العدالة بلا حدود – ولكن أيضاً بلا تحيّز: قراءة قانونية في طريقة عرض الولايات المتحدة لقضية منتهكي حقوق الإنسان
في 12 يوليو 2024، أصدرت إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) بياناً صحفياً بعنوان:
مكتب تنفيذ الترحيل في سان فرانسيسكو يعتقل مواطناً ليبياً في عملية وطنية تستهدف منتهكي حقوق الإنسان.
أفاد البيان أن العملية شملت اعتقال مطلوب ليبي في سان فرانسيسكو، وذلك ضمن حملة أمنية واسعة النطاق استهدفت أفراداً متهمين بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في دول مختلفة.
ورغم أن العملية شملت جنسيات متعددة — من أمريكا الوسطى وأفريقيا وآسيا والقوقاز — وجرائم جسيمة تشمل القتل خارج القانون، والاغتصاب، وتجنيد الأطفال، والإخفاء القسري، إلا أن العنوان الرئيسي اختار تسليط الضوء حصرياً على المواطن الليبي، دون تقديم تفاصيل واضحة عن قضيته مقارنةً ببقية الأفراد.
هذا الأسلوب في العرض يثير تساؤلات جوهرية حول الإطار الإعلامي المستخدم، ومدى حياديته، وتأثيره على سمعة الدول، وخاصة تلك الخارجة من النزاعات مثل ليبيا. في المجمع القانوني الليبي، نرى من واجبنا تسليط الضوء على هذه المسائل ضمن إطار قانوني وإنساني يحترم الحق في العدالة وكرامة الأفراد.
المحتويات
العنوان يختزل العملية: لماذا تم التركيز على الليبي؟
إن اختيار العنوان ليس مجرد مسألة تحريرية، بل هو فعل تعبيري له أثره على الرأي العام. حين يتم تقديم عملية متعددة الجنسيات، تضم انتهاكات جسيمة ارتكبها أفراد من خلفيات مختلفة، ولكن يتم تخصيص العنوان لذكر “مواطن ليبي” فقط، فإن ذلك:
- يُعطي انطباعاً غير متوازن بأن ليبيا هي المصدر الأبرز لانتهاكات حقوق الإنسان في العملية؛
- يُسهم في ترسيخ صورة سلبية عن الليبيين في الخارج، خاصة في مجالات الهجرة، اللجوء، والتعاون الدولي؛
- يتجاهل الجرائم المُوثقة والمفصلة التي نُسبت لجنسيات أخرى.
ولعل اللافت أن البيان لم يوضح طبيعة الجرائم المنسوبة للمواطن الليبي، بينما قدّم أوصافاً دقيقة للمتهمين من بلدان أخرى، كمن ارتكبوا الاغتصاب، أو أجبروا نساءً على الإجهاض، أو جنّدوا أطفالاً في الصراعات المسلحة.
التحيّز المبني على الجنسية: خطر على العدالة وحقوق الإنسان
يأتي هذا التحيز في العرض ضمن سياق دولي حسّاس، حيث تُعد جنسيات بعض الدول — ومنها ليبيا — عرضة للتمييز في سياسات الهجرة واللجوء. وإبراز الجنسية الليبية بهذا الشكل في العنوان، دون مبرر قانوني أو سياقي، يُعزز من مخاطر:
- التمييز المؤسسي ضد طالبي اللجوء الليبيين؛
- صورة نمطية مغلوطة ضد المهنيين والطلبة الليبيين في الخارج؛
- الاستخدام السياسي للعدالة الجنائية في تصفية الحسابات أو ترهيب الجاليات.
في المقابل، فإن الأفراد الذين ارتكبوا انتهاكات فعلية يجب أن يُحاسبوا ضمن آليات قضائية عادلة، بعيدة عن التعميم أو التشويه الجمعي لبلد بأكمله.
العدالة ليست أداة سياسية: دعوة للإنصاف والشفافية
من الثابت قانوناً وأخلاقياً أن منتهكي حقوق الإنسان يجب محاسبتهم دون تهاون، سواء أكانوا ليبيين أم غير ذلك. ولا يجب أن تُفهم هذه المقالة على أنها دفاع عن شخص متهم بجرائم — بل هي دفاع عن مبدأ العدالة المتساوية، وعن ضرورة فصل الهوية الوطنية عن الجريمة الفردية.
مؤسسات مثل مركز منتهكي حقوق الإنسان وجرائم الحرب التابع لوكالة الأمن الداخلي الأمريكية (HSI) تُعتبر أدوات مهمة لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية. لكن عليها أن تحرص في بياناتها وتصريحاتها الإعلامية على الحياد والاتزان في الخطاب، وألا تسقط في فخ المعالجة الإعلامية التي تُرَكِّز على جنسية دون أخرى.
دعوة لخطاب قانوني متوازن
ندعو من خلال هذا المقال إلى ما يلي:
على السلطات والمؤسسات الأمريكية
- تجنُّب التركيز على جنسية واحدة في العناوين ما لم يكن هناك مبرر عددي أو نوعي واضح؛
- تقديم مستوى متساوٍ من التفاصيل لجميع الحالات، دون انتقائية؛
- إدراك أن طريقة عرض المعلومات قد تُؤثر على علاقات دبلوماسية وعلى مصائر بشرية.
وعلى المؤسسات الليبية الرسمية والمجتمع المدني:
- رفع مستوى الوعي القانوني بشأن العدالة الانتقالية في ليبيا؛
- دعم مبادرات التوثيق والمساءلة في الداخل؛
- مواجهة الخطابات المغلوطة عن ليبيا بوسائل مهنية وقانونية.
إن العدالة الحقيقية لا تكتفي بأن تكون بلا حدود — بل يجب أن تكون بلا تحيّز أيضًا.
وإذا كان من واجبنا دعم الجهود الدولية في ملاحقة منتهكي حقوق الإنسان، فإن من واجبنا أيضًا مراقبة كيفية تقديم هذه الجهود للرأي العام.
تسليط الضوء على “مواطن ليبي” في عنوان عملية متعددة الأطراف دون تبرير أو تفاصيل، يُعد إخلالاً بمبدأ الحياد، ويُفاقم من آثار الخطاب المُسيَّس تجاه الشعوب الخارجة من النزاع.
فلنُطالب جميعاً بعدالة شفافة، تحترم الأفراد، وتعلي من شأن القانون، وتُقاوم اختزال الشعوب في أفعال أفراد.
اترك تعليقاً