Skip to main content

التطور التشريعي للتحكيم في القوانين الليبية

التحكيم ليس بظاهرة قانونية حديثة و إنما هو نظام قديم يضرب بجذوره في بطون التاريخ، حيث يعتبر أقدم وسيلة من وسائل فض المنازعات التي عرفها الإنسان منذ قديم الأزل، فقد عرفته البشرية قبل أن تعرف قضاء الدولة، و اعترفت به كافة الأنظمة السياسية التي كانت سائدة آنذاك، ثم تطور بمرور الزمن إلى أن أصبح ظاهرة من ظواهر عصرنا الحديث، ومحل اعتراف من كافة الأنظمة التشريعية الدولية و الوطنية، و يعيش الآن أزهى عصور ازدهاره، إذ لم يعد الوسيلة الأكثر ملائمة لفض منازعات التجارة الدولية و الاستثمار فحسب بل أصبح ضرورة حتمية في العقود التي يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أشخاص القانون العام (العقود الإدارية).

لذلك اهتمت به دول عربية كثيرة في مجالات مختلفة، سواء من حيث صياغة التشريعات الوطنية التي تتلاءم مع القواعد الدولية للتحكيم، أو من حيث إبرام اتفاقيات إقليمية ودولية، أو الانضمام لاتفاقيات قائمة، أو من حيث إنشاء مراكز وهيئات تحكيم.

فالمشرع الليبي لم يسن تشريع نموذجي للتحكيم، بما جعل المهتمين به مطالبين بالاجتهاد في هذا المجال، وهذه الاجتهادات لا يمكن ضمان استقرارها وتواصلها، بما يهدد الحقوق بشكل جدي.

أهمية البحث

لموضوع التطور التشريعي للقوانين التي تنص على التحكيم في ليبيا أهمية من حيث أن التحكيم من الموضوعات الجديرة بالدراسة والاهتمام، وأهميته تبرز في العديد من النقاط، أولها جدة الموضوع، وذلك بالنظر لقلة الدراسات القانونية، وثانيها لأن التحكيم فرض نفسه على الواقع القانوني و بقوة على الصعيدين الدولي والداخلي وأصبح مهما في الوقت الحاضر، فإن الاهتمام التشريعي بالتحكيم يمثل تغيرا مرغوبا فيه لدى جميع بلدان العالم ولاسيما ليبيا.

إشكالية البحث

يثير موضوع التطور التشريعي للقوانين التي تنص على التحكيم في ليبيا العديد من الإشكاليات التي يمكن طرحها منها

  • متى بدأ المشرع الليبي فعليا في إرساء قواعد قانونية تنص على التحكيم؟
  • أي تطور لحق بالتشريعات الليبية في مجال التحكيم، وإلى أي مرحلة وصل هذا التطور؟

منهجية البحث

سنقوم بدراسة موضوع التطور التاريخي للتحكيم في القوانين الليبية وفقا للمنهج التاريخي، وذلك بالرجوع إلى القوانين التي نصت على التحكيم ولكن قبل الدخول في صلب الموضوع والخوض في تفاصيله نستعرض نشأة التحكيم وتطوره التاريخي بصفة عامة، وذلك وفقا للخطة التالية:

المطلب الأول/ نشأة التحكيم وتطوره التاريخي.

المطلب الثاني/ التطور التشريعي للتحكيم في ليبيا.

المطلب الأول: نشأة التحكيم وتطوره التاريخي

سيتم تقسيم هذا المطلب إلى فرعين الأول خصص لدراسة نشأة التحكيم، والثاني تطوره التاريخي وذلك على النحو التالي:

الفرع الأول/ نشأة التحكيم

أن فكرة إنشاء نظام للتحكيم في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد لم تكن وليدة اللحظة، بل ترجع جذورها إلى المجتمعات القديمة غير أنها قد تطورت مع تطور الحياة الإنسانية و انتقال حياة الفرد من الأسرة إلى القبيلة ثم إلى مجتمعات الحضارية، فكل مرحلة من هذه المراحل كان لها دور إيجابي في تطوير نظام التحكيم وإبراز دوره في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية للأفراد، خاصة في ظل غياب سلطة مركزية منظمة تتولى مهمة الفصل في المنازعات التي تحدث بين الأفراد و تحفظ حقوقهم و تحميها خلال حقبة من الزمن كان مبدأ الانتقام والأخذ بالثأر هو السائد، إلا أنه مع انتقال الفرد من الأسرة إلى القبيلة حدث تغير ملموس في تسوية الخلافات التي تحدث بين الأفراد فيما بينهم و بين الأفراد و الجماعات الأخرى و ذلك من خلال ما كان يعرف بشيخ القبيلة الذي كان غالباَ ما يتم اللجوء إليه للفصل في النزاع من خلال العادات والأعراف القبلية التي كانت هي المرجع التشريعي في كل ما يحدث من نزاع. 

 وقد ساد هذا النظام مدة طويلة من الزمن إلا أنه مع ظهور الإسلام حدث تحول في إدارة العلاقات بين الأفراد وذلك من خلال وضع معالم للدولة لها سلطة وتتكفل بشؤون شعبها..

الفرع الثاني/ التطور التاريخي للتحكيم

لقد عرف التحكيم في المراحل الأولى لتكوين الفكر القانوني عند الإنسان، ثم تطور مع النمو الحضاري للبشرية، حتى بلغ المرحلة التي نراها اليوم.

ولتسليط المزيد من الضوء، سنبحث من خلال هذا الفرع التطور التاريخي للتحكيم منذ قديم الزمان إلى الزمن الحديث.

أولاَ/ التحكيم في ظل الدولة القديمة (المدن القديمة) 

بعد أن استقرت المجتمعات البشرية في نظام سياسي، وزال معه عهد الاحتكام إلى القوة، وظهر دور القضاء في الدولة، وأصبح التحكيم في هذه المرحلة إجباريا وفق قواعد قانونية ثابتة، وسنتحدث عن بعضا من هذه المدن القديمة.

التحكيم عند السومريين

عرف السومريون في جنوب العراق التحكيم، حيث عثر خلال القرن الحالي على لوح حجري كتبت عليه باللغة السومرية نصوص معاهدة صلح أبرمت في القرن الحادي والثلاثين قبل الميلاد، تم إبرامها بين مدينة (لجش) المعروفة اليوم باسم (تلو)، ومدينة (أوما) القريبة منها، حيث كان بين هاتين المدينتين نزاع مستمر بسبب تحديد الحدود و مياه الإرواء، فالتجأتا إلى التحكيم، وكان المحكم ملكاَ محايداَ من ملوك مدينة (كيش)،الذي قام بالوساطة في تحديد الحدود و تعليمها بنصب أقامه بين الدولتين، فنصت المعاهدة على وجوب احترام خندق الحدود بين المدينتين، و على شرط التحكيم لفض أي نزاع قد ينشأ بينهما بشأن الحدود. 

التحكيم عند الإغريق

عرف قدماء الإغريق التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية فكان على كل مواطن من مواطني أثينا أن يسجل اسمه في قوائم المحكمين للقيام بدوره في فض المنازعات، وذلك نظرا لتضخم المحاكم الشعبية بالقضايا والمنازعات فإذا أخفق المحكم في فض المنازعة أصدر قرارا مشفوعا بقسم مما يكون معه قابلا للاستئناف أمام المحاكم الشعبية والتي بدورها تحيله إلى هيئة المحكمين. 

 كما عرف الإغريق أيضا التحكيم في مجال العلاقات الخارجية فقد أنشأ الإغريق مجلسا دائما للتحكيم، تكون مهمته الفصل في المنازعات المدنية والتجارية أو المنازعات المتعلقة بالحدود بين دويلات المدن اليونانية، كما أنهم عرفوا معاهدات التحكيم الدائم إضافة إلى حالات التحكيم المنفردة.

التحكيم عند الرومان

التحكيم عند الرومان في المسائل المدنية فكان الأمر متروكا للتحكيم الخاص، حيث تم إنشاء وظيفة خاصة يتولاها حاكم يسمى “البريتو” فكان يقتصر دوره على سماع ادعاءات الخصوم وتسجيلها ثم رفع النزاع إلى المحكم الذي يختاره الخصوم ليفصل في نزاعهم، وكانت قرارات التحكيم تفتقر إلى السلطة والقوة التنفيذية وفي حالة امتناع أحد الخصوم عن تنفيذ قرار التحكيم توقع عليه غرامة أو عقوبة مالية بموجب شرط في اتفاق التحكيم. 

ثانياَ/ التحكيم عند العرب 

التحكيم عند العرب قبل الإسلام

إن التحكيم قديم النشأة حيث عرفه القدماء في جميع العصور الحضارية فقال عنه (أرسطو) أن الأطراف المتنازعة يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء ذلك لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي إلا بالتشريع، وازدهر التحكيم قبل الإسلام عند العرب وبرز عديد من المحكمين، حيث أن كل قبيلة لها محكميها . 

حيث عرف العرب قبل الإسلام التحكيم فيما يثور من منازعات بين القبائل والأفراد، فكان شيخ القبيلة باعتباره أنبل أفرادها وأشرفهم نسبا هو من يتولى مهمة التحكيم عادة، كما يتولى التحكيم أفراد آخرون غير شيخ القبيلة ممن يتصفون برجاحة العقل ويقظة الضمير وسعة المدارك وأصالة الرأي.

وقد ظهرت عدة صور غير مألوفة للتحكيم عند العرب قبل الإسلام فقد احتكموا إلى النار اعتقادا أن النار تأكل الظالم وأن البريء لا تمسه بسوء، كما احتكموا إلى الكهنة اعتقادا منهم بأن الكاهن يعلم الغيب ومن ثم يعلم الظالم و المظلوم وصاحب الحق من غيره، فضلا عن احتكاكهم أيضا إلى الأزلام كوسيلة لفض منازعاتهم . 

لقد اشتهرت في التاريخ العربي وقائع جرى فيها التحكيم و حسم به النزاع و من أهمها التحكيم في تولى السقاية من بئر زمزم، حيث انه عندما كشف عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم عن بئر زمزم خاصمته قريش بزعمهم بئر أبيهم إسماعيل و اشتد الخلاف بينهم ثم اتفقوا على التحاكم إلى كهنة بني سعد، فخرج عبد المطلب و خرج معه من كل قبيلة فرد حيث ساروا في الطريق إلى الكهنة التي ارتضوا تحكيمهم إلى أن نفذ مائهم و طال بهم الأمد و هم بغير ماء فبينما هم كذلك و إذا بالماء ينفجر تحت دابة عبد المطلب فاعتبروا هذه آية و علامة على أن السقاية من زمزم تكون لعبد المطلب وحده دونهم و كان عهدهم له بعدم منازعته في هذا الحق و هكذا انتهى هذا النزاع لصالح عبد المطلب ثم لذريته من بعده. 

بالإضافة إلى ذلك أمر التحكيم بشأن الحجر الأسود، عندما أصاب الكعبة سيل شديد هدم بنائها فأعادت قريش عمارتها حتى بلغ البنيان موضع الركن فاختصموا في الحجز الأسود، فكل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، و كل قبيلة تريد أن يكون لها هذا الشرف، حتى آل الأمر إلى الحرب وأعدوا للقتال عدته و حال بينهم و بينه أن أشار عليهم بعض حكمائهم بالتحكيم في الأمر، ثم اتفقوا على أن أول من يدخل عليهم يحتكمون إليه، فكان أول داخل عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم، ثم أخبروه بما حدث فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا بثوب وأخذ الحجر ووضعه بيده في الثوب ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه أخذه هو بيده ثم بنى عليه و بذلك أنهى التحكيم نزاعا أوشك أن يقضي إلي حرب بين قبائل مكة . 

التحكيم عند العرب بعد الإسلام

لقد ثبتت مشروعية التحكيم بالكتاب والسنة، ففي القرآن الكريم شرع التحكيم بنزول آيات تدل على جواز التحكيم بصفة عامة، وقد استدل فقهاء الشريعة الإسلامية بها في جواز التحكيم. يقول سبحانه وتعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً)،ويقول الله تبارك وتعالى( فلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تسْلِيمًا )، و يقول الله تعالى (إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) . 

كذلك تضمنت السنة النبوية إقرارا صريحا من الرسول صلى الله عليه وسلم بأن التحكيم مشروع وأنه من الأشياء الحسنة، بل من أحسنها، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه وفد فيهم رجل يكنى أبا الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله (إن الله هو الحكم وإليه الحكم فلم تكنى أبا الحكم؟) فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا. 

كما وردت عدة قضايا تحكيمية من الصحابة رضي الله عنهم، بل قد نقل بعض العلماء إجماع الصحابة على جواز التحكيم، ومن هذه القضايا التحكيمية:

التحكيم الذي جرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، في واقعة حطين’ والتي انتهت بالتحكيم، وقد استدل بعض الفقهاء بهذه القصة على مشروعية التحكيم.  

ثالثاَ/ التحكيم في العصور الوسطى والعصر الحديث

التحكيم في العصور الوسطى

تطور التحكيم خلال هذه العصور في البلدان الأوروبية، حتى أصبح نظاما مألوفا لفض المنازعات الدولية، فكانت تلجأ المماليك الأوروبية المسيحية في منازعاتها إلى تحكيم البابا والإمبراطور باعتبارهما سلطتين “فوق الممالك” أو أحد كبار رجال القانون، وكان قرار التحكيم الصادر يتخذ صفة حكم قضائي صادر من أعلى سلطة، وفي أواخر العصور الوسطى و ظهور الدولة الحديثة بدأ التحكيم يتراجع قليلا بين الدول الأوروبية نتيجة تمسكها المفرط بسيادتها فقد كانت هذه الدول تعتبر التحكيم بمثابة إجراء يمس بسيادتها، و كانت الخلافات الكبرى تجري تسويتها بين الدول بواسطة الوسائل السياسية أي بالتفاوض الدبلوماسي.

التحكيم في العصر الحديث

تعد البداية الحقيقة لنظام التحكيم الدولي، اعتبارا من السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر وذلك بتوقيع معاهدة الصداقة و التجارة و الملاحة و التي تسمى بمعاهدة جاي، هذه المعاهدة كان لها أثر كبير في تطور نظام التحكيم في مجال العلاقات الدولية، و يعتبر تحكيم الألباما أبرز مثال على التحكيم الدولي الحديث و أصباغه بالصيغة القضائية، و بعد تحكيم الألباما انتشرت حالات اللجوء إلى التحكيم الدولي بصورة واضحة وأصبحت المعاهدات الثنائية و الجماعية تتضمن نصوصا تتعلق بشرط اللجوء إلى التحكيم، ثم حقق التحكيم الدولي خطوة مهمة و ذلك خلال اتفاقية لاهاي 1899، حيث سعت وفود الدول لإنشاء محكمة دولية حقيقية تفتح أبوابها للدول كافة و بالفعل وافق مؤتمر لاهاي في 29 أكتوبر 1899، على الاتفاقية الخاصة بفض المنازعات الدولية بالطرق السلمية بواسطة المساعي الحميدة و الوساطة و التحكيم و تضمنت الاتفاقية نص صريح على إنشاء محكمة دولية للتحكيم أطلق عليها المحكمة الدائمة للتحكيم .

المطلب الثاني: التطور التشريعي للتحكيم في ليبيا

 التحكيم في ليبيا أشد تعقيداَ مما هو الحال عليه في بعض الدول العربية، لأن المشرع قد نص على التحكيم في تشريعات متفرقة والتي كانت بين مد وجزر، ولهذا سنقسم هذا المطلب إلى فروعين، نخصص الأول للقوانين الوطنية التي نصت ضمن موادها على التحكيم، والثاني لاتفاقيات التحكيم. 

الفرع الأول/ القوانين الوطنية 

تاريخ التحكيم في ليبيا هو جزء من تاريخ التحكيم في العالم العربي الإسلامي، وانطلاقا من أهميته التي يحتلها التحكيم اهتم به المشرع الليبي في وقت مبكر نوعا ما فأصدر بتاريخ 28/نوفمبر/1953م قانون المرافعات المدنية والتجارية والذي جاء بأحكام عامة تتعلق بالتحكيم من حيث كيفية إدارته وإصدار أحكام التحكيم وتنفيذها، في الباب الرابع من الكتاب الثالث (المواد من 739 الي 777)، حيث أن هذه المواد تعالج التحكيم الداخلي الخاص فقط دون التطرق إلى التحكيم الدولي.

وإلى جانب قانون المرافعات المدنية والتجارية أوجد المشرع تشريعات خاصة نصت في موادها على التحكيم، فعند اكتشاف النفط في منتصف الخمسينات وبدأت رحلة البحث عن كيفية البداية في إغراء الشركات، أصدر أول قانون للبترول (رقم 25) لسنة 1955 الذي صدر من أجل تنظيم العلاقة بين الدولة الليبية والمستثمر الأجنبي، وكيفية الفصل في منازعات البترول، وفيه جعل المشرع التحكيم هو الطريق الوحيد للفصل في منازعات البترول . 

إلا أن المشرع في سنة 1970م اتخذ موقفا صارما اتجاه التحكيم، فأصدر القانون رقم 76 ، الذي نص صراحة على حظر اللجوء إلى التحكيم، ورتب البطلان على عقود التي تبرمها الوزارات والمصالح والمؤسسات والهيئات العامة متضمنة فض المنازعات الناشئة عن العقد بطريق التحكيم.

ولكن تحت ضغط الواقع ومقتضيات التنمية لم يستمر المشرع الليبي على نفس النهج فترة طويلة، بل أراد أن يخفف من حدة هذا الحظر، فأصدر القانون رقم 1 لسنة 1971م بشأن تعديل القانون سالف الذكر، والذي أجاز اللجوء الى التحكيم بشرط حصول الوزير المختص على الموافقة من مجلس الوزراء بقرار مسبق متى كانت هناك مصلحة عامة تستدعي ذلك . 

وبإصدار القانون رقم 149 لسنة 1972 ، الذي بموجبه تم إلغاء القانون رقم 76 لسنة 1970م بشأن المنازعات الناشئة عن عقود الإدارة العامة، قام المشرع بأنهاء فكرة عدم اللجوء إلى التحكيم في المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية نهائيا 

 واستمر المشرع في سياسة التزام الحذر، فعمد الى وضع قيود على التحكيم فتضمن قرار اللجنة الشعبية العامة “سابقا” رقم 58 لسنة 1980م، بشأن لائحة العقود الإدارية، تنظيماَ متواضعاَ له فجعل الالتجاء للتحكيم استثناء على القضاء الوطني، في العقود المبرمة مع الشركات والمؤسسات الأجنبية في حالة الضرورة، ولكن بشرط موافقة اللجنة الشعبية العامة على ذلك. 

ثم توالت اللوائح المنظمة للعقود الإدارية الي أن صدرت أخر لائحة في 26/11/2007م ، والتي كانت مثل غيرها من اللوائح قد قيدت من حق الدولة والأجهزة التابعة لها من اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية إلا بعد موافقة اللجنة الشعبية العامة “سابقا” رئاسة الوزراء “حاليا” في حالة الضرورة عند التعاقد مع جهات غير وطنية.

ثم صدر القانون رقم 3 لسنة 2006م ، بشأن شركات القطاع العام، الذي أجاز التحكيم في المنازعات التي تقع بين الشركات الخاضعة لأحكام هذا القانون أو بينها وبين الأشخاص الاعتبارية الخاصة أو الافراد، وقد ألغي هذا القانون بموجب الفقرة 20 من نص المادة 1358 من القانون رقم 23 لسنة 2010م بشأن النشاط التجاري. 

و لكن عندما أدركت الحكومة الليبية أن فتح باب الاستثمار في القطاع الغير نفطي يعد أحد أهم روافد تنمية و تطوير هذا القطاع، اتجهت ليبيا الى التغيير الجوهري في السياسية الاقتصادية آنئذ إلى الانفتاح بهدف اجتذاب رؤوس الأموال العربية و الأجنبية للنهوض أو المشاركة في مشروعات التنمية في البلاد، واستهل المشرع هذه السياسة الجديدة بإصدار القانون رقم 5 لسنة 1997م ،بشأن تشجيع استثمار رؤوس الأموال الأجنبية في ليبيا، والذي أجاز لجوء الدولة إلى التحكيم وفقاَ للاتفاقيات الثنائية أو الدولية أو عند اتفاق الدولة و المستثمر على اللجوء إلى التحكيم، وقد ألغى هذا القانون بموجب المادة (30) من القانون رقم 9 لسنة 2010م ، بشأن تشجيع الاستثمار الذي تضمن من المميزات والحوافز و عناصر الثقة ما يهيئ مناخا اقتصاديا أمنا مريحا لرؤوس الأموال الوافدة على البلاد لتعمل و تثمر و تفيد و تستفيد و الذي أقر مبدأ التحكيم في منازعات الاستثمار التي يكون المستثمر فيها أجنبي أما تلك التي يكون فيها المستثمر وطنياَ فإنه يخضع لاختصاص القضاء الليبي و لا محل فيها للاتفاق على التحكيم. 

وفي الوقت الذي كان فيه العالم ينتظر أن تعتمد ليبيا قانونا جديدا خاصا بالتحكيم يأخذ من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي نموذجا له، صدر قانون رقم 4 لسنة 2010م ، بشأن التحكيم والتوفيق الذي نظم نمطا خاصا من التحكيم وهو تحكيم المحلات، الذي هو شكل من أشكال التحكيم القبلي في النزاعات القبلية والعائلية، والذي صرح بعرض النزاع على لجان التحكيم، وبموجبه تم إلغاء القانون رقم 74 لسنة 1975م بشأن التوفيق والتحكيم. 

كما نص المشرع الليبي في القانون رقم 12 لسنة 2010م، بشأن علاقات العمل، على التحكيم الاختياري والذي يتم بإرادة أطراف النزاع وفقاَ لمبدأ سلطان الإرادة، أي أن لدى الخصوم حرية بين اختيار التحكيم لحل الخلافات القائمة بينهم وبين القضاء العادي دون أن يكونوا ملزمين باختيار أي منهما.

و لكن عندما أصبح هناك ضرورة وحاجة ملحة على المشرع الليبي بأن يحزم أمره لسد الفراغ التشريعي الناتج عن عدم وجود تنظيم خاص و شامل للتحكيم، و الإسراع في تشريع قانون عصري خاص و مستقل بالتحكيم لتنظيم كافة أمور و مسائل المتعلقة بالتحكيم كما فعل المشرع المصري و غيره من القوانين العربية و العالمية، كانت هناك مبادرة من المركز الليبى للتحكيم التجاري الدولي بإعداد مسودة مشروع قانون التحكيم الليبي، و الذي تم التصويت عليها في جلسة مجلس النواب المنعقدة يوم 20 مارس 2023م، و صادق عليها بتاريخ 17 أبريل 2023م، وهو القانون رقم 10 لسنة 2023م، والذي يعد إنجازاً في ظل الظروف الراهنة للدولة الليبية، و سوف يُسهم بشكل كبير في حسم المنازعات المتراكمة، خاصة المتعلقة بالاستثمارات الدولية في ليبيا، كما يعد ركيزة أساسية من ركائز تشجيع جلب الاستثمارات الأجنبية، للمساهمة في بناء الدولة الليبية الحديثة.

الفرع الثاني/ اتفاقيات التحكيم

نستعرض في هذا الفرع اتفاقيات التحكيم العربية، وموقف المشرع الليبي من اتفاقيات التحكيم الدولية.

أولا/ اتفاقيات التحكيم العربية.

اتفاقيات التحكيم ذات الطابع العربي والتي انضمت إليها ليبيا دون غيرها من الاتفاقيات وهم الاتفاقيات المتضمنة تسوية المنازعات عن طريق التحكيم، والاتفاقيات المتضمنة تنفيذ قرارات التحكيم.

الاتفاقيات المتضمنة تسوية المنازعات عن طريق التحكيم.

أ- الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية لسنة (1980)، تهدف هذه الاتفاقية الى توفير مناخ ملائم للاستثمار العربي والى تسهيل انتقال رؤوس الأموال العربية وتوظيفها داخل الدول العربية، فبالإضافة إلى الضمانات المالية، و القانونية والضريبية التي تمنحها الاتفاقية للمستثمر العربي، تعطي الاتفاقية ضمانات إضافية التي هي اللجوء للتحكيم، حيث وضعت الاتفاقية نظاما للتوفيق والتحكيم يطبق على الأطراف المتنازعين. 

ب- اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة (1987)، وهي أهم الاتفاقيات العربية في مجال التحكيم التجاري، إذ أنها الاتفاقية الوحيدة التي نظمت التحكيم بالنسبة لمختلف المنازعات التجارية في إطار مؤسسي متكامل، بدءا من إنشاء مركز عربي موحد لتسوية المنازعات عن طريق التحكيم يسمى بالمركز العربي للتحكيم التجاري مقره الرباط، مرورا بإجراءات التحكيم، وانتهاء بصدور قرار التحكيم وتصحيحه والطعن فيه، بل وتنفيذه أيضا. 

الاتفاقيات المتضمنة تنفيذ قرارات التحكيم.

وهي اتفاقية الرياض للتعاون القضائي لسنة (1983)، والتي وقعها عدد كبير من الدول الأعضاء في الجامعة العربية ومن بينهم ليبيا، والتي ألغت اتفاقية تنفيذ الأحكام القضائية والتحكيمية لجامعة الدول العربية لسنة 1952، والتي تشتمل على أحكام تتعلق بتنفيذ قرارات التحكيم الصادرة في إحدى الدول المتعاقدة لدى الدول الأخرى. 

ثانياَ/ موقف المشرع الليبي من اتفاقيات التحكيم الدولية

اتجاه العالم نحو التنمية الاقتصادية الشاملة، ولجوء دول العالم إلى الخصخصة وتعظيم دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية دفع الكثيرين إلى التفكير في المراقبة والإشراف الدولي على وسائل فض المنازعات، وقد تجسدت الوسيلة الرئيسية للأشراف على هذه الوسائل من خلال إبرام اتفاقيات دولية تحكم العلاقة في منازعات التحكيم التجاري الدولي، فقاموا بإبرام عدد من الاتفاقيات منها:

اتفاقية نيويورك لعام 1958 المتعلقة بتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية. – 

  • الاتفاقية الأوروبية بخصوص التحكيم التجاري الموقعة في جنيف عام 1961م.-
  • الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات عن طريق التحكيم المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ورعايا الدول الأخرى الموقعة عام 1965م.
  • اتفاقية موسكو لعام 1972م بخصوص تسوية المنازعات عن طريق التحكيم بين الدول الاشتراكية.
  • اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الأخرى الموقعة عام 1974م. 

وسنتطرق بالحديث بشكل مبسط لاتفاقية نيويورك واتفاقية واشنطن كنموذج للاتفاقيات الدولية لأنهما تعد من أهم وأكبر الاتفاقيات الدولية في مجال الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها. 

اتفاقية نيويورك

تعد اتفاقية نيويورك من أهم الاتفاقيات فيما يتعلق بالتحكيم التجاري الدولي، و تعود أسباب وضعها إلى الرغبة في البحث عن وضع قواعد قانونية دولية تسهل الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، وجاءت المبادرة من غرفة التجارة الدولية 1953 عندما قدمت مشروعا لاتفاقية تتضمن قواعد جديدة لتنفيذ أحكام التحكيم الدولية، وبعد دراسة المشروع من المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة و إجراء تعديلات على المشروع المقدم من غرفة التجارة الدولية، تم وضع مشروع اتفاقية حول الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية و عرض المشروع للمناقشة في مؤتمر للأمم المتحدة انعقد في مقرها بنيويورك في الفترة من 30 مايو الى 10 يونيو 1958 و سميت باتفاقية الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية و يطلق عليها أيضا اتفاقية نيويورك لعام 1958.

ويعتبر بعض الباحثين أن هذه الاتفاقية قد أحدثت ثورة فيما يتعلق بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية حيث لا قيمة لقرار التحكيم إذا لم يتمكن من صدر القرار لمصلحته من تنفيذه.  

اتفاقية واشنطن

نظرا للنجاح الذي حققه التحكيم كآلية لفض منازعات التجارة الدولية، اخذ البنك الدولي للإنشاء والتعمير على عاتقه مهمة إعداد اتفاقية دولية أطلق عليها (الاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدولة وبين رعايا الدول الأخرى)، ويسميها البعض باتفاقية واشنطن لمنازعات الاستثمار، المبرمة في مدينة واشنطن بتاريخ 8 مارس 1965 و (LCSlD دخلت حيز النفاذ في 14 أكتوبر 1966، بموجبها تم إنشاء المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (

الا أن ليبيا لم تصادق على هاتين الاتفاقيتين الدوليتين في مجال التحكيم ربما كانت السبب وراء ذلك عوامل سياسية آنذاك، وهذه العوامل قد تكون بسبب تسمية الاتفاقيتين أو مكان إبرامهما أو مقر المركز المختص الذي أحدثته اتفاقية واشنطن سببا في هذا النفور، ولكن لم يمنع ذلك ليبيا من خوض غمار تجربة التحكيم التي كانت فاشلة في عمومها، إذ أن ليبيا انتهجت منهج الكرسي الفارغ ورفضت المشاركة في إجراءات تعيين المحكمين وإجراءات التحكيم نفسها في قضايا تحكيمية عملاقة شكلت تحولا عميقا في تاريخ التحكيم في العالم ككل مثل قضية شركة نفط كاليفورنيا الآسيوية و شركة نفط تكساكو عبر البحار ضد الحكومة الليبية في سنة 1971م (تحكيم تكساكو الصادر من المحكم دوبوي في 10 يناير 1977م)، و الذي صدر فيها حكم ضد الحكومة الليبية آنذاك.

وعلق أحد الملاحظين الدارسين على ذلك مستغربا من أن ليبيا التي اعتادت مقاطعة التحكيم تعودت رغم ذلك على احترام أحكام التحكيم الصادرة ضدها وتنفيذها في آجال معقولة، وبسرعة تتجاوز في الغالب سرعة امتثال الدول المعروفة بأنها صديقة لتحكيم . 

الخاتمة

وفي ختام هذا البحث المتواضع أود أن أوجز أهم ما تم التوصل إليه في هذا البحث من نتائج وتوصيات على النحو الآتي: –

أولاَ/ النتائج

1/ أن التحكيم وسيلة قديمة لحل المنازعات وهي سابقة على القضاء، فقد كان التحكيم معروفاَ لدى السومريين والإغريق والرومان وكذلك لدى الشعوب العربية قبل ظهور الإسلام، وأكدتها الشريعة الإسلامية السمحاء. 

2/ الجدير بالذكر أن القانون رقم 10 لسنة 2023م بشأن التحكيم الليبي قد جاء بأحكام مستحدثة تتعلق خصوصا بالتحكيم الالكتروني (الباب الثامن: المواد من 65 إلى 83) وتكوين مراكز التحكيم (الباب السابع: المواد من 84 إلى 96). 

 3/ أن التغيرات والتطورات التي طرأت على الأعمال التجارية، كانت سببا في زيادة الاهتمام بنظام التحكيم وذلك عن طريق إبرام المعاهدات والاتفاقيات، ومن أبرز هذه الاتفاقيات هي اتفاقية نيويورك لعام 1958 م بالإضافة الى اتفاقية واشنطن والتي انضمت إليهما أغلب الدول العربية ماعدا ليبيا، وعلى الصعيد العربي هناك اتفاقية عمان لسنة (1987)، واتفاقية الرياض لسنة 1983م. 

ثانياَ/ التوصيات 

1/ رغم أن القانون رقم 10 لسنة 2023م قد أخذ أغلب أحكامه عن القانون النموذجي لليونسترال، لكنه تأثر أيضا بالقانون التونسي والقانون المصري، و تضمن أحكام لا تواكب تطور قواعد التحكيم الدولية لذلك يجب تعديله و الأخذ بقانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي وفقا لأخر تعديلاته حرفيا دون تنقيح أو إعادة صياغته، لأن قانون الأونسيترال يتوافق مع الممارسات الحالية في التجارة الدولية و مع وسائل التعاقد الحديثة، مثل ما فعلت البحرين التي اختارت تبني القانون النموذجي الأونسيترال بحذافيره بلا زيادة ولا نقصان، و أصبحت بذلك تحتل موقعاَ ريادياَ بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفي مقدمة جميع الدول العربية في مجال التحكيم. 

2/التأكيد على أهمية أن تخطو ليبيا خطوة إيجابية في المستقبل للتوقيع على اتفاقية نيويورك واتفاقية واشنطن التي تم التوقيع عليهما من غالبية الدول العربية كما ذكرنا أنفا فهما من أهم الاتفاقيات الدولية في مجال الاعتراف بالأحكام التحكيم الأجنبية وتسهيل تنفيذها. 

3/ من المهم أن نشير إلى أنه رغم التغييرات الكثيرة المتعاقبة والارتدادات غير المتوقعة، ظل الاقتصاد الليبي اقتصادا ريعيا، باعتماده بشكل شبه كامل على إيرادات تصدير النفط، وعلى ذلك أحكمت الحكومة سيطرتها عليه وعلى القطاع العام بوجه أساسي، وهذا ما يعني أن جل القضايا التحكيمية تهم الوزارات والمصالح والمؤسسات والهيئات العامة.

وهذه الجهات مطالبة بتوفير وسائل الدفاع لإدارة قضايا الدولة من معطيات ووثائق قد يصعب أحيانا العثور عليها أو تجميعها، وفي المقابل على إدارة القضايا متابعة القضايا بنفسها وعدم الاعتماد على مكاتب المحاماة التي يقع تكليفها مهما كان صيتها وما تتمتع به من الكفاءة.

لذلك يجب على هذه المؤسسات وإدارة قضايا الدولة التنسيق لتكوين قاعدة بيانات حول الكفاءات التحكيمية في العالم العربي وأوروبا وأمريكا حتى يتسنى لها التعويل عليها إما كمكاتب استشارية أو أيضا كمحكمين يقع تعيينهم أو اقتراح تعيينهم في القضايا، وهو ما يتطلب التعاون التام من مختلف المؤسسات وايضا من البعثات الدبلوماسية في الخارج .

4/ أن ساحة التحكيمية في ليبيا تمر الان بمخاض عسير يعطي الفرصة لبعض مؤسسات التحكيم الموجودة في الساحة الفرصة لإثبات وجودها، إذ لا ينبغي أن تتكاثر مراكز التحكيم كما هو وقع في بلدان المجاورة بحيث يلوث مجموعها المحيط العام فتتضرر البيئة التحكيمية، و لا ينبغي أن يحتكر الساحة مركز واحد، لذلك يجب على المشرع إصدار قانون واضح يتضمن شروط صارمة لإحداث مراكز تحكيم تتمثّل في: وجود عدد هامّ من الأعضاء، الذين ينبغي أن يتوفّر فيهم حد أدنى من الكفاءة (اشتراط درجة علمية معينة في البعض، اشتراط خبرة مهنية في عدد معين، اشتراط سن معينة في نسبة منهم…). وهذه الشروط تهدف إلى ضمان جدية الساعين إلى إحداث مراكز تحكيمية، وهو ما يستوجب وضع أحكام انتقالية لتمكين مراكز التحكيم القائمة من تسوية أوضاعها طبق هذا القانون .

 5/ على الرغم من أن القضاء الليبي مبني على مبدأ التطوير والتدريب وأن المجلس الأعلى للهيئات القضائية يهدف إلى وضع قضاء متطور وعادل يستجيب لجميع تحديات التطور التي يواجهها المجتمع، وعلى الرغم أيضا من المستوى المرموق الذي تميزت به أغلب الأحكام الصّادرة عن المحاكم اللّيبية على مدى العقود الماضية، يظلّ القضاة دائما في حاجة إلى التّدريب وتجديد معارفهم اللغوية والقانونية لتهيئة جيل جديد يواكب التطورات الحاصلة في مجال التحكيم، وذلك بإقامة الندوات و الدورات بالداخل، لأنه يوجد في الوقت الحالي عدد من المتخصصين الليبيين ذوي المستوى المشهود لهم إقليميا ودوليا في مجال التحكيم. 

قائمة المراجع

  1. عبد الحميد الأحدب، موسوعة التحكيم في البلاد العربية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت – لبنان، 2005، ص 11.
  2. عبد الحميد الأحدب، مرجع سابق، ص 22.
  3. طه باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمه تاريخ العراق القديم، الجزء الأول، ص 100.
  4. د. قحطان عبد الرحمن الدوري، عقد التحكيم في الفقه الإسلامي، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2003، ص 59.
  5. خالد محمد القاضي، موسوعة التحكيم التجاري الدولي، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الكتب القانونية، القاهرة، 2009، ص 56.
  6. المرجع السابق، ص 56.
  7. د. خليل إبراهيم شيبوب، التحكيم في منازعات عقود الدولة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1995، ص 13.
  8. د. محمد مصطفى عبد الله، التحكيم في منازعات الدولة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، ص 25.
  9. د. أحمد محمد الزهراوي، مبادئ القانون الإداري، منشورات جامعة قار يونس، 1993، ص 159.
  10. د. محمود حافظ، التحكيم التجاري، دار الفكر الجامعي، القاهرة، 1989، ص 37.
  11. د. محمد سامي عبد الحميد، التحكيم في العلاقات القانونية الخاصة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1987، ص 51.
  12. د. سليمان الطماوي، القضاء الإداري، دار الفكر العربي، القاهرة، 1991، ص 183.
  13. د. خليل إبراهيم شيبوب، مرجع سابق، ص 49.
  14. د. حمدي عبد الرحمن محمد، التحكيم التجاري الدولي، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2008، ص 72.
  15. د. عمرو عبد العزيز سلامة، التحكيم في العقود الإدارية، دار الفكر العربي، القاهرة، 2003، ص 84.
  16. د. سامي جمال الدين، العقود الإدارية، دار الفكر الجامعي، القاهرة، ص 61.
  17. د. حسن محمد الهداوي، نظام التحكيم في التشريع الليبي، مطابع الصحافة، طرابلس، 1992، ص 37.
  18. د. أحمد عبد الكريم سلام، التحكيم في العقود الإدارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990، ص 91.
  19. د. إبراهيم سيد أحمد، التحكيم في عقود الاستثمار، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2004، ص 73.
  20. د. إبراهيم سيد أحمد، مرجع سابق، ص 85.
  21. د. حسن محمد الهداوي، مرجع سابق، ص 57.
  22. عبد الحميد الأحدب، مرجع سابق، ص 105.
  23. د. سامي جمال الدين، مرجع سابق، ص 137.
  24. د. محمد عبد الكريم، التحكيم في العلاقات القانونية، دار الفكر الجامعي، 2001، ص 124.
  25. د. خليل إبراهيم شيبوب، مرجع سابق، ص 111.
  26. د. قحطان عبد الرحمن الدوري، مرجع سابق، ص 67.
  27. د. علي عبد القادر القهوجي، الوسيط في قانون التحكيم، دار الجامعة الجديدة، 2007، ص 88.
  28. د. طارق المجذوب، التحكيم التجاري الدولي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص 102.
  29. د. أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، 2000، ص 231.
  30. د. عادل عبد العال محمد، التحكيم في العقود الإدارية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2006، ص 112.
  31. هناك مركز تحكيم يسمى المركز الليبي للتحكيم التجاري الدولي تأسس سنة 2008 وتم تسجيله في السجل التجاري بطرابلس، ويعتبر من المراكز التي تروج لفكرة التحكيم في ليبيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *