المجتمعات. كما وضع ترتيباً معيناً لمنازعات الحضانة تبدأ من الأم ثم الأب ثم الجدات ثم الأقارب من النساء.
إن وضع الأنثى في هذا القانون وضع خاص للغاية؛ إذ يستمر اعتبارها محضونة حتى زواجها ودخول زوجها بها، مما يفتح الباب أمام نزاعات قد تبدو غريبة في عصرنا الحالي، ويكرّس صورة قديمة للمرأة باعتبارها بحاجة مستمرة إلى الرعاية والتوجيه من قبل شخص آخر، حتى وإن كانت أكثر كفاءة وخبرة وتعليمًا.
فإذا نظرنا إلى واقع المرأة الليبية اليوم، نجد أنها أصبحت طبيبة متخصصة، أستاذة جامعية، نائبة في مجلس النواب، قاضية، أو وكيلة نيابة تفصل في قضايا المجتمع الكبرى. فكيف يُعقل أن تبقى هذه المرأة محضونة لدى امرأة مسنة قد تكون أقل منها تعليمًا وثقافة وخبرة، وأن تظل تحت ولايتها ورعايتها مهما بلغ عمرها، بل قد تُطالب بحضانتها حتى وإن تجاوزت الأربعين من عمرها؟
تناقض مع قوانين الولاية والبلوغ
وهنا نتساءل: هل حق الحضانة أقوى من حق الولاية على النفس والمال؟ فوفقًا للقانون رقم (17) لسنة 1992 بشأن تنظيم أحوال القاصرين ومن في حكمهم، نصت المادة (9) على أن:
«سن الرشد ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة».
كما نصت المادة (35) على أن:
«تنتهي الولاية على النفس ببلوغ الصغير سن الرشد».
بينما أوضحت المادة (58) أن:
«تنتهي الولاية على المال ببلوغ سن الرشد أو بزوال الحجر».
وأكدت المادة (59) على أن:
«ترد إلى القاصر أمواله عند بلوغه سن الرشد» مهما بلغت قيمتها.
الحاجة إلى تعديل القانون
بناءً على ما سبق، فإن النص الحالي للقانون رقم (10) لسنة 1984 أصبح لا يتماشى مع مقتضيات الحاضر في ليبيا، كما أنه يخلق تناقضاً واضحاً مع بقية التشريعات والقوانين التي تحدد سن الرشد وتنهي الولاية عند بلوغه.
وأرى أن سبب هذا التناقض يكمن في اتباع فلسفة دينية تعتمد النقل دون إعمال العقل، مما يؤدي إلى نتائج قد تكون ظالمة وغير منطقية في عصرنا الحالي.
مقترح التعديل
لذلك، أقترح ضرورة تعديل هذا النص التشريعي بحيث:
- تنتهي الحضانة ببلوغ سن الرشد (ثماني عشرة سنة)، أو
- يُمنح المحضون حرية الاختيار في ذلك، بما يواكب التطورات الاجتماعية والقانونية الحالية.
والله أعلم.
بقلم المستشار: جمعة عبدالله بوزيد
10/03/2025
لا أوافقك على هذا المقترح في ظل وجود مجتمع لا رقيب فيه ولا حسيب، وكثرة المنظمات النسوية التي تدعو إلى تحرر المرأة وانسلاخها عن المجتمع المحافظ، وما دعا إليه الدين والعرف والتقاليد. ومقترحك تطبيقه يعني تدمير المرأة التي ستصبح أمًّا ومدرسة في المجتمع إذا تربّت داخل أسرة محافظة. هذا المقترح نراه في الغرب وفي مجتمعاتهم المتفسخة.
اتفق معكم، سيادة المستشار، حول ضرورة التفكير بشكل جدي في تعديل القانون رقم 10 لسنة 1984م.
فيما يخص الطرح الذي قدمتموه، تكمن المشكلة في أن القانون، إذا جعل مدة الحضانة حتى بلوغ سن 18 سنة، فإن ذلك يعني انتهاء حق الحاضنة في الحضانة. وبمجرد علم الولي بذلك، سيطلب ضم ابنته إليه ولايةً وسكناً. وعندما تكون الحاضنة هي الأم، وبعد سنوات قضتها في رعاية ابنتها، وربما رفضت الزواج تقديماً لحقها في الحضانة، ستجد نفسها قد خسرت كل شيء.
ولا شك أن بقاء البنت مع أمها أولى من بقائها مع زوجة أبيها، على سبيل المثال.
ولهذا، لا بد من دراسة المسألة من جميع جوانبها لإيجاد حلول متوازنة في هذا الخصوص. ولعل اقتراح ترك حرية الاختيار للبنت بعد بلوغها سن الرشد يُعدّ من الحلول الوسطى التي يمكن أن تحقق توازناً في هذه الحالة، وقد ترجح كفة الأم، خاصة إذا كان الأب لم يقم بواجبه تجاه ابنته خلال فترة الحضانة.
والمسألة، كما أشرتم، ليس فيها دليل قطعي الثبوت والدلالة، وهو ما يتيح إمكانية اختيار معالجة مناسبة لها.
ولا أظن أن المشرّع كان متمسكاً بالفقه المالكي في هذه المسألة بقدر ما وجد فيه خياراً مناسباً لترجيح حق الأم الحاضنة في بقاء المحضونة معها حتى تتزوج ويتم الدخول بها، ذلك أن بقية المدارس الفقهية تنهي سن الحضانة في وقت مبكر، حين يكون المحضون (ذكراً أو أنثى) لا يزال صغيراً.
والمشرّع، عندما يرغب في تغيير حكم من الأحكام أو تعديله، ليس بحاجة إلى أن يسنده إلى مدرسة فقهية معينة؛ ففي موضع آخر من القانون، عندما جعل الحضانة عقوبةً تُفرض على الزوجة التي ثبت إضرارها بزوجها، لم يستند إلى رأي المالكية ولا غيرهم، بل خالفهم في ذلك.
وبمناسبة طرح هذه الإشكالية، يمكن الإشارة أيضاً إلى وجود إشكاليات أخرى مرتبطة بالقانون المذكور وتتعلق بالحضانة، مثل:
وبالإضافة إلى مسألة الحضانة، هناك مواضيع أخرى يجب إعادة النظر فيها، ومنها موضوع التعدد، إذ لا بد من ضبطه وعدم ترك الحبل على غاربه كما هو الحال اليوم، حيث تشهد الوقائع العملية تجاوزات كثيرة جعلت التعدد وسيلةً لتكريس الظلم.
وكذلك، هناك إشكالية الطلاق المتلفظ به خارج المحكمة، وما نراه من فوضى في هذا الموضوع.
ومن بين الإشكاليات التي ترتبط بتطور واقع الأسرة الليبية وتحتاج إلى تدخل تشريعي:
والقائمة تطول لإشكاليات هذا القانون، وهي بحاجة إلى جلسات علمية متعددة للتشخيص واقتراح الحلول المناسبة.
د. أفراح العاتي
أستاذ مساعد بكلية القانون – جامعة طرابلس