أدوات الوصول

Skip to main content

الأصول الليبية المجمدة في أوروبا في ضوء الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية ومحكمة النقض الفرنسية

يركز هذا المقال على بعض الجوانب القانونية المتعلقة بالأصول الليبية المجمدة في أوروبا (تحديداً أصول المؤسسة الليبية للاستثمار) وذلك في ضوء الأحكام التي صدرت مؤخراً عن محكمة العدل الأوروبية ومحكمة النقض الفرنسية.

مقدمة

خلال العقد الماضي، باشرت العديد من الشركات الأجنبية دعاوى تحكيمية ضد الدولة الليبية أو المؤسسات التابعة لها لغرض الحصول على تعويضات عن الأضرار التي تدعي أنها لحقت بمصالحها نتيجة العمليات العسكرية التي جرت في البلاد، أو لعدم وفاء الطرف الليبي بالتزاماته العقدية نتيجة الأزمة السياسية والأمنية.

وعلى الرغم من أن الدولة الليبية والمؤسسات التابعة لها قد نجحت في الكثير من تلك الدعاوى التحكيمية، إلا أن بعض الشركات الأجنبية تمكنت من الحصول على أحكام لصالحها تجبر الطرف الليبي على تقديم تعويضات لهذه الشركات عن الأضرار المدعاة التي لحقت بها. وكما هو معلوم لدى الكثير، تعتبر شركة الخرافي الكويتية من ضمن الشركات الأجنبية التي نجحت في الحصول على أحكام ضد الدولة الليبية؛ حيث تحصلت على حكم تحكيمي بتعويض يقارب 1 مليار دولار أمريكي.

عقب نجاحها في دعواها التحكيمية، اتجهت شركة الخرافي إلى تنفيذ الحكم الذي صدر لصالحها على بعض الأصول المملوكة من قبل الدولة الليبية أو المؤسسات التابعة لها والموجودة في الخارج. ولعل أحد أسباب استهداف الأصول الليبية في الخارج يعود إلى الصعوبات العملية التي تواجه تنفيذ مثل هذه الأحكام داخل ليبيا.

في هذا السياق، استهدفت شركة الخرافي بعض الأصول المملوكة لصالح المؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا، حيث أدعت بأن المؤسسة الليبية للاستثمار تعد جزء لا يتجزأ من الدولة الليبية، وبالتالي يمكن استخدام الأصول المملوكة من قبل المؤسسة الليبية للاستثمار لتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة الليبية. وبالطبع قامت المؤسسة الليبية للاستثمار برفض هذا الادعاء مستندة إلى أنها ذات شخصية قانونية وذمة مالية مستقلة عن الدولة الليبية، وأنها لم تكن طرفاً في الدعوى التحكيمية بين ليبيا وشركة الخرافي، كما أنها لم تكن طرفاً في العقد الذي انبثقت عنه تلك الدعوى التحكيمية.

ولتحقيق غايتها، قامت شركة الخرافي باتخاذ إجراءات قضائية أمام عدد من المحاكم الفرنسية تهدف إلى توقيع حجز على بعض أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا. ورغم أن المؤسسة الليبية للاستثمار قد نجحت في صد بعض من تلك الإجراءات القضائية المتخذة، إلا أن شركة الخرافي نجحت في توقيع حجوزات على بعض الأصول المملوكة للمؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا.

وقد طعنت المؤسسة الليبية للاستثمار في الحجوزات القضائية الموقعة من قبل شركة الخرافي أمام محكمة الاستئناف في باريس ومحكمة الاستئناف في فرساي. وقد نجحت المؤسسة الليبية للاستثمار في الحصول على حكم لصالحها من محكمة الاستئناف في فرساي لتتمكن بموجبه من رفع بعض الحجوزات الموقعة من قبل شركة الخرافي داخل الاختصاص المكاني لمحكمة فرساي. إلا أن محكمة استئناف باريس أصدرت حكماً يتعارض مع حكم محكمة استئناف فرساي حيث أيدت الحجوزات الموقعة من قبل شركة الخرافي وقضت بأن المؤسسة الليبية للاستثمار تعد جزءًا من الدولة الليبية، وعلى هذا الأساس يمكن تنفيذ أحكام صادرة ضد الدولة الليبية على أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا.

وقد قامت كل من المؤسسة الليبية للاستثمار وشركة الخرافي بالطعن في الحكمين الصادرين عن محكمتي الاستئناف في باريس وفرساي أمام محكمة النقض الفرنسية. وقد كانت أحد الدفوع الرئيسية للمؤسسة الليبية للاستثمار هو أن أصولها تعد مجمدة وفقاً لقرارات الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي، وهو ما يمنع من توقيع الحجز على هذه الأصول والأموال المجمدة. وبدلاً من التصدي لهذا الدفع بنفسها، قررت محكمة النقض الفرنسية وقف الدعوى وانتظار حكم محكمة العدل الأوروبية في قضية أخرى مشابهة بين بنك سيباه الإيراني من جهة وشركة اوفرسيس ليمتد وأوكتري فاينانس ليمتد من جهة أخرى.

قضية بنك سيباه الإيراني

تعد محكمة العدل الأوروبية بمثابة المحكمة العليا داخل إطار الاتحاد الأوروبي، وتشمل سلطاتها تفسير قوانين الاتحاد وضمان التطبيق الموحد لها في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. ونتيجة لذلك، تعد الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية ملزمة لكل المحاكم الوطنية داخل دول الاتحاد الأوروبي، مع وجود بعض الاستثناءات.

وقد أُحيلت قضية إلى محكمة العدل الأوروبية تتعلق بإجراء متخذ من قبل شركة اوفرسيس ليمتد وأوكتري فاينانس ليمتد لغرض توقيع حجز على أصول مملوكة من قبل بنك سيباه الإيراني والتي تعد مجمدة وفقاً لقانون الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات المفروضة على إيران.

 وبشكل عام ودون الخوض في تفاصيل الحكم، قضت محكمة العدل الأوروبية بأنه لا يجوز توقيع حجز على الأصول المجمدة لبنك سيباه الإيراني. وقد سببت هذه المحكمة حكمها بأن قانون الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات المفروضة على إيران قد قام بتعريف مصطلحات “تجميد الأموال” و”تجميد الموارد الاقتصادية” بشكل واسع وهو الأمر الذي يترتب عليه منع أي استخدام للأموال والموارد الاقتصادية المجمدة. وقد اعتبرت هذه المحكمة أن فرض حجز على أموال بنك سيباه المجمدة يشكل في حد ذاته استخداماً لتلك الأموال، وهو الأمر الذي يجب منع حدوثه حتى وإن لم يؤدي هذا الحجز إلى إخراج هذه الأموال من ذمة مالكها.

ومع ذلك، فإن الجدير بالذكر هو أن محكمة العدل الأوروبية أوردت استثناءً يجيز فرض حجز على الأموال والموارد الاقتصادية المجمدة في حالة الحصول الإذن المسبق من الجهة الوطنية المختصة في الدولة ذات العلاقة داخل الاتحاد الأوروبي.

أثر حكم محكمة العدل الأوروبية على الأموال الليبية المجمدة

 لقد كان للحكم المذكور أعلاه أثر كبير على إجراءات التنفيذ المتخذة من قبل شركة الخرافي ضد أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا. فعقب صدور هذا الحكم، استأنفت محكمة النقض الفرنسية النظر في الطعون المرفوعة أمامها فيما يتعلق بالحجوزات الموقعة ضد أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا، وأصدرت أحكاماً مشابهة لحكم محكمة العدل الأوروبية قضت فيهم برفع الحجوزات الموقعة على الأصول المجمدة للمؤسسة الليبية للاستثمار.

وقد أسست محكمة النقض الفرنسية أحكامها على أسباب مشابهة لتلك المذكورة في حكم محكمة العدل الأوروبية، حيث يُفهم من حكمها أنها قضت بأن التعريفات الواسعة لمصطلحات “تجميد الأموال” و”تجميد الموارد الاقتصادية” الواردة في قانون الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات على ليبيا تمنع أي استخدام للأموال والموارد الاقتصادية المجمدة. وقد اعتبرت هذه المحكمة أن توقيع حجز على أصول المؤسسة الليبية للاستثمار يمثل في حد ذاته استخدامًا يمنعه قانون الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات على ليبيا، حتى وإن كان مثل هذا الحجز ذا طبيعة تحفظية لا يُخرج هذه الأموال من ذمة المؤسسة الليبية للاستثمار. 

ورغم أنها رفعت الحجوزات الموقعة على أصول المؤسسة الليبية للاستثمار، إلا أن الذي يفهم من حكم محكمة النقض الفرنسية هو أنها أيضاً أوردت استثناءً يسمح بتوقيع حجز على أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في حالة الحصول على إذن مسبق من الجهة الحكومية المختصة وهي وزارة الخزانة الفرنسية. بعبارات أخرى، إذا تمكنت شركة الخرافي من الحصول على الإذن المسبق من وزارة الخزانة الفرنسية، فإنه قد يكون بإمكانها توقيع حجز مرة أخرى على أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا.

بالإضافة إلى ما تقدم، كان لحكم محكمة العدل الأوروبية بالغ الأثر فيما يتعلق بإجراءات الحجز المتخذة من قبل شركات أجنبية أخرى ضد أصول المؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا. على سبيل المثال، أصدرت محكمة الاستئناف في باريس حكماً قضت فيه برفع الحجوزات الموقعة من قبل شركة سيبا بلاست التونسية (وهي أحد الشركات المتحصلة على حكم تحكيمي ضد ليبيا) ضد الأصول المجمدة للمؤسسة الليبية للاستثمار في فرنسا، مستندة إلى الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية إلى حد كبير.

ملاحظات ختامية

 لقد كان لحكم محكمة العدل الأوروبية أثر إيجابي بالنسبة لأصول المؤسسة الليبية للاستثمار المجمدة لدى دول الاتحاد الأوروبي، حيث أن ذلك الحكم شكل إلى حد كبير الأساس القانوني الذي استندت إليه محكمة النقض الفرنسية ومحكمة الاستئناف في باريس في رفع الحجوزات الموقعة من قبل كل من شركة الخرافي وشركة سيبا بلاست.

في ضوء الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية والأحكام الصادرة عن المحاكم الفرنسية، فإنه من المتوقع أن تتبع المحاكم الوطنية في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى نهجًا مشابهًا عند النظر في إجراءات حجز ضد الأصول المجمدة للمؤسسة الليبية للاستثمار خاصة بالنظر للطابع الإلزامي لأحكام محكمة العدل الأوروبية. لما كان ذلك، فمن المرجح أنه لن يكون بإمكان أي من دائني الدولة الليبية (بما في ذلك الشركات التي تحصلت على أحكام تحكيمية بالتعويض)، أن تقوم بالحجز على الأصول المجمدة للمؤسسة الليبية للاستثمار في أي من دول الاتحاد الأوروبي. 

إلا أن الباب لم يُغلق تماماً بالنسبة لشركة الخرافي وسيبا بلاست وغيرهما من دائني الدولة الليبية، حيث أن أحكام كل من محكمة العدل الأوروبية ومحكمة النقض الفرنسية أكدت على إمكانية توقيع حجز على الأصول المجمدة في حالة الحصول على إذن مسبق من الجهة الوطنية المختصة.

كما أن الجدير بالملاحظة هو أن التجميد قد لعب دوراً إيجابياً في أن يحول دون تنفيذ الشركتين المذكورتين لأحكامها التحكيمية، وهو ما يدفع إلى السؤال عن كيف ستدافع المؤسسة الليبية للاستثمار عن أصولها في حالة رفع التجميد عن هذه الأصول؟

والذي قد نستنتجه أنه وإن كانت المؤسسة الليبية للاستثمار قد نجحت في تحقيق انتصار قضائي مهم، إلا أن هذه المعركة القضائية ربما لم تُحسم بعد.

المصادر

  • الموقع الرسمي للمؤسسة الليبية للاستثمار على الانترنت
  • Regulation (EU) 2016/44 concerning restrictive measures in view of the situation in Libya
  • Bank Sepah v Overseas Financial Limited and others (Case C-340/20) [2021], CJEU (First Chamber).
  • Mohamed Abdulmohsen Al-Kharafi & Sons Co v. Libyan investment authority, the Court Cassation (First Civil Chamber), (2022).
  • Mohamed Abdulmohsen Al-Kharafi & Sons Co. v. Libya and others, (2013), (Final Arbitral Award).
  • Colart PL, ‘Fonds Libyens: La Justice Française Au Secours Du Prince’ (Le Soir, 14 January 2020) https://www.lesoir.be/272865/article/2020-01-14/fonds-libyens-la-justice-francaise-au-secours-du-prince.
  • Linklaters, ‘EU sanctions prevent creditors from attaching frozen assets’ (3 October 2022), https://www.linklaters.com/en/insights/blogs/businesscrimelinks/2022/october/eu-sanctions-prevent-creditors-from-attaching-frozen-assets.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منشورات ذات الصلة