أدوات الوصول

Skip to main content

العلاقة بين عضو مجلس النواب ودائرته الانتخابية: مشروعية الاستقالة والتخلي عن النيابة

تشهد الساحة الليبية ظاهرة متكررة تتعلق بتخلي أعضاء مجلس النواب عن مهامهم التي انتخبوا من أجلها بعد نيلهم ثقة دوائرهم الانتخابية، إذ يتجه بعضهم إلى شغل مناصب في السلطة التنفيذية كسفراء، وزراء، أو مندوبين في هيئات دولية، دون أن يتم انتخاب بدلاء لهم. تثير هذه الظاهرة تساؤلات حول مشروعية هذا التخلي والحقوق المقررة للناخبين والالتزامات المترتبة على النواب.

تكييف العلاقة بين عضو مجلس النواب ودائرته الانتخابية ومدى مشروعية حق النائب في الاستقالة أو التخلي عن النيابة

من الملاحظ أن العديد من السادة النواب الليبيين تخلوا عن العمل الذي انتخبوا من أجله بعد أن نالوا ثقة دائرتهم الانتخابية لتمثيلها في السلطة التشريعية. إلا أنه تم تكليفهم بوظائف في السلطة التنفيذية؛ بعضهم عينوا سفراء، وآخرون مندوبين في هيئات دولية، وآخرون وزراء، وبعضهم رؤساء مؤسسات أو شركات بعد أن تخلوا عن عملهم الذي انتخبوا من أجله دون أن ينتخب بدلاء لهم يمثلون هذه الدوائر. فهل هذا جائز قانوناً؟

قبل أن نجيب على هذا السؤال، لابد أن نعترف بأن النائب بشر، عرضة للوفاة، للمرض، وللعزل، وله الحق في الاستقالة لظروف يقدرها مثل الظروف الاجتماعية ويقبلها مجلس النواب. أما أن يترك العمل من طرف واحد ليشغل وظيفة أخرى مثل وزير، سفير، أو مندوب في هيئة دولية، وقد لا يقدم استقالته وينتظر قبولها، فإن هذه الوظائف قد تكون ثمناً لموقف سياسي اتخذه، وما كان له أن يصل إليها لولا عضويته بمجلس النواب التي اتخذها سلماً ليصل بها إلى هذه الوظيفة.

النائب بذل الغالي والرخيص (وكولس) واتصل ووعد ودفع وصدع رؤوس الناخبين بالدعاية الانتخابية والسير الذاتية واللوحات والإعلانات والصور، واعداً أنه سيحول الوطن إلى جنة الله في أرضه لكي يقنع الناخبين للتصويت له ضد منافسيه في الدائرة. فكيف نكيف هذه العلاقة بين النائب والناخبين في دائرته الانتخابية؟ وبعبارة أخرى، ما هي الحقوق المقررة لأولئك الناخبين وما هي الالتزامات المترتبة بذمة أعضاء مجلس النواب الذين تم التصويت لصالحهم؟

طرحت في الفقه الدستوري ثلاث نظريات بشأن تحديد العلاقة بين الناخبين وأعضاء مجلس النواب وتكييفها من الوجه الدستوري والقانوني، وهذه النظريات هي: نظرية الوكالة الإلزامية، نظرية الوكالة العامة، وأخيراً النظرية القائلة بأن الانتخاب ما هو إلا مجرد اختيار.

دون الخوض في هذه النظريات، نقول ببساطة إن النائب ينوب عن دائرته الانتخابية ويمثلها في مجلس النواب. فإذا كانت الدائرة تتكون من مائة ألف ناخب، فإنه ينوب عنهم في السلطة التشريعية. وقد عرفت المادة (6) من النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر بالقانون رقم 4 لسنة 2014 ذلك بنصها: “عضو مجلس النواب يمثل الشعب كله ولا يجوز لناخبيه تحديد وكالته بقيد أو شرط، فالتصويت حق شخصي للعضو لا يجوز التفويض فيه وتكفل أحكام هذه اللائحة حرية التعبير عن الرأي والفكر لجميع الأعضاء بغض النظر عن اتجاهاتهم وانتماءاتهم السياسية، بما لا يمس كرامة وحرية الآخرين أو الاعتداء اللفظي أو المعنوي على أي مواطن ليبي.”

فعضو مجلس النواب اختارته دائرة للثقة فيه لكي يخدم كل الوطن دون أية ضغوطات من ناخبيه، أو دون أن يخدم دائرته فقط، فكأنه عندما يجلس في قاعة مجلس النواب يحل محل جميع أعضاء دائرته في خدمة الوطن.

ونصت المادة (82) على: “تنتهي العضوية في مجلس النواب بالاستقالة أو الوفاة أو فقد الأهلية أو عدم قدرة العضو على أداء واجباته، كما تنتهي بالإسقاط إذا فقد الثقة والاعتبار أو فقد أحد شروط العضوية التي انتخب على أساسها، أو إذا أخل العضو بواجباته. ويصدر قرار إسقاط العضوية بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس.”

يلاحظ في هذه المادة أن انتهاء العضوية ليس من بينها تعيينه في وظيفة أخرى. ونصت المادة (83) على: “إذا شغر مقعد عضو من أعضاء مجلس النواب، يختار له بديل بطريق الانتخاب في الدائرة الفرعية التي يمثلها خلال شهر من تاريخ إشعار المجلس للمفوضية العليا للانتخابات بخلو المقعد. وتنتهي ولاية العضو الجديد بانتهاء مدة المجلس.” فهذا النص المتعلق بالنظام العام يشير إلى أنه إذا شغر مقعد في مجلس النواب، لابد من شغله خلال مدة شهر. ونصت المادة (86) على: “لعضو مجلس النواب أن يستقيل من عضوية المجلس، بموجب كتاب خطي صريح، يقدم إلى رئيس المجلس، فإن وردت الاستقالة مقيدة بشرط تعد ملغاة.” ونصت المادة (87) على: “على الرئيس أن يعلم المجلس بالاستقالة، بتلاوة كتاب الاستقالة في جلسة علنية. وتعد الاستقالة نهائية لا يجوز الرجوع فيها فور علم المجلس بها.” ومعنى هذا أن المستقيل يجب أن تعرض استقالته على المجلس لقبولها والتحقق من مبرراتها، ثم عليه أن يمارس عمله مؤقتاً في المجلس إلى أن يختار بديل عنه. أما أن تبقى هذه المقاعد شاغرة مدد طويلة، فإنه يخالف هذا القانون روحاً ونصاً.

برر البعض عدم إمكانية إجراء انتخابات في الدوائر الانتخابية بسبب الظروف الأمنية. ولعل النظام الداخلي للمؤتمر الوطني العام كان عملياً أكثر من النظام الداخلي لمجلس النواب، حيث نص على أنه إذا أصبح أحد المقاعد شاغراً، حل محله العضو الموالي له في نفس الدائرة، حيث نصت المادة (48) من قرار المؤتمر الوطني العام رقم 62 لسنة 2013 بشأن اعتماد تعديل النظام الداخلي للمؤتمر الوطني العام على: “تنتهي العضوية في المؤتمر الوطني العام قبل نهاية المدة في حالة الوفاة أو الاستقالة أو الإعفاء، ويحل محله المترشح الموالي له في الترتيب طبقاً لأحكام قانون الانتخابات.” وهو نفس ما نصت عليه المادة (52) من القانون رقم 17 لسنة 2013 بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، حيث جاء فيها: “تنتهي العضوية بالهيئة التأسيسية بأحد الأسباب الآتية: 1- الوفاة أو المرض الذي يستحيل معه ممارسة العضو لمهامه. 2- صدور حكم قضائي بات بالإدانة في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة. 3- استقالة العضو أو إقالته أو عزله. على أن يتولى شغل المقعد الشاغر المرشح التالي في عدد الأصوات للعضو المنتهية عضويته بدائرته الانتخابية.” أما النظام الداخلي لمجلس النواب فنص على أن يختار البديل عن طريق إجراء انتخابات في نفس الدائرة، ولعل السبب في ذلك أنه عند صدور هذا النظام كان الأمن مستتباً وكان الطموح قوياً أن تقوم دولة تقف على قدميها قبل قيام انقلاب فجر ليبيا. وكان الأفضل أن يقوم المجلس بإجراء تعديل واختيار المنافس التالي له مباشرة كسباً للوقت.

وخلاصة القول، إن الذين تخلوا عن الوكالة التي كلفوا بها لا يجوز لهم ذلك إذا كان الهدف هو انتقالهم لوظائف أخرى أكثر مزايا، فإنهم بذلك قد غلبوا المصلحة الشخصية على المصلحة العامة. أما الآخرون، لم نعلم ما إذا كانوا قد قدموا استقالات وقُبلت منهم أم لا، أم أنهم قدموا استقالات لأنفسهم وقبلوها بأنفسهم.

بقلم: المستشار جمعة عبدالله بوزيد
بتاريخ: 12 أغسطس 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منشورات ذات الصلة