الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق وآثارهما
في صفحة استشارات في القانون الليبي، والتي ترد على أسئلة الكثير من المواطنين الذين تعوزهم الثقافة القانونية، تعودت أن أرد على بعض الأسئلة، وأغلبها أسئلة في الأحوال الشخصية. طرحت مسألة بقاء الحاضنة في بيت الزوجية حتى بعد انتهاء الحضانة إذا كانت معدومة الولي، وطلب مني بعض المعلقين كتابة منشور مفصل عن ذلك، فأقول:
عندما صدر القانون المذكور كان نص المادة (70) الواردة في فصل الحضانة كالتالي:
المادة 70 (النص القديم):
- يحق للمطلقة الحاضنة أن تسكن في مسكن مناسب ما دام حقها في الحضانة قائماً.
- إذا انتهت الحضانة أو قام بالحاضنة مانع سقط حقها في السكن.
وهذا النص متفق مع أحكام الشريعة الإسلامية المستقرة، باعتبار أن السكن يدخل ضمن النفقة التي هي المسكن والمأكل والملبس التي تستحقها الحاضنة.
إلا أنه ظهرت بعض المشاكل العملية المتمثلة في شكوى بعض النساء إلى القذافي، خاصة الأجنبيات اللائي كن متزوجات من ليبيين. وعندما تنتهي مدة الحضانة يتم إخراجهن من بيت الحضانة ولا يجدن مأوى لهن لعدم وجود ولي ولا يستفدن من قانون الضمان أو التضامن الاجتماعي. إحدى الشكاوى كانت من امرأة مصرية تزوجت من ليبي كزوجة ثانية ولم تنجب منه، وبعد مضي ربع قرن على الزواج طلقها، وعندما ذهبت إلى مصر كان والداها قد توفيا وتم بيع شقة الوالدين من قبل الورثة ولم يبق لها شيء فلم تجد المأوى، فرجعت إلى ليبيا وقدمت شكواها للقيادة في ذلك الوقت. وعليه تم تعديل المادة (70) بتاريخ 23/3/1994 بحيث استبدل النص السابق بنص جديد وهو الساري المفعول الآن:
المادة 70 (النص الحالي):
- لا يجوز المساس بحق المرأة الحاضنة أو معدومة الولي في البقاء ببيت الزوجية بعد طلاقها أو وفاة زوجها ما لم تأت بفاحشة.
- إذا انتهت الحضانة أو قام بالحاضنة مانع سقط حقها في السكن.
فتم حشر عبارة “معدومة الولي” ضمن الفقرة الأولى. وهذا النص يعالج مسألتين: الأولى هي الحاضنة، والثانية هي معدومة الولي ولو لم تكن حاضنة ومن باب أولى إذا كانت حاضنة. والمشكلة ليست في الحاضنة، إنما هي في معدومة الولي ولم يقيد النص الزواج بمدة معينة حتى يعطي هذا الحق لمعدومة الولي، بمعنى أن معدومة الولي تبقى في بيت الزوجية إلى أن تموت أو تتزوج غيره. وكان النص السابق ينص على أن للحاضنة سكن مناسب أما النص الحالي فنص على أن تبقى في بيت الزوجية.
المشكلة الأخرى هي أنه ليس في جميع الأحوال يكون الزوج مالكاً لبيت الزوجية، فقد يكون مستأجراً ثم يقوم بتسليمه للمؤجر أو يكون مملوكاً لوالده أو لأخيه وليس له. وفي التطبيق العملي، فإن اللدد في خصومات الزوجية قد يبلغ أشده ويصبح كل منها يكيد للآخر. وأقصى درجات الكيد هي أن يقوم الزوج ببيع بيت الزوجية وتسليمه للمشتري أو قد يقوم بهدمه، فتصبح الحاضنة بدون مأوى لها وللمحضونين. وهذه مشاكل عملية لم يوجد لها القانون الليبي الحل المناسب. وقبل صدور القانون رقم 10 لسنة 1984، كان قضاة الأحوال الشخصية يطبقون المشهور في مذهب الإمام مالك، والمشهور يعطي للقاضي إيجاد الحل المناسب والمحقق للعدالة، فهو قضاء ملاءمات وليس قضاء نصوص، وكان يجري العمل على توفير البديل النقدي الكافي لإيجار سكن مناسب.
أما مشكلة معدومة الولي فلم تكن تدخل في الحضانة إلا بالنص عليها استثناء في هذا النص، فافترض المشرع بتعديله أن جميع الوقائع مماثلة للواقعة التي بسببها عُدّل النص. ولم يفترض أن معدومة الولي قد تكون صغيرة في السن ولم يمض على الزواج إلا أشهر قليلة، فكيف يكون لها أن تستولي على بيت الزوجية؟ هذه المشكلة الإنسانية حلها لا يكون بحشر النص في التعديل المذكور، بل يكون بالتزام الدولة بتوفير المأوى لمعدومة الولي مثل البيت الاجتماعي. وكان الأجدر إعطاء المرأة الأجنبية المتزوجة من ليبي الحق في الجنسية الليبية بقوة القانون بمضي خمس سنوات من الزواج، وهي المدة التي عادة تستقر فيها الحياة الزوجية وتتضح جديتها بحيث تستفيد من قانوني الضمان والتضامن الاجتماعي أو الحق في الإقامة مع الاستفادة من قانون التضامن الاجتماعي. لا أن تلزم الزوج المطلق بهذا العبء لامرأة لا ولد لها وليست حاضنة.
لقد كان المشرع المصري أكثر تقدماً وتفهماً لهذه الظروف بإصداره قانون الأسرة الذي تضمن قواعد عن طريقها تُحل مشاكل المرأة عن طريق خزانة المحكمة سواء في النفقة أو في بديل السكن، ثم تقوم المحكمة بمطالبة من تجب عليه النفقة، وإذا عجز فإن تنفيذها يكون من المال العام.
إن المحكمة العليا في العديد من مبادئها خففت من غلواء هذا التعديل في العديد من مبادئها، ولكنها لا تستطيع الخروج عن النص، فاجتهادها دائماً في حدود النص. ومن هذه المبادئ اخترنا التالية:
ويثير هذا النص عدة إشكالات أخرى، فمن هو الولي المقصود في النص؟ هل هو الولي في قانون حماية القاصرين والذي عرف ولاية المال في المادة 44 على أنها:
“تكون الولاية على المال للوالدين أيهما أصلح ثم لمن تعينه المحكمة. ويجوز للمحكمة ألا تتقيد بهذا الترتيب إذا اقتضت مصلحة القاصر ذلك.”
أما ولاية النفس فقد عرفتها المادة 32 على أنها:
“الولاية على النفس للوالدين ثم العصبة بأنفسهم من المحارم حسب ترتيبهم في الإرث والقرابة، وعند التساوي تختار المحكمة أصلحهم للولاية، وإذا لم يوجد منهم مستحق عينت المحكمة من يصلح للولاية من أقارب القاصر، فإن لم يوجد فمن الغير.”
والملاحظ من النصين ومن عنوان القانون أن المقصود بالحماية هو القاصر، والحاضنة معدومة الولي ليست قاصراً. أما الولاية في الزواج فإن المادة 15/ب عرفتها بأنه:
“الاب ثم الابن ثم الجد الصحيح ثم الأخ الشقيق دون سواهم.”
وهم الملزمون حتى من الناحية العرفية بإسكان المرأة ورعايتها عندما تطلق أو تسقط حضانتها لأي سبب، فإذا لم يكن أي منهم موجوداً وليس لديها سكن أو دخل يكفيها معيشة مقبولة وسكن، فإنها تبقى في بيت الزوجية مدى الحياة إلى أن تموت أو تتزوج. وفي هذا ظلم كبير لصاحب السكن. والصحيح أن تتولى الدولة رعاية مثل هذه المرأة بتوفير سكن لها أو إيداعها في البيت الاجتماعي. ومن الناحية العملية، لم تصادفنا مشاكل فيما يتعلق بهذا النص العاطفي غير المدروس بسبب الحالة الإنسانية التي ذكرناها في مقدمة المنشور.
بقلم: المستشار جمعة عبدالله بوزيد
بتاريخ: 6 أبريل 2024
اترك تعليقاً