أدوات الوصول

Skip to main content

أزمة مصرف ليبيا المركزي وأبعادها على قوت الليبيين

اطلعت على رسالة محافظ مصرف ليبيا المركزي الموجهة إلى رئيس مجلس النواب، والتي أقل ما يمكن وصفها به هو “شر البلية ما يضحك”.

بدأ المحافظ رسالته بشكر مجلس النواب على دوره في الاستقرار. يا سيد الصديق، متى كنت تحترم مجلس النواب الذي أصدر قراره رقم 17 لسنة 2014 بشأن إقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي وتكليف نائبه بمهامه، والمنشور في الجريدة الرسمية؟ وقد نصت المادة (1) على إقالة السيد الصديق عمر الكبير، ونصت المادة (2) على تكليف السيد علي سالم الحبري نائب المحافظ بالقيام بأعمال ومهام واختصاصات محافظ مصرف ليبيا إلى حين تعيين محافظ جديد. ونصت المادة (3) على أن يعمل بأحكام هذا القرار من تاريخ إقراره في 14/9/2014 ويلغى كل حكم يخالفه. وقد رفضت تنفيذه. ثم أصدر القرار رقم 3 لسنة 2018 بشأن انتخاب محافظ مصرف ليبيا المركزي، حيث كلف السيد عبدالسلام محمد الشكري محافظًا للمصرف، والذي رفضت تسليم له وفرضت نفسك بالقوة في أهم مرفق في الدولة.

الإدارة القانونية للمصرف

إذا رجعنا إلى القانون رقم 1 لسنة 2005 بشأن المصارف، وهو الذي ينظم المصرف المركزي ويبين السياسة النقدية، نجد أن المادة (14) تنص على أن المصرف يُدار بمجلس إدارة يتكون من:

  1. المحافظ رئيسًا
  2. نائب المحافظ نائبًا للرئيس
  3. وكيل وزارة المالية عضوًا
  4. ستة أعضاء آخرين من ذوي المؤهلات العالية في مجالات القانون والشؤون المالية والمصرفية والاقتصادية وتقنية المعلومات.

وهذا يعني أن المصرف يُدار من خلال مجلس إدارة وليس من خلال فرد.

انعقاد اجتماعات مجلس الإدارة

نصت المادة (19) على أن يجتمع مجلس الإدارة بدعوة من المحافظ، أو من نائبه عند غيابه، في مقر المصرف مرة على الأقل كل شهر. ويجوز اجتماعه بناءً على طلب أغلبية أعضائه. ولا يكون اجتماع المجلس صحيحًا إلا إذا حضره أكثر من نصف الأعضاء، بمن فيهم المحافظ أو نائبه. وتصدر قرارات المجلس بالأغلبية المطلقة لعدد أصوات الأعضاء الحاضرين، وعند التساوي يُرجّح الجانب الذي منه الرئيس. وللمجلس أن يدعو لحضور اجتماعاته من يرى الاستعانة بهم من ذوي الخبرة، أو من موظفي المصرف، دون أن يكون لهم حق التصويت. ويجوز أن ينعقد المجلس خارج مقر المصرف، بشرط أن يكون هذا الاجتماع داخل ليبيا.

الأزمة المالية الحالية

رغم أن القانون ينص على أن اجتماع مجلس الإدارة يجب أن يكون على الأقل مرة كل شهر، إلا أن المجلس لم يجتمع منذ عدة سنوات. نصت المادة (16) على اختصاصات مجلس الإدارة وليس المحافظ، ومنها:

  • اختيار أدوات السياسة النقدية وتحديد وسائلها.
  • تحديد القواعد التي تتبع في تقويم الأصول التي تقابل أوراق النقد الليبي.

ونصت المادة (17) على أن يُختار المحافظ ونائبه بقرار من مجلس النواب لمدة خمس سنوات، ويجوز إعادة اختيارهما. يُختار الأعضاء الآخرون، غير الكاتب العام، بقرار من أمانة مجلس النواب بالتشاور مع المحافظ، لمدة ثلاث سنوات، ويجوز إعادة تعيينهم.

الشرعية والمشروعية

ما معنى هذه النصوص وأنت خبير قانوني واقتصادي؟ إنها تعني أنك فاقد للشرعية منذ عشر سنوات، وأنك مغتصب للسلطة. فتعيين المحافظ مقيد بمدة معينة وليس تعيينًا مؤبدًا. إلى أن حصلت هذه الأزمة التي تهدد الشعب الليبي في قوته، فكيف تخاطب مجلس النواب الذي عزلك وعين غيرك، ورفضت قراراته في السابق؟

المسؤولية المالية

يشتم وجود خلاف بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية المفروضة وبين السيد الصديق الكبير، رغم أنهما كانا “رأسين في شيشة”. أصبح الآن يقول إن سبب الأزمة هو كثرة الإنفاق غير المشروع من الحكومة. يا سيد الصديق، إن هذه الأموال المبعثرة تخرج من بين يديك وأنت المسؤول الأول عن إنفاقها لمخالفتك لقانون النظام المالي للدولة.

نظام الصرف المالي

إذا لم يتم إقرار الميزانية الجديدة قبل بدء السنة المالية، تفتح بقوانين اعتمادات شهرية مؤقتة على أساس جزء من اثني عشر من اعتمادات السنة السابقة. هذا ما نصت عليه المادة (8) من قانون النظام المالي للدولة. أي أنه إذا لم يصدر قانون الميزانية من مجلس النواب أو تأخر صدوره، تتم اعتمادات شهرية بنسبة 1 على 12 من الميزانية السابقة.

نصت المادة (9) على نظام التفويضات المالية، حيث يصدر وزير المالية فور نفاذ قانون الميزانية أو أية اعتمادات إضافية تفويضًا عامًا بالصرف إلى وكيل وزارة المالية لشؤون الميزانية والحسابات، لمواجهة النفقات المعتمدة بالميزانية. يصدر التفويض بالصرف إلى الوزارات والمصالح من وكيل وزارة المالية لشؤون الميزانية والحسابات. ويصدر الوزير إذنًا بالإفراج عن المبالغ المتحصلة من قرض عام للإنفاق منها على الأغراض التي عقد القرض من أجلها. وترسل صورة من كل تفويض أو إذن إلى رئيس ديوان المحاسبة.

الفوضى المالية

الآن نعود إلى الفوضى في الإنفاق والعبثية في الصرف التي لا نظير لها في كل دول العالم، حيث أنفقت المليارات بدون ميزانية. يقول السيد الدبيبة إنه ينفق من بند الطوارئ، وهو بند من صنع أفكاره، حيث لا يوجد هذا البند في آخر ثلاث ميزانيات معتمدة ولا في قانون النظام المالي للدولة ولا في لائحة الحسابات والميزانية والمخازن.

لو فرضنا أن هناك بند كهذا، فما هي حالة الطوارئ في تخصيص ملياري دينار مرتين لتسهيل الزواج للشباب، في الوقت الذي يحتاج فيه الشباب إلى السكن وتوفير فرص العمل؟ وكأننا نشجع على غلاء المهور. عقدت الآلاف من عقود الزواج الوهمية للحصول على المكافآت. ثم تغطية تكاليف الحج على الحجاج لعامين متتاليين، رغم أن الحج لمن استطاع إليه سبيلا، ومن أراد الحج فلابد أن يكون قد دبر له ما يكفي من المال.

المسؤولية الاقتصادية

من أين تأتي هذه الأموال؟ إنها من الصديق الكبير. لو كان يحترم القانون، لما تم الصرف إلا بالضوابط المنصوص عليها في قانون النظام المالي للدولة ولائحته التنفيذية، التي تمنع التبرع والهبات من المال العام. الغريب أنه في جميع دول العالم يوجد نظام للتيسير على الناس في الظروف الصعبة بمنحهم مثل هذه الأموال، ولكن ليست مجانا (طايح في رايح)، بل بمنحهم قروض ميسرة على آجال بعيدة وبدون فائدة أو بفائدة قليلة جدًا. أما الهبات مثل هذا النوع وهذا العبث، فلا توجد إلا في ليبيا ما بعد فبراير.

الأزمة النقدية

رغم الظروف الصعبة التي مرت بها ليبيا في العهد السابق من حصار وحروب، إلا أنه لم يتم العبث بسعر الصرف. كان سعر الدولار 1.3 دينار. أول خطأ ارتكبه الصديق الكبير هو تغيير سعر الصرف من دينار ونصف إلى أربعة دنانير وكسور، مما يعني تضاعف الأسعار مرتين وانخفاض دخل المواطن الليبي بنسبة الثلثين. حتى بلغ سعر كيلو اللحم 80 دينارًا بعد أن كان 10 دنانير قبل ثورة فبراير.

ماذا ينتظر الليبيون إذا زاد سعر الصرف إلى 6.5 دينار؟ سيصل كيلو اللحم إلى 120 دينارًا، بينما المرتبات ثابتة. السيد الصديق من خلال رسالته يحاول أن يبعد مسؤوليته عن انهيار الدينار الليبي ويخرج منها كما تخرج الشعرة من العجين.

الختام

يجب على مجلس النواب رفض هذا المقترح الذي سيسبب كارثة في المجتمع الليبي. كنا ننتظر أن يعود سعر الدولار إلى وضعه السابق كما وعد عندما أصدر قرارًا بتغيير سعر الصرف الحالي. يجب عليه أيضًا إجراء تحقيق شامل عن طريق خبراء لوضع حلول لهذه المشكلة، وإلا فإن الدولار سيذهب إلى قيمة عشرة دنانير، وستتضاعف الأسعار بدون حدود، وستتفاقم المشكلة إلى أسوأ مما هو حاصل في جارتنا جمهورية مصر العربية.

بقلم: المستشار جمعة عبدالله بوزيد
بتاريخ: 8 مارس 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منشورات ذات الصلة