أدوات الوصول

Skip to main content

منازعات النقل الجوي وإدارة مرفقه في قضاء المحكمة العليا الليبية

منازعات النقل الجوي وإدارة مرفقه في قضاء المحكمة العليا الليبية

المحتويات

الفصل الأول: المنازعات الناشئة عن النقل الجوي للأشخاص

أولاً: اتفاقية وارسو للطيران المدني والقانون رقم 2 لسنة 1995 بشأن الطيران المدني

(الوقائع)

رفع المطعون ضده (المدعي) دعوى على الخطوط الجوية الليبية وأخر بصفته يطلب تعويضه عما لحقه من ضرر، قائلا : انه تعاقد معها على نقله إلى القاهرة بالطائرة وأثناء الرحلة دخل قائد الطائرة المجال الجوى فوق سيناء المحتلة من العدو بمسافة خمسمائة كيلو متر، فانطلقت طائرتان للعدو خلف الطائرة الليبية وأصدرت لقائدها أمرا بالهبوط فتظاهر بالامتثال وأخذ في النزول في اتجاه قناة السويس، وحاول الافلات، فأطلقت الطائرتان صاروخين على الطائرة فهوت على الأرض ومات أغلب من فيها. وبعد تحقيقات مطولة ثبتت مسئولية قائد الطائرة. وكان المدعي ممن نجا من الموت وأصيب بإصابات بالغة، وقرر الأطباء أن علاجه قد يستمر سنين طويلة وان نسبة التلف في جسمه 75%.

قضت المحكمة له بالتعويض، ورفضت محكمة الاستئناف استئناف كل ممن الطرفين وتأييد الحكم المستأنف.

قرر أحد أعضاء إدارة القضايا عن المحكوم عليها الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف ناعيا عليه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وحاصله أنه كان قد دفع أمام المحكمة بسقوط حق المطعون ضده في رفع الدعوى لأنه رفعها بعد مدة تزيد على أربع سنوات من تاريخ وقوع الحادث الذي نجم عنه الضرر، إلا أن المحكمة رفضت هذا الدفع بالرغم من صراحة نص المادة 29/1 من اتفاقية وارسو التي تحكم النزاع وهي تقضي بسقوط حق الراكب في رفع دعوى التعويض عن الضرر الذي يصيبه من النقل الجوي إذا لم يرفع دعواه خلال سنتين من تاريخ وصول الطائرة إلى جهة الوصول أو من اليوم الذي كان يجب أن تصل فيه أو من وقف النقل، ورأت المحكمة المطعون على حكمها أن هذا الميعاد هو ميعاد تقادم يرد عليه الوقف والانقطاع، وليس ميعاد سقوط مخالفة بذلك صراحة النص وتعبيره بكلمة السقوط. ومن جهة أخرى قضى الحكم للمطعون ضده بأكثر من الحد الأقصى للتعويض المقرر وفقا للمادة 22 من الاتفاقية، وهو مبلغ 678,6159 دينارا حسب شهادة مصرف ليبيا المركزي، ويكون قضاء الحكم بأكثر من ذلك مخالفا للقانون، فضلا عن عدم بيان الأسباب التي دعت المحكمة إلى تجاوز هذا الحد.

قبل أن تبت المحكمة العليا في المناعي المذكورة رأت تقرير الأسس الآتية بقولها : ” وحيث ان المحكمة ترى بادئ الأمر أن تقرر الأسس الآتية ” :

  1. ان اتفاقية وارسو ليس بها ما يمنع المحكمة من تطبيق القانون الوطني لها بل نجد في بعض نصوصها ما يحيل إلى قانون المحكمة التي تنظر الدعوى مثل المادة 21 منها التي تنص على أن للمحكمة طبقا لقانونها أن تستبعد مسئولية الناقل أو تخففها في حالة خطأ المصاب نفسه والمادة 25 تبيح للمحكمة التي تنظر الدعوى في حالة وقوع ضرر تولد عن غش الناقل أو خطأ منه يراه قانون المحكمة معادلا للغش وذلك حسب النص العربي للاتفاقية والذي أصبح ضمن القوانين الليبية، هذا بالإضافة إلى أن الاحتماء بأحكام الإتفاقية للهروب من أحكام القانون المحلي انما يكون له ما يبرره إذا كان في الدعوى عنصر أجنبي، أما إذا كان كل من الناقل والمدعى عليه والمتضرر المدعي من جنسية واحدة كما في الدعوى الحالية فلا مبرر للتمسك بالاتفاقية.
  2. ان ليبيا قد انضمت إلى الاتفاقية سالفة الذكر وأصبحت نصوصها ضمن القانون الليبي، وعلى القاضي تفسيرها واستخلاص الحكم القانوني، أي المعنى المقصود منها مثلها مثل أي نص تشريعي آخر فيما يتعلق بالتفسير.
  3. ان المحكمة عند نظر الدعوى تطبق بالنسبة للإجراءات قانونها هي حتى ولو كان القانون الواجب التطبيق على الموضوع قانونا اجنبيا، والقاعدة في المرافعات أنه إذا حدد القانون سواء قانون المرافعات أو القانون المدني ميعادا لمباشرة أي إجراء خلاله فإن تجاوز هذا الميعاد وان كان يترتب عليه سقوط الحق في اتخاذه إلا أن القضاء يحيل إلى القول بوقف مواعيد السقوط في حالة القوة القاهرة، أو قيام مانع حال دون اتخاذ الاجراء.

وهذا ما ترى هذه المحكمة الأخذ به، إذ لا وجه للتفريق بين مدة السقوط والتقادم المسقط، فلا بد في الحالتين من التمسك به، ولا تحكم المحكمة بالسقوط من تلقاء نفسها إلا إذا كان متعلقا بالنظام العام “

بعد أن قدمت المحكمة العليا الأسس المذكورة، تناولت الرد على مناعي الطعن فقالت :         ” وحيث ان الوجه الأول من الطعن بني على أن المدة المحددة لرفع الدعوى في اتفاقية وارسو هي مدة سقوط وليست مدة تقادم حسب زعم الطاعنة.

وحيث ان هذه المحكمة ترى أن الاحتكام إلى أي معاهدة أو اتفاقية أن مجال العمل بذلك إذا كان أطراف الخصومة من جنسيات مختلفة أما إذا إتّخذت جنسية المدعي والمدعى عليه فلا يصح للخصم التهرب من أحكام القانون الوطني والاحتماء بالاتفاقية، إلا إذا كانت تتعارض مع القانون.

وحيث ان القانون الليبي الخاص بالطيران المدني رقم 2/1965 لم يحدد مدة معينة لسقوط الحق في الدعوى، وانما ترك ذلك للقواعد العامة كما بينها القانون المدني، وهي مدة أطول مما حددته المادة 29 من الإتفاقية.

وحيث ان ليبيا قد انضمت إلى اتفاقية وارسو بالقانون رقم 29/1968 فقد أصبحت هذه الإتفاقية تشريعا ليبيا مثلها مثل غيرها من القوانين التي تصدرها الدولة، ولم تأت هذه الاتفاقية بجديد في هذا الشأن سوى تقصير مدة سقوط الحق حيث جعلتها سنتيْن فقط بدلا من ثلاث سنوات. أما طبيعة هذه المدة وأحكامها من حيث الوقف والانقطاع فذلك أمر اخر لم تتعرض له الاتفاقية وليس فيها ما يمنع من تطبيق أحكام القانون الوطني السابق على انضمام الدولة للاتفاقية، بل قد احالت فعلا إلى قانون المحكمة التي تنظر الدعوى في كثير من المواد على النحو السابق بيانه.

وحيث ان المدة المحددة لسقوط الحق في المطالبة بالتعويض عن فعل ضار هي مدة تقادم مسقط مقرر لمصلحة الخصم المطالب بالتعويض وليست من النظام العام، وهذه المدة خاضعة لأحكام الوقف والانقطاع فإنها تبقى كذلك حتى بعد الانضمام إلى اتفاقية وارسو التي تنقص المدة إلى سنتين لسقوط الدعوى، ولا وجه للتفرقة بين سقوط الدعوى وسقوط الحق الذي تحميه، ولا يمكن فصل أحدهما عن الاخر، ولا معنى لسقوط الدعوى إلا سقوط الحق المطالب به، فالحق الذي لا تحميه دعوى لا يعتبر حقا قانونا (أي مصلحة قانونية)، وعلى أساس ما سلف فإن التعارض بين الاتفاقية والقانون المدني إنما هو قاصر على مقدار المدة اللازمة لسقوط الحق ويتحتم تطبيق الاتفاقية بشأنها إذا لم يطرأ عليها وقف أو انقطاع. وقد نصت المادة 369 من القانون المدني على أنه (لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبيا)، وهو نص صريح وواضح الدلالة على وقف مدة التقادم كلما وجد مانع من المطالبة بالحق سواء طرأ المانع أثناء سريان المدة أو كان المانع مقارنا لوقت بدئها بحيث لا تبدأ مدة التقادم إلا بعد زوال ذلك المانع.

وحيث ان الواقع في الدعوى ان المطعون ضده كان ضمن ركاب الطائرة الليبية المتوجهة إلى القاهرة والتي أسقطها العدو، ونتج عن ذلك إصابة المطعون ضده بإصابات خطيرة، وبقي تحت العلاج في الأراضي المحتلة حوالي أربع سنوات حتى سلمه العدو إلى الصليب الأحمر الدولي الذي أعاده إلى أهله، فأقام الدعوى الماثلة قبل مضي سنتين من تمكنه من المطالبة بحقه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اعتبر المدة المحددة لسقوط الحق في الدعوى طبقا للاتفاقية هي مدة تقادم تخضع للوقف والانقطاع، ومن تم رفض الدفع المبدى من الجهة الطاعنة بسقوط الدعوى لرفعها بعد سنتين فإنه يكون قد أصاب حكم القانون، ويكون النعي عليه في ذلك على غير أساس يجب الالتفات عنه.

وحيث انه بالنسبة للسبب الثاني من الطعن القائل بأن المحكمة تجاوزت الحد الأعلى للتعويض الذي قررته الاتفاقية دون بيان الأسباب فإن هذا النعي غير صحيح، إذ يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤبد بالحكم المطعون فيه أن محكمة الموضوع طبقت على الدعوى المادة 25 من الاتفاقية والمعدلة بالمادة 13 من بروتوكول لاهاي سنة 1955 وهي تنص على أنه لا تسري الحدود المنصوص عليها في المادة 22 (250.000 فرنك) متى قام الدليل على ان الضرر قد نشأ فعل أو امتناع من جانب الناقل أو تابعيه وذلك بقصد إحداث ضرر أو برعونة مقرونة بإدراك ان ضررا قد يترتب على ذلك، وقد أقامت المحكمة المطعون على حكمها الدليل على توافر أركان المسئولية، وبينت الخطأ الذي ارتكبه قائد الطائرة بتظاهره بالامتثال للأمر بالهبوط الموجه إليه من المطاردة المعادية ثم محاولته الهروب بالطائرة مع ادراكه لما يمكن أن يترتب على هذه المحاولة، وقد ترتب فعلا وحدثت الكارثة نتيجة الخطأ الجسيم.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قضى بالتعويض المناسب لما لحق المتضرر من ضرر دون التقيد بالحد الأعلى المقرر بالمادة 22 من الاتفاقية فإنه لا يكون قد خالف القانون أو شابه قصور في التسبيب وبالتالي يكون الطعن برمته غير سديد يتعين رفضه “

ثانياً: مسئولية الناقل الجوي عن التأخير في نقل الراكب وفق اتفاقية وارسو

(الوقائع) 

رفع المطعون ضده (المدعي) دعوى ضد شركة النقل الجوي الطاعنة والمدخل في الدعوى طالبا إلزامهما بالتضامن بأن يدفعا له المبالغ المبينة في صحيفة دعواه عن تكاليف الإقامة والتأخير وقيمة الوزن الزائد لأمتعته المفقودة، ومقابل البضاعة المفقودة والتالفة، ومقابل الضرر الأدبي عن التأخير في نقله. وقال شرحا لها : إنه بتاريخ 1999.11.21 اشترى تذكرة سفر من طرابلس إلى فيينا – لندن والعودة على نفس الخط، وأكد الحجز لدى الشركة الطاعنة لرحلة العودة، إلا أن الطائرة التي كانت تقله من لندن إلى فيينا تأخرت مما تسبب عنه عدم تمكنه من اللحاق بالطائرة المتجهة إلى طرابلس، وان المدخل في الدعوى حجز له رحلة إلى بوخارست. وتبين عند دخوله إلى هناك أن أقرب رحلة متجهة إلى طرابلس بعد خمسة أيام من تاريخه، فعاد إلى مطار فيينا وبقي هناك يومين وبعدها وصل إلى مطار طرابلس. وعند وصوله فوجئ بوجود بسرقات وتلفيات بأمتعته، وانتهى إلى طلباته سالفة الذكر.

ومحكمة البداية قضت بإلزام الشركة المدعى عليها والمدخل بالتعويض على سبيل التضامن عن الضررين المادي والأدبي.

فاستأنفت الشركة هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف التي قضت برفضه وتأييد الحكم المستأنف.

طعن محامي الشركة بالنقض في هذا الحكم نيابة عن الشركة أمام المحكمة العليا ينعي عليه مخالفة القانون والقصور في التسبيب لأنه قضى بالتعويض دون أن يقيم المطعون ضده الدليل على وقوع ضرر به، رغم ان الشركة دفعت بذلك أمام المحكمة. علاوة على ان الشركة غير ملزمة بالتعويض عن تفويت المواعيد باعتبار أن هذه الأضرار غير متوقعة.

رفضت المحكمة العليا هذه المناعي مقررة : ” ان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه استنادا إلى اتفاقية وارسو التي تحمًل الناقل الجوي مسئولية كل تأخير يحدث أثناء وبمناسبة عملية النقل، إذ يبدأ التأخير اعتبارا من الوقت الذي يضع فيه المسافر نفسه تحت تصرف الناقل الجوي بمطار القيام وإلى غاية النقطة المقصودة بميناء الوصول، وتوجب مساءلة الناقل عن ذلك بمجرد حصول التأخير، ولا يكلف الراكب إلا بإثبات وقوع التأخير من الناقل ما لم يثبت أن سبب التأخير كان مرده إلى سبب من أسباب الإعفاء المقررة في تلك الاتفاقية المذكورة.

كما أن الحكم استند إلى عقد النقل الصادر عن الشركة الطاعنة مع المطعون ضده الأول بتحمل نقل هذا الأخير إلى الأماكن المذكورة بتذكرة السفر، والى الاقرار المكتوب من قبل المدخل في الدعوى الذي يأسف فيه عن التأخير من لندن إلى فيينا ثم إلى طرابلس، ثم خلص الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه إلى أن الضرر الذي لحق بالمطعون ضده الأول تمثل في حرمانه من الوصول إلى بلده في الميعاد المقرر، وتكبده مصروفات ونفقات زائدة أثناء تواجده بين مطار بوخارست ولندن وفيينا بالإضافة إلى المعاناة والأسى والحزن والألم والحسرة والإزعاج، ثم قضى الحكم له بالمبلغ المحكوم به، وكان ما أورده الحكم على نحو ما تقدم يكفي لحمل النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم فإن ما تنعي به الشركة الطاعنة لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا متصلا بصميم واقع الدعوى وفيما عولت عليه المحكمة من أدلة، وهو ما لا يقبل أمام هذه المحكمة بما يتعين معه رفض الطعن ”   

وقالت المحكمة العليا في طعن اخر بشأن طبيعة التزام الناقل الجوي :

” إن التزام الناقل الجوي بتنفيذ عقد النقل في الميعاد هو التزام بتحقيق غاية. وترتيبا على ذلك فإنه إذا اتفق الراكب مع الناقل على ميعاد معين لتنفيذ عقد النقل فإن أي تفويت لهذا الميعاد يعتبر تأخيرا، ويكون الناقل مسئولا عن جبر الضرر الذي ينشأ عنه ولا يغير من ذلك النص في تذكرة السفر  على جواز تغيير الرحلة أو الغائها أو تغيير خط سيرها أو تأجيلها أو تأخيرها. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه لا يكون مخالفا للقانون ” 

ثالثاً: مدى وجوب إعذار الناقل الجوي عن إخلاله بالتزامه

(الوقائع)

رفع المطعون ضده (المدعي) على شركة الخطوط الجوية الليبية دعوى يطلب فيها إلزامها بتعويضه عما لحقه من ضرر مادي وأدبي نتيجة خطئها، قائلا : إنه تعاقد معها على نقله بطائرتها من طرابلس إلى اسطنبول بتركيا والعودة، وقامت الشركة بتحويله إلى شركة الخطوط الجوية التركية التي قبلت التحويل، وقامت بنقله فعلا إلى اسطنبول وحددت له موعد العودة، وعند حضوره في الموعد المذكور أبلغ بأن الرحلة ألغيت من قبل الشركة المدًعى عليها وظل ينتظر حتى يوم 1987.1.25، وعند حضوره في الموعد المذكور أبلغ بأن الرحلة ألغيت من قبل الشركة المدعى عليها، وظل ينتظر حتى يوم 1987.1.29، الأمر الذي يعتبر إخلالا من الشركة بالتزامها التعاقدي، ونجم عنه تكبده نفقات كبيرة وتأخره عن عمله بطرابلس، والمحكمة قضت بتعويضه عما لحقه من ضرر. استأنف الطرفان هذا الحكم فقضت محكمة الاستئناف بعد ضم الاستئنافين برفضهما. طعن محامي الشركة بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف من بين ما نعى به عليه تأييده للحكم الابتدائي القاضي عليها بالتعويض دون أن يثبت المطعون ضده قيامه بإعذارها بتنفيذ التزامها فلم تستجيب له، وذلك قبل رفع دعوى المطالبة بالتعويض.

رفضت المحكمة العليا هذا النعي مقررة : ” أنه لا ضرورة لإعذار المدين إذا أصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن أو غير مجد بفعل المدين وفقا لنص المادة 223 من القانون المدني، فإن مجاهلة الطاعن في قيام أركان المسئولية عن التأخير في تنفيذ عقد النقل الجوي في جانبه، وفي ضرورة قيام المطعون ضده بإعذاره لتنفيذ التزامه حتى يمكن الحكم عليه بالتعويض لا تكون لا سند لها قانونا، الأمر الذي يترتب عليه رفض هذا النعي “

رابعاً: أساس السبب الأجنبي الدافع لمسئولية الناقل الجوي

(الوقائع)

رفع الطاعن (المدعي) دعوى على شركة الخطوط الجوية الليبية يطلب فيها التعويض عن اخلالها بإلزامها التعاقدي، وذلك بالتأخر في نقله عن الموعد المحدد، قائلا إنه تعاقد مع الشركة المذكورة على السفر المؤكد بالطائرة مع أسرته لأداء العمرة من طرابلس إلى جدة إلى المدينة المنورة والعودة في يوم 1985.3.13 الساعة العاشرة والربع صباحا. وحضر في الموعد فأخبر بأن الطائرة المقرر إقلاعها غيرت بأخرى أصغر حجما مما نجم عنه تأخير سفره وأسرته حتى يوم 1985.3.19. والمحكمة قضت له بالتعويض إلا أن محكمة الاستئناف قضت بإلغاء هذا اللحكم ورفض الدعوى.

طعن محامي المدعي في حكم محكمة الاستئناف بالنقض أمام المحكمة العليا ناعيا عليه الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب لأنه قرر أن المدعي لم يقدم دليلا عما لحقه من ضرر بسبب تأخر سفره، في حين أنه طرح على المحكمة المطعون في حكمها الأضرار التي حاقت به والمتمثلة في عودته وأسرته من المطار إلى بيته دون سفر، وضياع حقائبه وزيادة مصروفات الحجز الجديد… الخ ولكن المحكمة لم تناقشها وترد عليها.

كما أن الحكم المطعون فيه قرر أن هذا التأخير من الشركة  يرجع إلى أمر طارئ وأجنبي عنها جعلها تغير الطائرة بأخرى أصغر منها، وبالتالي لا تكون ملزمة بالتعويض، وهذا التقرير من الحكم غير صحيح ذلك أنه ليس هناك  ظرف طارئ وأجنبي، فالشركة كانت تسيًر خطوطا منتظمة، وأنها قامت بتسيير الطائرة المقرر إقلاعها في نفس اليوم.

استجابت المحكمة العليا لهذه المناعي فقالت : ” من المقرر أن علاقة السببية بين الخطأ والضرر في المسئولية العقدية مفترضة، وأن السبب الأجنبي الذي ينتفي به الخطأ في المسئولية العقدية يشترط ألا يكون موجودا أو مفترضا وقت ابرام العقد، وأنه يستحيل دفعه استحالة مطلقة. وإذا اتفق الطرفان على تنفيذ عقد النقل اعتبر كل تفويت لهذا الميعاد تأخيرا. ولما كان محل الالتزام في عقد النقل هو تنفيذ العقد في الميعاد هو التزام بتحقيق غاية  فتتحقق المسئولية بمجرد حدوث التأخير، ويقع على الناقل عبء إثبات السبب الأجنبي. كما إنه يجب أن تكون طبيعة هذا السبب مطروحة  على المحكمة حتى تكون على إحاطة به  للوقوف على مدى تأثيره على التزامات المتعاقد وتتبين ما إذا كان سببا أجنبيا لا يد للشركة المتعاقدة في حدوثه، وإنه لم يكن موجودا او متوقعا وقت ابرام العقد ويستحيل دفعه.

ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلا من بيان ذلك، واعتبر الضرر المدعى به غير ثابت  استنادا إلى أن الطاعن لم يقدم الدليل على  حصوله، في حين أن تأخير الطاعن وأفراد أسرته عن السفر لمدة اسبوع عن الميعاد المتفق عليه  لسفرهم مع المطعون ضده (ممثل الشركة الناقلة) وبسبب منه لم يكن محلً منازعة بين الطرفين، وهو أمر ثابت بالأوراق يدل على وقوع ضرر للطاعن وركن في إثبات السبب الأجنبي إلى أقوال المطعون ضدهم المرسلة دون التثبت من الطبيعة القانونية لهذا السبب وتوافر الشروط اللازمة لقيامه، فإنه يكون معيبا بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه ” . وأحالت المحكمة العليا القضية إلى محكمة الاستئناف المختصة لنظرها مجددا من هيئة أخرى.

خامساً: سلطة محكمة الموضوع الأعلى في تقدير مبلغ التعويض الجابر للضرر

(الوقائع)

أقامت المطعون ضدها (المدعية) عن نفسها وبصفتها، دعوى ضد الطاعن بصفته وآخرين تطلب فيها الزامهم  بتعويضها وأبنائها القصر عما لحقهم من ضرر مادي ومعنوي بسبب وفاة مورثهم في حادث سقوط الطائرة الليبية التابعة للطاعن بتاريخ 1993.12.22. والمحكمة قضت على الشركة وشركة ليبيا للتأمين المدخلة في الدعوى بالتضامن بأن يدفعا للمدعية عن نفسها وبصفتها مبلغ التعويض المحكوم به. استأنفت شركة الخطوط الجوية هذا الحكم كما استأنفته المدعية فقضت محكمة الاستئناف برفض استئناف الشركة وفي استئناف المدعية بزيادة مبلغ التعويض المقضي به عن الضرر المادي الذي لحق أولادها القصر.

لم ترض الشركة بهذا الحكم فقررت ادارة القضايا نيابة عنها بالطعن بالنقض فيه أمام المحكمة العليا ناعية عليه مخالفة القانون والقصور في التسبيب لأنه والحكم الابتدائي استندا في تقدير التعويض عن الضرر المادي على اعتبار أبناء المدعية قصرا دون بيان لسنًهم ولا سنً المتوفى, ومقدار دخله، وماهية المصالح المادية التي تضررت من جراء وفاته.

قررت المحكمة العليا أن هذا النعي غير سديد فقالت: ” ومن حيث إن البين من مدونات الحكم المطعون فيه انه أيد الحكم المستأنف في أسبابه فيما عدا مبلغ التعويض عن الأضرار اللاحقة بالأبناء القصر، حيث انتهى إلى زيادته استجابة للأسباب التي ذكرتها المطعون ضدها وأورد في ذلك قوله  : (…وحيث انه فيما يتعلق بأسباب الاستئناف المقابل وخاصة فيما يتعلق بأولاد المستأنفة الأولى بصفتها والمشمولين برعايتها وفق التقدمة الشرعية، حيث انهم لا زالوا قصرا ويحتاجون في معيشتهم بكافة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية إلى بذل المال والإنفاق عليهم. والمحكمة من خلال وقوفها على المبلغ الذي قدرته محكمة أول درجة كتعويض لكل واحد منهم فقد اتضح انه لا يتناسب مع الضرر، ولا يستجيب للطلبات المتعددة لهم في معيشتهم).

متى كان ذلك، وكانت الجهة الطاعنة لا تماري في أن المحكوم لهم بزيادة مبلغ التعويض قصرا، ولا في سلامة الأسس التي اعتمدتها المحكمة المطعون في حكمها في تقديرها للتعويض, ولم تبين أهمية بيان السن في هذا التقدير، فإن الحكم المطعون فيه – وقد تبنى الأسس والعناصر التي أقام عليها الحكم المستأنف قضاءه في أسباب سائغة، واتخذها أساسا لقضائه، وان اختلف معه في تقديره مبلغ التعويض الجابر للضرر – لا جناح عليه في ذلك، لأن المحكمة وهي تمارس سلطتها التقديرية على نحو يغاير رأي محكمة أول درجة باعتبارها محكمة أعلى، ولها الكلمة الأخيرة في كل ما يتعلق بممارسة سلطتها التقديرية كمحكمة موضوع و مما يجعل هذا النعي…في غير محله… ويتعين معه رفضه “

سادساً: شروط القضاء بالتعويض عن الضرر المادي

(الوقائع)

أقام المطعون ضده (المدعي) دعوى ضد شركة الخطوط التونسية وشركة الخطوط الألمانية  (لوفتهانزا) ذكر فيها ان مكتب الشركة الاخيرة بطرابلس أصدر له تذكرة سفر من جربة إلى فرانكفورت على خط الشركة الطاعنة، ومن فرانكفورت إلى القاهرة على متن الخطوط الشركة المصدرة للتذكرة، إلا ان المختص بمطار جربة رفض اتمام اجراءات سفره على الخطوط التونسية يوم 1996.3.20 مما اضطره إلى تأجيل عمله بالقاهرة المحدد له يوم 1996.3.20، وانه أخطر ممثل الشركة الألمانية بما تم، مع تعويضه عن الأضرار المادية والمعنوية، وانتهى إلى طلب إلزام الشركتين المدعى عليهما بتعويضه عن الضررين المادي والمعنوي اللذين لحقا به. ومحكمة أول درجة قضت بإلزامهما بالتعويض المحكوم به عن الضررين بالتضامن.

ومحكمة الاستئناف خفضت قيمة التعويض عن الضرر المادي، قرر محامي الشركة الطاعنة الطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا ناعيا عليه مخالفة القانون والقصور في التسبيب لقضائه بتعويض المطعون ضده عن الضررين دون أن يبين الضرر الذي أصابه والمتمثل فيما لحقه من خسارة وما فاته من كسب. كما إنه لم يحدد الضرر المعنوي الذي لحق به.

استجابت المحكمة العليا لهذا النعي قائلة : ” إنه من المقرر أن القضاء بالتعويض عن الضرر المادي مشروط بثبوت الإخلال بمصلحة  مالية، أو بحق مالي للمضرور نتيجة خطأ المدعى عليه، والأساس الذي بنى عليه تقديره، فإن خلا من ذلك كان قاصر البيان متعين النقض.

لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أيد الحكم الابتدائي في تقديره للتعويض عن الضرر المعنوي بمبلغ خمسة وعشرين ألف دينار، وخفض التعويض عن الضرر المادي إلى خمسة ألاف دينار وأورد بصدد تبرير قضائه قوله: (… ذلك ان الضرر المادي – إضافة إلى ما ورد في أسباب الحكم المستأنف بهذا الشأن – يتمثل فيما تكبده المستأنف عليه من تكاليف السفر من بلاده إلى تونس ثم العودة، وكذلك ما فاته من فرصة حضور المؤتمر الذي كان ينوي حضوره، وهي فرصة قد لا تعوض بالنسبة له، وتأخذها هذه  الهيئة في اعتبارها في تقدير مبلغ  التعويض عن الضرر المادي… وحيث إنه فيما يتعلق بالضرر المعنوي والمقدر بمبلغ خمسة وعشرين ألف دينار من قبل الحكم المستأنف، فإن هذه الهيئة رأت أنه هو المبلغ الكافي لجبر هذا الضرر، ذلك أنه بالإضافة إلى ما ورد بأسباب الحكم المستأنف بهذا الشأن يلاحظ أن ما أصاب المستأنف عليه من الام نفسية نتيجة إخلال المستأنف بالالتزام يصعب محو اثارها لمدة طويلة، الأمر الذي إقتضى تأييد الحكم المستأنف فيما انتهى إليه من تقدير المبلغ المحكوم به بالنسبة للضرر المعنوي للأسباب الواردة به والتي تأخذ بها هذه المحكمة…) 

وكان الحكم الابتدائي قد أورد تبريرا لقضائه قوله : “…إذا ما نظرنا إلى واقعة الحال نجد أن المدعي قد لحقه الضرر المادي سواء من الناحية المالية، ويتمثل ذلك فيما لحقه من خسارة تمثلت في اتفاقه على السفر من موطنه (بالجماهيرية) إلى تونس والعودة منها بعد أن منع من السفر، وما فاته من كسب تمثل في حرمانه من تأدية عمله الذي كان مسافرا من أجله، وحرمانه من الكسب الذي كان سيحصل عليه منه ودين من الناحية الأخرى، تمثل ذلك في تفويت فرصة اللقاء بزملائه من دول أخرى، والاستفادة أو الإفادة في مجال عمله. كما لحقه ضرر معنوي كبير تمثل فيما عاناه من ألم وحسرة وما أصابه من اضطراب نفسي وهواجس أقلقت  راحته وأتعبت نفسيته..).

ويبين من هذا الذي أورد ه الحكمان الابتدائي والمطعون فيه أنهما لم يوردا من العناصر المادية ما يسعف في تقدير قيمة التعويض عن الضرر المادي المقضي به مما يصمه بعيب القصور في التسبيب.

وحيث انه ولئن كان قد خص كلا من التعويضين بمبلغ معين، إلا أن تبريرهما للتعويض عن  الضرر المادي تضمن عناصر معنوية صرفة، وخلطا بين العناصر المكونة للضررين، فأوردا ما يخص منها الضرر المعنوي في مقام التدليل على حصول الضرر المادي، وينصرف من ثم العيب إلى التقديرين، بما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه…”. وقررت المحكمة العليا  احالة القضية إلى محكمة الاستئناف المختصة لنظرها مجددا من هيئة أخرى.

سابعاً: سلطة القاضي في بيان الحقيقة التي اقتنع بها

(الوقائع)

أقام الطاعن (المدعي) دعوى ضد الخطوط الجوية الليبية قال بيانا لها إنه تعاقد معها بموجب تذكرة سفر (طرابلس  – بنغازي – طرابلس) وغادر طرابلس إلى بنغازي، وعند اتخاذ اجراءات العودة إلى طرابلس تبين له أن الطائرة المعدة للسفر لم تكن مجهزة وفقا لعقد النقل لعدم وجود أماكن مخصصة للدرجة الاولى لأن تذكرة السفر تخص هذه الدرجة وليس الدرجة السياحية، مما اضطره إلى ترك الرحلة وما صاحب ذلك من متاعب تعرض لها لكبر سنه ومكانته الاجتماعية بما يعدً معه الناقل قد أخل بشروط التعاقد وألغى وعدل بعضها دون اتفاق الطرفين، مما سبب له  ضررا ماديا تمثل في عدم تمكنه من السفر إلى طرابلس وعودته للفندق للإقامة، وما أنفقته زوجته في السفر من طرابلس إلى المطار، وضرر أدبي تمثل في القلق الذي أصاب الأسرة من جراء التأخير والمساس بمكانته الاجتماعية. وانتهى إلى طلب التعويض عن تلك الأضرار بمبلغ مائة الف دينار، مع ثمن التذكرة.

والمحكمة قضت برفض الدعوى، وأيدتها محكمة الاستئناف في قضائها – فطعن محامي الطاعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف أمام المحكمة العليا ناعيا عليه الفساد في الاستدلال لأنه استند في رفض الدعوى على ان الطاعن عند ذهابه إلى مكتب الشركة ببنغازي لإتمام اجراءات العودة إلى طرابلس تم إلصاق ورقة على التذكرة تفيد أن الرحلة تحمل رقم (609) وهي رحلة سياحية، وهو ما يدل على أنه تم تغيير الرحلة من درجة أولى إلى سياحية، ويعد ذلك رضاء من الطاعن بتعديل بنود العقد، وهذا يعد من الحكم فسادا في الاستدلال، لأن اتخاذ الطاعن لإجراءات العودة بمكتب الشركة لا يعتبر رضاء منه بالتغيير الذي تم على تذكرة السفر، وإحجامه عن السفر في تلك الرحلة يدل على عدم رضائه، لان التغيير تم من طرف واحد، دون النظر إلى ارادته، بما يعد معه الشركة المدعى عليها قد أخلت بالعقد ويرتب مسئوليتها، ويجعل الحكم المطعون فيه معيبا جديرا بالنقض.

لم تقتنع المحكمة اللعليا بهذا النعي، فرفضت الطعن مبررة قضاءها بقولها : ” انه بحسب قاضي الموضوع أن يبين الحقيقة التي اقتنع بها، وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله وما عليه بعد ذلك أن يتتبع الخصوم في مناحي أقوالهم مادامت الحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها فيها التعليل الكافي المسقط لتلك الأقوال والدفوع، وعلى ذلك فإن الحكم المطعون فيه – وقد أقام قضاءه على دعامات من بينها ما أورده من (أن البند التاسع من عقد النقل (المدون) على التذكرة يبيح للشركة تغيير الطائرة من طائرة مجهزة بالدرجة الأولى إلى طائرة غير مجهزة بذلك الأمر الذي لا يقوم معه أي إخلال بالعقد من جانب الشركة وبانعدام هذا الإخلال ينعدم الأساس الذي بنيت عليه الدعوى)، وانتهى إلى تأييد الحكم المستأنف القاضي برفض الدعوى، فإن ما أورده الحكم وعلى ما سلف بيانه كاف لحمل قضائه، وله أصل ثابت في الأوراق، ولم يوجه له الطاعن أي تعييب، ويكون ما ورد في سبب النعي بفرض صحته غير منتج بما يتعين معه رفض الطعن “.

ثامناً: أثر إخلال المحكمة بمناقشة مستند منتج في الدعوى

(الوقائع)

أقام المطعون ضده (المدعي) عن نفسه وبصفته دعوى ضد الممثل القانوني لنادي الطيران بسبها واخر بصفته قائلا فيها إنه بتاريخ 1988.11.30 أقلعت الطائرة (داداس DDAS) من موقع الحمادة باتجاه طرابلس، وبسبب خطأ قادتها ومن تولى إرشادها وتسييرها التابعين للمدعى عليهما، وكذلك بسبب عدم صلاحيتها للطيران، وإقلاعها في ظروف جوية غير ملائمة، وعدم اتباع القواعد القانونية للطيران، ودون التزام الممرات المقررة ارتطمت بالأرض، ونجم عن ذلك وفاة جميع ركابها ومن بينهم مورت المدعي. وانتهى إلى طلب الحكم بإلزام المدعي عليهما متضامنين أن يدفعا له عن نفسه وبصفته المبلغ المحدد بصحيفة الدعوى تعويضا عما أصابه ومن أنابه من ضرر مادي وأدبي، والمحكمة قضت بتعويض عن الضررين، لم يرتض الطرفان هذا الحكم فاستأنفاه أمام محكمة الاستئناف التي قضت برفض الاستئنافين.

قرر محامي الطاعن المحكوم عليه الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف ينعي عليه القصور في التسبيب لأنه دفع أمام المحكمة المطعون في حكمها بأن المدعي عن نفسه وبصفته كان قد تسلم من شركة التأمين تعويضا عن وفاة مورثهم، إلا أنها لم ترد على دفاعه، مما يجعل حكمها معيبا موجبا للنقض.

استجابت المحكمة العليا لهذا النعي مقررة : ” إنه يتعين على محكمة الموضوع إذا ما دفع أمامها الخصم بدفع جوهري منتج في الدعوى أن تواجهه وترد عليه، فإن هي أعرضت عنه ولم تناقشه وترد عليه بما يصلح لطرحه، كان حكمها قاصر البيان متعين النقض.

لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن المذكور بصفته دفع أمام المحكمة المطعون في قضائها بعدم قبول الدعوى لسبق تسلم المدعي عن نفسه وبصفته مبلغ تسعة ألاف وثمانمائة وتسعة وتسعين دينارا وثمانمائة درهم من شركة ليبيا للتأمين تنفيذا لعقد التأمين المبرم بينها وبين نادي الطيران المدني الذي حل محله الطاعن بصفته، تعويضا عن الأضرار اللاحقة بالمدعي عن نفسه وبصفته نتيجة وفاة مورثه في حادث النقل الجوي رقم 13/88، وانتهاء موضوع الدعوى صلحا، بما لا يجوز معه رفع الدعوى للمطالبة بالتعويض عن ذات الضرر المعوض عنه، وهو دفع جوهري من شأنه لو صح ان يغير وجه الرأي في الدعوى مما كان ينبغي معه على المحكمة أن تناقشه وترد عليه، وإذ لم تفعل واكتفت بايراده دون الرد عليه بما يبرر طرحه، وقضت في موضوع الدعوى بإلزام الطاعن التعويض، فإن حكمها يكون قاصرا في التسبيب بما يتعين معه نقضه…”. وأحالت المحكمة العليا القضية إلى محكمة الاستئناف المختصة للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى.

وقالت المحكمة العليا في طعن اخر بالخصوص : ” متى ما قدم إلى محكمة الموضوع مستند منتج في الدعوى تعين عليها أن تناقشه وتبرر استبعادها له ان هي قضت على خلافه.

لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه تأسس على الرسالة الصادرة عن الخطوط الجوية الأردنية، وكذلك المستندات الاخرى التي تفيد أن مصطلح (hk) لا يعني أن حجز الطاعنين مؤكد، في حين أن من بين تلك المستندات الاخرى التي أشار إليها الحكم الشهادة الصادرة عن الخطوط الجوية العربية الليبية بتاريخ 2001.11.21 التي تفيد أن المصطلح يعني أن حجز الطاعنين مؤكد دون أن يناقش الحكم هذه الشهادة الأخيرة ويبرر طرحها له، مما يجعله قائما على مستندات متعارضة يهدم بعضها بعضا, وبصمه بعيب القصور في التسبيب بما يوجب نقضه ” 

تاسعاً: أثر الصلح بالتعويض عن الضرر الناجم عن الوفاة بسبب سقوط الطائرة

(الوقائع)

أقامت اللمطعون ضدها (المدعية) عن نفسها وبصفتها وكيلة عن ورثة المتوفى دعوى تقول فيها انه إثر وقوع حادث الطائرة التابعة للخطوط الجوية العربية الليبية بالقرب من مطار طرابلس العالمي بتاريخ 1992.11.2 و وكان مورثهم من بين الضحايا بسبب ذلك، سعى مندوب شركة التأمين (المدعى عليها) لدى أسر الضحايا لتعويضهم وفق عقد التامين المبرم بين هذه الشركة وشركة الطيران المذكورة، فعرض على المدعين مبلغ أربعين  الف دينار تعويضا عن الأضرار الناجمة عن فقدهم لمورثهم زاعما تحديد التعويض بهذا المبلغ يرجع إلى أن  الطائرات الليبية غير مؤمن عليها حاليا لدى شركات التأمين الأجنبية بحجة أن الحصار الاقتصادي المفروض على الدولة يحول دون إجراء هذا التأمين. وقد قبل المدعون بهذا المبلغ استنادا على هذه المعلومات. 

ومنذ شهرين علموا ان الشركة المدعى عليها أبرمت اتفاقا مع ورثة أحد ضحايا الطائرة المذكورة دفع لهم بموجبه مبلغ مائة وعشرين ألف دينار تعويضا لهم عن فقد مورثهم، وان سلوك المدعى عليها معهم ينطوي على اجحاف كبير بحقهم، لأنهم لم يكونوا على علم بقواعد التأمين الجوي على الطائرات بما يجعل تنازلهم معيبا، وأن المدعى عليها عمدت إلى التدليس عليهم وتضليلهم وخداعهم، وانتهت المدعية إلى طلب إلزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع لها هن نفسها وبصفتها مبلغ ثمانين ألف دينار هو الفارق بين ما تحصلوا عليه كتعويض اتفاقي والتعويض الذي حددته الشركة مؤخرا لورثة أحد ضحايا نفس الطائرة.

قضت المحكمة بإبطال عقد الصلح، وبإلزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع للمدعية عن نفسها وبصفتها مبلغ ثمانين ألف دينار.

استأنفت الشركة الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف التي قضت برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف.

 قرر أحد أعضاء إدارة القضايا نيابة عن الشركة الطعن في هذا الحكم بطريق  النقض أمام المحكمة العليا ناعيا عليه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله والقصور في التسبيب إذ قضى برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف دون الاستناد إلى أساس قانوني، واكتفى بعرض مختصر لأسباب الاستئناف دون الرد عليها، وقد قضى الحكم الابتدائي المؤيد بإلزام الشركة الطاعنة بدفع مبلغ ثمانين ألف دينار كتعويض عن الاضرار اللاحقة بالمطعون ضدهم استنادا إلى أن المطعون ضدها لم تتحصل على اذن من المحكمة في عقد الصلح مع الشركة الطاعنة على مبلغ أربعين ألف دينار بصفتها مقدمة شرعية عن ابنها القاصر (الاسم مخفي) قبل إبرامها لعقد الصلح المذكور واعتبر تصرفها باطلا، ولأن الصلح لا يتجزأ، فقد اعتبر العقد كله باطلا، وهو ما يخالف الثابت بالأوراق، لأن المطعون ضدها قد تحصلت على إذن بذلك من المحكمة المختصة.

قضت المحكمة العليا أن هذا النعي في محله مقررة : ” أن المادة  548من القانون المدني تنص على أن (الصلح عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما، أو يتوقيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه). وتنص المادة 549 من ذات القانون على أن : (يشترط فيمن يعقد صلحا أن يكون أهلا للتصرف بعوض في الحقوق الذي يشملها عقد الصلح). وتنص المادة 552 من القانون ذاته على أنه : (1- تنحسم بالصلح المنازعات التي تناولها. 2- ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها أي من المتعاقدين نزولا نهائيا). ومفاد هذه النصوص أنه يترتب على عقد الصلح انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها أي من المتعاقدين نزولا نهائيا إذا كان المتنازل أهلا للتصرف في الحقوق التي تناولها الصلح. وكان يبين من اوراق الطعن أن المطعون ضدها عن نفسها وبصفتها قد تصالحت مع الشركة الطاعنة على مبلغ أربعين ألف دينار تعويضا لها ولمن تنوب عنهم عن وفاة مورثهم وتسلمت المبلغ المتصالح عليه بتاريخ 1993.10.19، وهو ما لا تنازع فيه المطعون ضدها.

وكان يبين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه ببطلان هذا الصلح وبإلزام الشركة الطاعنة بدفع الفرق بين هذا المبلغ وما تصالحت عليه مع أسرة أخرى متضررة من ذات الطائرة على قوله : (وإن كان من غير الجائز الطعن في الصلح بسبب غلط في القانون طبقا للمادة 555/1 مدني. وكان على المدعين التثبت قبل إبرام العقد من كافة المسائل المتعلقة بما انصب عليه الصلح، وهو بذلك يختلف عن الغلط في الواقع،  والذي لا يوجد من ظاهر الأوراق أن المدعى عليه قد أوقع المدعية فيه، وأن الصلح قد تم نتيجة لذلك، إلا أن ذلك مقصور على المدعين الأربعة الأول، ولا ينطبق على المدعى عليه الخامس باعتباره ناقص الأهلية وقت إبرام الصلح، ولم تحصل المدعية الأولى على إذن من المحكمة بإبرام الصلح نيابة عنه إلخ)

ثم أورد في موقع اخر : (وحيث ان الصلح لا يتجزأ وبطلان جزء منه يقضي ببطلان العقد كله طبقا لنص المادة 556 مدني)، وقد أيده الحكم المطعون فيه، وأحال عليه إحالة        صريحة بقوله : (… وقد جاء حكم المحكمة المستأنف حكمها متفقا وصحيح القانون فيما انتهى إليه، لذللك فإن المحكمة تنتهي إلى الحكم في الموضوع برفض موضوع الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف، وجعل اسبابه مكملة لهذه الأسباب فيما لا يتعارض معها).

لما كان ذلك، وكان الثابت من حافظة مستندات الشركة الطاعنة المؤشر عليها بما يفيد أنها كانت مودعة ملف الدعوى المعروضة على المحكمة المطعون في حكمها أنها تضمنت طلبا مقدما من المطعون ضدها إلى دائرة الأحوال الشخصية بمحكمة بنغازي الابتدائية بصفتها مقدمة شرعية عن ابنها القاصر (الاسم مخفي) ابن المرحوم (الاسم مخفي) مفاده انها تصالحت مع الشركة الطاعنة على مبلغ أربعين ألف دينار تعويضا لها ولأولادها منه، وتطلب الإذن لها باتمام ذلك والموافقة على الصلح وصرف المبلغ، وقد ذيل هذا الطلب بموافقة المحكمة على ذلك والاذن بسحب المبلغ لمصلحة القاصر والورثة لمقدمة الطلب أو وكيلها بتاريخ 1993.4.13، بما يكون معه الحكم المطعون فيه قاصر التسبيب متعين النقض “. وقضت المحكمة العليا بإحالة القضية إلى المحكمة المختصة للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى، وفي حكم اخر يتعلق بقضية سقوط الطائرة وتم اجراء الصلح بين ورثة المتوفى جراء الحادث ذاته وشركة ليبيا للتأمين قالت المحكمة العليا : 

” ان الصلح يحسم بين طرفيه المنازعة التي تناولها، ويفرض على كل منهما التزاما بعدم  تجديد المنازعة فيما تم التصالح عليه قبل الطرف الاخر متى قام بتنفيذ ما التزم به.

لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أن المطعون ضدهم تصالحوا مع الطاعن بصفته على مقدار قيمة التعويض عن الوفاة وتم الوفاء بالمبلغ قبل ان تتوافر شروط الدعوى، وقبل ان يتم رفعها، وتنازل المطعون ضدهم عن أية حقوق لهم تتعلق بالوفاة، فإن هذا الصلح قد حسم المنازعة نهائيا ببن الأطراف، ولا يجوز الرجوع فيه. وإذ قضى الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه خلاف ذلك بإلزام الطاعن بأن يدفع ما يزيد على المبلغ المتفق عليه صلحا رغم تنفيذ الأخير بما التزم به بموجب محضر الصلح، فإنه يكون قد خالف القانون.

ولا يغير من ذلك ما أورده الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه من تبريرات خاطئة تقوم على ان المطعون ضدهم قصر، وقد لحقهم ضرر من الصلح مما يحق لوكيلهم المطالبة بفسخ العقد، ذلك ان الثابت من مدونات الحكمين ان وكيل المطعون ضدهم لم يؤسس دعواه المبتدأة على أن موكليه قصر، وأنه لحقهم ضرر من تصرفات من أبرم الصلح نيابة عنهم، وانما كان سبب دعواه هو ان الطاعن تصالح مع اخرين عن ذات الواقعة بمبالغ أكبر مما تصالح به مع موكليه، وهو ما يخالف مبادئ العدالة والمساواة، ويوجب الحكم لهم بتعويض مساو لما قبضه اولئك، وهو ما لا يسوغ معه إلغاء عقد الصلح وفقا لما انتهى اليه الحكم، لأن الصلح بطبيعته تصرف يخضع لتقدير كل طرف فيه لاعتبارات يراها كل منهما تحقق له طلباته، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه.

وحيث ان مبنى النقض مخالفة القانون، وكانت القضية صالحة للفصل فيها، فإن المحكمة تقضي فيها وفقا للقانون عملا بالمادة 358 من قانون المرافعات.

وحيث ان عقد الصلح يحسم النزاع الذي يتناوله، ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها كل طرف فيه، فإنه لا يجوز تجديد المنازعة في الحق المتصالح عليه بما يتعين معه رفض الدعوى ” 

وفي قضية أخرى تتعلق بنفس حادث الطائرة طرفاها ورثة المتوفى وشركة ليبيا للتأمين حيث طعنت هذه الشركة في الحكم الاستئنافي الذي أيد الحكم الابتدائي القاضي بإلزامها بزيادة مبلغ التعويض على المبلغ المتفق عليه صلحا والمبرم بينها وبين ورثة المتوفى يسبب حادث الطائرة, استجابت المحكمة العليا لنعي شركة ليبيا للتأمين وأوردت بشأنه قولها : ” ان الصلح يحسم بين طرفيه المنازعة التي تناولها ويفرض على كل منهما التزاما بعدم تجديد المنازعة فيما تم التصالح عليه قبل الطرف الاخر متى قام بتنفيذ ما التزم به.

لما كان ذلك، وكان الثابت من أوراق الطعن أن الخصوم اتفقوا على تعيين مقدار التعويض مقدما، وتم الوفاء به قبل رفع الدعوى، وبموجبه تنازل المطعون ضده عن جميع حقوقه القانونية تجاه الخطوط الجوية العربية الليبية وشركة التأمين وموظفيها ووكلائها وصانعي الطائرة ومحركاتها، وأي واحد منهم عن أية مسئولية أو مطالبة أو أي إجراء قانوني مهما كان نوعه بخصوص وفاة ابنه نتيجة تحطم طائرة الركاب التابعة للخطوط الجوية العربية الليبية رحلة رقم 1103 بتاريخ 1992.12.22 قرب مطار طرابلس العالمي، فإنه لا يجوز تجديد المنازعة في حق المتصالح عليه بعد أن قبض المطعون ضده التعويض المتفق عليه وتنازل عن حقه في أية مطالبة تتعلق بوفاة ابنه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى خلاف ذلك وقضى بإلغاء الحكم المستأنف القاضي برفض الدعوى وبإلزام الطاعن (ممثل شركة ليبيا للتأمين) بدفع مبلغ يزيد على ما اتفق عليه صلحا رغم تنفيذ الأخير بما التزم به، فإنه يكون مخالفا للقانون.

ولا يغير من ذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه من أن الطاعن لم يذكر في محضر الصلح واقعة إعادة التأمين على الطائرة لدى شركة أجنبية، ذلك ان التأمين بالنسبة للشركة الطاعنة عمل تجاري يخصها وحدها وغير ملزمة بإبلاغ المستفيد من التأمين على الطائرة عند التصالح معه بإعادة التأمين لأن ذلك عمل لا شأن للمستفيد به، كما لا يؤثر في ذلك عدم قبول الطعن شكلا بالنسبة للمطعون ضدها الثانية، ذلك أن الأصل في عقد الصلح أنه غير قابل للتجزئة ما لم يتبين من عبارات العقد أو من الظروف أن المتعاقدين قد اتفقا على أن أجزاء العقد مستقلة بعضها عن بعض وفقا لنص المادة 556 من القانون المدني. وكان يبين أن عقد الصلح على النحو السابق بيانه قد أسقط على وجه بات الحقوق والمطالبات التي تم التصالح عليها ويتضمن نزول كل طرف عن جزء من ادعائه، فإن أثر هذا النزول المتبادل ينصب على النزاع الذي تناوله ويمتد أثره إلى من كان طرفا فيه. ولما كانت الدعوى محل الطعن تتعلق بعقد صلح تم ابرامه بين الطاعن – بصفته – والمطعون ضدهما، وكان لا يبين من عباراته أو من ملابساته أنه يشتمل على أجزاء مستقلة بعضها عن بعض فإنه لا يقبل القول بسريانه في حق متعاقد دون المتعاقد الاخر بما يتوجب معه نقض الحكم لكلا  الطرفين.

وحيث ان مبنى النقض مخالفة القانون، وكانت الدعوى صالحة للفصل فيها، فإن المحكمة تقضي فيها وفقا للقانون عملا بالمادة 358 من قانون المرافعات.

وحيث ان عقد الصلح يحسم النزاع الذي تناوله، ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التي تنازل عنها كل طرف فيه، فإنه لا يجوز تجديد المنازعة في الحق المتصالح عليه بما يتعين معه رفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف..”   

عاشراً: وجوب عدم تسوئ مركز الطاعن في الحكم

(الوقائع)

أقام الطاعنون (المدعون) دعوى ضد الشركة المطعون ضدها يقولون فيها ان مورثهم توفي إثر حادث سقوط الطائرة التابعة لها بالحمادة الحمراء الذي حصل بسبب عدم اتباع أنظمة وقوانين الملاحة الجوية، وخلصوا إلى طلب الحكم بالزامها بأن تدفع لهم مبلغ التعويض المبين في صحيفة الدعوى عن الأضرار المادية والأدبية التي حاقت بهم جراء ذلك.

قضت المحكمة لهم بتعويض لم يرتضونه فاستأنفوا وحدهم هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف مطالبين بزيادتهم، فقضت بالغاء الحكم المستأنف وسقوط الدعوى بالتقادم.

قرر محامي الطاعنين الطعن هلى هذا الحكم بالنقض أمام المحكمة العليا ناعين عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبسقوط الدعوى بالتقادم، وبذلك تكون المحكمة المطعون في حكمها قد أضرت بالطاعنين، وخالفت قاعدة لا يضار الطاعن بطعنه، حيث كان عليها إما أن تؤيد الحكم اللمستأنف أو تعدله لصالحهم.

قررت المحكمة العليا صحة هذا النعي وبينت وجه سداده في قولها : ” ان الاستئناف وفقا لنص المادة 319 من قانون المرافعات ينقل الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة إلى ما رفع عنه الاستئناف فقط، ومن ثم فإنه لا يجوز لمحكمة الاستئناف أن تتعرض للفصل في أمر غير مطروح عليها وأن تسوئ مركز المستأنف بالاستئناف الذي قام هو برفعه طبقا لقاعدة لا يضار الطاعن بطعنه.

وحيث ان الواقع في الدعوى أن الحكم الابتدائي قضى للطاعنين بالزام المطعون ضده بصفته بدفع مبلغ خمسة وأربعين ألف دينار تعويضا لهم عن الضرر الأدبي الذي لحقهم من جراء وفاة مورثهم، وأنهم وحدهم هم الذين استأنفوا الحكم لزيادة المبلغ المحكوم به إلي ما كانوا قد طالبوا به في صحيفة دعواهم المبتدأة، ومن ثم يكون استئنافهم مقصورا على البت في هذا الطلب.

لما كان ذلك، وكان المطعون ضده بصفته لم يستأنف الحكم الصادر ضده إذ الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن دفاعه حضر جلسة المرافعة ودفع بسقوط الحق في رفع  الدعوى بالتقادم, فإنه كان يتعين على المحكمة إما أن تؤيد الحكم  المستأنف أو تقضي بزيادة المبلغ المحكوم به، وإذ لم تفعل وقضت بإلغاء الحكم المستأنف وبسقوط الدعوى بالتقادم، بناء على دفع الشركة المستأنف ضدها بذلك فإنها تكون قد خالفت القانون، حيث سوأت مركز المستأنفين (الطاعنين) وأهدرت قاعدة لا يضار الطاعن بطعنه بما يوجب نقض الحكم المطعون فيه.

ولا يغير من ذلك ما أوردته الجهة المطعون ضدها في مذكرتها الرادة من أنها استأنفت الحكم الابتدائي الصادر ضدها، إذ أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه لا يبين لا من ديباجته أو أسبابه أو منطوقه أن الشركة المطعون ضدها قد استأنفت الحكم الابتدائي، ولم تقدم ما يثبت ذلك سوى صورة من صحيفة استئناف لا مجال للاعتداد بها لعدم الإشهاد عليها من قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ”    

الحادي عشر: تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين على أضرار النقل الجوي

(الوقائع)

رفع المطعون ضدهم (المدعون) دعوى ضد شركة الخطوط الجوية الليبية قالوا فيها : إن مورثهم توفي نتيجة حادث سقوط طائرة الشركة التي دفعت لهم تعويضا قدره أربعون ألف دينار، وتبين أن هناك حالات مماثلة دفعت الشركة تعويضا عنها بمبلغ مائة وعشرين ألف دينار، وانتهوا إلى طلب الحكم بفسخ الاتفاق السابق، وإلزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع لهم مبلغ مائة وعشرين ألف دينار. وأثناء نظر الدعوى أدخلت شركة ليبيا للتأمين (الطاعنة) في الدعوى.

قضت المحكمة بسقوط الحق في رفع الدعوى لمضي المدة.

استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف فقضت بإلغاء الحكم المستأنف، وإلزام شركة ليبيا للتأمين (المدخلة) بدفع مبلغ ثمانين ألف دينار للمدعين.

قرر أحد أعضاء إدارة القضايا نيابة عن الشركة المحكوم عليها الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف ناعيا عليه مخالفة القانون لأنه لم يقض بسقوط حق المدعين في رفع الدعوى بالتقادم الثلاثي (3 سنوات) حسبما تنص عليه المادة 752من القانون المدني الذي دفعت به الشركة أمام المحكمة المطعون في حكمها.

قضت المحكمة العليا بسداد هذا النعي مقررة : ” ان المادة 752 من القانون المدني نصت على أن تسقط بالتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بانقضاء ثلاث سنوات من وقت حدوث الواقعة التي تولدت عنها هذه الدعاوى، ولا تسري هذه المدة في حالتين إلا بتحقق علم المضرور أو المؤمن، وهما حالة : اخفاء بيانات تتعلق بالخطر المؤمن عليه أو تقديم بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة، وحالة وقوع الحادث المؤمن منه إلا من تاريخ العلم بوقوعه.

وحيث ان الثابت من أوراق الطعن أن المطعون ضدهم رفعوا دعواهم بعد مضي ما يقارب العشر سنوات من تاريخ ابرامهم للتسوية مع الشركة الطاعنة (سنة  1993) والتي أنهوا بموجبها مطالباتهم، وهو ما يقطع بعلمهم بالواقعة المسببة للضرر منذ ذلك  التاريخ، فإن دعواهم تكون سقطت بالتقادم، ويكون الحكم المطعون فيه بعدم التزامه هذا النظر قد خالف القانون بما يتعين معه نقضه. ولا يغير من ذلك ما ذهب إليه الحكم من أن الشركة الطاعنة أخفت عن الطاعنين واقعة إعادة التأمين على الطائرة لدى شركة أجنبية، ذلك أن التأمين عمل تجاري بالنسبة لشركة التأمين لها أن تتخذ ما تراه مناسبا لتقليل التعويضات التي قد تقوم  بدفعها, وليست ملزمة بإبلاغ المستفيد من التأمين على الطائرة عند الاتفاق معه على مقدار التعويض الذي يدفع له عند اعادة التأمين على تلك الطائرة لأنه أمر يخصها ولا شأن للمستفيد به.

وحيث ان مبنى النقض مخالفة القانون، وكان موضوع القضية جاهزا للفصل فيه فإن المحكمة تقضي فيه وفقا للقانون عملا بنص المادة 358 من قانون المرافعات. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ونقض الحكم المطعون فيه، وفي موضوع الاستئناف رقم 2003/7000 بنغازي برفضه وتأييد الحكم المستأنف..”  

الثاني عشر:أثر انعدام صفة الطاعن بالنقض

(الوقائع)

أقام المطعون ضده (المدعي) دعوى يطلب فيها إلزام شركة الخطوط التونسية بأن تدفع له مبلغ ثلاثين ألف دينار تعويضا له عما أصابه من أضرار مادية ومعنوية مبينا سبب ذلك في أنه اشترى من الشركة المذكورة تذكرة سفر إلى روما له وأسرته، وقد أكدت له الحجز، وعند وصوله عن طريق البر إلى تونس فوجئ بأن حجزه قد ألغي دون سبب، وبقي وأسرته بالمطار رغم شحن أمتعته إلى روما، ولم يتحصل عليها إلا بعد ثلاثة أيام من وصول الطائرة، وقد فقدت حقائبه.

والمحكمة قضت هل بتعويض عن فقد الحقائب، ومحكمة الاستئناف أيدت هذا الحكم.

قرر محامي الشركة الطعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف أمام المحكمة العليا التي قضت بعدم قبوله شكلا للتقرير به من غير ذي صفة، حيث قالت : ” حيث انه عن شكل الطعن فإن قضاء هذه المحكمة قد جرى على انه لا يجوز لمحام أن يرفع دعوى أو يقرر بالطعن نيابة عن شركة أجنبية مؤسسة في الخارج ولها نشاط في ليبيا إلا إذا كان مخولا في ذلك بموجب توكيل خاص صادر له من ممثلها القانوني في ليبيا طبقا للأوضاع المقررة في  القانون، وكان يجب وفقا لنص المادتين 89 و 92 من القانون التجاري، والمادة السادسة من اللائحة التنفيذية الخاصة بالسجل التجاري قيد فرع الشركة الاجنبية التي تزاول نشاطا في ليبيا في السجل التجاري، وأن يتضمن القيد اسم ولقب من اعتمد في تمثيل مقر الفرع، وعلى هذا الممثل أن يودع مكتب السجل التجاري الذي يقع في دائرته توقيعه الخطي .

لما كان ذلك، وكان يبين من سند التوكيل المودع من المحامي الذي قرر بالطعن أنه يحتوي على اسم الشخص الموكل (المدير الاقليمي لشركة الخطوط التونسية) مدير الشركة، وهي شركة أجنبية لها نشاط في ليبيا دون أن يرفق ما يثبت أن ذلك الشخص هو الممثل القانوني للشركة الطاعنة طبقا للإجراءات التي رسمها القانون الليبي في خصوص فروع الشركات الأجنبية العاملة في ليبيا بما يكون معه الطعن مرفوعا من غير ذي صفة ويتعين من ثم عدم قبوله “

وفي قضية أخرى قضت المحكمة العليا بعدم قبول الطعن بالنقض الذي قرر به أحد أعضاء إدارة القضايا دون ارفاق قرار الإنابة عن شركة الخطوط الجوية الليبية المحكوم عليها، وقالت المحكمة في هذا الشأن : ” حيث إنه عن شكل الطعن فإن رأي نيابة النقض في محله، ذلك أنه وفق نص المادة 342 من قانون المرافعات، وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة أن المحامي الذي يقرر بالطعن يجب أن يكون موكلا من الطاعن، ولإثبات صفته في التقرير بالطعن يجب أن يقدم سند إنابته أو صورة منه حتى يتسنى للمحكمة مراقبة حدود طلب الانابة، وما إذا كان المحامي الذي قرر الطعن مخولا بالحق في هذا الإجراء، فإذا خلت الأوراق مما يفيد حصول هذه الإنابة كان الطعن باطلا، وحكمت المحكمة بذلك من تلقاء نفسها.

وتستوي إدارة القضايا مع غيرها من الخصوم بالنسبة للجهات التي تنوب عنها نيابة اتفاقية في وجوب إيداع سند إنابتها عن الجهة الطاعنة أو المطعون ضدها حتى تتحقق المحكمة من وجود الإنابة وحدودها وسريانها في تاريخ التقرير بالطعن.

لما كان ذلك، وكانت الشركة الطاعنة من الجهات التي يجوز أن تنوب عنها إدارة القضايا إنابة اتفاقية، وهو ما يستلزم صدور قرار من وزير العدل يبين كيفية وحدود الإنابة، وإرفاق صورة من هذا القرار بأوراق الطعن، وكانت الأوراق قد خلت من قرار الإنابة، فإنه لا تكون لعضو إدارة القضايا الذي قرر بالطعن صفة في التقرير به نيابة عن الشركة الطاعنة، ويكون الطعن غير مقبول شكلا “

وفي قضية أخرى أيضا قضت المحكمة العليا بعدم قبول الطعن شكلا مقررة : ” حيث أنه عن شكل الطعن فإن دفع محامي المطعون ضده بعدم قبول الطعن في محله، ذلك أن التقرير به كلن من أحد أعضاء إدارة القضايا نيابة عن الممثل القانوني لشركة الخطوط الجوية  العربية الليبية، في حين أن  سند إنابة إدارة القضايا المودع ملف الطعن كان عن لجنة التصرف في الأصول وموجودات شركة الخطوط الجوية العربية الليبية مما يكون معه الطعن قد رفع من غير ذي صفة، ويتعين معه عدم قبوله “.

الثالث عشر: أثر إعلان الطعن بالنقض من محضر خارج نطاق اختصاصه

(الوقائع)

أقام المطعون ضده (المدعي) دعوى على شركة الخطوط التونسية وشركة لوفتهانزا الألمانية قائلا فيها إنه تعاقد مع الشركة الأولى على أن تنقله بتاريخ 1996.3.19 من مطار جربة بتونس إلى القاهرة مرورا بمطار فرانكفورت على متن طائرة الخطوط التونسية إلا ان الموظف المختص بالمطار امتنع عن إتمام إجراءات سفره بحجة أنه غير حاصل على تأشيرة مرور لألمانيا، وأيده في ذلك مسئول المحطة إستنادا إلى تعليمات بعدم السماح لليبيين بالمرور عبر ألمانيا، فاضطر إلى تأجيل مواعيد عمله بالقاهرة التي كان محددا لها اليوم التالي لسفره، ووجه إخطارا إلى الشركة الألمانية يطالبها بالتعويض، وقد أقرت بمسئوليتها ووكيلها عن ذلك, وانتهى إلى طلب الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين أن يدفعا له مبلغ مائة ألف دينار تعويضا عن الضررين المادي والأدبي.

قضت له المحكمة بتعويض تم تخفيضه من قبل محكمة الاستئناف المطعون في حكمها بالنقض أمام المحكمة العليا من قبل شركة الخطوط التونسية المحكوم عليها.

حكمت المحكمة العليا بعدم قبول الطعن شكلا لأن المحضر الذي قام بإعلان الطعن قد أجراه خارج دائرة اختصاصه، وفي هذا الخصوص قالت : ” حيث إن رأي نيابة  النقض ببطلان إعلان الطعن لان المحضر القائم به محدد عمله بمحكمة جنوب طرابلس الابتدائية، وقام بإعلان المطعون ضده الذي يقع موطنه المختار في حدود الاختصاص المكاني لمحكمة شمال طرابلس الابتدائية دون اذن من رئيس المحكمة المختصة يؤدي إلى بطلان ما قام به من إجراء.

وكان يبين من ورقة إعلان الحكم المطعون فيه للطاعن أنها معلنة عن طريق محضر محكمة شمال طرابلس الابتدائية، ويبين من صورة الحكم الابتدائي أن الموطن المختار للمطعون ضده – مكتب محاميه – وموطن الطاعن بصفته يقعان بدائرة  اختصاص المحكمة المعنية، مما يتعين معه من  حيث الأصل أن تتم إجراءات إعلان الطعن من قبل محضر يعمل في دائرة اختصاصها. وإذ كان يبين من ورقة إعلان الطعن أن محضرا بمحكمة جنوب طرابلس الابتدائية هو الذي قام بالإعلان بتسليم صورته لصاحب الموطن المختار للمطعون ضده، وخارج نطاق اختصاصه، وقد خلت الأوراق مما يفيد الإذن له في ذلك من رئيس المحكمة المختصة، فإن إجراءات الاعلان تكون واقعة من غير مختص، مما يؤدي إلى بطلا ن الإعلان، ويضحى الطعن غير مستوف للشكل المقرر في القانون، ويتعين الحكم بعدم قبوله “

الرابع عشر: وجوب عدم طرح دفوع موضوعية جديدة أمام المحكمة العليا

(الوقائع)

رفع المطعون ضده (المدعي) دعوى ضد لجنة التصرف في أصول وموجودات شركة الخطوط الجوية الليبية عن نفسه وبصفته وكيلا عن زوجته قال فيها إنه وموكلته حجزا تذكرتي سفر لدى الشركة المذكورة للسفر من طرابلس إلى بنغازي دون فيها ميعاد السفر يوم 2005.2.24، وان ساعة اقلاع الطائرة هي السابعة عشر مساء. وقد حضرا إلى المطار قبل الزمن المحدد للإقلاع بنحو ساعتين ونصف، وظلا ينتظران إلى أن تم النداء بالصعود إلى الطائرة المقلعة، وذلك عند تمام الساعة الثالثة وخمسين دقيقة من صباح اليوم التالي، وقد ألحق ذلك بهما أضرارا مادية ومعنوية، وانتهى إلى طلب إلزام الشركة المدعى عليها بتعويضهما عن الضررين بالمبلغ المبين في صحيفة الدعوى.

والمحكمة قضت برفض الدعوى، فقضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وتعويضه عن نفسه وبصفته عما لحقهما من ضرر معنوي بالمبلغ المحكوم به.

قرر محامي رئيس لجنة تصفية الشركة الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف، فرفضت الطعن لإثارته دفوعا جديدة لم يسبق عرضها على محكمة الموضوع المطعون في حكمها، حيث قالت : ” إن الطعن بالنقض يعتبر خصومة خاصة منع القانون فيها على محكمة النقض إعادة نظر الموضوع للفصل فيه من جديد  وقصر مهمتها على القضاء في صحة الأحكام النهائية من ناحية تطبيقها للقانون أو مخالفتها له فيما قد عرض على محكمة الموضوع من طلبات وأوجه دفاع، ولذلك يمتنع على الطاعن والمطعون ضده أن يعرضا على محكمة النقض طلبات  أو أوجه دفاع لم يسبق لهما عرضها على محكمة الموضوع تأييدا أو رفضا للطعن.

كما ان الطعن بالنقض – على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – يعد تعييبا على الحكم المطعون فيه، ولا يستقيم التعييب على الحكم بأمور لم تطرح عليه ليقول كلمته فيها.

لما كان ذلك، وكان لا يبين من مدونات الحكم المطعون فيه، ولا من الصورة الرسمية لمحاضر الجلسات أن الطاعن سبق له وأن أثار أمام المحكمة المطعون في حكمها وما ينعى به في هذه الوجوه من أنه دفع بانقطاع الخصومة في الاستئناف، أو بأن الضرر ناتج عن سبب أجنبي لا يد له فيه، أو بأن ميعاد إقلاع الطائرة المحدد بتذكرتي السفر ليس مؤكدا. كما أنه لا يبين من أوراق الطعن أنها تضمنت صورة من مذكرة دفاع الطاعن للتدليل بها على انه طرح الدفوع سالفة البيان على المحكمة المذكورة حتى يصح القول بأنها أغفلت الرد عليها، ومن ثم فإنه لا يجوز إثارة هذه الدفوع لأول مرة أمام محكمة النقض باعتبارها أسبابا جديدة بما يستوجب عدم قبولها.

وحيث إنه متى كان ذلك، فإن الطعن يكون غير قائم على أساس، متعين الرفض “

الفصل الثاني: المنازعات الناشئة عن النقل الجوي للبضائع

أولاً: الأثر المترتب على انضمام ليبيا إلى اتفاقية وارسو وتطبيق نصوصها 

(الوقائع)

رفع المدعي دعوى على شركة الطيران الناقة لحسابه ثلاثة طرود من الذهب  المصنع على متن إحدى طائراتها من روما إلى طرابلس، وعندما تقد لجمرك طرابلس لتسلمها اتضح أنها فتحت وعبث بمحتوياتها نتج عنه نقص يقدر بمبلغ  800دينار، لذلك فإنها تسأل عن هذا العجز, فعرضت عليه مبلغ 80 دينارا وهو يمثل 10%  من قيمة العجز، فرفض هذا العرض وأقام الدعوى طالبا إلزامها بأن تدفع له 800 دينار والفوائد بواقع 5%، والمحكمة قضت له بمبلغ 800 دينار المذكور. ومحكمة الاستئناف قضت برفض الاستئناف المرفوع من الشركة وتأييد الحكم المستأنف.

طعنت الشركة بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف ناعية عليه الخطأ في تطبيق القانون، والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بتأييده الحكم المستأنف على النحو التالي :

  1. إنه لم يطبق في حقها المادة (22) من اتفاقية وارسو التي حددت مسئولية الناقل  في حالة ثبوتها بمبلغ 250 فرنكا فرنسيا عن كل كيلو جرام. وانه لم يتثبت من توافر أركان المسئولية العقدية في جانب الشركة من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما.
  2. إنه اعتبر أن عرض الشركة على المطعون ضده (المدعي) 10% من قيمة العجز إقرارا منها بقيمة العجز، في حين أن عرضها ذاك كان حفاظا على علاقتها بعميلها المذكور.

رفضت المحكمة العليا هذه المناعي مؤيدة الحكم المطعون فيه مقررة الاتي : 

  1. بشأن الوجه الأول من النعي :
    1. إن انضمام ليبيا إلى اتفاقية وارسو الموقعة في 1929.10.12 بشأن توحيد بعض قواعد النقل الجوي والمعدلة ببروتوكول لاهاي الموقع في 1955.9.28، وإلى اتفاقية جودا لاجارا الموقعة في 1961.9.18، وذلك بمقتضى القانون رقم 29 لسنة 1968 يجعلها قانونا واجب التطبيق على النقل الجوي الدولي بالمعنى الوارد في المادة 2/1 منها، وهو النقل الذي تقع فيه نقطتا القيام والوصول وفقا لاتفاق الطرفين سواء أكان هناك انقطاع للنقل أو كان هناك نقل من طائرة إلى أخرى، أم لم يكن إما في إقليم طرفين متعاقدين، او إما في إقليم طرف متعاقد متى نص على مرسى في إقليم دولة أخرى ولو لم تكن متعاقدة.
    2. ان المادة 22 من اتفاقية وارسو الموقعة في 1929.10.12 بشان توحيد بعض قواعد النقل الجوي قد حددت في فقرتها الثانية مسئولية الناقل بمبلغ 250 فرنكا (فرنسيا) عن كيلو جرام من الأمتعة المسجلة والبضائع، إلا أن المادة 8 منها أوجبت في حالة اشتمال النقل على نقطة وصول أو على مرسى في بلد غير بلد القيام أن يشتمل خطاب النقل على تنبيه يحيط المرسل منهم علما بأن النقل يخضع لأحكام اتفاقية وارسو التي تحدد بوجه عام مسئولية الناقلين في حالة ضياع أو تلف البضاعة. ونصت المادة 9 منها على أنه لا يحق للناقل أن يتمسك بأحكام الفقرة الثانية من المادة 22 إذا شحنت البضاعة برضائه على متن الطائرة دون أن يكون خطاب النقل الجوي قد أعد، أو إذا خلا هذا الخطاب من التنبيه المشار إليه في المادة 8/ج. ومؤدى هذه النصوص أنه لا يجوز للناقل أن يتمسك بالأحكام المتعلقة بتحديد المسئولية في حالة هلاك أو تلف الأمتعة والبضائع والمنصوص عليها في المادة 22 إذا كانت نقطة الوصول النهائية في بلد غير بلد القيام وذلك في حالة ما إذا شحنت البضاعة برضا الناقل على متن الطائرة دون إعداد خطاب نقل عنها، أو إذا خلا هذا الخطاب من تنبيه المرسل منه بأن النقل يخضع لأحكام اتفاقية وارسو الخاصة بتحديد المسئولية عن ضياع أو تلف البضاعة. فإذا كانت الشركة الطاعنة تمسكت بخطأ الحكم المطعون فيه لأنه قضى بمسئوليتها مسئولية كاملة بغير تحديد، وهو دفاع قانوني، إلا أنه يخالطه واقع كان يتعين عرضه على محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض، وهذا الواقع يتمثل فيما إذا كانت البضاعة قد شحنت برضا الناقل قبل اعداد خطاب النقل أم أنها شحنت بعد إعداده، وفي الأخيرة هل تضمن الخطاب البيان الخاص بتنبيه المرسل منه أم خلا من هذا البيان. وإذ يبين من الرجوع إلى الحكمين : الابتدائي والمطعون فيه أنهما خلا مما يفيد تمسك الشركة الطاعنة بهذا الدفاع فإنه لا يجوز لهما التحدي به لأول مرة أمام محكمة النقض “
  2. بشأن الوجه الثاني من النعي : ” إذا كان النص في المادة 20 من اتفاقية وارسو الموقعة في 1929.10.12 بشأن توحيد بعض قواعد النقل الجوي على أنه لا يكون الناقل مسئولا إذا أثبت أنه وتابعيه قد اتخذوا التدابير اللازمة لتفادي الضرر، أو أنه كان من المستحيل عليهم اتخاذها يدل على أن الاتفاقية تقيم قرينة على خطأ الناقل لمجرد وقوع الضرر، وإن للناقل أن يقيم الدليل على العكس بإثبات أنه وتابعيه قد قاموا بكل الاحتياطات الضرورية لمنع وقوع الضرر، أو أنه كان من المستحيل عليهم القيام بها. وكان يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه لأسبابه أنه أقام قضاءه بمسئولية الشركة الطاعنة على أنها مسئولة عن العجز في البضاعة المنقولة من وقت استلامها لها إلى الوقت الذي يتم فيه تسليمها للمرسل إليه ما لم يثبت أن العجز نتج عنه حادث طارئ أو طبيعة الأشياء أو عيبها أو وسائل حزمها، أو عن فعل المرسل أو المرسل إليه، وان الشركة الناقلة والطاعنة لم تثبت شيئا من ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد التزم صحيح القانون وأقام قضاءه على أسباب كافية لحمله ” .

ثانياً: حدود مسئولية الناقل الجوي عن الأمتعة المفقودة

(الوقائع)

رفع المطعون ضده (المدعي) دعوى ضد شركة الخطوط الجوية الليبية يقول فيها أنه اشترى منها تذكرتي سفر للأراضي المقدسة، وألصقت القسيمة بالحقائب، وعند وصوله إلى ليبيا فوجئ بعدم وجود الحقائب التي تبين له أنها ضاعت، وانتهى إلى طلب التعويض عما لحقه من ضرر في هذا الخصوص، والمحكمة قضت له بالتعويض، وتأيد قضاؤها من محكمة الاستئناف.

قرر أحد أعضاء إدارة القضايا نيابة عن الشركة الطعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف أمام المحكمة العليا ناعيا عليه مخالفة القانون الواجب التطبيق وهو اتفاقية وارسو، إذ قضى على الشركة بتعويض يفوق المنصوص عليه في هذه الاتفاقية.

استجابت المحكمة العليا لهذا النعي قائلة : ” وحيث ان هذا النعي سديد، ذلك ان الواقع في الدعوى موضوع الطعن الماثل يتعلق بنقل جوي بين دولتين كلاهما عضو في اتفاقية وارسو، وهما المملكة العربية السعودية و (الجماهيرية العربية الليبية)، وكان انضمام الأولى للإتفاقية بتاريخ 1969.4.27 والثانية بموجب القانون رقم 1968/29.

لما كان ذلك، وكانت المادة الاولى من اتفاقية وارسو لسنة 1929 المعدلة في لاهاي سنة 1955 تنص على سريان أحكام الاتفاقية على كل نقل دولي للأشخاص والأمتعة أو البضائع يتم على طائرة في مقابل أجر….الخ النص، فإن أحكام هذه الاتفاقية هي الواجبة التطبيق في الدعوى الماثلة. وحيث ان المادة 2/22 من الاتفاقية المشار إليها قد حددت مسئولية الناقل الجوي بمبلغ مائتين وخمسين فرنكا ما لم يقدم المرسل منه عند تسليم الطرد إلى الناقل إقرارا خاصا يبين فيه ما يعلقه من أهمية على تسليمه إلى المرسل إليه، وما لم يدفع مقابلا لذلك رسما اضافيا إذا لزم الأمر. لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسباب الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بإلزام الطاعن بدفع ألفين وخمسمائة دينار للمطعون ضده تعويضا له عن ضياع حقائب ملابسه الثلاث على قوله : (ان القسيمات الثلاثة الملصقة على تذكرة سفر المطعون ضده من جدة إلى طرابلس تدل على أن مندوب الخطوط الجوية الليبية بمدينة جدة قد استلم القسيمات الخاصة بالركوب للمدعي وابنه). 

وخلص الحكم من ذلك إلى قوله: (إن مسئولية الشركة تكون قد تكاملت، وان الخطأ قد وقع والضرر لحق المدعي لعدم حصوله على الحقائب التي قام بشحنها على متن طائرة الشركة المدعى عليها ولم يحصل على التعويض المناسب)، مضيفا بأن البيانات المتعلقة بالوزن والرسم الاضافي وما إذا كانت الأمتعة ثمينة ام لا قد ضاعت مع الأمتعة. وكان البين من ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يقم قضاءه على دليل يثبت أن المطعون ضده قدم إقرارا خاصا يبين فيه الأهمية التي يعلقها على أمتعته ووزنها، أو أنه دفع مقابلا إضافيا حتى وإن تجاوز المبلغ المحدد بمائتين وخمسين فرنكا, فإن الطاعن وفقا لنص المادة 2/22 السالف الذكر لا يكون مسئولا عن الحقائب المفقودة إلا في حدود المبلغ المحدد فيها بمائتين وخمسين فرنكا عن كل كيلو جرام. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وقضى للمطعون ضده بمبلغ ألفين وخمسمائة دينار تعويضا له عن حقائبه الضائعة فإنه يكون قد خالف القانون وشابه القصور في التسبيب بما يوجب نقضه “

ثالثاً: سريان اتفاقية وارسو على النقل الدولي بأجر

(الوقائع)

رفع المطعون ضده (المدعي) دعوى على الشركة الناقلة يقول فيها إنه غادر المغرب عائدا إلى ليبيا على متن طائرة الشركة (الطاعنة) وقد فقدت له حقيبة تحوي ملابس وأدوية وتقارير طبية ولم يتم العثور عليها. وانتهى إلى طلب إلزامها بتعويضه عما لحقه من أضرار بالخصوص.

والمحكمة قضت له بالتعويض. ومحكمة الاستئناف رفضت الاستئنافين المرفوعين من الطرفين وتأييد الحكم المستأنف.

قرر محامي الشركة نيابة عنها الطعن في حكم محكمة الاستئناف بطريق النقض أمام المحكمة العليا ناعيا عليه مخالفة القانون بعدم تطبيقه ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة 22 من اتفاقية وارسو المعدلة في لاهاي سنة 1955 التي تسلم بها الشركة.

والمحكمة العليا استجابت لنعي الشركة قائلة بالخصوص : ” إن هذا النعي سديد، ذلك أن الواقع في الدعوى موضوع الطعن الماثل يتعلق بنقل جوي بين دولتين هما  (الجماهيرية العربية الليبية) التي انضمت إلى اتفاقية وارسو بموجب القانون رقم 1968/29 والمملكة المغربية، فيكون هذا النقل دوليا.

لما كان ذلك، وكانت المادة الاولى من اتفاقية وارسو لسنة 1929 المعدلة في لاهاي سنة 1955 تنص على (سريان أحكام الاتفاقية على كل نقل دولي للأشخاص أو الأمتعة أو البضائع يتم على طائرة في مقابل أجر…إلخ) فإن أحكام هذه الاتفاقية هي الواجبة التطبيق في الدعوى الماثلة.

وحيث ان المادة 2/22 من الاتفاقية المشار إليها قد حددت مسئولية الناقل الجوي بمبلغ مائتين وخمسين فرنكا فرنسيا ما لم يقدم المرسل عند تسليم الطرد إلى الناقل إقرارا خاصا يبين فيه مدى ما يعلقه من أهمية على تسليمه إلى المرسل إليه، وما لم يدفع مقابلا لذلك رسما إضافيا إذا لزم الأمر.   

لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بإلزام الطاعن بدفع مبلغ ألف دينار تعويضا شاملا للمطعون ضده عن ضياع حقيبته وما حوته من ملابس وأدوية وتقارير طبية، وكذلك ما تكبده من نفقات سفر من بنغازي إلى طرابلس والمغرب والعكس وفقا للقواعد العامة في الالتزام…”

وبعد أن أوردت المحكمة العليا حيثيات الحكم الابتدائي المؤيد بحكم محكمة الاستئناف المطعون فيه في هذا الخصوص، قالت : ” وحيث يبين من ذلك أن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لم يقم قضاءه على أحكام القانون الواجب التطبيق وهو اتفاقية وارسو باعتبار ان عقد النقل المبرم بين الطرفين يخضع في الدعوى الماثلة لأحكام تلك الاتفاقية، وقضى للمطعون ضده بالمبلغ المحكوم به وفقا للقواعد العامة في الالتزام، فإنه يكون قد خالف القانون وجاء قاصرا في أسبابه بما يوجب نقضه “

رابعاً: مدى إمكانية الجمع في التعويض عن مسئولية الناقل الجوي وعن مسئولية المؤمن لديه

(الوقائع)

تعاقد الطاعن مع شركة الخطوط الجوية الليبية على نقل كمية أقمشة من المغرب إلى بنغازي، وتم شحنها على طائرة الشركة القاصدة بنغازي. وعند إقلاع الطائرة من مطار طرابلس العالمي اشتعلت فيها النار، فقضت على 15 طردا تحتوي على ما زنته 975 كيلو جرام من الأقمشة. وقد تحصل على تعويض من شركة ليبيا للتأمين وهو غير كاف لتغطية كامل الأضرار التي حاقت به والمتمثلة في تعطيل خطوط الانتاج فترة من الزمن، واستنزال قيمة قيمة العملة الصعبة المخصصة له بسبب خطأ الشركة المدعى عليها كما يدعي، لذلك فإنه يطلب إلزام الشركة بأن تدفع له مبلغ التعويض الذي حدده في  صحيفة دعواه.

والمحكمة قضت له بالتعويض. و باستئناف الشركة الحكم أمام محكمة الاستئناف قضت بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.

طعن محامي الطاعن في هذا الحكم أمام المحكمة العليا ناعيا عليه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، ذلك لأنه قضى برفض الدعوى على أساس أنه لا يجوز تقاضي التعويض مرتين عن ضرر واحد وخطأ واحد، ولأن مبلغ التعويض المدفوع له من شركة التأمين يحجب حقه في التعويض من شركة الخطوط الجوية كناقل جوي، في الوقت الذي أسس فيه الطاعن دعواه على أحكام مسئولية الناقل لأنه ملزم بتحقيق نتيجة بغض النظر عن قيام البائع أو المشتري بالتأمين على البضاعة المرسلة، فعقد التأمين مبني على تحمل المخاطر، بينما مسئولية الناقل مبنية على عدم تنفيذ عقد النقل.

استجابت المحكمة العليا لهذا النعي مقررة في هذا الخصوص : ” إن مسئولية شركة التأمين هي مسئولية عن المخاطر التي ليس لها سند في القانون المدني، يتقي بها صاحب البضاعة المرسلة جوا المخاطر التي قد تحدث بها، وهي في حقيقتها مسئولية تعاقدية بين المؤمن له وشركة التأمين، ولا علاقة لها بالمسئولية التعاقدية التي تنشأ بين المؤمن له والناقل الجوي والتي أساسها عقد النقل، وان شركة التأمين دفعت إلى المؤمن له مبلغ التأمين الذي استحق عليها الوفاء به لوقوع الخطر المؤمن منه، وبالتالي فإن هذا الوفاء من جانبها ليس إلا تنفيذا لالتزامها تجاه المؤمن له، ولا مجال مع هذا التأسيس القول بأن هذا التعويض يجبّ التعويض المستمد من عقد النقل الجوي إذا توافرت شروطه، حيث ان أساس الالتزام مختلف لاختلاف المسئوليتين على نحو ما سلف بيانه.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى برفض الدعوى تأسيسا على ان ما تقاضاه الطاعن من شركة التأمين يحجب حقه في التعويض من المطعون ضده      (شركة الخطوط الجوية الناقلة) كناقل جوي، فإنه يكون قد خالف القانون وجاء قاصرا في أسبابه مما يوجب نقضه “

الفصل الثالث: المنازعات الناشئة عن إدارة مرفق النقل الجوي في ليبيا

أولاً: سلطة شركة الخطوط الجوية في التأهيل على الطرازات المختلفة لطائراتها والنقل بينها

(الوقائع)

رفع الطاعن (المدعي) دعوى على شركة الخطوط الجوية طالبا الزامها بتأهيله على طائرة   (ايرباص 600 – 300 أو 310) وإلزامها بتعويض قدره عما لحقه من أضرار مادية. وقال بيانا لدعواه إنه بدأ العمل مع الشركة منذ عام 1974 على وظيفة مهندس جوي، وانه تم ايفاده في دورة تدريبية بغرض تأهيله كطيار تجاري، وانه اجتاز الدورة بنجاح، إلا أن الشركة أصدرت قرارا بتأهيله على أصغر طراز من الطائرات في الوقت الذي كان يجب أن يتم تأهيله على أكبر طراز من الطائرات بالنظر إلى أنه قضى مدة ثلاثة عشر ألف ساعة طيران.

والمحكمة قضت برفض دعواه. ومحكمة الاستئناف أيدت هذا الحكم، فطعن محامي الطاعن بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف ينعى عليه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب من ذلك أنه لم يراع أن الأسس التي وضعتها الشركة المطعون ضدها للتأهيل على طراز معين تنطبق عليه. كما انه اجتاز الدورة التدريبية التي أقيمت لهذا الغرض, وان رفض الشركة تأهيله على الطراز الذي طلبه يعد تعسفا من جانبها غير مبرر.

رفضت المحكمة العليا هذا النعي مبررة قضاءها بقولها : ” وحيث ان المادة 13 من قرار       (اللجنة الشعبية العامة) رقم 700 لسنة 1990 بتحديد المعاملة المالية لوظائف الأطقم الجوية ومهندسي الصيانة ومن في حكمهم من العاملين بشركة الخطوط الجوية العربية الليبية تنص في الفقرة (أ) منها على أن : (تقوم الشركة بوضع تسلسل للطرازات التي تستخدمها فعليا بدءا بأصغرها ثم الذي يليه الأكبر فالأكبر. ويعتمد هذا التسلسل بقرار من (اللجنة الشعبية العامة للمواصلات والنقل البحري) كما تنص الفقرة (ب) منها على ان : (يبدأ تأهيل الطيار أو مساعد الطيار أو المهندس الجوي على الطراز المستعمل الأصغر، ولا يجوز نقله إلى الطراز الأكبر الذي يليه إلا بعد انجاز (1500) ألف وخمسمائة ساعة طيران، بالإضافة إلى قضاء مدة لا تقل عن ثلاث سنوات خدمة على الطراز الذي يعمل عليه) وتنص في الفقرة (ه) على ان:(يعتبر التأهيل على الطرازات المختلفة والنقل فيما بينها من الأمور التقديرية المطلقة التي تقررها الشركة وفق سياستها وظروفها وبما يحقق أغراضها).

ومفاد ذلك أن الشركة المذكورة تتولى وضع تسلسل للطرازات التي تستخدمها فعليا من الطائرات بدءا من أصغرها ثم الذي يليه الأكبر فالأكبر، ويعتمد هذا التسلسل من (اللجنة الشعبية العامة للمواصلات والنقل البحري)، وأن التأهيل يبدأ على الطراز الأصغر هو والنقل إلى الطراز الأكبر الذي يليه من الأمور الجوازية للشركة التي تقررها وفق سياستها وظروفها وبما يحقق أغراضها، ولا الزام عليها في ذلك، ولو توفرت الشروط المنصوص عليها في المادة الثالثة عشرة، سالفة البيان. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد حكم محكمة أول درجة برفض طلب الطاعن إلزام الشركة المطعون ضدها بتأهيله على طائرة الحافلة الجوية (ايرباص – 600 – 300 أو 310) أكبر الطائرات لديها بدلا من طائرة الفوكر الأصغر، تأسيسا على أن الشركة المطعون ضدها هي التي تقوم بتعيين المستويات الفنية للطيار، وتحديد طراز الطائرة الذي يناسبه وفق سياستها وظروفها طبقا لنص المادة 13 من القرار 700 لسنة 1990، وان محضر اجتماع رؤساء الأقسام الذي حدد الأسس التي يتم بها تأهيل المهندسين إلى طيارين مجرد اقتراح من إدارة العمليات غير معتمد من (أمين اللجنة الشعبية العامة للمواصلات والنقل البحري)، فإنه يكون قد أقام قضاءه في هذا الخصوص على ما يحمله في غير مخالفة للقانون أو قصور في التسبيب…”

ثانياً: أثر مخالفة شركة الطيران لقانون السلامة العمالية تجاه عامليها

(الوقائع)

أقام المطعون ضده (المدعي) دعوى على شركة الخطوط الجوية الليبية التي حل محلها الطاعنان (صندوق تصفية الشركات العامة والأجهزة المنحلة، ولجنة التصرف في أصول وموجودات الشركة المذكورة) قال بيانا لها : إنه فقد حاسة السمع نتيجة تعرضه للضوضاء أثناء عمله لدى الشركة في صيانة الطائرات دون أن توفر له أدوات الأمن والسلامة، وانتهى إلى طلب الحكم بإلزامها بأن تدفع له المبلغ المبين في صحيفة دعواه تعويضا عن الضررين المادي والمعنوي اللذين لحقا به من جراء ذلك.

والمحكمة قضت له بالتعويض، ورفضت محكمة الاستئناف الإستئناف المرفوع من الجهتين المذكورتين أعلاه اللتين حلا محل الشركة.

قرر أحد أعضاء إدارة القضايا نيابة عنهما الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف ناعيا عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب من ذلك انه لم يبين الأسس والعناصر التي اعتمد عليها في تقدير التعويض، ولم يرد على دفاع الطاعنين بخصوص تقرير الخبرة، ولم يبين مضمون المستندات الني استرشد بها 

لم تقتنع المحكمة العليا بهذا النعي فرفضته مبررة قضاءها بقولها : ” إن قضاء هذه المحكمة استقر على أن تقدير الوقائع وإثبات عنصر الخطأ، وعلاقة السببية بينه وبين الضرر، وتحديد المسئول عنه، وتقدير التعويض المناسب موكول إلى محكمة الموضوع دون معقب متى أقامت قضاءها على ما يحمله من وقائع الدعوى ومستنداتها.

لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بتعويض المطعون ضده على سند من القول : (إن الخبير أثبت في تقريره أنه لا يوجد لدى المدعى عليه قسم يهتم بالسلامة من أخطار الضجيج على العاملين، وأن الواقيات المتوفرة غير مناسبة لنوعية الطائرات، وأنه لا توجد نقاط لقياس الضوضاء بالمطار، وإن مفتش الطيران المدني خلال تفتيشه على الشركة المدعى ليها لاحظ عدم توافر إجراءات الأمن والسلامة)

وخلص إلى أن إصابة المطعون ضده بفقدانه حاسة السمع كانت بسبب مخالفة رب العمل لقانون السلامة العمالية، وقدر التعويض الذي رآه كافيا لجبر الضرر، فإنه يكون قد أقام قضاءه على أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها، بما يتعين معه رفض الطعن…”

ثالثاً: مدة اختبار عامل طاقم ضيافة

(الوقائع)

اختصم الطاعن (المدعي) شركة الخطوط الجوية الليبية بموجب صحيفة دعوى ذكر فيها أنه يعمل لديها على وظيفة طاقم ضيافة، في الفترة ما بين 2004.1.21 إلى 2004.4.15، وقد قامت بفصله يدون مبرر وبدون سابق إنذار أو تحقيق، وطلب الحكم بإلغاء قرار فصله وإعادته إلى سابق عمله، مع صرف مرتباته اعتبارا من تاريخ فصله.

والمحكمة قضت له بما طلبه.

استأنفت الشركة المطعون ضدها هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف التي قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى.

قرر محامي الطاعن الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا على حكم محكمة الاستئناف ينعى عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب ذلك أنه خالف المادة 24من قانون العمل رقم 58 لسنة 1970 بقضائه بفصل الطاعن بعد اجتيازه فترة الاختبار التي لا يجوز أن تتجاوز مدة الشهر في العقد. كما اعتمد على رسالة صادرة من الشركة اللمطعون ضدها وأغفل العقد بما يعيبه ويوجب نقضه.

استجابت المحكمة العليا لهذا النعي ونقضت الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف المختصة للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى مبررة قضاءها بقولها : ” وحيث ان هذا النعي في محله، ذلك ان مقتضى نص المادة مبررة قضاءها بقولها : ” وحيث ان هذا النعي في محله، ذلك ان مقتضى نص المادة 34 من القانون رقم 58 لسنة 1970 بشأن العمل أن تحدد فترة الاختبار في عقد العمل، ولا يجوز تعيين العامل تحت الاختبار لمدة تزيد على الشهر.

لما كان ذلك،  وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن تم قبوله للعمل تحت الاختبار لمدة ثلاثة أشهر، كما استند الحكم على ما ورد برسالة الشركة المطعون ضدها من أن الطاعن قد تم قبوله تحت الاختبار لمدة ثلاثة أشهر، وبذلك فإنه خالف النص المشار إليه، وإن إثبات وجود فترة الاختبار لا يكون إلا من خلال العقد ولمدة لا تزيد على شهر.

كما أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نصوص قانون العمل هي نصوص امرة لا يجوز مخالفتها لغير صالح العامل. ومن ثم كان يتعين على الحكم أن يتحقق من مدة صلاحية الطاعن للعمل المسند إليه عن طريق أهل الاختصاص لا أن يقرر إنهاء خدماته اعتمادا على أنه كان في فترة إختبار، بما يكون معه الحكم المطعون فيه معيبا بما رماه به الطاعن حريا بالنقض “

رابعاً: الفصل التأديبي للعامل بشركة الطيران

(الوقائع)

رفع الطاعن (المدعي) دعوى ضد شركة الطيران التي يتبعها يطلب فيها إلغاء قرار فصله، وإعادته إلى سابق عمله، وصرف مرتباته من تاريخ فصله حتى ارجاعه للعمل مع التعويض.

وقال شرحا لدعواه إنه كان يعمل مع الشركة المدعى عليها، ثم إستدعي للمثول أمام مجلس التأديب، وأخطر بعد ذلك بأن المجلس أصدر قرارا بإنهاء خدماته دون مكافأة أو تعويض. وقد شاب القرار البطلان لعدم مراعاة قواعد وإجراءات الاحالة على المحاكمة التأديبية والتدرج في العقوبات.

قضت المحكمة برفض الدعوى وتأيد حكمها استئنافيا.

قرر محامي الطاعن الطعن على حكم محكمة الاستئناف بالنقض أمام المحكمة العليا ينعى عليه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب من وجهين على النحو التالي :

1. ان الحكم أغفل الرد على دفاع الطاعن ببطلان قرار فصله لعدم مراعاة الشركة لإجراءات الإحالة على المحاكمة التأديبية المنصوص عليها في المادة الرابعة من لائحة الجزاءات بالشركات والمنشات المملوكة للمجتمع، ودون مراعاة التدرج في العقوبات المنصوص عليها في تلك اللائحة، كما أن الطاعن لم يعترف بصحة الوقائع المنسوبة إليه، ولم يثبت قيامه بتزوير قسائم السفر والاستحواذ على قيمتها، ولم تقم المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق لإثبات أو نفي ذلك، فضلا عن أن الحكم اختلق سببا للفصل هو مخالفة نص المادة 3/51 من قانون العمل، مع أن قرار فصل الطاعن كان استنادا إلى المادة 6/51 من القانون المذكور.

2. ان الحكم لم يعتد بالحكم الجنائي الصادر ببراءة الطاعن مما أسند إليه مخالفا نص المادة  417 من قانون الاجراءات الجنائية، كما أخطأ الحكم في الإسناد، إذ إستخلص أسباب الحكم الجنائي أن براءة الطاعن وآخرين كانت بسبب أنهم ليسوا موظفين عموميين، مع أن ذلك الحكم أشار إلى عدم انطباق مادة الاتهام، وأنهم لم يمتنعوا عن أداة وظيفتهم، وخلص إلى براءتهم مما نسب إليهم لعدم توفر الركن المادي في حقهم.

قررت المحكمة العليا أن وجهي النعي غير محلهما، وردت عليهما بإسهاب على النحو التالي :

” وحيث ان الوجه الأول في غير محله، ذلك أن الثابت من الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه أشار إلى الأساس الذي بنى عليه الطاعن دعواه والمتمثل في أن قرار مجلس التأديب بإنهاء خدمته شابه البطلان لعدم مراعاة الشركة للقواعد والإجراءات التي يجب اتباعها للإحالة على المحاكمة التأديبية، ودون مراعاة التدرج في العقوبات، ورد الحكم على ذلك بأن الاجراءات التي اتخذت من قبل المدعى عليه بشأن فصل المدعي كانت سليمة من حيث الإجراء لموافقتها صحيح القانون، حيث كان قرار الفصل قد بُني على رأي مجلس تأديبي شكل وفقا للقانون، واتخذ إجراءاته في مواجهة المدعي طبقا لما ينص عليه القانون من حيث الإعلام والإحاطة بالمخالفة وتوفير فرص الدفاع والرد، كما جاء بالحكم ان ما قام به المدعي يعد إخلالا جوهريا بواجبات وظيفته يترتب عليه فقدان الثقة به وانعدام الأمانة الوظيفية لديه بما يكون معه بقاؤه في الوظيفة أمرا غير مقبول، وأن انعدام الأمانة لدى المستخدم يعد أمرا خطيرا على صاحب العمل يحق له بثبوته أن ينهي العلاقة الوظيفية، وخلص الحكم من ذلك إلى أن جميع الإجراءات التي اتخذت ضد المدعي بشأن فصله من العمل موافقة لصحيح القانون. وإذ كان ما أورده الحكم على هذا النحو يكفي للتدليل على صحة ما انتهى إليه بشأن سلامة إجراءات المحاكمة التأديبية ومدى التناسب بين الأفعال الثابتة في حق الطاعن والعقوبة الموقعة عليه، فإن عودته إلى المجادلة في ذلك لا تكون بالأمر المقبول.

ولما كان نعي الطاعن بأنه لم يعترف بصحة الوقائع المنسوبة إليه ولم يثبت قيامه بتزوير قسائم السفر والاستحواذ على قيمتها هو نعي مردود، ذلك أن الثابت من الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه أنه استند في ثبوت الأفعال المنسوبة للطاعن إلى القول بأنه أقر أمام مجلس التأديب بأنه قام بتدوين بيانات بقسائم المراجعة والمكتب تختلف من حيث الاسم والقيمة وخط السير عن البيانات المدونة بقسائم السفر، ونتج عن ذلك استحواذه على الفرق بين القيمة الحقيقية لوثائق السفر المدونة بقسائم السفر والقيمة المدونة بقسيمتي المراجعة والمكتب. كما أقر بأنه قام بإصدار عدد أربعين وثيقة سفر مجانية بموجب نماذج طلب وثائق سفر غير معتمدة من رئيس قسم المبيعات على النحو الثابت والمبين بالتحقيقات الإدارية التي أجريت معه بمعرفة المجلس التحقيقي الذي لم يطعن عليه المدعي بأي مطعن من حيث الموضوع أو الإجراء. وإذ كان الطاعن لم يقدم ضمن مستندات طعنه ما ينفي صدور الإقرارات التي نسبها إليه الحكم، ولا ما يفيد أنه نازع في ذلك امام محكمة الموضوع أو طلب إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ما يدعيه، فإن ادعاءه بعدم ثبوت الأفعال المنسوبة إليه يضحى مجرد قول مرسل جدير بالالتفات عنه، ويكون نعيه على عدم قيام المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق قائم على غير أساس.

ولما كان نعي الطاعن بأن الحكم أورد سندا للفصل هو مخالفة نص المادة 3/51 من قانون العمل مع أن قرار فصله كان استنادا إلى المادة 6/51 من القانون المذكور بدوره غير سديد، ذلك أن العبرة في مشروعية فصل العامل هي ثبوت توافر إحدى الحالات التي حددتها المادة 51 من قانون العمل، وأجازت بموجبها لصاحب العمل فسخ العقد دون سبق إنذار العامل ودون مكافأة أو تعويض، وإذ كانت الأفعال التي اثبتت الحكم نسبتها إلى الطاعن على النحو الذي سلف بيانه سواء وصفت بأنها خطأ نشأت عنه خسارة مادية جسيمة لصاحب العمل حسبما انتهى إليه الحكم تطبيقا للفقرة الثالثة من المادة 51 من قانون العمل، أو وصفت بأنها إخلال بتأدية الالتزامات الأساسية المترتبة على عقد العمل حسبما انتهى إليه مجلس التأديب تطبيقا للفقرة السادسة من المادة المذكورة، فإن تلك الأفعال بهذا الوصف أو ذاك تصلح مبررا لفصل المطعون ضده وتنفي عن هذا الفصل وصف التعسف الموجب للتعويض، وفضلا عن ذلك فإن رسالة مدير دائرة الشئون الإدارية والعامة بالشركة المطعون ضدها الموجهة إلى الطاعن الذي أودع صورة رسمية منها ضمن مستندات طعنه تفيد بأن مجلس التأديب استند في قراره بانهاء خدمة الطاعن، علاوة على المادة 6/51 من قانون العمل إلى كون ما نسب إليه يشكل مخالفات إدارية ألحقت أضرارا جسيمة بالشركة، وهو ما يكفل إزالة التعارض المدعى به من جانب الطاعن في تحديد سند إنهاء خدمته بين ما انتهى إليه مجلس التأديب وما قضى به الحكم، بما يكون معه هذا الوجه من الطعن من جميع جوانبه مستوجب الرفض.

2. وحيث إن الوجه الثاني في غير محله، ذلك أن مؤدي نص المادة 417 من قانون الإجراءات الجنائية أن يكون للحكم الجنائي قوة الشئ المحكوم به أمام المحاكم المدنية، ويلتزم به القاضي المدني في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم. وإذ كان الثابت من الحكم الجنائي الذي يستند إليه الطاعن حسبما يبين من صورته الرسمية المودعة ضمن مستندات طعنه أن الطاعن وآخرين قدموا إلى محكمة الجنح والمخالفات بالمادة 237 من قانون العقوبات التي تعاقب الموظف العام الذي يمتنع بدون وجه حق عن أداء عمل من أعمال وظيفته أو يهمله أو يعطله، وقد أسست المحكمة قضاءها ببراءة المتهمين على عدم انطباق هذا النص لأن المتهمين ليسوا موظفين عموميين، ولأن الواقعة المنسوبة إليهم لا تعتبر امتناعا عن أداء الوظيفة دون أن ينفي الحكم ارتكابهم لتلك الواقعة أو يقرر عدم كفاية الدليل على نسبتها إليهم، ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه من ثبوت ارتكاب الطاعن للواقعة التي تأسس عليها قرار إنهاء خدمته لا ينطوي على أية مخالفة لأحكام المادة 417 من قانون الاجراءات الجنائية سالفة الذكر، ويتعين لذلك رفض الطعن ” 

خامساً: تقادم مطالبة العاملين بشركة الخطوط الجوية الليبية بمقابل العمل الاضافي

(الوقائع)

أقام الطاعنون (المدعون) على شركة الخطوط الجوية الليبية دعوى يقولون فيها إنهم أدوا أعمالا إضافية للشركة فحاسبتهم عنها إلى أساس المرتب الأساسي دون الإجمالي خلافا للقانون مما ترتب عليه خصم جزء من مستحقاتهم دون وجه حق، وانتهوا إلى طلب ندب خبير لتحديد مستحقاتهم في هذا الشأن وإلزام الشركة بدفعها لهم. 

والمحكمة قضت بسقوط حقهم في رفع الدعوى بالتقادم، فاستأنفوا حكمها أمام محكمة الاستئناف التي قضت بالرفض وتأييد الحكم المستأنف.

قرر محامي الطاعن نيابة عنهم الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف ينعى عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه لأنه أيد الحكم الابتدائي القاضي بسقوط حق المدعين في رفع الدعوى بالتقادم تأسيسا على أن مقابل العمل الإضافي الذي يطالبون به يعتبر جزءا من المرتب، وأنه من الحقوق الدورية المتجددة التي تتقادم بخمس سنوات، وأنهم بينوا في صحيفة دعواهم بأن مسألة احتساب مقابل العمل الإضافي من اجمالي المرتب كان محل جدل قانوني، ولم يحسم الأمر بشأنها إلا مؤخرا، وهو ما ينقطع معه التقادم ويوقف سريانه.

كما أنهم دفعوا أمام المحكمة المطعون في حكمها بأن استمرار علاقة عملهم بالشركة المطعون ضدها وجهلهم بمديونيتها لهم بقيمة فروق العمل الاضافي قبل صدور الحكم به لزملائهم في   2001.8.5 يتعذر معهما سريان التقادم، ولم ترد المحكمة على هذا الدفع بما يتفق وصحيح القانون.

رفضت المحكمة العليا هذه المناعي وبررت قضاءها بقولها : ” أنه وفق نص المادة 31 من قانون العمل رقم 58 لسنة 1970، والمادة الثانية من القانون رقم 1981/15 بشأن المرتبات – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن مقابل العمل الإضافي يعد من توابع الأجر، وأن دعوى المطالبة به تتقادم بمضي خمس سنوات باعتباره من الحقوق الدورية المتجددة عملا بنص المادة 1/362 من القانون المدني، ولا يغير من طبيعة الأجر كحق دوري متجدد المجادلة في كيفية احتسابه، كما أن علاقة العمل في ذاتها لا تعد مانعا أدبيا يوقف سريان تقادم حق العامل لدى رب العمل بعد ان تدخل المشرع ونظم هذه العلاقة بمقتضى أحكام قانون العمل التي وضعت ضمانات تتيح للعامل المحافظة على حقوقه والمطالبة بها بشكل ميسر بما لا يصح معه القول بأن علاقة العمل تحول بين العامل والمطالبة بحقه لدى جهة عمله.

وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، وأيد الحكم الابتدائي الذي قضى بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم استجابة لدفع المطعون ضده بذلك تأسيسا على أن الطاعنين رفعوا دعواهم في 2003.5.22 طالبين فروق مقابل العمل الإضافي على أساس المرتب الإجمالي خلال الفترة من 1982.1.1 إلى 1991.12.31، وكانت هذه الفروق المالية تعد من الحقوق الدورية المتجددة التي تتقادم بخمس سنوات باعتبارها من توابع الأجر، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.

ولا ينال منه عدم علم الطاعنين بأن مقابل العمل الإضافي يجب أن يتم احتسابه على أساس المرتب الإجمالي دون الأساسي على فرض صحة ذلك، فإنه أيا كان الأمر بشأنه فإن دعوى المطالبة به تكون قد تقادمت على النحو السالف بيانه سواء علموا أو لم يعلموا.

وحيث أنه متى كان ذلك، فإن الطعن يكون غير قائم على أساس متعين الرفض ”  

سادساً: تفسير نص تشريعي بشأن المعاملة المالية للأطقم الجوية

(الوقائع)

أقامت المطعون ضدها (المدعية) دعوى ضد شركة الخطوط الجوية الليبية ذكرت فيها أنها تعمل مضيفة جوية لديها منذ عام 1985. وقد أصدر مفوض الشركة قرار بإنهاء خدماتها بدعوى أنها بلغت السّنّ التي يجوز فيها إنهاء خدماتها استنادا إلى قرار (اللجنة الشعبية العامة) رقم 1990/700 بشأن تحديد المعاملة المالية لوظائف الأطقم الجوية، وانتهت إلى طلب وقف تنفيذ قرار إنهاء خدماتها مع ما يترتب عليه من آثار.

والمحكمة قضت بمطلوبها، وبصرف مرتباتها من تاريخ الفصل من العمل ولحين الفصل في الموضوع…

ومحكمة الاستئناف أيدت الحكم المستأنف، فقرر أحد أعضاء إدارة القضايا الطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا نيابة عن الشركة، ناعيا عليه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، والقصور في التسبيب من وجهين : 

الأول : ” ان المادة 16 من (قرار اللجنة الشعبية العامة) رقم 1990/700 بشأن تحديد المعاملة المالية للأطقم الجوية أجازت للشركة إنهاء خدمات المضيفة ببلوغها سن الخامسة والثلاثين، وأن الشركة غير ملزمة بنقل من انتهت خدماتهم إلى وظيفة أخرى، لأن ذلك خاضع لسلطتها التقديرية ومدى الحاجة إلى عمله في وظيفة إدارية شاغرة. ثم ان المطعون ضدها لا يجوز تشغيلها في وظيفة إدارية طبقا للقرار رقم 1981/1341 لكونها من حملة الشهادة الإعدادية، والشركة لا تتولى تدبير فرص عمل لمن انتهت خدماتهم، وقد تكفلت المادة  38 من قانون الضمان الاجتماعي بمعالجة أوضاع من انتهت خدماتهم لأسباب قانونية، وان الموافقة المبدئية لنقلها من رؤسائها إجراء تمهيدي لم يصدر به قرار نهائي من المختص بذلك.

الثاني : ان الحكم المطعون فيه لم يرد على دفوع الشركة الطاعنة الجوهرية واكتفى بالإحالة على الحكم المستأنف باعتباره قد تكفل بالتصدي لما اثارته من دفوع، وهو ما يعيب الحكم.

رفضت المحكمة العليا هذين النعيْين، وردت عليهما بالأتي :

أولا : بشأن النعي الأول : ” ان المستفاد من نص المادة 16 من (قرار اللجنة الشعبية العامة) رقم 1990/700 بتحديد المعاملة المالية لوظائف الأطقم الجوية بشركة الخطوط العربية الليبية ان إنهاء خدمة المضيفة الجوية ببلوغها سن الخامسة والثلاثين إنما ينصرف إلى عملها في الخدمة الجوية ولا يتعداه إلى إنهاء علاقة العمل في ذاتها، بما يتعين معه على الشركة إذا رأت أن المضيفة الجوية لم تعد مناسبة للعمل في الضيافة الجوية ببلوغها سن الخامسة والثلاثين أن تنقلها إلى أي عمل اخر يناسبها لديها. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد حكم محكمة أول درجة فيما انتهى إليه من القضاء بإلغاء قرار إنهاء خدمات المطعون ضدها وإعادتها إلى سابق عملها أو إلى وظيفة أرضية مناسبة، فإنه يكون صحيح النتيجة قانونا، ويضحى النعي عليه في سببه الأول في غير محله.

ثانيا : بشأن النعي الثاني : ” إن (محامي الشركة) لم يبين ماهية الدفوع التي وصفها بأنها جوهرية حتى تتمكن هذه المحكمة من معرفة ما إذا كانت جوهرية حتى تلتزم محكمة الموضوع الرد عليها، أو انها غير جوهرية ولا تستلزم ردا خاصا منها، بما يجعل هذا النعي مجهلا وغامضا لا يقبل طرحه أمام هذه المحكمة…”

سابعاً: الطعن في تقرير خبير غير متخصص في شئون الطيران

(الوقائع)

رفع المطعون ضدهم (المدعون) دعوى على شركة الخطوط الجوية الليبية قالوا فيها إنهم التحقوا بالعمل لديها كطيارين على درجة قائد تحت التمرين، وحينما صدر قرار (اللجنة الشعبية العامة) رقم 1985/176 بتنظيم ممتلكات خطوط (الجماهيرية) لم تراع الشركة الأحكام المعمول بها في تصنيف الطيارين بأن تمنحهم الدرجات التي تناسب مؤهلاتهم وخبراتهم وفق أحكام القانون رقم 15 لسنة 1981 والتشريعات ذات العلاقة، وانتهوا إلى طلب الحكم بإلزام الشركة بمساواتهم بزملائهم ومنحهم درجة قائد طيار (707) منذ سنة 1985، وإجراء التسوية المالية لكافة حقوقهم وتعويضهم بمبلغ مائتي ألف دينار لكل واحد منهم.

والمحكمة قضت لهم بالتسوية ودفع مستحقاتهم عنها مع التعويض. استأنف الطرفان هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف التي قضت برفضهما.

قرر أحد أعضاء إدارة القضايا نيابة عن الشركة الطعن فيه بالنقض أمام المحكمة العليا ناعيا عليه القصور في التسبيب بقوله : ” إنه طلب في صحيفة استئنافه إعادة الخبرة وإسنادها إلى ذوي اختصاص وكفاءة، ووجه عدة مطاعن لتقرير الخبرة، إلا أن المحكمة عولت عليه ولم ترد على دفاعه، ولم تستبدل الخبير “.

استجابت المحكمة العليا لهذا النعي ونقضت الحكم المطعون فيه مبررة قضاءها بقولها : ” ان المشرع حين أعطى للمحكمة صلاحية الاستعانة بالخبراء إنما قصد الخبراء المتخصصين فيما يوكل إليهم من مهام فنية يصعب على المحكمة إدراكها. وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن بصفته (الممثل القانوني لشركة الخطوط الجوية الليبية) دفع بأن الخبير المنتدب غير متخصص في مجال الطيران، وطلب إسناد المأمورية إلى خبير مختص، وقد رد الحكم على الدفع والطلب بقوله : (…ان تقرير الخبرة أوضح أن الخبير قام بمكاتبة مصلحة الطيران المدني، واستوضح منها بعض الأمور، وقامت بالرد على ذلك برسالتها المؤرخة 1992.10.19، واستخلص منها أحقية المستأنفين لبعض طلباتهم، ومن ثم يكون التقرير مبنيا على نتيجة صحيحة تستند على رأي الخبرة…) وهو رد من الحكم غير سديد، ذلك أنه لم يجحد أن الخبير المنتدب غير متخصص بما أوكل إليه من مأمورية، ورغم ذلك لم يستجب لطلب استبداله، وعول على التقرير الذي أعده، وهو ما يجعله معيبا، ولا يغنيه في ذلك إشارته إلى استطلاع الخبير لرأي مصلحة الطيران المدني واستخلاصه منه أحقية المستأنفين لبعض طلباتهم، إذ أنه لم يبين ماهية رأي تلك المصلحة، ولا وجه استخلاص الخبير لما انتهى إليه منه حتى يمكن الوقوف على صحة ذلك الاستخلاص أو عدمه، ومدى سلامة تطبيق الحكم للقانون مما يصمه بعيب القصور في التسبيب، ويوجب نقضه “

ثامناً: سلطة المحكمة في تقدير أدلة الدعوى

(الوقائع)

أقام المطعون ضده (المدعي) دعوى ضد شركة الخطوط الجوية الليبية قال فيها : إنه كان يعمل في وظيفة (مضيف جوي)، وقد أصيب في ركبته أثناء التمرين بفريق كرة القدم التابع للشركة. وقررت اللجنة الطبية عدم لياقته للعمل كمضيف جوي. وبناء عليه قررت الشركة إنهاء خدماته اعتبارا من تاريخ الاصابة في 1992.10.1 وسحب ترخيص الضيافة الجوية منه. ثم أعيد للعمل بالشركة في وظيفة أرضية وعندما رفضت الشركة منحه القيمة المحددة بمبلغ خمسة وعشرين ألف دينار بموجب قرار مفوض عام الشركة لمن يفقد ترخيص الضيافة الجوية، فقد أقام دعواه طلب في ختامها إرجاعه إلى سابق عمله وصرف مرتباته على ذلك الأساس اعتبارا من 1992.10.1 وإعادة عرضه على اللجنة الطبية لتحديد نسبة عجزه وتحديد إصابته، ومدى تأثيرها على لياقته، والحكم له بمبلغ خمسة وعشرين ألف دينار…

والمحكمة قضت بإلزام الشركة بأن تدفع له خمسة وعشرين ألف دينار عن فقده ترخيص الضيافة الجوية، ورفض ما عدا ذلك من طلبات.

استأنفت الشركة هذا الحكم فقضت محكمة الاستئناف برفضه وتأييد الحكم المستأنف.

قرر أحد أعضاء إدارة القضايا نيابة عن الشركة الطعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف أمام المحكمة العليا ينْعى عليه مخالفة القانون والقصور في التسبيب، وبيان ذلك :

1. ان الحكم المطعون فيه أسس قضاءه على ما ورد بالقرار رقم 1992/337 الصادر من الطاعن (الشركة) في حين أن نطاق الحماية التأمينية فيما يتعلق بفقد تراخيص المهنة لا يشمل في السابق طاقم الضيافة الجوية، وأن القصد من إصدار القرار وضع ضوابط وأسس التعاقد مع شركة  التأمين، وأن المعول عليه في تطبيق القرار سالف الذكر بما اتفق عليه مع شركة التأمين وتم التعاقد معها بموجب وثيقة التأمين الصادرة في 1993.10.1 وبمبلغ أقل، وهي لا تسري بأثر رجعي، لأن قرار اللجنة الطبية بعدم لياقته الصحية صدر بتاريخ 1993.3.17، وإصابته بتاريخ 1992.2.10 كانت سابقة على سريان وثيقة التأمين وبالتالي ليس له الحق فيما يطالب به. وكان على الحكم أن يطبق بنود وثيقة التأمين، وهي أساس المطالبة التي تقوم على قواعد الاشتراط لمصلحة الغير. وقد سبق أن دفع بذلك أمام المحكمة المطعون في قضائها، ولو تحققت منه لتغير وجه الرأي في الدعوى.

2. ان المحكمة المطعون في حكمها اكتفت بما ورد في تقرير الخبرة من أن الخبير قام باعلان الخصوم بموعدها، ولم ترد على دفع الطاعن ببطلانها لعدم إعلانه بموعد إجرائها، مما يعد إخلالا بحق الدفاع مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.

رفضت المحكمة العليا هذه المناعي وردت عليها بقولها : ” أن الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أن المطعون ضده اختصم الطاعن بصفته، ومن بين ما يطالب به الحكم له بإلزامه بأن يدفع له مبلغ خمسة وعشرين ألف دينار قيمة فقده ترخيص الضيافة الجوية، وان أساس المطالبة هو القرار رقم 1992/337 الصادر من الطاعن في 1992.5.3، وقد استند الحكم فيما قضى به إلى هذا القرار، وأورد في ذلك ما مفاده أن المطعون ضده من بين الفئات الخاضعة لأحكامه والمستفيدة منه، لأن مادته الرابعة أضافت أطقم الضيافة الجوية إلى وثيقة فقد ترخيص الطيران، وحددت قيمتها بخمسة وعشرين ألف دينار، وان فقد المطعون ضده ترخيص الضيافة تم في ظل العمل بأحكام ذلك القرار وقبل إلغائه في 1994.8.22. والعبرة بتاريخ فقد الترخيص بعد أن قررت اللجنة الطبية عدم لياقة المدعي (المطعون ضده) في 1993.3.17. وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن دعواه قد استوفت أدلتها وتعين القضاء بما هو وارد في المنطوق.

لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم يؤدي إلى ما أنتهى إليه وفي استخلاص سائغ، ويعد صحيحا ما دام الطاعن لم يثبت العكس. ولا ينال من ذلك ما يثيره الطاعن بشأن تطبيق وثيقة التأمين المبرمة مع شركة ليبيا للتأمين وعدم دعوة الخبير الخصوم لحضور عملية الخبرة، ذلك أن الحكم المطعون فيه لم يتأسس على وثيقة التأمين، ولا على تقرير الخبرة، وإنما استند في قضائه إلى القرار سالف الذكر بما يكون معه هذا الوجه من النعي غير منتج في الدعوى، ويضحى الطعن برمته غير قائم على أساس بما يتعين معه رفض الطعن ”   

تاسعاً: وجوب التزام محكمة الإحالة بحكم النقض في المسائل القانونية

(الوقائع)

أقام المطعون ضده (المدعي) دعوى يقول فيها إنه كان يعمل بخطوط (الجماهيرية) للنقل الجوي كمساعد طيار على طائرة بوينغ 707، ونقل إلى الشركة الطاعنة التي ميزت بينه وبين العاملين لديها أصلا من طيارين ومساعدين ومهندسين، وانتهى إلى طلب إلزامها بمعاملته ماليا من تاريخ نقله إلى تاريخ 1990.9.1 وفق أحكام اللائحة الداخلية للشركة، ودفع الفروق التي قدرها، وتسوية وضعه الوظيفي عن الفترة اللاحقة وفق قرار (اللجنة الشعبية العامة) رقم 1990/700 مع دفع الفروق والتعويض.

والمحكمة قضت بتسوية وضعه الوظيفي ودفع فروق التسوية والتعويض.

استأنف الطرفان هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف التي قضت برفضهما وتأييد الحكم المستأنف.

وبإعادة القضية إلى محكمة الاستئناف بعد نقض حكمها من المحكمة العليا قضت الهيئة الجديدة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض للمدعي وتأييده فيما عدا ذلك.

قرر أحد أعضاء ادارة القضايا نيابة عن الشركة الطعن في هذا الحكم بالنقض أمام المحكمة العليا ناعيا عليه القصور في التسبيب لأن سبب نقض الحكم السابق في ذات الاستئناف من قبل المحكمة العليا أنه جاء قاصرا لعدم رده على دفوع الطاعن (دفاع الشركة) المتعلقة بتقرير الخبير، ولم تتقيد المحكمة المطعون في حكمها بذلك، ولم ترد على أسباب الاستئناف المتعلقة بالتقرير، بل لم تشر اليها بما تكون معه قد خالفت مبادئ المحكمة العليا.

قررت المحكمة العليا سداد هذا النعي قائلة : ” أن نص المادة 357 من قانون المرافعات يلزم محكمة الاحالة أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها هذه المحكمة، وأنه – وان كان نقض الحكم للقصور في التسبيب لا يعتبر فصلا في مسألة قانونية ملزما لمحكمة الموضوع – إلا أن القضية عندما تعاد إليها لهذا السبب يكون عليها مراعاة ذلك بأن تقيم قضاءها على أسباب وافية ومبررة لما تقضي به.

لما كان ذلك، وكان يبين من حكم المحكمة العليا في الطعن رقم (44/182 ق) السابق          (المودعة صورته ملف الطعن) والمقام من ذات الطاعن بصفته (دفاع الشركة) على الحكم الصادر في ذات الاستئناف رقم  (41/948) بتاريخ 1996.11.13أن المحكمة العليا انتهت إلى نقض الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية إلى محكمة الاستئناف للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى، وكان مبنى النقض أن رد الحكم المطعون فيه والحكم المستأنف المؤيد له على ما أثاره الطاعن حول تقرير الخبير الذي اتخذه الحكم أساسا لقضائه جاء قاصرا لا يكفي للرد على المطاعن المثارة في الخصوص، وقد قام الطاعن بتحريك الدعوى مجددا أمام الهيئة التي أصدرت الحكم المطعون فيه في الطعن الماثل والذي انتهى إلى الغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض للمطعون ضده وتأييده في الشق المتعلق بتسوية الوضع الوظيفي له.

وحيث ان الحكم الابتدائي المؤيدة أسبابه بالحكم المطعون فيه استند في قضائه بتسوية الوضع الوظيفي للمطعون ضده إلى ما ورد بتقرير الخبير المنتدب والذي دفع الطاعن أمامها بشأنه أن الخبير تجاوز المأمورية المكلف بها، وخاض في أمور فنية تخرج عن اختصاصه، وأنه يبين من مدونات الحكم الابتدائي أن المحكمة ردت على هذا الدفع بأن الخبير تقيد بالمأمورية، وقد قررت المحكمة العليا في الطعن رقم (44/182 ق) المشار إليه أن هذا الرد جاء قاصرا، فإنه كان على المحكمة المطعون في حكمها عند إعادة القضية للفصل فيها مجددا من هيئة أخرى أن تتدارك هذا القصور وتورد في أسبابها ما يبرر قضاءها بتأييد الحكم المستأنف في اسناد قضائه لتقرير الخبير، وترد على ما أثاره الطاعن حوله من دفوع جوهرية، إلا أن المحكمة بعد أن بررت رفض طلب تعويض المطعون ضده لأنه لم يطلبه، وقضت بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من تعويض تناولت الرد على بقية أسباب الاستئناف بقولها : (ان الحكم كان في محله, وصادف صحيح القانون، وكل من المستأنفين لم يأتيا بجديد من شأنه النيل من الحكم المستأنف فيما عدا ما سلف بيانه)، فإن ما أورده الحكم المطعون فيه ومن قبله الحكم الابتدائي المؤيد له على هذا النحو لا يصلح ردا على الدفوع المثارة حول تقرير الخبير الذي كان أساسا للقضاء بتسوية الوضع الوظيفي للمطعون ضده، وهي دفوع جوهرية كان على المحكمة أن تتصدى لها بالرفض أو القبول، أما وقد التفتت عن ذلك فإن حكمها يكون مشوبا بالقصور بما يوجب نقضه…”

وأحالت المحكمة العليا القضية إلى محكمة الاستئناف المختصة لنظرها مجددا من هيئة أخرى.

عاشراً: وجوب تقديم سند الإنابة في الإنابة الاتفاقية

(الوقائع)

أقام المطعون ضدهم (المدعون) دعوى ضد شركة الخطوط الجوية الليبية قالوا فيها أنهم يعملون لديها، وقد أدوا عملا إضافيا لصالحها لصالحها، وطالبوا بندب خبير حسابي لتحديد مستحقاتهم القانونية عن ذلك وإلزام الشركة بدفعها لهم.

والمحكمة قضت لهم بالمبلغ المرقوم قرين اسم كل منهم وفق ما ورد بتقرير الخبرة.

ومحكمة الاستئناف أيدت الحكم المستأنف في قضائه، ورفضت الاستئناف المرفوع من الشركة المذكورة.

قرر أحد أعضاء إدارة القضايا الطعن بالنقض أمام المحكمة العليا في حكم محكمة الاستئناف نيابة عن الشركة.

قضت المحكمة العليا بعدم قبول الطعن شكلا لعدم إنابة الشركة إدارة القضايا بالطعن بالنقض عنها، مقررة في هذا الخصوص : ” حيث إنه عن شكل الطعن فإن المادة (342) من قانون المرافعات تنص في فقرتها الأولى على أن (يحصل الطعن بتقرير يكتب في قلم كتاب محكمة النقض، ويوقعه المحامي المقبول أمامها الموكل عن الطالب، ويشتمل التقرير علاوة على البيانات العامة…..).

ويستفاد من ذلك أن المحامي الذي يقرر بالطعن يجب أن يكون موكلا عن الطاعن، ولإثبات صفته في التقرير بالطعن يجب أن يقدم سند إنابته أو صورة منه حتى يتسنى للمحكمة مراقبة حدود طلب الإنابة، وما إذا كان المحامي الذي قرر بالطعن مخولا بالحق في هذا الإجراء، ولا تختلف إدارة القضايا عن غيرها من الخصوم بالنسبة للجهات التي تنوب عنها نيابة اتفاقية في وجوب إيداع سند إنابتها عن الجهة الطاعنة أو المطعون ضدها حتى يتسنى للمحكمة التحقق من وجود الإنابة وحدودها وسريانها في تاريخ التقرير بالطعن.

ولما كانت أوراق الطعن قد خلت مما يفيد إنابة إدارة القضايا عن الشركة الطاعنة، وهي من الجهات التي لا تنوب عنها إدارة القضايا بنص القانون، وإنما إنابة اتفاقية، فإن الطعن يكون مقاما من غير ذي صفة، ويتعين عدم قبوله ”   

المصادر  

  1. طعن مدني رقم 5/27 ق تاريخ 1983.5.23 مجلة المحكمة العليا – السنة 32 – العدد 1،2،3،4 – ص 25.
  2. طعن مدني رقم 707/50 ق تاريخ 2006.7.5 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2006 – ج3 – ص 1596. 
  3. وطعن مدني رقم 110/37 ق تاريخ 1989.5.18 مجلة المحكمة العليا – السنة 28 العدد  3و4 ص 181.
  4. طعن مدني رقم 1888/56 ق تاريخ 2014.2.27 مجلة المحكمة العليا السنة 47 العدد 1 و 2 ص 78. 
  5. طعن مدني رقم 110/37 ق تاريخ 1989.5.18 – مجلة المحكمة العليا – السنة 28 – العدد 3 و 4 ص 181. 
  6. طعن مدني رقم 23/36 ق تاريخ 1991.11.18 – مجلة المحكمة العليا – السنة 28 – العدد 1 و 2 ص 175.
  7. وطعن مدني رقم 382/44 ق تاريخ 2002.11.2 مجموعة أحكام المحكمة العليا. قضاء مدني 2002 ج 2 ص 621. 
  8. طعن مدني رقم 382/44 ق تاريخ 2002.11.2 مجموعة أحكام المحكمة العليا. قضاء مدني 2002 – ج 2 – ص 621.
  9. طعن مدني رقم 46/448 ق تاريخ 2003.7.12 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2003 – ج2 – 1015.
  10. طعن مدني رقم 855/52 ق تاريخ 2008.2.2 مجوعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2008 – ج 1 – ص 457.
  11. طعن مدني رقم 262/43 ق و 854/43 ق تاريخ 2002.12.28 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2002 – ج2 – ص 806.
  12. طعن مدني رقم 725/52 ق تاريخ 2008.1.12 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2008 – ج1 – ص 230.
  13. وإن كانت تلك الدعوى ليست شركة الطيران طرفا فيها، إلا أنها تتعلق بمنازعة ناتجة عن حادث طيران كان طرفاها ورثة المتوفى وشركة التأمين.
  14. طعن مدني رقم 47/395 ق – تاريخ 2004.6.20 مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2004 – ج3 – ص1304. 
  15. طعن مدني رقم 49/250 ق تاريخ 2005.5.30 مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2005 – ج2 – ص 448. 
  16. طعن مدني رقم 49/161 ق – تاريخ 2005.5.30 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2005. ج2 ص495. 
  17. وطعن مدني رقم 50/161 ق – تاريخ 2006.3.27 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2006 – ج2 – ص790. 
  18. طعن مدني رقم 51/187 ق – تاريخ 2006.7.26 – مجموعة أحكام المحكمة العليا –قضاء مدني 2006 – ج3 – ص1650. 
  19. طعن مدني رقم 53/201 ق – تاريخ 2008.3.15 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2008 – ج2 – ص848.
  20. تنص المادة 2/375 من القانون رقم 23 لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري – المنشور في مدونة التشريعات – عدد خاص – سنة 10 تاريخ 2010.8.21 – الذي حل محل القانون السابق رقم 9 لسنة 1992 بشأن مزاولة الأنشطة الإقتصادية على أنه : ” ويجوز للشركات الأجنبية فتح فروع أو مكاتب تمثيل لها في ( الجماهيرية ) بموجب إذن من الأمين المختص. وتحدد المجالات التي يسمح فيها بفتح فروع ومكاتب التمثيل، وكذلك مدة الإذن، وشروط تجديده بقرار من الأمين المختص “.
  21. طعن مدني رقم 51/699 ق تاريخ 2007.4.15 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2007 – ج2 – ص1050.
  22. طعن مدني رقم 55/1668 ق تاريخ 2012.3.15 – غير منشور.
  23. طعن مدني رقم 56/857 ق تاريخ 2013.5.20 غير منشور.
  24. طعن مدني رقم 52/355 ق  تاريخ 2007.11.24 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2007 – ج 5 – ص2092.
  25. طعن مدني رقم 55/1590 ق – تاريخ 2012.1.12 – غير منشور
  26. طعن مدني رقم 21/156 ق – تاريخ 1976.5.30 – مجلة المحكمة العليا – السنة 13 – العدد2  – ص89.
  27. طعن مدني رقم 37/104 ق – تاريخ 1992.6.8 – مجلة المحكمة العليا – السنة 28 – العدد3 و 4 – ص 198.
  28. طعن مدني رقم 37/87 ق – تاريخ 1992.11.2 – مجلة المحكمة العليا – السنة 29 – العدد 1و2 – ص93.
  29. طعن مدني رقم 45/14 ق – تاريخ 2003.1.6 – مجموعة أحكام الحكمة العليا – قضاء مدني 2003 – ج1 – ص104.
  30. طعن مدني رقم 48/52 ق – تاريخ 2004.7.17 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2004 – ج3 – ص 1445.
  31. طعن مدني رقم 55/1201 ق – تاريخ 2012.1.2 – غير منشور.
  32. تنص المادة (69) من القانون رقم 12 لسنة 2010 بشأن علاقات العمل الساري حاليا الذي حل محل القانون رقم 58 لسنة 1970 المشار إليه في المتن على أن : ” مدة الاختبار ثلاثون يوم عمل فعلي تبدأ من تاريخ مباشرة العامل للعمل. ويعتبر انقضاء فترة الاختبار دون صدور قرار بإنهاء العقد بمثابة تثبيت له في العمل “.
  33. طعن مدني رقم 54/1066 ق – تاريخ 2010.6.1 – مجلة المحكمة العليا – السنة 45 – العدد3و4 – ص128.
  34. طعن مدني رقم 44/385 ق- تاريخ 2001.3.12 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2001 – ج1 – ص150. 
  35. ألغي القانون رقم 15 لسنة 1981 بشأن المرتبات بموجب القانون رقم 12 لسنة 2010 بشأن علاقات العمل الذي سبقت الإشارة إليه.
  36. طعن مدني رقم 53/368 ق – تاريخ 2008.4.1 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني – 2008 – ج3 – ص1078. 
  37. طعن مدني رقم 47/138 ق – تاريخ 2004.3.20 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2004 – ج2 – ص684. 
  38. طعن مدني رقم 44/200 ق – تاريخ 2003.1.4 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2004 – ج1 – ص92. 
  39. طعن مدني رقم 43/200 ق – تاريخ 2001.6.30 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2001 – ج2 – ص586. 
  40. طعن مدني رقم 47/599 ق – تاريخ 2005.1.17 – مجموعة أحكام المحكمة العليا – قضاء مدني 2005 – ج1 – ص105. 
  41. طعن مدني رقم 50/350 ق – تاريخ 2006.5.15 – غير منشور.

الإهداء

إلى روح والديً وإخوتي

المؤلف

تمهيد وتقسيم

راودتني فكرة تجميع أحكام المحكم العليا الليبية الصادرة في المنازعات المتعلقة بنشاط النقل الجوي للأشخاص والبضائع في البلاد وخارجها، وكذلك المنازعات المتصلة بإدارة المرفق الجوي في ليبيا بغية التيسير على الباحث عنها في الرجوع إليها للاستفادة منها، خاصة وأن المبادئ التي ترسيها المحكمة العليا في أحكامها تعد ملزمة لجميع المحاكم وكافة الجهات الأخرى في الدولة تطبيقا لنص المادة (31) من القانون رقم 6 لسنة 1982 بإعادة تنظيم هذه المحكمة، لذلك عقدت العزم على تنفيذ هذه الفكرة بأن استعرضت أعدادا كبيرة جدا من مجلة المحكمة العليا المنشورة وغير المنشورة، وبعد قدر غير يسير من العناء عثرت على عدد قليل جدا منها في مجال البحث. وقد كان لقرار مجلس الأمن رقم 748 بتاريخ 21 مارس 1992 الذي تضمن أحد نصوصه إلتزام جميع الدول بفرض حصار جوي على ليبيا يتمثل في حظر الطيران من ليبيا أو إليها الذي دام مفعوله زمنا طويلا، أثره الواضح في قلة الأحكام الصادرة في منازعات النقل الجوي الخارجي التي أمًلت إيلاءها اهتماما خاصا في هذا الشأن.

والحصيلة القليلة التي عثرت عليها كما ذكرت، رأيت تضمينها هذا المؤلف بإيراد وقائع القضية وحكم محكمتي البداية والاستئناف ومناعي الطاعن، وذلك بصورة موجزة، وقضاء المحكمة العليا فيها كما هو، فقسمت موضوع الكتاب إلى ثلاثة فصول على النحو التالي:

ولله ولي التوفيق

المؤلف