Skip to main content

تقييم قانون الإدارة المحلية: بين المركزية واللامركزية

يُعدُّ قانون الإدارة المحلية من الركائز الأساسية لتنظيم الحكم داخل الدولة، حيث يهدف إلى تحقيق التوازن بين المركزية واللامركزية، بما يضمن توزيعًا عادلًا للصلاحيات والموارد بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية. إلا أن تطبيق هذا القانون في ليبيا ظل محل جدل واسع، خاصة بعد ثورة 17 فبراير، حيث كان الأمل معقودًا على إصدار قانون يعزز الإدارة المحلية، إلا أن القانون رقم 59 لسنة 2012 جاء مخيبًا للآمال، لكونه حافظ على نهج المركزية الإدارية بدلاً من دعم استقلالية المحافظات والبلديات.

في هذا المقال، نسلط الضوء على أبرز الإشكاليات التي تعتري قانون الإدارة المحلية في ليبيا، مع مقارنة بين قانون 130 لسنة 1972 والقانون 59 لسنة 2012، بالإضافة إلى تحليل مشروع القانون الجديد المقدم من مجلس الأمن القومي. كما سنناقش تأثير هذه التشريعات على كفاءة الإدارة المحلية، وأبرز التعديلات المطلوبة لتحقيق نظام أكثر عدالة وفعالية.

قانون الإدارة المحلية في الميزان

مع التعليق على مشروع قانون الإدارة المحلية المعروض على مجلس النواب

يُعتبر قانون الإدارة المحلية من أهم القوانين التي تصدرها الدولة، وأخطر ما يضر الإدارة المحلية هو تبني نظام الإدارة المركزية سواء بطريقة صريحة أو مقنعة. إن غريزة السلطة وممارسة التسلط لدى الإدارة العليا في الدولة تفضل النظام المركزي، مما يجعلها تتسلط على أقاليم الدولة البعيدة، فتحرمها من حقوقها وتُركزها في يدها وفي العاصمة. وهذا ما كانت تعاني منه الدولة الليبية، ولعل القانون الوحيد في تاريخ ليبيا الذي جسد اللامركزية هو القانون رقم 130 لسنة 1972، والذي لم يتم تطبيقه إلا لمدة عامين فقط.

لقد كان الجميع ينتظرون صدور قانون مجزٍ ينظم الإدارة المحلية بعد ثورة 17 فبراير، إلا أن المؤتمر الوطني الانتقالي أصدر القانون رقم 59 لسنة 2012 بشأن نظام الإدارة المحلية، وكان قانونًا معيبًا مما خيب الظن في توقعات الإصلاح الإداري.

عيوب القانون رقم 59 لسنة 2012

1. ترسيخ المركزية

قسم القانون الإدارة المحلية إلى محافظات وبلديات ومحلات، إلا أنه رسخ المركزية وجعل المحافظات تتبع وزير الحكم المحلي، حيث نصت المادة (16) منه على أن:

“يكون المحافظ مسؤولًا أمام الوزير عن مباشرته لاختصاصاته المنصوص عليها في هذا القانون، ويلتزم بتقديم تقارير دورية إليه عن نتائج الأعمال في مختلف الأنشطة التي تزاولها المحافظة، وأية موضوعات تحتاج إلى تنسيق مع المحافظات الأخرى أو الوزارات المعنية، على أن يعرض الوزير على رئيس مجلس الوزراء تقريرًا دوريًا عن نتائج الأعمال في المحافظات.”

بينما في القانون رقم 130 لسنة 1972، نصت المادة (8) على أن:

“يكون لكل محافظة محافظ يصدر بتعيينه وإعفائه من منصبه قرار من مجلس قيادة الثورة بناءً على عرض رئيس مجلس الوزراء وتحدد معاملته المالية بقرار من مجلس الوزراء.”

كما نصت المادة (9) على:

“تكون للمحافظ بالنسبة لأجهزة المحافظة وللمرافق التابعة لها اختصاصات الوزير في المسائل الإدارية والمالية.”

وبالمقارنة، نجد أن المحافظ في القانون الحالي هو مجرد موظف يتبع وزير الحكم المحلي، بينما المحافظ في قانون 130 لسنة 1972 كان في درجة الوزير ويتبع مجلس الوزراء مباشرة.

التعديلات التي أضعفت الإدارة المحلية

أولًا: تعديل القانون رقم 9 لسنة 2013

جاء هذا التعديل ليضيف مادة جديدة برقم 80 مكررًا، نصها:

“إلى حين صدور قانون بإنشاء المحافظات، لمجلس الوزراء الشروع في إنشاء البلديات قبل المحافظات، وتؤول مؤقتًا الاختصاصات والصلاحيات المسندة لمجلس المحافظة إلى مجلس البلدية وعميد البلدية.”

هذا التعديل ألغى المحافظات التي كانت بمثابة مجالس وزراء مصغرة، مما أدى إلى ترسيخ المركزية البغيضة، وجعل المواطنين في مهب الريح في ظل الفوضى والانقسام والفساد الإداري.

ثانيًا: بدعة المجالس التسييرية للبلديات

نصت المادة (26) من القانون رقم 59 لسنة 2012 على أن المجلس البلدي يتم انتخابه بالاقتراع السري العام المباشر، ولكن مجلس الوزراء أصدر القرار 396 لسنة 2015 الذي سمح لوزير الحكم المحلي بتعيين مجالس تسييرية بدلًا من المجالس المنتخبة، مما أدى إلى:

  1. تجاوز حدود التفويض القانوني وإلغاء نظام الانتخاب.
  2. إعطاء صلاحية اقتراح المجالس التسييرية للمشايخ والأعيان.
  3. جعل الإدارة المحلية مصابة بالشلل، إذ لم تزود البلديات بالميزانيات اللازمة.

مشروع قانون الإدارة المحلية المقدم من مجلس الأمن القومي

اطلعت مؤخرًا على مشروع قانون الإدارة المحلية المقدم من مجلس الأمن القومي، ووجدته مشروعًا جيدًا من حيث الصياغة والبنية القانونية، حيث أعطى سلطات كافية للمحافظات والبلديات، مما يهدم المركزية الشديدة. ولكن لدي بعض الملاحظات:

  1. تعيين المحافظ بقرار من مجلس الوزراء: يجب أن يتم تعيين المحافظ وليس انتخابه، لأن المحافظ جزء من السلطة التنفيذية، ولا يمكن لمجلس النواب محاسبة الحكومة على مخالفات المحافظين إذا لم يكن لهم سلطة تعيينهم أو عزلهم.
  2. تطبيق نظام المحافظات الكبرى أو الأقاليم الإدارية: يمكن تقسيم ليبيا إلى ست محافظات بدلًا من النظام الحالي، مثل جعل الجبل الغربي محافظة واحدة، وبرقة محافظتين، وسرت والجفرة محافظة واحدة.
  3. تصنيف البلديات إلى فئات: يجب تصنيف البلديات إلى بلديات صغرى ومتوسطة وكبرى، حيث يمكن للبلديات الصغرى التعاون مع نظيراتها في بعض الاختصاصات.
  4. تشكيل مجالس المحافظات: يفضل أن تتكون مجالس المحافظات من عمداء البلديات، بالإضافة إلى خمسة أعضاء منتخبين.
  5. تعيين عمداء البلديات بدلًا من انتخابهم: التجربة العملية أثبتت أن انتخاب العمداء أدى إلى نزاعات قبلية وجهوية، ويجب أن يتم تعيين العميد بقرار من مجلس المحافظة.

لقد كان من الممكن أن تكون تجربة الإدارة المحلية في ليبيا أكثر نجاحًا لو تم تبني نظام لامركزي حقيقي، إلا أن التعديلات المتلاحقة جعلت الإدارة المحلية مشلولة بالكامل. نأمل أن يتم تعديل القوانين بما يخدم مصلحة المواطن، بعيدًا عن التسلط المركزي.

بقلم: المستشار جمعة عبد الله بوزيد
3/3/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *